هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠١ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً.


هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟

هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟

سيد القمني
elqemany@yahoo.com

2010 / 7 / 27

مقالات متعلقة :

السؤال جد هام ، وأيضا جد حساس ، لكنه سؤال مطروح الآن بقوة في كل الدراسات الشرقية ، وعلينا أن نطرحه أيضا على أنفسنا بهدوء نركن فيه إلى جانب العقل قبل القلب ، وقبل النقل ، وأن يكون هدف الإجابة ليس الانتصار للإسلام أو الانتقاص منه ، أن يكون الهدف هو مصلحة البلاد والعباد في زمن نتأرجح فيه على أرجوحة يقف إسلامنا في جانبنا على طرفها فوق جرف هار بلا قاع ، وعلى الطرف الآخر تقف بكل ثقلها حضارة الإنسان المدني الحديث ، قد تهتز باهتزازنا ، قد تتمسك بطرفه لكيلا نسقط في قاع التاريخ المنسي ، لكنها لن تستمر كذلك طويلا دون جهد مضاعف من جانبنا للحؤول دون السقوط في ثقب التاريخ الأسود.

وللمباشرة والدخول إلى صلب الموضوع يمكن طرح السؤال ببساطة :

هل تخلفنا الذي يتندر به الركبان هو تخلف معرفي حضاري أم هو تخلف ديني ؟

سيجيبنا أهل الدين كعادتهم المتعجلة في الإجابة للوقوع في الفخاخ ، إن تخلفنا يعود إلى نقص شاب إيمان المسلمين ، مما أدى إلى تخلي ربهم عنهم ، وأخلص الأمريكان للصليب ويسوع فنصرهم ، وهكذا تبدو الدنيا وفق هذه الرؤية كما لو كنا زمن آلهة جبل الأوليمب وأساطير الأدويسة والإلياذة ، وهي قفزة هائلة إلى بطن الخرافة وارتداد نحو الأسطورة في التفسير ، والعجيب أن هذا التفسير لتخلف المسلمين هو ما يروجه رجال دين المسلمين عبر كل الوسائل الإعلامية والدينية.

وما يفوت المشايخ وهم يطرحون رأيهم في أسباب التخلف تأثيما للناس وتذنيبا ، أنهم هم المسئول الأول عن الدين الإسلامي طوال تاريخه ، وأنهم يدعون حتى الآن أنهم المسئول عن الإسلام في الأرض ، وممن ثم فإذا حدث التخلف في الجانب الديني فإنهم سيكونون هم المسئول الأول عن هذا التخلف ، ومن ثم لن يمكن استمرار الثقة بهم بعد تخلف دام عشرة آلاف عام. لم يرعوا فيها دين الله حق رعايته التي حملوا مسئوليتها. فإن ردوا علينا أنهم لا سيطرة لهم على الإيمان داخل نفوس المؤمنين فهي منطقة ضمير حرة ، قلنا لهم : قلتم قولة حق ، لكنكم أيضا كنتم حراس الإيمان والمفتشين في الضمائر والحاكمين على الناس والمنفذين الأحكام حتى هذا اليوم ، ويكفي للقارئ إلقاء نظرة واحدة على ملخص أعمال معهد البحوث الأزهري لعام 2004 وحده ليعرف عدد من أمسكهم هذا المعهد بتهم تتعلق جميعا بصدق الإيمان.

ولأنهم كانوا القاضي والخصم والحكم والجلاد عبر التاريخ حماية لهذا الدين ، ولأنهم يزعمون أن تخلف المسلمين بسبب ابتعاد المسلمين عن دينهم ، ولأنهم كانوا المسئول طوال التاريخ عن الدين في الأرض ، فإن من قصر في حق دينه كل هذا التقصير لم يعد مؤتمنا على الدين ولا على الوطن ولا على الناس.

لا مخرج لمشايخنا من هذا الفخ التاريخي إلا الاعتراف للناس بصدق الإيمان ، وسحبهم كل تكفيراتهم وتأثيمهم للمسلمين البسطاء الذين لم يتربحوا بهذا الإسلام لا اليوم ولا أمس ، ولم يقبضوا الهبات والأموال والصدقات والزكاة والرضي السلطاني ليحافظوا عليه. حافظوا عليه فقط لإنه دينهم وجزء عظيم من ثقافتهم وهويتهم ، حافظوا عليه وهم يأكلون الفقر والفقر يأكلهم ، ولأنهم ببساطة يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه.

وبعد هذا الاعتراف والسحب عليهم الاعتراف أن تخلفنا هو في الجانب العلمي المعرفي الحضاري ، وهنا وبعد الاعتراف والسحب عليهم الانسحاب ، لأنه لا مجال لرجال الدين في البحث العلمي في مختلف العلوم ، بل هو مجال الفلاسفة وعلماء الاجتماع والتاريخ والرياضيات والفيزياء والكيمياء ، وهذه علوم خارج نطاق الدين ولا يفهمها رجاله ، لأنهم حتى اليوم يعيشون زمن القرن العاشر الميلادي يأسرون الأمة كلها داخل أسواره ، ويريدون أن يدخلوا في منافسة حضارية مع أمم تعيش في القرن الحادي والعشرين ؟ إنكم سادتي خارج المنافسة.

