داعية سعودي يطالب بجلد الصحافيين "المتطاولين" على العلماء
وصفهم بـ"الفسقة" ودعا إلى سجنهم ..
داعية سعودي يطالب بجلد الصحافيين "المتطاولين" على العلماء
الدمام - إيمان القحطاني
طالب عضو هيئة الإفتاء السعودية سابقا الشيخ عبد الله بن جبرين بمعاقبة الصحافيين وكتاب الأعمدة الذين ينتقصون من شأن المشائخ والعلماء عبر المقالات الصحافية أو اللقاءات التلفازية، وذلك عن طريق فصلهم من أعمالهم وسجنهم وجلدهم، متهما من ينتقدون المشائخ في كتاباتهم بـ"الفسقة"، وجاء ذلك في رده على سؤال في برنامج أسبوعي على إحدى القنوات الفضائية.
وكانت الصحف السعودية قد شهدت سجالا ونقاشا حامياً خلال الشهرين الماضيين بين عدد من كتاب الأعمدة الصحافية وكان من أبرزها السجال الذي دار بين الكاتبين بصحيفة الجزيرة السعودية محمد عبد اللطيف آل الشيخ وعبد الله بن بخيت من جهة ، وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان من جهة أخرى.
وكان المذيع في قناة "المجد" محمد المقرن قد وجه سؤالا للشيخ بن جبرين حول "هجمة من الأقلام الصحفية والقنوات الفضائية على العديد من العلماء في المملكة العربية السعودية؛ يحاولون الحديث عن عالم من العلماء بين فترة وأخرى، وإسقاطه، ونقل حديثه، وانتقاصه، وغير ذلك، في أمور أصبحت واضحة للجميع، يقصد بها هؤلاء العلماء الفضلاء في هذه البلاد".
فأتي جواب بن جبرين ،" هؤلاء الذين يهاجمون العلماء وبالأخصّ مشاهير المشايخ، الذين اعتُرف بفضلهم، وعُرفت مكانتهم، وعُرف قدرهم، وصاروا ينشرون العلم وينشرون الفتاوى، في «نور على الدرب»، أو «سؤال على الهاتف»، أو في هذه القناة التي هي «قناة المجد»، وغيرها.. أو ينشرون التعليم ونحو ذلك، واعترف بفضلهم، ولم ينتقد عليهم شيء من الملاحظات من زملائهم أو مشايخهم، فإن ذلك دليل على فضلهم.
وتابع قائلا: "لكن لا شك أن لكل مهنة حاسداً، وأن هؤلاء الذين ينتقصون المشايخ قد يقصدون بذلك عيبَهم، وثلْبَهم، والتنقيص من شأنهم، وعدم الاعتبار أو الالتفات إلى شيء من فتاويهم، ونصائحهم، حيث إنهم قد ينكرون على هؤلاء الفسقة الذين يفعلون أفعالاً كبيرة، ثم ينبه عليها العلماء، ويفتون بأنها حرام، وبأن الذين يفعلونها يستحقون التأديب بكذا وكذا، ولا تصلح الآن تلك الفتاوى، فينشرون عليهم نشراتٍ سيئة، فيجب الأخذ على أيديهم، ومعاقبتهم، بما ينزجرون به، ولو بسَجن طويل كما يسجن غيرهم من الذين يتعدون ما حُدد لهم، وكذلك – أيضا- قد يعاقبون بالفصل من أعمالهم، ويعاقبون ـ أيضا ـ بالجلد أو التوبيخ والتأنيب، ونحو ذلك، رجاءَ أن يرتدعوا، ويرتدع أمثالهم، ويعترفوا بفضل حمَلة العلم والمشائخ، الذين لهم مكانتهم في هذه الدولة أو في غيرها".
