الدين والسياسة

الثلاثاء ٢٣ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
لماذا ينتهى الصراع السياسى بين العرب بالدم والارهاب ، بينما يكون فى الغرب سلميا ؟
آحمد صبحي منصور :

1 ـ السبب هو إقحام الدين فى السياسة .  

2 ـ الصراع السياسي لا يمكن تفاديه ، حتى فى داخل النظام الحاكم ، وكل مشتغل بالسياسة يرى نفسه أحق من الآخرين بالتقدم إلى منصب الصدارة وفى خارج النظام هناك قوى سياسية ترى نفسها الأحق بالحكم ولا ترى فى النظام الحاكم إلا العيوب دون أي إيجابية . كل ذلك وارد ومفهوم طالما يدور الصراع فى نطاق السياسة وبهدف معروف ومكشوف هو الحكم والجاه والسلطة وحب الظهور .. بل أقول كل ذلك جائز حتى لو استباح كل فريق لنفسه خداع الجماهير بأنه يسهر على رعايتها ويناضل من أجلها ويعمل لصالحها ويهب حياته وعمره فى سبيلها . يجوز ذلك فى لعبة السياسة طالما يتم بأدوات دنيوية ومطامع دنيوية أما الذي لا يجوز فهو إقحام الدين فى تلك الألاعيب التي يعلم الجميع أن الهدف منها هو استخدام الدين للمتاجرة به للارتزاق الدنيوي .. ليس إلا ..إن الفرقاء السياسيين حين يستخدمون الدين فى صراعهم السياسي يرتكبون خطايا دينية وسياسية ويدخلون منطقة ملغومة لا يخرجون منها .. إذا أن النصوص الدينية يسهل تطويعها بالمقدرة الفذة لعلماء السلطة المحترفين وخصومهم من محترفي الدجل الديني السياسي ، مما يؤدى فى النهاية إلى ضياع هيبة التنزيل بل وربما اختفاء الثقة فى الدين نفسه ، طالما يصدق الناس ما يلقى إليهم من استشهادات دينية منمقة ولكن مبتورة أو مزيفة ..إن من السهل على علماء السلطة الاحتجاج بالآيات التي تتهم الخصوم بأنهم خوارج مفسدون فى الأرض يحاربون الشرعية وجزاؤهم أن يطبق عليهم حد الحرابة وفى المقابل يستطيع الشيوخ المناضلون الاحتجاج بالظلم ويرفعون لواء التكفير للسلطة الحاكمة بل والمجتمع وما يتبع ذلك من فرضية الجهاد ..والحوار السياسي يستطيع دائما أن يصل إلى نقاط التقاء ، بل أن كل المشاكل والمفاوضات " الدنيوية " يمكن فيها الوصول لحل وسط ، والسياسة بالذات هي "فن" الممكن فى الزمن المستحيل ، " فن " أن تقنع الآخرين بأنه ليس من الضروري أن يكون مجموع الثلاثة والاثنين يساوى خمسة قد يساوى خمسة وقد يساوى ستة حسب الظروف والمصالح ..هذه المرونة السياسية تضيع تماما إذا تلاعبت السياسة بالدين وأصبحت النصوص الدينية المقدسة " أو التي توصف بذلك " هي الفيصل فى الموضوع ، عندما يتمسك كل فريق بما لديه من براهين تبلغ عنده  مرتبة الاعتقاد ويعتبر التنازل عنها كفرا وإلحادا .. لذلك يتمسك بنفي الآخر ومصادرته تماما ، أي يحكم عليه بالإبادة التامة والتصفية النهائية . والنتيجة استمرار الصراع إلى ما لا نهاية ، وحتى لو استطاع فريق الانتصار وإبادة خصمه ماديا فإن الخانعين من الأسرى سيضطرون لإعلان التوبة باللسان ويستمرون فى التآمر تحت الأرض .وتلك هي المحصلة النهائية لإقحام الدين فى ألاعيب السياسة .

3 ــ .إن الدين إيمان والإيمان أمن وسلام .. وشريعة الدين تأمر بالعدل والإحسان .. وغاية البشرية فى كل زمان ومكان هي الوصول للأمن والإسلام والعدل والإحسان والسمو الخلقي .. والرسالات السماوية نزلت بكل هذه المعاني العظيمة وبكل اللغات ، والسياسة إذا أفلحت حققت ما يصبوا إليه البشر من الأمن والسلام والعدل والإحسان .. ويمكن للسياسة أن تحقق ذلك بدون شعارات وبدون التمسح بالدين لأن الضمير البشرى قد استقرت فى داخله كل تلك المعاني السامية .. ولكن الخطورة أن يتمسح حاكم بالدين فيصل إلى الاستبداد وأن يكون حاكما مؤلها أو يتسربل ثائر بالدين ويخدع الجماهير بالجنة الموعودة بينما هو يدخر لهم الظلم والاستبداد وسفك الدماء . إن الخروج من هذا المأزق يتمثل فى أن نتصارع سياسيا بأدوات السياسية وأن يظل الدين فى مكانه السامي العالي بعيدا عن أهوائنا وطموحاتنا وتفسيراتنا   فذلك أطهر للدين وأسلم للسياسة.

 ويكفى الإسلام العظيم ما ألحقه به فقهاء السلطة منذ العصر العباسي . 



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 6185
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   أبو أيوب الكويتي     في   الجمعة ٢٦ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82960]

جميل !


دائما مقنع يادكتور احمد 



بارك الله لنا في عبقريتك الفريدة في الاقناع بالحق ! 



نحمد الله ان سخر لنا عبقرية مثلك لتقنعنا بالحق ونحمد الله انك لم تستغل عبقريتك في الشر ! 



تحياتي 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5203
اجمالي القراءات : 59,957,018
تعليقات له : 5,492
تعليقات عليه : 14,891
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


عن لحظة الاحتضار: سؤال من الاست اذة القرآ نية منيرة محمد حسين...

مجنون رسمى .!!: بسم الله الرحم ن الرحي م العلي العظي م ...

مركزللاجتماع: اخي العزي ز احمد صبحي منصور انا اعلم الضغو ط ...

ثواب جرحى الثورة: ما هو ثواب من فقد عينيه فى الثور ة المصر ية ...

العترة الطاهرة و...!: هل يوجد في الإسل ام عترة طاهرة و غير طاهرة ؟! ...

الدعاء فى الصلاة: انا اعلم انكم قلتم الصلا ة كما هي ماعدا هجص...

إقرأ لنا لو سمحت: اريد ان اعرف كيف التقي الرسو ل بجبري ل في...

مرتزق معتد أثيم : كيفك شيخ احمد عندي خالي ذهب الى اليمن حارب...

حق التشريع : من له الحق التشر يع في الدين الاسل امى ؟ ...

ويخلق ما لا تعلمون : ما معنى قول الله جل وعلا ( ويخلق ما لا تعلمو ن )...

وصية وغير واجبة.!!!: لماذا الوصي ة الواج بة؟ الابن يرث إذا مات...

أنا أخطأت ..ولكن ..: العزي ز د. منصور اشكر ك و أقدر لك وقوقك فردا...

الاجهاض: هل يجوز اسقاط الحمل ؟...

دون الجهر : ساعات أذكر الله جل وعلا واسبح ه في نفسى وقلبى...

صوفية وملحدون: لاحظت ان اغلب القنو ات المصر ية المؤي دة ...

more