فهل يبدو من ذلك أن الإسلام هو الذي أدى إلى تخلف الأمة ؟ إن السؤال هنا يغفل تقدم الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأول. إذن الإسلام ليس سبب التخلف !!

لكن إذا كان ذلك كذلك وأنه دين تحضر فلماذا نحن اليوم متخلفون؟

يبدو أن هناك أختلاطا ما في المسألة يؤدي إلى التباسها ، هو أن الدين في حد ذاته كدين ليس طرفا في الموضوع ، إنما هو خارج اللعبة وبرئ من التخلف كما هو برئ من التقدم. وأن الإسلام كدين في حد ذاته لم يكن عنصرا في إنجازات الرازي والفارابي وابن الهيثم ، وليس عنصرا في اختفاء العلماء من بلادنا منذ هذه الكوكبة اليتيمة التي نستدعيها نندب عليها حضارتنا الموؤدة دفاعا عن الإسلام والإسلام منها برئ. فبالإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلقوا عليها لفورتها القاطرة نحو قطار الحضارة باسم النمور الآسيوية. . وبالإسلام نفسه تعيش بقية دول المسلمين في مؤخرة الأمم.

إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين. لكنها في كيفية استثمار هذا الدين ، فهناك من استثمره في التقدم ، ومنه من يستثمره في التخلف.

هناك من احترم الدين فصانه بعيدا عن آلاعيب السياسة ودسائس المشايخ والسلاطين ، وهناك من مازال يستثمره حفاظا على خط فكري نظري واحد ليظل سيد الموقف في كل شأن وكل أمر ، وهو موقف لا تشغله الأمة ولا الناس ولا الدين بقدر ما تشغله سيادته وسيطرته على العقل المسلم واستمرار هذه السيادة السلطوية المستمدة من تعبد الناس.

إنه الموقف الذي يمثله كل مشتغل بالإسلام مهنة ومصدرا للربح ، والذين يمكنهم تشكيل وعي الناس وفق الرغبات السلطانية والسلطوية. وهو الوعي الذي يتم وفق رؤية بعينها واحدة لا صح سواها ، يزعمون أنها هي صحيح الإسلام وغيرها كافر آثم ، مما لم يعط فرصة للرأي الآخر يوما بالظهور ، لذلك لم تظهر معارضة في تاريخ المسلمين ، وإن ظهرت فكانت وسيلتها الأيديولوجية قراءة أخرى لنفس الإسلام ، لكن هؤلاء غالبا ما انتهى أمرهم في التاريخ الإسلامي في مجتمع لا يعرف سوى فرقة واحدة هي الناجية.

ها قد عثرنا على سبب أول يرتبط بالإسلام :

انعدام وجود رأي آخر يؤدي إلى جدل مثر ونقاش حول الدين وحول الحياة لتفرز جديدها ، كما حدث عندما اختلف المسيحيون الأوائل في تفسيرات الإنجيل ، وحول الذات والروح القدس ، فاجتمع المختلفون في مجامع اعتمدت على قوة حجة المتعارضين ، لينتهي الأمر بقرار يتفق علية الأغلبية ، لتظهر خلافات جديدة لتعقد مجامع جديدة ، وهكذا كان مجمع نيقية ومجمع خلقدونية ومجمع أفسس. . إلخ. كانت هذه بقايا ثقافة اليونان والرومان ، أما على الجانب الإسلامي فكان أول مجمع وآخر مجمع هو مجمع سقيفة بني ساعدة التي تقرر فيها شأن الفهم الإسلامي السائد سياسيا ودينيا وغيره باطل الأباطيل.

ودخل هذا الفهم محنا حتى استتب له الأمر مرورا بحروب أهلية طاحنة بدأت بحروب الردة وليس انتهاء بكربلاء ، فظلت المنطقة الممنوعة المقموعة تظهر عبر التاريخ بقوة ثم لا يلبث أن يتم قمعها وإبادة أصحابها من الزنج إلى الحشاشين إلى القرامطة وغيرهم لم يبق منه جميعا غير المبدأ الخليفي القبلي الأول سائدا لا يقبل منافسة من سواه ، بزعم أنه صحيح الإسلام كما يريده الله ، كما لو كانوا قد عرجوا للسماء واستمعوا هناك إلى كل التفاصيل العجيبة التي دونوها في فقههم وتحليلاتهم وتحريماتهم وتفسيراتهم وفتاواهم من فهم الله نفسه ، وأنه قد خصهم بالفهم دون غيرهم.

ولأن المسيحية من فجرها حدثت ناس زمنها بلغتهم ومفاهيمهم فأعطت ما لقيصر لقيصر وما لله لله فصلا للسلطات ، قياما على مأثور يوناني مازالت مبادئ الديمقراطية لها فيه روائح.