فيما يلي نص المقالات التي دار حولها السجال:
|
|
إلى الشيخ الفوزان
عبد الله بن بخيت
في يوم الجمعة 4-7-2008 كتب الشيخ صالح الفوزان بهذه الجريدة تعليقا على مقال كتبته في هذه الزاوية (يارا) بتاريخ 2-7- 2008. تحدث فيه الشيخ عن أهدافي حسب فهمه مشيرا إلى أنني أقترح (إيقاف الدعوة إلى الله وإغلاق بعض مدارس القرآن..). يخطئ الشيخ عندما يظن أن أحدا سيقترح إيقاف الدعوة إلى الله في المملكة العربية السعودية لسبب بسيط أن أبناء هذه البلاد مسلمون بالفطرة وليسوا في حاجة أصلا إلى من يدعوهم إلى الله. فالمحاضرات والمناشط الدعوية والمراكز الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن وغيرها من التوجهات الدينية التي أدعو إلى النظر فيها لا علاقة لها بالدعوة إلى الله.
يقول الشيخ: (والإرهاب لا تعالجه الأندية الرياضية وإنما تعالجه المحاضرات المفيدة والمواعظ الناصحة؛ لأن الإرهاب يرتكز على شبهات لا يكشفها ويعالجها إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبواسطة العلماء الربانيين، وهذه المحاضرات والمناصحة والمواعظ مكانها في المراكز الصيفية وتجمعات الشباب في العطلة الدراسية).
في هذا القول نقطتان تحتاجان إلى توضيح: أولا إذا كان هناك شبهات لا يكتشفها ويعالجها إلا العلماء الربانيون فأين هؤلاء العلماء الربانيون منذ أكثر من عشرين سنة عندما كان صغار السن يقادون إلى المقابر والاستراحات المشبوهة والتجمعات، وعندما كانت أشرطة الكاسيت تصخب بأزيز الرصاص والدعوات إلى الجهاد في البوسنة والشيشان، وعندما كان الدعاة يحرضون الشباب على ولاة الأمر وعلى رجال الأمن وعلى المثقفين وعلى الأجانب وعلى الطوائف الأخرى وعلى الغرب والشرق والبشر أجمعين. ثانيا إذا كان الشيخ يرى أن هذه التجمعات مكان لدرء الشبهات فمن أين تأتي الشبهات إذاً؟ كيف تصل هذه الشبهات إلى صغار السن؟ الشاب الصغير يعيش ثلاثة أماكن في حياته كلها (البيت، المدرسة، المسجد). من أي من هذه الأماكن تصله الشبهات التي يتحدث عنها الشيخ؟ هل نحتاج إلى المراكز الصيفية والمخيمات لكي نخلص الأطفال من الشبهات التي تلقاها الأطفال من آبائهم أو من أئمة المساجد أو من المدرسين؟ الشبهات أيها الشيخ تأتي من هذه التجمعات. إقامة هذه المراكز وتجميع صغار السن فيها يعني ترك الأطفال يتعرضون للمرض ثم بعد ذلك نأتي بأمهر الأطباء لعلاجهم.
يقول الشيخ: (ويريد الكاتب أن تكون علاقة الناس برجال الدين علاقة دينية أبوية لا علاقة فكرية قيادية، وأن تختفي وظيفة الداعية من الوجود، مع إبطال أي تجمع يقوم على فكر ديني.. ونقول: كأن الكاتب يريد فصل الدين عن الفكر القيادي، وهذا مذهب علماني باطل) ثمة نقطتان أود أن أجليهما مع الشيخ الكريم. أنا والشيخ وبعض القراء عشنا فترة السبعينات وما قبلها ونعرف كيف كانت العلاقة بين الناس ورجال الدين وكيف انقلبت هذه العلاقة رأسا على عقب بعد حادثة جهيمان والجهاد الأفغاني؟ أسأل الشيخ الكريم: هل كانت العلاقة قائمة على دعاة ومقابر وكاسيتات ودعوات إلى الجهاد وقتل الآمنين واحتقار المرأة وتحريض على كراهية الآخر. هل كان العلماء في تلك الفترة يقودون الناس أم كانوا يوجهونهم وينصحونهم ويزودونهم بما يحتاجونه من أمور دينهم تاركين قيادة البلد لمن هم أهل لها وأمور الدنيا لمن هو أعلم منهم بها. هل كان الناس في تلك الفترة وفي فترات الإسلام الزاهية علمانيين إلا فترة الصحوة؟ الشيء الثاني الذي أتمنى أن ينتبه له الشيخ هو أن العلمانية لا تنمو إلا في البيئة المناسبة وأفضل بيئة يمكن أن تنمو فيها هي سلطة الكهنوت والكهنوت يعني جلوس رجال الدين في سدة القيادة.
