9/11 .... ذهول الصدمة يهيمن على الأفلام ولا إشارات سياسية زائدة
إنتظرت السينما الاميركية حوالى خمس سنوات ، قبل ان تقدم اول نتاجاتها التي تتناول ما حدث في يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. ففي نهاية شهر أبريل في عام 2006 عرض فيلم "يونايتد 93" للمخرج باول غرينهاوس ، ليتبعه فيلم المخرج الاميركي المعروف اوليفر ستون "مركز التجارة العالمية" والذي بدأت عروضه في.نهاية شهر سبتمبر من العام 2006 نفسه.
من المفارقات ان الفيلمين الضخمين بدوا كانهما يتبعان بعضها زمنيًا في تقديم احداث ذلك اليوم، ففيلم "يونايتد 93" ، يبدا مع ذلك الصباح ، واستعداد الارهابيين النفسية للمهمة الاخيرة في حياتهم ، الفيلم بعدها يرافق تلك المجموعة الى الطائرة الاميركية التي حملت الرقم "93" ، وسيطرتهم عليها ، لينتهي بتحطم الطائرة في احدى الحقول الخضراء خارج العاصمة واشنطن.اما فيلم المخرج اوليفر ستون ، فيبدا "فعليا" من تحطم طائرة في احدى ابراج مركز التجارة العالمية في مدينة نيويورك ، ليتبعة التحطم الثاني بالبرج الآخر ، والانهيار المعروف للبرجين ، والذي حفظ للابد في ذاكرة ابناء هذا العالم.
وعلى الرغم من أن طائرة الفيلم الاول ، لم تصل الى مدينة نيويورك او الى هدفها الذي كان مخطط له في واشنطن ، وقيل انه كان بيت الرئيس الاميركي نفسه في البيت الابيض ، الا انه لا توجد اسباب مقنعة ، تجعلنا نعتقد ان ما حدث في الطائرتين اللتين حطمتا الابراج ، يختلف عن السيناريو المرعب ، والذي تخيله وقدمه المخرج باول غرينهاوس في فيلمه "يونايتد 93" ، والذي يمكن ان يوصف بسهوله ومن دون مبالغة بانه واحد من اكثر افلام الرعب في تاريخ السينما!.
وبسبب غموض وعدم توفر اي ادلة كثيرة عن ما حصل في ذلك اليوم ، بسب احتراقها مع تحطم الطائرات وبسبب سرية مخطط المجموعة المنفذة ، والتي قتلت جميعها في تلك الطائرات ، كان على المخرج باول غرينهاوس ، ان يتعامل مع معطيات قليلة ، بعضها اشيع على حدود ضيقة بعد الانفجارات، وبعضها يرتبط بنظم تفكير المجموعات الارهابية من القاعدة وغيرها ، والتي بدات بالأنتشار بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، اي بعد الهزة الهائلة التي تعرضت لها اميركا والعالم. المخرج استعان ايضا بشهادات بعض من اهالي ضحايا الطائرة والذين تحدثوا بسرية الى اقربائهم في الطائرة المخطوفة عن طريق اجهزة الهواتف الموجودة في الطائرة ، ولم تلفت المحادثات القصيرة انتباه المجموعة الارهابية وقتها.
المخرج الذي استعان ايضا بموظفيين جويين اميركين حقيقين ، بعضهم كان موجودا في ذلك اليوم نفسه ، اكمل بنفسه بقية الصورة عما حدث في الطائرة نفسها ،و بعد سيطرة الأرهابيين عليها ،بمشاهد "متخيله" لم تضم لحسن الحظ الكثير من السجال بين الارهابيين وركاب الطائرة ، وتركت مرتبكة وشديدة العنف.
من المشهد الاول ، للشباب من الاصول العربية ، يمارس طقوسًا دينية (مثل ازالة الشعر من امكان حميمية ، استعدادًا للموت ) ، حتى المشهد الختامي ، لتحطم الطائرة ( والذي يعتقد ، ان سببه مقاومة الركاب للمجموعة الارهابية ، ووصولهم الى غرفة قيادة الطائرة ، والتي كان يقودها شاب من اصل لبناني). يقدم المخرج فيلمًا شديد الصعوبة ، معربا اكثر من اي عمل آخر ، قسوة الحروب الدينية ودنائتها. المخرج قدم تلك المجموعة الارهابية ، مع ركاب الطائرة المدينين العزل ، المتجهين الى مدنهم واعمالهم ، هذا التباين بين ما تنوي المجموعة الارهابية فعله ، وبين الانشغالات "العادية" لركاب الطائرة ، كان لوحدة خالقًا للكثير من القوة والاشمئزاز.
فيلم اوليفر ستون المنتظر!
عندما اعلن ان المخرج الجدلي المعروف اوليفر ستون ، عازم على انتاج فيلم عن الحادي عشر من سبتمبر ، انتظر الكثيرين ، فيلم هجومي يفتح النار على الادارة اليمينية في البيت الابيض ، والذي يعرف ان المخرج من اهم معارضيها منذ عقود.
الذي شاهد أفلام مثل "ولد في الرابع من تموز" او "جي اف كندي" للمخرج ،وجد صعوبة كبيرة في تقبل فيلم "مركز التجارة العالمية". فالمخرج قدم في فيلمه الاخير ،أحداث يوم الحادي عشر من سبتمبر في مدينة نيويورك ، وقدم قصة فيها الكثير من العاطفية لثلاثة من الناجين من رجال اطفاء المدينة ، والذين قضوا ساعات طويلة تحت انقاض المبنى المدمر والذي انهار فوقهم.