فإن منظومة الخلافة الإسلامية المسربلة بالدين وحلف رجاله المحترفين كانت هي نموذج الدمج الكامل للسلطات دينية ودنيوية ، باحتساب النبي الذي حاز كل السلطات بيديه في دولته الناشئة ، نموذجا سنيا للحكم بحاكم مطلق السلطات والنفوذ وبرأي ديني واحد مطلق السيادة ، غير مفرقين ما بين النبي كنبي أوحد خاتم النبيين ، وبين ذواتهم كوارثين للنبوة والتي لا تورث.

يبدو أن سبب التخلف في النهاية هم رجال الدين أنفسهم مع حلفهم الانتهاري عبر التاريخ ، ثم ألا يبدو خطابهم اليوم خطابا يعود للقرون الوسطى إذا ما قورن بلغة الحداثة اليوم؟

تعالوا نقارن : في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الفصل بين السلطات ، يتحدث مشايخنا – أجلك الله – عن الدمج الكامل للسلطات الدينية والدنيوية في دولة مسلمة.

في الوقت الذي يتكلم في العالم عن الحرية وحق التفكير والإبداع والإعلان عن الرأي المخالف بحماية الدولة ، يتحدث مشايخنا عن الخطوط الحمراء للأمة وثوابتها التليدة.

في الوقت الذي يتكلم في العالم لغة العلم والمدنية والحضارة نتكلم نحن بفقه الأموات ولغة زمان مضى لا يريدون له أن يمضي.

في الوقت الذي يرفع فيه العالم كل القيود عن الحريات نتحدث نحن هنا حد الردة والخروج عن معلوم من الدين بالضرورة وعدم الاجتهاد مع نص.

في الوقت الذي يحكم فيه العالم على ما يكتب المفكر من منطق الحجة والبرهان ومدى المصلحة المتحققة من هذه الكتابة ، تحاكم مجامعنا المفكرين وتدينهم وتهدر دماءهم. وبالمناسبة أتذكر هنا أن المجمع المنوه عنه سبق وطالب مصادرة بعض أعمالي ، وتمت محاكمتي ، وتمت تبرئتي من تهمة الكفر (الازدراء بالأديان) والإفراج عن كتابي ، فإذا كانوا يؤكدون صحة الحديث النبوي : “من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما” ، فهل مع براءتي يكون الأزهر قد باء بها؟

وفي الوقت الذي تتحرك فيه الدنيا في وثبات عملاقة علميا واقتصاديا يدعو مشايخنا إلى الثبات ، لا بل إلى العودة إلى الخلق ، إلى الزمن النبوي حيث خير القرون وهو ما أدى لاحتقار المسلم لزماننا ورفضه له بكل حضارته ومنجزاته.

في الوقت الذي يصبح فيه علم التاريخ علما مخبريا يقوم على التدقيق بأجهزة وأدوات ومركبات كيميائية وتساعده الجيولوجيا والطبوغرافيا والآلسنيات والأركبولوجيا والأنثروبولوجيا لكي نصل إلى صدق وثيقة واحدة فواحدة لنرى التاريخ كما كان في زمانه قدر الإمكان. فإن مشايخنا يمنعون مثل هذا العمل في التاريخ الإسلامي ، ويرفضون تدقيقه ، ويجرمون وصف الآشياء بأسمائها الحقيقية ، بعد أن تم تزييف هذا التاريخ على المسلمين لصالح مذهب بعينة وفئة بذاتها هي الحاكمة وهي المتفقهة.

وفي الوقت الذي تفتح الدنيا أبوابها للنقد لأنه باب المستقبل ونافذة النور لإصلاح الشأن باستمرار نحو الأفضل بجميع ألوان النقد لذلك هي تتقدم ، فإن المسألة عندنا تقوم على مبدأ الستر وتجميل التاريخ الإسلامي ، والذب عنه ، وإحدى وسائل هذا الذب هو عدم كشف عواره ، وإن أي نقد سوف يصب في خانة العداء للإسلام.

وفي الوقت الذي تصبح فيه أعظم نظريات العلم الحديث من الماضي باكتشاف جديد ، ليتحول العالم كله نحو الكشف الجديد ، فإن مشايخنا يرون فهمهم للإسلام صالحا لكل مكان وزمان ، وأنهم المرجعية الدائمة في كل شأن من كيفية التغوط إلى كيفية إطلاق الصواريخ.

في الوقت الذي تبحث فيه الأمم عن أخطائها لإصلاحها أينما كانت فإن مشايخنا صنعوا للمسلمين وعيا لا يرى في نفسه عيبا كما لو كان الاعتراف بالخطأ كفرا ، والأنكى أنه يرى الدنيا كلها عيوبا وأنه الوحيد المنزه.

وفي الوقت الذي يتحرر فيه الفرد من كل قيود المجتمع أللهم إلا القانون الساري على الجميع على التساوي ، فإن مشايخنا يلزموننا السنة في كل سلوك أو بادرة تبدو منا أو قول نقول ، يلازموننا حياتنا الشخصية من الصباح حتى موعد الجماع ويدخلون معنا الكنيف وغرفة النوم. وقد زيد في هذه السنة المستحب عند الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، حتى أصبح المسلم كالإنسان الآلي يردد طوال الوقت الأذكار والأدعية ، مما يدفعه في النهاية إلى حالة ذهان مرضي واضحة في شارعنا الإسلامي.