أخيرا أقول للشيخ الكريم لو أن الإرهاب انقطع أو انحسر بين الناس لشكرنا أصحاب المواعظ والمحاضرات ولكن ما يجري على أرض الواقع يفرض علينا النظر في وسائل أخرى. المراكز الصيفية والمواعظ والمحاضرات والدعاة أمور لم تكن أبدا من أركان الإسلام ولا علاقة لها بالدين وهي من البدع التي لم نعرفها قبل جهيمان وحادثته المشؤومة التي تبعها الجهاد الأفغاني والأعمال الإجرامية المختلفة في المملكة وغيرها من بلاد العالم. العقل المدرب على التفكير لا بد أن يربط ما جد من وسائل مع ما جد من أحداث. كنا نعرفك ونعرف الشيخ ابن باز ونعرف الشيخ ابن إبراهيم ونعرف كثيرا من المشايخ ولكننا لم نكن نعرف هؤلاء الدعاة الذين يحرضون على الدولة وعلى أمريكا وعلى روسيا وعلى إخوانهم وأبناء بلدهم. هؤلاء الدعاة الذين يحرمون الحب والورود ويحتقرون المرأة.
كثافة المواعظ وظهور رجال يطلق عليهم دعاة وسيطرة رجال الدين على منافذ الحياة في الأمة وتكثيف الجرعات الدينية لم يزد الناس إيمانا ولكنه زاد من التزمت والانقطاع عن الحياة السوية وكراهية الآخر وحب الموت والتفجيرات. ما الذي يضيرك أن نعود في علاقاتنا الدينية إلى ما كنا عليه في السبعينات بلا دعاة وبلا محاضرات وبلا محاضن وبلا سلطة رجال دين وبلا ثقافة كراهية وموت. ما الذي يضيرك أن يعود الناس إلى السعادة والحياة؟
|
|
أريد جواباً واضحاً يا شيخ الفوزان
محمد عبداللطيف آل الشيخ
قرأت رد الشيخ صالح الفوزان على كاتب هذه السطور الذي نشره الأحد الماضي رداً على مقالي الذي كان بعنوان (دعاة التحريض)، والذي تحدثت فيه عن (بيانات) بعض المشايخ، ومنهم الفوزان والبراك، والتي هي إما تحريضية، أو أنها تؤدي في نتيجتها إلى التحريض، وكيف أنهم تخلوا عن منهج أهل السنة والجماعة بضرورة أن تكون (النصيحة) لولي الأمر سرية، وليست علنية، كما لا يخفى ذلك على الفقيه الحصيف، وهذا -كما قلت في السابق وأكرر هنا- ما يكاد يتفق عليه علماء أهل السنة، وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-، الذي هو بمثابة أستاذ الفوزان والبراك، وقد كرر مثل هذا الموقف -رحمه الله- في أكثر من مناسبة.
والشيخ الفوزان -للأسف- لم يجب على السؤال الذي كان يتمحور حول المقال، ومؤدّاه: هل النصيحة لولي الأمر سرية أم علنية؟ وإذا كانت السرية هي شرط الضرورة في مناصحة الإمام صاحب البيعة، فما الذي طرأ وجعل الفوزان والبراك يتراجعان عن هذا الشرط، ويكرران الأسلوب والطريقة التي كان ينكرها العلماء في الأمس؟.
أكرر يا شيخ الفوزان السؤال، ولعل (التكرار) يحضك على الإجابة المباشرة، وغير المواربة، والواضحة، وأنت العالم الذي -كما يقولون- لا تأخذه في الحق لومة لائم: لماذا لجأت إلى النصيحة (العلنية)، وتخليت -هداك الله- عن (السرية)، في مناصحتك لولي أمرك، الأمر لا يحتمل إلا احتمالين: إما أنك (تراجعت) عن فتوى (سرية المناصحة) التي قلت بها في السابق، أو أنك رجل (تناقض) اليوم ما تفتي به في الأمس، وإذا كان هناك احتمال ثالث، لم نتنبه إليه، وأدركته أنت، فكلنا آذان صاغية لنسمع (السبب) الذي جعل عضو مجلس كبار العلماء يتخلى عن رأيه الذي عرف عنه، ويسلك مسلكاً آخر في المناصحة الخاصة.
