معاناة فتى معاق مسجون بتهمة "قيادة جماعة إرهابية" في مصر
في العاصمة المصرية القاهرة التي تضجّ بالازدحام، حيث تتشابك الخطى على الأرصفة، سُحبت الحرية من جسد هشّ، وأُغلقت الأبواب لتطوي خلفها قلباً صغيراً، وجسداً واهِناً لا يقوى حتّى على فتح باب غرفة. محمد وليد محمد عبد المنعم، شاب في التاسعة عشرة، قصير القامة، مُصاب بإعاقات جسدية مزمنة عدّة، ومحبوس احتياطياً في سجون مصر، تحديداً في سجن وادي النطرون بتهم لا يقدر على نطقها.
في 24 إبريل/ نيسان 2024، اعتقل عبد المنعم أمام جامعة النيل الأهلية، حيث كان على وشك أن يخطو عابراً الطريق نحو بوابات الجامعة، ليلتحلق بها آملاً أن تقوده للحياة، تحوّلت خطواته فجأة لتقوده إلى السجن، في مشهد اعتقال لن يُمحى من وجدانه، ليبدأ فصلاً جديداً من المعاناة التي تجاوزت حدود المعقول والرحمة. لم تكن يده تحمل سلاحاً، ولا أطلقت حنجرته هتافاً. كان يحمل جسداً ضعيفاً فحسب، وسجلاً طبياً يفيض بالتقارير؛ خلل حاد في العمود الفقري، واعوجاج دائم به، وإعاقة تامة في الذراع اليسرى، وضمور في القدم اليسرى، مع كبر غير طبيعي في حجم الجمجمة، وضعف شديد في عضلة القلب والرئتين، ومضاعفات أخرى تعني أن مجرد البقاء على قيد الحياة هو تحدٍّ يومي. ورغم ذلك، اتُهم محمد بتولي قيادة جماعة إرهابية وتمويلها، ومعتقل منذ هذا الوقت بتلك التهمة، ويجري التجديد له دورياً كلما عُرض على النيابة العامة وطالَعَتْه وعاينت حالته، ثم تجدد حبسه على ذمة ذات القضية، "قيادة جماعة إرهابية"، بحسب المحاميَين نبيه الجنادي وطارق العوضي.
"أي عبث هذا؟"... يتساءل حقوقيون على صلة بالملف، وهم يعرضون صورة تظهر محمد على سرير مستشفى السجن، إذ جسده النحيل ممدّد تحت رداء أزرق، وعيناه مغمضتان كأنهما تبحثان عن قليل من الأمان. وفي صورة أخرى، وجهه منتفخ وكدمات سوداء تحيط بعينيه، لسانه خارج فمه لا إرادياً، في مشهد يصرخ استغاثة. من داخل الزنزانة، لا تصل كلمات محمد، لكن تصل صرخات جسده، ورجاءات والدته التي لم تنقطع منذ اليوم الأول. تقول أسرته إنّ "محمد لا يستطيع أن يقضي حاجته بمفرده، لا يقدر على الحركة وحده، فكيف يُتهم بإدارة أي شيء؟!"، ورغم كل هذه المعطيات، فإن نيابة أمن الدولة قررت حبسه على ذمة القضية رقم 2806 لسنة 2024، وهو منذ أكثر من 15 شهراً خلف القضبان، محروماً من الرعاية، ومُحاصراً بالبرد والإهمال والاتهام.
وفي تعليقات أسفل منشور المحامي نبيه الجنادي الذي تناول قضية المعاق المسجون، منشورات متضامنين على "فيسبوك" تحوّلت إلى صرخات إلكترونية. يقول أحد المعلقين: "هذا ليس عدلاً، هذا ليس قانوناً، هذا انهيار أخلاقي وإنساني كامل!"، وكتب أحدهم: "في مصر مآسٍ أكبر، لكن مأساة محمد تختصر كل شيء: طفل لا حول له ولا قوة، محكوم عليه بالموت البطيء بلا ذنب"، شهادة أخرى لجارٍ يعرف حالة مشابهة، قال فيها: "أقسم بالله العظيم، أعرف شاباً عنده تأخر عقلي، سُجن أكثر من خمس سنوات رغم تقارير الطب الشرعي، ولم يشفع له مرضه أو عجزه، محمد يعيش المصير ذاته"، وتساءل معلقون: "أين صوت العدالة؟"، "أين موقع الإنسانية من تلك الأوراق الرسمية التي وُقّعت ببرود، والتي حملت تهماً منسوخة، تُنسَخ على مئات الأجساد المتعبة؟"، "أليس من القانون أن يُفرَج عن المحبوس احتياطياً إذا ثبت أن حالته الصحية لا تحتمل البقاء في السجن؟"، "ألا يكفي أن محمد لم يتمكن يوماً من ممارسة حياته كأقرانه، حتى يُحكم عليه بمصير أسوأ من المرض نفسه؟".ونشرت أسرة محمد برقية استغاثة للرئاسة المصرية تُطالب بإخلاء سبيله عاجلاً؛ نظراً لحالته الصحية، كما نشرت منشورات على وسائل التواصل توضح حالته وموقفه، مؤكدة أنه لا توجد أي دلائل على تورطه في نشاط سياسي أو تنظيمي فعلي. ويُعتقد بين حقوقيين ومتابعين أن التهمة ملفّقة ضمن سياق واسع من الاعتقالات العشوائية.
اجمالي القراءات
38