وفي الوقت الذي تجاوز فيه العالم فكرة الوطن بحدوده إلى عالمية الإنسانية بعولمة هي فرز زمانها الطبيعي ، فإننا خارج هذا كله ، بل نحن لم نصل بعد إلى مرحلة أسبق هي مرحلة المواطنة ، لأن مشايخنا لا يرون للمسلم وطنا سوى دينه وجماعته المتشرذمة من بلاد واق الواق إلى بلاد ماو الماو. فالإسلام هو الوطن وشعب الإسلام هو أي فرد مسلم في العالم. فتضيع الأوطان من المسلمين فيصبحون خارج الجغرافيا بعد أن أصبحوا خارج التاريخ.

وبينما تستفيد الشعوب من نكساتها وهزائمها في منافساتها الحضارية من أجل إصلاح الذات والتقدم على طريق المنافسة ، فإننا نلجأ في هزائمنا لنقف صفوفا وراء مشايخنا لنعلن الحروب في المساجد ضد الأعداء بالدعاء والتزام الطقوس إثباتا للرب أننا صالحون ، وأنه سينظر إلينا بشفقة ويسامحنا ويبرز للدنيا عجائبه فجأة ، فتزول أمريكا وإسرائيل وربما كل الشعوب المتحضرة لنبقى نحن أسيادا على المسكونة دون أن تحقق هذه الدعوات سوى مزيد من الخسائر والتخلف في الواقع ، لأن مشايخنا يجعلون التقدم ثمرة للصلاة والدعوات الصالحات التي قد تغفر الذنوب لكنها أبدا لا تأتي بأي تقدم.

ولو كان للصلاح والتقوى والدعاء الصادق أي دور في التقدم ، لكان سلفنا الصالح هم الأحق بصنع الصواريخ والمضادات الحيوية وهندسة الوراثة ، ولوصلنا إلى القمر ببركة دعاء الوالدين. إن الدعاء لتطهير النفس والصلاة للبعد عن الفحشاء والمنكر ، وليس لاكتشاف الذرة أو أسس الحضارة ، ولم يكونا يوما سببا في أي تقدم أو أي انتصار.

إن التقدم والتحضر هو شأن الإنسان وممكناته وإرادته وقدراته ، التقدم يقوم به عقل حر مطلقا من كل قيد ، لديه القدرة على رفض كل ما هو ضد قوانين العقل والكون ، وهو وحده القادر على إقامة التحضر ، والعقل يقول إن الأخذ بالحداثة والانغراس الفوري فيها هو الطريق إلى التحضر والتقدم.

يقول لنا مشايخنا – رحمك الله – إن المقصود مما يقوله أمثالي أن نعيش كأهل الغرب وانحلالهم الخلقي لكي تنهار أمتنا بتقليدهم ، كما لو كنا متقدمين حقا نخشى الانهيار ، وكما لو أن حياة أهل الغرب قد أدت إلى تخلفهم وانهيارهم.

ومن هذه الفكرة التي ترى الحداثة غزوا ثقافيا مقصودا منها ضرب أمتنا في دينها بعد أن أعاد الاستعمار تشكيل نفسه باستخدام أساليب جديدة ، أي فكرة أن الغرب صليبي يشن عليه حملة صليبية ، لا تفهم هل الغرب صليبي يميني متدين متطرف في تدينه ، أم أنه محل فجور وانحلال وإلحاد ؟


إذن لا علاقة للدين ولا الإيمان بتقدم أو تخلف ، إنما هناك دائما في وجود الجريمة من هو صاحب مصلحة مستفيد ، وهي جريمة تاريخية في حق أمة بكاملها جنى عليها رجال الدين المحترفين ، وكانوا طوال الوقت المسئولين عن الإسلام والمسلمين ، فكان حاميها طوال عشرة قرون هو حراميها.

 