ومثل هذه القضايا -يا شيخ الفوزان- لا تحتمل المجاملة، ولا يمكن السكوت عن مثل هذه التجاوزات، فالفقيه في منظومة أهل السنة هو دائماً صمام أمان، وأكثر من يهمه تلمس المآلات التي قد تؤدي لها النصيحة، واستشراف المستقبل، واختيار أكثر الأساليب والطرق أماناً ورزانة، وبعداً عن التحريض والتأليب، درءاً للفتن، وهذا ما عهدناه في علمائنا، وبالذات علماء المملكة السابقين، فلم نعرف -مثلاً- أن عالماً أصدر بياناً يعارض فيه قراراً من القرارات التي يتخذها ولي الأمر (جهراً)، وأريد من الشيخ الفوزان أن يأتي لي بحادثة واحدة لواحد من علماء الدعوة المعتبرين -ودعك من الصحويين- قام فيها بالمناصحة العلنية لولي الأمر، كما فعل هو والبراك، والسؤال للمرة الثالثة: ما الذي تغير؟.
النقطة الثانية التي لابد من التطرق إليها أن الشيخ الفوزان دأب في الآونة الأخيرة على الرد على كتاب الصحافة، بصفته الرسمية، وعلى أوراق الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء الرسمية، فلا يكاد يخلو عدد من جريدة إلا وفي (بريد القراء) من الشيخ رد على كاتب أو هجوم على آخر، ولا أدري هل الشيخ الفوزان يمارس عملاً رسمياً، حيث أسند إليه منصب (المتحدث) الرسمي باسم هذه الهيئة، أم أنه هو الذي انتدب نفسه، من تلقاء نفسه، لممارسة هذا الدور، دون تخويل رسمي، كناطق رسمي باسم الهيئة.
نرجو التوضيح: هل الشيخ الفوزان يتحدث بصفته الرسمية حينما يتعمد أن يكتب ردوده على أوراق الهيئة الرسمية، أم أنها آراء (شخصية)، وكتابتها على المطبوعات الرسمية للهيئة ليست إلا (خطأ) إدارياً من الشيخ هداه الله؟.
|
|
صالح الفوزان يرد على محمد آل الشيخ:
سيرجع عليك وبال ما كتبت
كتب محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ مقالاً نُشر في جريدة (الجزيرة) في يوم الأحد 10 رجب عام 1429هـ، حمل فيه على من سمَّاهم أهل الصحوة؛ بسبب أنهم يردون على شبهات أهل المقالات الخاطئة، أو أنهم يحذرون المسلمين من دعاة الفتنة وينكرون المنكرات التي تشتمل عليها بعض المقالات التي تنشر في الصحف.
وأرى أن الكاتب محمد - هداه الله - أفرغ غضبه العارم على بعض المشائخ ولم يجد لأحدهم عيباً إلا أنه متقاعد.
والتقاعد ليس عيباً لأنه يدل على أن صاحبه قد أدى عملاً تقاعد بعده حسب النظام.
وإنما العيب فيمن لم يعمل وجعل شغله الشاغل اتهام الأبرياء وانتقاد العلماء وذلك بقوله:
خرج علينا أحد مدرسي كلية الشريعة المتقاعدين كما تقول سيرته العلمية ومارس ما كان يمارسه التيار الصحوي الثوري، فأصدر البيانات تلو البيانات التحريضية التي تؤدي الدور ذاته الذي كان يؤديه الثوار الصحويون في السابق.
ثم قال: وهناك شيخ آخر أرفع مكانة علمية وعملية من هذا المدرس المتقاعد، دأب في المدة الأخيرة على إسداء النصيحة لولي الأمر ونشرها علنا على موقعه في الإنترنت.