فيلم اوليفر ستون ، خلا من اي اشارت سياسية ، وبقي قريبًا جدًا من اجواء الساعات التي اعقبت الانفجار، والفوضى التي شاعت في اميركا والعالم ، وعدم وضوح دوافع الفاعلين او جنسياتهم. في الدقائق الاخيرة فقط من وقت الفيلم ، ظهرت واحدة من الشخصيات ، التي يمكن اعتبارها "شخصية" تنتمي الى سينما "اوليفر ستون" ، فالاميركي الشاب الذي يترك بلدته الصغيرة في عمق اميركا لينظم -بزيه العسكري- الى جهود انقاذ الضحايا ، بدا كواحد من الجنود الاميركيين المتلهفين لحروب انتقامية ،ستبدًا سريعًا جدًا بعد ذلك وما زالت مستمرة الى اليوم.
فهرنهايت 11
هذا الفيلم التسجيلي للمخرج المعروف مايكل مور ، والذي عرض في عام 2004 ، حصل لاسباب سياسية "خالصة" ، على الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي للعام نفسه، بسبب مواقف الفيلم المعادية لادارة الرئيس الاميركي جورج بوش ، والتي تجد الكثير من التعاطف بين الكثيرين في اوروبا.
فيلم " فهرنهايت11 "يركز على الايام الاولى التي اعقبت تفجيرات مدينة نيويورك ، والى التحضيرات الاولى للحرب الاميركة على النظام العراقي ، والتي بدات في نهايات عام 2002،والى السنة الاولى من الحرب.
وبسبب مواقف مور السياسية الواضحة والقوية من ادارة الحزب الجمهوري الاميركي ، تحول فيلمه هذا الى واحد من جولاته التي لا تتوقف ضد ادارة الرئيس الاميركي بوش. لهذا الفيلم او لهذه الجولة ، اخرج مايكل مور كل اسلحته النظيفة وغير النظيفة ، فالفيلم ركز على اخبار غير مؤكدة، عن جهود الحكومية الاميركية ، لاخراج افراد من عائلة اسامة بن لادن كانت تقضي عطلات في اميركا قبل الحادي عشر من سبتمبر ، وحصلت بسبب علاقتها الخاصة والقديمة مع الرئيس بوش وعائلته ، على اذونات خاصة برحلات طيران، على الرغم من القرار الصارم بمنع كل رحلات الطيران في الايام الاولى التي اعقبت الحادي عشر من سبتمبر. مايكل مور يتجه حقًا الى التطرف ، فهو يعرض ايضا في فيلمه هذا ، صورًا لعراقيين في احدى الحدائق العامة في بغداد قبل حرب 2003 ، للتاكيد عن سعادة العراقيين مع نظامهم انذاك!! ، وكيف ان الاخبار التي تشيعها الحكومة الاميركية عن عراقيين "مضدهدين" هي قصص مبالغ فيها!.
اعتاد مايكل مور ان ينتقد الخطاب الرسمي الاعلامي اليميني ، وجنوجه الى التبسيط، والعاطفية، والغوغائية، لكنه يتورط هو الاخر، في انتاج خطاب بالمواصفات نفسها، واليقين نفسه بان ، المبادئ التي نحملها ، تغفر لنا كل الطرق التي نسلكها للانتصار لتلك المبادئ.
هوليوود تتغير!
بسبب احداث الحادي عشر من سبتمبر، وحربي افغانستان والعراق ، وكل الاهتمام الاعلامي الذي توجه الى الشرق الاوسط والى تنظيم القاعدة الارهابي ، والى سوء الفهم والعداء الذي يخيم على المنطقة كلها، بدات العديد من الافلام الهوليوودية بالتعامل بجدية اكبر مع قضايا الشرق الاوسط ، والانتباه الى صورة العرب والمسلمين المقدمة في افلامها.
وحتى بعد الحرب في العراق ، وشيوع افلام الفيديو الارهابية ، والتي تظهر عمليات قطع الرؤوس والقتل التي تجري تحت لافيتات اسلامية ،وعلى ايدي عرب ومسلمين. ظهرت افلام اميركية جدية حقًا في تناولها لقضايا الارهاب ، وعلاقته بالدول الغربية الكبرى ، مثل الولايات المتحدة الاميركية نفسها.
فافلام مثل "سيرينا"(2005) والذي يتعرض للعلاقة بين النفط في الخليج ومصالح الشركات العملاقة الأميركية، و"المملكة"(2007) والذي يتناول صراع الحكومات العربية مع الارهاب ، ماكان بالامكان انتاجهما ، لولا التغيير العميق الذي اصاب الكثير من السينمائيين الامريكيين بعد الحادي عشر من سبتمبر ، وبسبب صعوبة تقديم النموذج العربي والاسلامي الهوليوود نفسه ، والذين كان شائعًا في افلام سابقة لعام 2001.
وربما ساعد الاعلام العربي وخاصة الفضائيات الاخبارية بمتابعتها الى كل ما يجري في الولايات المتحدة الاميركية ، وتسليط الضوء على اي حضور عربي او اسلامي في هوليوود، على زيادة الضغط على الاستديوهات السينمائية الكبيرة في هوليوود ، في التفكير اكثر من مرة قبل تقديم اي صورة "سريعة" وغير "مدروسة" للعرب والمسلمين في افلامها. فيلم "المملكة" مثلا ، يشير الى فضائية الجزيرة القطرية مرتين ، وكل مرة يتم التذكير بان "الجزيرة " تراقب اداء الحكومة الاميركية في الشرق الاوسط وخططها الامنية والاعلامية ، الامر الذي يستدعي تغيير او تعديل بعضا من هذه الخطط.
اجمالي القراءات
2316