الدكتور سيد القمني وتخلف المسلمين

كامل النجار
kannajar@hotmail.com

2010 / 7 / 28

الدكتور القمني، بدون أي شك، مفكر كبير وكاتب متمكن من مادته التي يكتب عنها، وأنا أتابع أغلب ما يكتب وأتفق معه في معظمه. ولكن كما يقول المثل العربي: لكل جواد كبوة ولكل سيف نبوة، فقد نبا الدكتور القمني في مقاله الموسوم "هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟" المنشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 27/7/2010. حاول الدكتور القمني أن يلقي باللوم في تخلف المسلمين، الذي لا يشك فيه أي ذي بصيرة، على شيوخ الدين الإسلامي، ويعفي الإسلام من هذا التخلف. وهو في هذا المقال بات كمن يلوم المرأة التي تُغتصب على جريمة الاغتصاب لأنها لم تغطِ جسدها بالعباءة، بدل أن يلوم الرجل الذي اغتصبها. فشيوخ الإسلام لم يأتوا بأقوال مقتبسة من البوذية أو الماركسية، وإنما نطقوا بما أتى به القرآن وكُتب الأحاديث. فالإسلام هو الذي اغتصب تلك العقول البريئة، سواء أكانت عقول العامة أو عقول الشيوخ، رغم أنها عقول محجبة ولم تعرف السفور الفكري منذ مجيء الإسلام.
شيوخ الإسلام قد بالغوا في عدائهم للعقل وكفروا كل من تحدث بغير ما يتحدثون به، فلامهم الدكتور القمني على ذلك بقوله ( لا مخرج لمشايخنا من هذا الفخ التاريخي إلا الاعتراف للناس بصدق الإيمان ، وسحبهم كل تكفيراتهم وتأثيمهم للمسلمين البسطاء الذين لم يتربحوا بهذا الإسلام لا اليوم ولا أمس ، ولم يقبضوا الهبات والأموال والصدقات والزكاة والرضي السلطاني ليحافظوا عليه. حافظوا عليه فقط لإنه دينهم وجزء عظيم من ثقافتهم وهويتهم ، حافظوا عليه وهم يأكلون الفقر والفقر يأكلهم ، ولأنهم ببساطة يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه) انتهى.
هؤلاء المسلمون البسطاء الذي يمثلون أكثر من تسعين بالمئة من تعداد المسلمين، هم الطبقات الكادحة من الفلاحين والعمال والحرفيين والنساء اللاتي لا عمل لهن غير إنتاج وتربية الأطفال. وهم في الغالبية أميون لا يفهمون لغة خطباء المساجد، إن سمح لهم كسب قوتهم بارتياد المساجد. ولكن مع ذلك (حافظوا عليه فقط لإنه دينهم وجزء عظيم من ثقافتهم وهويتهم، حافظوا عليه وهم يأكلون الفقر والفقر يأكلهم ، ولأنهم ببساطة يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه) كما يقول دكتور القمني. فما الذي جعل هؤلاء البؤساء يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه؟ السبب الرئيسي في ذلك هو الثقافة الإسلامية التي شربوها مع لبن أمهاتهم وهم أطفال. هم تربوا على أن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الصحيح وما غيره محرّف وأتباعه ضالون. تعلموا ذلك في بيوتهم قبل أن يرتادوا المساجد أو كتاتيب تحفيظ القرآن. فالثقافة الإسلامية التي استقاها آباؤهم بالوراثة هي المسؤولة عن هذا التخلف، وهي التي جعلتهم يعتبرون الإسلام هويتهم الوحيدة. وقد استقوا هذه الثقافة من تعاليم وأفعال محمد وتناقلوها شفهياً على مر العصور، فأصبحت طبيعة ثانية لهم كالفطرة، لا تحتاج إلى شيوخ الإسلام لزرعها فيهم.
يسأل الدكتور القمني: (فهل يبدو من ذلك أن الإسلام هو الذي أدى إلى تخلف الأمة ؟ إن السؤال هنا يغفل تقدم الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأول. إذن الإسلام ليس سبب التخلف !!) انتهى. من الغريب أن يصدر مثل هذا الاستنتاج من رجل بمكانة الدكتور القمني، لأن الاستنتاج مبني على فرضية غير صحيحة. فهل فعلاً تقدمت الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأولى من تاريخ الإسلام؟
القرن الأول من تاريخ الإسلام ومنذ هجرة محمد إلى المدينة، انقضى معظمه في غزوات محمد الشهيرة، وفي الحروب الاستعمارية التي شنها عمر بن الخطاب على مصر والعراق وفارس، ثم القتال على السلطة بين معاوية وعلي بن أبي طالب، ثم القتال بين الخوارج وعلي بن أبي طالب. وتبع ذلك قتال معاوية وابنه يزيد وبقية خلفاء دولة بني أمية مع أهل مكة والمدينة ومع الحسين بن علي، ثم في إخماد الثورات العديدة على بني أمية والتي كان الحجاج بن يوسف فيها سيف معاوية المسلول، كما كان خالد بن الوليد سيف الإسلام الذي رفض عثمان بن عفان أن يرده إلى غمده رغم الجرائم العديدة التي رتكبها.
ثم جاءت الدولة العباسية في القرن الثاني واستمرت ستة قرون لم تشهد شيئاً من التقدم غير بيت الحكمة الذي ترجم التراث الإغريقي والروماني إلى العربية، وكان الفضل في ذلك راجعاً إلى المترجمين النصارى من أمثال حُنين بن إسحق الذي كان كبير المترجمين للمأمون. ثم جاء الخليفة المتوكل وشن حرباً ضروساً على المعتزلة الذين كانوا قد استفادوا من ترجمة التراث الإغريقي وحاولوا النهوض بالفكر الإسلامي، فقتل المتوكل أعداداً كبيرة من أصحاب الفكر الحر وأجبر الشيوخ والفهاء على تبني فكرة أن القرآن أزلي وليس مخلوقاً. وبقية خلفاء الدولة العباسية شغلوا أنفسهم بجباية الضرائب التي صرفوها على القصور واللهو والمجون.
القلائل من المفكرين المسلمين الذين استفادوا من ترجمة التراث الإغريقي كانوا فارسيين أصحاب حضارة عريقة وعلم، أُجبروا على الإسلام. فنبوغهم في الفلسفة والمنطق لم يكن لأنهم أسلموا وإنما لأنهم كانوا أهل علم واستغلوا فرصة ترجمة التراث الإغريقي إلى العربية، فزادوا في علومهم وطوروها. وكان هناك أفرادٌ يُعدون على أصابع اليدين من العرب. وحتى هذه القلة من المفكرين حاربهم فقهاء الإسلام من أمثال حجة الإسلام الغزالي وكفروهم وحرقوا كتبهم. وبما أن الدولة العباسية كانت قد غصت بالعبيد والموالي، شغلت ثورات الزنج والبرامكة والموالي أغلب سنوات الدولة. ولم يُثبت لنا التاريخ أي تقدم حضاري سوى الفن المعماري الذي اقتضته حاجة الخلفاء إلى بناء قصور فخمة تحتوي الغلمان والجواري والزوجات. وحتى الفن المعماري كان مصمموه من فارس وبيزنطة وبقية البلاد ذات الحضارات السامقة التي احتلها المسلمون. والجدير بالذكر أن القرنين الثاتي والثالث بعد الهجرة شهدا ظهور فقهاء المذاهب الأربعة السنية (مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل)، الذين شتتوا المسلمين إلى مذاهب متناحرة عقائدياً، مع ظهور البخاري الذي ملأ الإسلام بكل أنواع الخزعبلات. فالتقدم الوحيد في العلوم في تلك الفترة من تاريخ الإسلام انحصر في سرقة الصفر من الهند والزعم بأنه اختراع إسلامي، ثم بداية علم الجبر وعلم النبات وبعض البصريات، وفي نفس الوقت، والشكر للبخاري، أصبح العلاج ببول البعير والحبة السوداء المقومات الرئيسية لعلاج الأمراض في كل أجزاء الإمبراطورية الإسلامية. فهل كان هناك فعلاً تقدم في القرون الأربعة الأولى من تاريخ الإسلام؟
يقول الدكتور القمني (لكن إذا كان ذلك كذلك وأنه دين تحضر فلماذا نحن اليوم متخلفون؟
يبدو أن هناك أختلاطا ما في المسألة يؤدي إلى التباسها ، هو أن الدين في حد ذاته كدين ليس طرفا في الموضوع ، إنما هو خارج اللعبة وبرئ من التخلف كما هو برئ من التقدم. وأن الإسلام كدين في حد ذاته لم يكن عنصرا في إنجازات الرازي والفارابي وابن الهيثم ، وليس عنصرا في اختفاء العلماء من بلادنا منذ هذه الكوكبة اليتيمة التي نستدعيها نندب عليها حضارتنا الموؤدة دفاعا عن الإسلام والإسلام منها برئ. فبالإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلقوا عليها لفورتها القاطرة نحو قطار الحضارة باسم النمور الآسيوية. . وبالإسلام نفسه تعيش بقية دول المسلمين في مؤخرة الأمم. إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين. لكنها في كيفية استثمار هذا الدين ، فهناك من استثمره في التقدم ، ومنه من يستثمره في التخلف) انتهى.
طرح الدكتور القمني هنا عدة نقاط أجد نفسي عاجزاً عن قبولها. يقول اولاً: (إذا كان الإسلام دين تحضر، فلماذا نحن متخلفون؟) وقد وجدت صعوبةً جمة في فهم أن يكون الإسلام دين تحضر. لكي نفهم ذلك علينا أن نُعرّف كلمة "حضارة". يقول قاموس أميركان هيرتدج
American Heritage