ونقول للكاتب: إن كنت تغار على ولي الأمر فالعلماء الذين انتقدتهم أشد غيرة منك عليه وأشد نصحاً له من غيرهم، ولا يعني إذا كتبوا ينكرون بعض الأمور إلا الغيرة على ولي الأمر وعلى المسلمين.
بخلاف الغاش الذي يقر المنكر ويدافع عنه فإنه غاش لولي الأمر وللمسلمين، وما يكتبه هؤلاء الناصحون ليس بيانات، لأن البيانات إنما تصدر من الجهات الرسمية وإنما هي نصيحة وإرشاد ورد للشبهات.
وهذا واجب العالِم أن يبيِّن ما يعلمه ولا يكتمه، ولكن أظن أن الكاتب في نفسه شيء أفرغه في الأوراق لأنه ضاق به ذرعاً، ولكن سيرجع عليه وبال ما كتب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
|
|
أصحاب الدسائس
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
الرجل الصغير يبقى صغيراً مهما حاول الآخرون الرفع من قدره ومكانته؛ فهو لا يستطيع أن يواجهك في وضح النهار، لأنه يعرف أنه أصغر من المواجهة.
الشيخ صالح الفوزان مهما اختلفنا معه، ومهما كان لنا على أقواله الكثير من التحفظات، إلا أنه رجل يواجه، ويناقش، ويقارع الحجة بالحجة، وعلى رؤوس الأشهاد، دون أن يتلون، أو يبدي قناعته هنا ويغيرها هناك حسب تقلبات الجو!
وفي مقابل هذا الشيخ الواضح، هناك أناس أجبن من أن يواجهوا المختلفين معهم (تحت ضوء الشمس)، لأنهم يفتقرون إلى الشجاعة، والقوة في الشخصية، والتمكن، والثقة بالنفس، ورباطة الجأش، وأخلاقيات الفرسان؛ فيلجؤون إلى (الدسائس)، والعمل من تحت الطاولة، واعتماد (الوشاية) كوسيلة للإساءة إلى من يختلفون معهم بأسلوب لا يمت للقيم والأخلاق (النبيلة) بصلة. هؤلاء، وإن ساعدت الفرص على بروزهم، يبقون صغاراً لا يستطيعون أن يرتقوا إلى حجم مكانتهم التي وجدوا أنفسهم فيها.
والذي هذا شأنه يظن أن بإمكانه أن يوقع بمن يختلف معه من خلال (الوشاية)، بينما هو يُساهم بمجانية، و(غباء)، في كشف نفسه للآخرين، والإبانة عن ضعفه، وإدانة أخلاقياته، والتدليل على أنه رجل (صغير)، ليس لديه من الأخلاق ما يبرر مكانته التي هو فيها.
لك أن تختلف معي، ولك أن تقول فيما أطرح ما تشاء، وأن ترد بالأسلوب والطريقة التي تراها مناسبة، فلدي - ولله الحمد والمنة - من الثقة بالنفس ما يجعلني أتحمل كل ما يأتيني من السهام، حتى تكسرت النصالُ على النصال - كما يقول المتنبي - ، ولم أتزحزح عن قناعاتي ومواقفي ولو سنتيمتراً واحداً، ومثلما لي الحق أن (أنقد) وأن أطرح ما أراه الأقرب إلى الصواب، فلك كل الحق أن ترد، وأن تنتقدني، لكن في الهواء الطلق، والشمس في رابعة النهار، وليس في الغرف المظلمة.
كما أن الحكم على (النوايا)، والذهاب إلى (التفتيش) عما تكنه القلوب، والانطلاق منها في (الكيد) والإساءة إلى من تختلف معهم، يعني أنك ضعيف الحجة، هش المنطق، يعوزك الكثير من أدوات الإقناع كي تحظى باحترام الآخرين. أمامك ما أقول، فاعمل فيه مشرط الجراح، واحكم عليه، وعلى سياقاته، ونتائجه، كما تريد أما أن تعمد إلى ما تظن أنه (نوايا) الذي يتناقش معك، وتهمش (ما يقول) ثم تنطلق من ذلك إلى (الحكم) على ما يطرحه، فهذا عي وضعف يترفع عنه الجهلة والعامة ناهيك عن صغار طلبة العلم.