Dictionary
الحضارة هي: An advanced state of intellectual, cultural, andmaterial development in human society, marked by progress in the arts andsciences, the extensive use of record-keeping, including writing, and theappearance of complex political and social institutions.
(الحضارة حالة متقدمة من التطور العقلي، والثقافي، والمادي في مجموعة بشرية، من علاماتها التقدم في مجالات الفن والعلوم، وانتشار التدوين، بما فيه الكتابة، وظهور أنظمة سيلسية واجتماعية متقدمة) انتهى.
ويقول سارتر في بيانه التاريخي في مؤتمر السلام ونزع السلاح عام 1962: ( الفقافة هي وعي الإنسان الدائم التطور بنفسه وبالعالم الذي يعيش ويعمل ويكافح فيه. وإذا كان هذا الوعي صحيحاً وإذا لم يزوّر تزويراً متعمداً منظماً، فإننا سنترك بالرغم من أخطائنا وجهالاتنا تراثاً سليماً لللاحقين، وأما إذا أخضعنا عملنا لنزعات العدوان فإننا سنجعل أطفالنا الذين يستهلكون هذه الحقائق المسمومة فاشيين أو يائسين، ألا فلنحذر هذا الخطر المهدد) ( علي شبيب ورد: العنف والسلام في الخطاب الثقافي-إيلاف 27 أبريل 2005)

فهل كان للإسلام حضارة، حتى في القرون الأربعة الأوائل التي ذكرها دكتور القمني؟ بالطبع لم تكن هناك أي حضارة أو تطور عقلي لأن الذين استفادوا من ترجمة التراث الإغريقي كانوا أقلية، وقد تأكد فقهاء الإسلام وأولي الأمر من تكفيرهم وحرق كتبهم، وظل العامة من المسلمين في أميتهم. حتى بعض الفقهاء كانوا أميين أو لا يحسنون الكتابة، مثل الإمام مالك الذي كان يعتمد على الإلقاء الشفهي في دروسه، وجمع طلبته، بما فيهم محمد القاسم كتاب المدونة للإمام مالك. فالقرآن لم يوصِ بتعلم القراءة والكتابة، ومحمد والخلفاء الراشدون لم ينشئوا مدرسة واحدة تعلم الناس القراءة والكتابة. وكذلك الحال في الدولة الأموية. واستمر أغلب المسلمين أميين كرسولهم، حتى يومنا هذا. أما مجالات الفن والعلوم فقد حرّم الإسلام الفنون من غناء ورسم ونحت، وبقية العلوم فقد حصرها الإسلام في العلوم الدينية فقط، وكان محمد يتعوز من شر علمٍ لا ينفع. أما الأنظمة السياسية المتقدمة فلم يكن لها وجود في الإسلام منذ أن قال القرآن (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم)، وظل نظام الحكم وراثياً منذ بداية الدولة الأموية إلى نهاية الخلافة العثمانية في عام 1924. وما زال العالم الإسلامي كله يُحكم بالوراثة أو بالبندقية العسكرية. فحسب تعريف الحضارة لم تكن هناك أي حضارة إسلامية. فهل نلوم شيوخ الإسلام على ذلك أم نلوم التعاليم الإسلامية نفسها التي لم يحض القرآن فيها على تعلم القراءة والكتابة، وحرم القرآن الفائدة على الديون وبذلك قضى على نظام الشركات المتقدم الذي كان تجار مكة قد برعوا فيه وأقاموا عدة أنواع من الشركات تعمل بنظام المرابحة والبيع المؤجل، وبرعوا كذلك في تحديد المقاييس والأوزان التي ما زال بعضها مستعملاً في عالم اليوم. ألغى الإسلام كل هذه الشركات وأتى محمد بديلاً عنه بوزن الصاع، وأصبحت الزكاة تقاس بصاع أو صاعين من الشعير بدل الوزن. وفرض الإسلام على الرعاة والمزارعين والتجار ضرائب العُشر وغيرها مما أدى إلى إفقار العامة وإغناء الخلفاء والوزراء. فهل يمكن أن نلوم شيوخ الإسلام على هذه التشريعات القرآنية والسنة المحمدية؟
أما قول الدكتور (فبالإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلقوا عليها لفورتها القاطرة نحو قطار الحضارة باسم النمور الآسيوية) قول لا يمكن أن نقبله. فالنمور الأسيوية هي: هونج كونج، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وبعضهم يضيف تايوان للقائمة. فالأولى والثانية دول علمانية يدين أغلب شكانها بالبوذية، وكوريا الجنوبية أغلبها كاثوليك وهي دولة علمانية، وماليزيا التي يكوّن المسلمون فيها حوالي 60 بالمائة، يحكمها قانون علماني ويغلب على سكانها المسلمين الفقر والجهل، وجُل رأس مالها في أيدي الأقلية الصينية الذين يكوّنون حوالي ثلاثين بالمئة. فتقدم ماليزيا لم يأت بسبب الإسلام، بل رغماً عنه.
أما قوله الآخر: (إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين. لكنها في كيفية استثمار هذا الدين ، فهناك من استثمره في التقدم ، ومنه من يستثمره في التخلف) قول نختلف معه فيه. كل الأديان منذ نشأتها شجعت على تقوية نفوذ رجالات الدين لأنهم الحافظون لكلمات الإله. فالأديان لا تنطق بتعاليمها إنما ينطق بها ممثلو الإله على الأرض، وكلٌ يحسب تأويله للنص. وبما النصوص في كل الأديان قابلة للتأويل فقد تعود رجالات الدين على تأويلها لصالحهم وصالح الحكام، مقابل رشاوى السلاطين لهم، ولا لوم عليهم في ذلك لأنها الطريقة الوحيدة التي يكسبون بها قوتهم. فالمشكلة في الأديان التي أتت بنصوص مائعة وقابلة لعدة تأويلات. وقد أوّل رجالات الكنيسة الكاثوليكية النصوص بما يبيح لهم السيطرة على العامة وحتى على الملوك، وقتلوا العلماء الحقيقيين اعتماداً على هذه النصوص، وبذلك آخروا تطور العلم والبشرية. وجاراهم فقهاء الإسلام في نفس الأسلوب. فالأديان تؤخر البشرية، وليس لدينا حتى مثالاً واحداً لدين أدى إلى تقدم البشر ثقافياً أو مادياً أو حتى أخلاقياً لأن رجالات الأديان يعظون بالتقوى ويأتون بما يندى له الجبين من الأفعال، وكل ذلك اعتماداً على تأويل النصوص.