وفي إحدى حكايات كتاب (المجنون)، أحد مؤلفات جبران خليل جبران، (حكاية) أجد أن من المناسب إيرادها هنا؛ يقول: إن رجلاً مرّ بأحد الحقول، فوجد (خيال المآتة) - الفزّاعة التي يلجأ إليها الزرّاع لتخويف البغاث وصغار الطير من العبث بالمحصول - قد توسط كعادته الحقل. سأله الرجل: ألم تمل من هذه الوقفة وأنت تبدو مثل المصلوب طوال اليوم؟ فرد خيال المآتة: بالطبع لا؛ لأني أشعر بلذة كبيرة في تخويف الطيور كي لا يعتدوا على محاصيل الحقل. فرد الإنسان: أنت محق؛ فأنا أحس بمتعة كبيرة عندما أجد من يتهيبني. فرد خيال المآتة: لكن متعتي أكبر وإحساسي بالحبور - (السرور) - لا حدود له، لأنني أزرع الخوف وأنا محشو بالقش!
وصاحبنا هذا هو في نهاية المطاف مجرد (خيال مآتة). إلى اللقاء.
|
|
الشيخ الفوزان يرد على آل الشيخ:
لم نخالف منهج مناصحة ولي الأمر
اطلعت على ما كتبه الأستاذ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ في جريدة الجزيرة في يوم 19-7- 1429هـ في اتهامي مع أحد المشائخ بأننا خالفنا منهج المناصحة مع ولي الأمر وأقول:
1 - أنا لن أتعامل معه بنفس الأسلوب الذي وجهه إلي عملاً بقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (34) سورة فصلت. ولما لأسرته من الفضل ونظراً لما لوالده الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم - رحمه الله - من الفضل علي وعلى عموم طلبة العلم. فقد انتفعنا بتوجيهاته القيمة وعشنا تحت إدارته الحكيمة يوم أن كان مديراً للمعاهد والكليات وندين له بالفضل وندعو له بالمغفرة والرضوان، وندعو الله أن يصلح عقبه ويجزيه عنا خير الجزاء، إنه سميع مجيب. وله عليّ خاصة يد أدعو الله أن يثيبه عليها.
2 - أما عن قضية مناصحة ولي الأمر فنحن - ولله الحمد - لم نخالف منهجها وندين لله بطاعة ولي الأمر بالمعروف وبوجوب مناصحته ومناصحة عامة المسلمين.
وإنما نرد على مقالات وشبهات وأخطاء تنشر وتعلن في الصحف، فيكون الرد عليها بنفس الأسلوب الذي تنشر به، وهي من البيان العام للناس فلا حاجة بالكاتب إلى استعداء ولي الأمر علينا في هذا الشأن الذي هو من صالح الجميع وولي الأمر - حفظه الله - يشجع عليه.
3 - أما قضية أنني أكتب على أوراق المكتب الرسمية فأوراق المكتب أعدت للصالح العام وهذا منه، فأنا لم أكتب عليها شيئاً خاصاً بي حتى يعاتبني على ذلك.
4 - أما قضية أنني جعلت نفسي بمثابة المتحدث الرسمي باسم غيري فأنا إنما أبدي رأيي الخاص ولا أنوب عن غيري، وأرى أن هذا واجب عليّ كما أن الكاتب المذكور حينما يكتب إنما يعبر عن نفسه وكل كاتب آخر كذلك.
ولا سيما أن المسألة مسألة حوار كما يقولون وكل يبدي رأيه فيه إذا كان القصد الوصول إلى الحق.
وأخيراً أسأل الله لي ولإخواني المسلمين التوفيق لما يحب ويرضى وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه صواباً على سنة نبيه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
الثلاثاء 26 رجب 1429
|
|
وهذا ما أقول
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
قرأت التعقيب الذي كتبه الشيخ صالح الفوزان على ردي الثلاثاء الماضي، ونشر يوم أمس؛ ولي عليه ملاحظات عدة سوف أوجزها في الوقفات التالية:
أولاً:
أشكر له ما أبداه من اعتراف بالفضل لوالدي رحمه الله، غير أن الموضوع الذي أتحدث عنه هنا لا علاقة له بمن أكون؛ فأنا لا أمثل إلا نفسي، ولا علاقة لأحد غيري لا من قريب ولا من بعيد بما أطرحه هنا من آراء، التي هي على أية حال وجهة نظر شخصية، أحاول قدر الإمكان أن أرتقي بها ما استطعت إلى الصواب. فأرجو عدم إقحام الخاص بالعام يا فضيلة الشيخ.
ثانياً:
القضية محل الحوار تدور حول نقطتين: أولاهما: رأيه في طريقة وأسلوب (النصيحة) الشرعية لولاة الأمور؛ هل هي علنية، ويجوز له نشرها على رؤوس الأشهاد، أم أنها تبقى سرية، ولا يجوز أن تنشر في وسائل الإعلام.
النقطة الثانية: هل الكتابة والنشر بصفته الرسمية الوظيفية (تسوغ) من الناحية النظامية، على اعتبار أنه (عضو) في هيئة كبار العلماء، أم لا. وهل يعني ذلك أنه يتحدث فيما يطرحه من آراء كمتحدث (رسمي) للهيئة أم أنه لا يمثل إلا نفسه؟
ثالثاً:
النقطة الأولى، وهي الأهم، ولها الأولوية المطلقة، سكت عنها الشيخ للأسف، واكتفى بالعموميات. وأنا هنا أريد منه - حفظه الله - إجابة شافية مانعة قاطعة حول هذه النقطة. فهناك مَن (قد) يحتج بفعل الشيخ عندما عمد إلى مناصحة ولي الأمر فيما يتعلق بتوسعة المسعى ونشرها في موقعه على الإنترنت كما يعرف الجميع، ويأخذها ذريعة. وأنا أعرف، ويعرف غيري، أن الشيخ سبق له أن أفتى في مواضيع سابقة أن مناصحة (العلماء) والذين يتحدثون من منطلق أنهم (موقعون عن رب العالمين) لولاة الأمر يجب أن تكون سرية؛ لأنهم يبينون (حكماً) ربانياً، وليس مجرد (رأي) إنساني. وهذه نقطة في غاية الأهمية، قد يترتب عليها من التبعات ما يمس استقرار المجتمع. ومرة رابعة، وأرجو أن تكون الأخيرة، ما رأي الشيخ في سرية نصيحة الفقيه لولي أمره؟
رابعاً:
تجاربنا يا فضيلة الشيخ مع الانتهازيين، وأصحاب الغايات المشبوهة، ومن يحاولون ركوب الدين، لتحريض العامة على نزع يد من طاعة، يمتلئ بها تاريخنا. والفقيه اليوم في دولة تحكّم الشريعة، ومحاكمها - ولله الحمد - تلقاك في كل ناحية، يجب أن يعمد إلى فقه الموازنات، فيدفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، ولا أعتقد أن شيخنا - وفّقه الله - يخالفني الرأي في أن علماء الدعوة لم يعمد واحد منهم، على مر تاريخهم، أن أبدى رأيه للعامة، كأن يرتقي منبراً - مثلاً - وينكر على ولي الأمر؛ وإن كان هناك حادثة من هذا النوع لم أطلع عليها، واطلع عليها الشيخ، فليعتبرني أحد طلابه، ويوضح لي، ولمن تكاثروا منه مثل هذه الأمور، ويبينها لنا.
وختاماً أقول: لعل شيخنا أخطأ عندما نشر. وأخطأ ثانية عندما نشر على أوراقه الرسمية كعضو من أعضاء هيئة كبار العلماء، ولم يخوله أحد أن يتحدث عن هيئة كبار العلماء. فلماذا لا يكون جريئاً ويعترف بخطئه؛ فمثل هذا الاعتراف سيزيده قدراً ومكانة، فالاعتراف بالخطأ أفضل من التمادي فيه كما هو معروف.
|
اجمالي القراءات
5409