وقد أدان الدكتور القمني الدين الإسلامي بنفسه عندما قال: (فإن منظومة الخلافة الإسلامية المسربلة بالدين وحلف رجاله المحترفين كانت هي نموذج الدمج الكامل للسلطات دينية ودنيوية ، باحتساب النبي الذي حاز كل السلطات بيديه في دولته الناشئة ، نموذجا سنيا للحكم بحاكم مطلق السلطات والنفوذ وبرأي ديني واحد مطلق السيادة ، غير مفرقين ما بين النبي كنبي أوحد خاتم النبيين ، وبين ذواتهم كوارثين للنبوة والتي لا تورث) انتهى.
فإذا كان نبي الإسلام نفسه قد كرّس كل السلطات في يديه، وأمر بالاغتيالات السياسية بدون أي خوف من محاسبة الآخرين له لأنه هو ممثل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، كيف نلوم شيوخ الإسلام إذا فعلوا أو طالبوا بفعل ما فعله نبي الإسلام؟ ولماذا يكون نبي الإسلام مختلفاً عن كل الأنبياء قبله، فيسوع لم يملك السلطات الدنيوية في يديه، وكذلك لم يفعل موسى الذي جعل أمور الدنيا في يد الكهنة من قبيلة لاوي. وإذا كان الإسلام القصد منه تقدم المسلمين سياسياً ومادياً، لماذا لم يُشرّع محمد لنظام الحكم بعده، ويعلمهم كيف يتبادلون السلطة، قبل أن يموت؟ أم أن الموت فاجأه وهو ما زال في انتظار الصبي الوريث؟
ثم يقول الدكتور القمني: (وفي الوقت الذي تفتح الدنيا أبوابها للنقد لأنه باب المستقبل ونافذة النور لإصلاح الشأن باستمرار نحو الأفضل بجميع ألوان النقد لذلك هي تتقدم ، فإن المسألة عندنا تقوم على مبدأ الستر وتجميل التاريخ الإسلامي ، والذب عنه ، وإحدى وسائل هذا الذب هو عدم كشف عواره ، وإن أي نقد سوف يصب في خانة العداء للإسلام) انتهى.
صحيح أن شيوخ الإسلام لا يتقبلون النقد، ولكنهم بذلك يتبعون خطى رسول الإسلام الذي يقول لهم في لبقرآن (وما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) (غافر 40) والجدال هو النقاش وتبيان الخطأ، أي النقد. وكذلك (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) (غافر 56). وكذلك (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتهم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذاً مثلهم) (النساء 140). فالنقاش في آيات الله ممنوع منعاً باتاً. وعندما قال محمد لأصحابه في موقعة بدر "إذا رأيتم أحداً من بني هاشم فلا تقتلوه" ورد عليه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بقوله "أنقتل آباءنا وأبناءنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف". فلجأ محمد إلى عمر بن الخطاب الذي أراد أن يقتل حذيفه لنقده ما قال رسول الله (ملخص السيرة لابن كثير، ص 217). فالنقد غير محتمل إطلاقاً، لا في القرآن ولافي أفعال وأقوال محمد. فشيوخ الإسلام لديهم سند من القرآن والسنة لمنع النقد. ولذلك عندما انتقد صالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، وأبو عيسى الوراق، وبشار بن برد، وحماد عجرد، وأبان بن عبد الحميد اللاحقي، ومحمد بن عبد الله بن المقفع، وعبد المسيح الكندي، وأبو الحسن أحمد بن يحيي الراوندي (ت 298هجرية وألف كتاب "الدامغ" وكتاب "الزمرد" في نقد القرآن) الإسلام، كان مصيرهم القتل أو السجن وحرق الكتب.
ويقول د. سيد القمني كذلك (وبينما تستفيد الشعوب من نكساتها وهزائمها في منافساتها الحضارية من أجل إصلاح الذات والتقدم على طريق المنافسة ، فإننا نلجأ في هزائمنا لنقف صفوفا وراء مشايخنا لنعلن الحروب في المساجد ضد الأعداء بالدعاء والتزام الطقوس إثباتا للرب أننا صالحون ، وأنه سينظر إلينا بشفقة ويسامحنا ويبرز للدنيا عجائبه فجأة ، فتزول أمريكا وإسرائيل وربما كل الشعوب المتحضرة لنبقى نحن أسيادا على المسكونة دون أن تحقق هذه الدعوات سوى مزيد من الخسائر والتخلف في الواقع) انتهى.
فمن أين أتى شيوخ الإسلام بهذه الأدعية على اليهود والنصارى؟ ألم ترد في القرآن (وقال نوح ربِ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا) (نوح 26، 27). فكل شيء يقوله رجال الدين الإسلامي يأتي من الكتاب والسنة.
يؤسفني أن أختلف مع الدكتور سيد القمني في هذا المقال، وأرجو أن يتقبل اختلافي معه بروح النقد الذي لا يعلو عليه أحد أو نص.

اجمالي القراءات 8740
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق