امارير امارير Ýí 2012-06-18
قصّة العداء بين الإسلام ، العَلمانيّة والدولة قصةٌ مشابهةٌ لقصة الدب الذي حاول أن يحمي صاحبه من ذبابةٍ أثناء نومه ، وكما قال الإخوان المسلمون : [ ... لقد سمعتم عنّا ، فاسمعوا منّا ] ، فإنّنا نقول : [ ... أنصتوا لنا ] ، فقدرنا كليبيّين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمّة الليبيّة هو أن نتعلّم كيف نعيش مع بعضنا البعض ، عبر قواعد تأسس للمساواة ، الحرية والعدالة الإجتماعيّة ، فالسلطة العامة للدولة يجب ان تكون محايدةً بحيث لا تنقلب الدولة من صورة مستبدٍ الى صورة مستبدٍ آخر ، علينا أن نتعلّم أيضا التكيّف وصدمة [ تعايش الإختلافات ] فنحن الليبيّون في حقيقة الأمر جماعاتٌ متداخلةٌ فرضها الواقع عبر كل المستويات ، الإثنيّة ، اللغويّة ، الثقافيّة ، الفكريّة ، المذهبيّة ، السياسيّة والإجتماعيّة أيضاً ، وعند الحديث عن العَلمانيّة يجب اولاً أن نؤسس لقاعدةٍ معرفيّةٍ ننطلق عبرها للحديث عبر توقّع حسن النيّة طبعاً ، ذات الأمر عند الحديث عن [ الشريعة ] التي يعتقد الجميع أنّهم يلامسون فهمها ، والحديث هنا عن الملل والنحل ، المذاهب والفرق ، الفقهاء والمقلّدون أيضاً ، تلك التي تفرقت كما يعبّر القرآن نفسه عن حال اليوم والأمس البعيد أيضاً : { شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } الروم 32 ، فالاعتقاد الراسخ في الربط بين العَلمانيّة ورفض الشريعة ، رغم اختلاف مفهوم الشريعة في الأصل لدى الإسلاميّين أنفسهم ، أقصى اليمين المنغلق [ السلفيّة مثالاً ] وأقصى اليسار الميكافيّلي [ الإخوان نموذجاً ] ، ربطٌ مبنيٌّ على قراءةٍ لكلماتٍ لا تنقصها سوى أحرفها ، إذ يُعتقد أن كلمة [ العَلمانيّة ] بالفتح في أوّلها ليست سوى ترجمةً خاطئةً لكلمة[Secularism ] في الإنجليزية، أو [ Secularite ] بالفرنسية ، بل أن بعض الأصوليّين يؤكّد قائلاً في شكل من أشكال التشكيك المُخادع : [ ... الترجمة الصحيحة للكلمة هي اللادينية أو الدنيوية ، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب ، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين ، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد] ، وكأنه هنالك عداء بين الدين والدنيا أصلأ ، فلو صدق هذا التعريف ، فإن القائل به يقول أن الدنيويّة هي أيضاً عداءٌ للدين وهذا هو الغريب صراحةً لأنه يناقض كون الدين أصلاً هو نظامٌ يخص الحياة الدنيا للمجتمع بالدرجة الأولى : { لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } يس 70 ، لكن في واقع الأمر نجد أن المصطلح كما يُعتقد منحوتٌ من كلمة[ Laicitie] منتصف القرن التاسع عشر كما يخبرنا المشايخ والأئمة من يختفون خلف هذا التعليل لغاية قدحه ، لكن الأًصل اللغوي للكلمة غنيٌّ بالمعاني في واقع الأمر ومن السذاجة اختزاله في معنى واحدٍ أو قراءته عبر تصوّر مليء بالنوايا السيئة ، فالأصل اليوناني [ Laos] يدل على : ... [ وحدة السكّان ] ، الفرد العلماني : [ ... هو الفرد الواحد من الشعب الذي لا تميّزه أي حقوقٍ ممتازةٍ عن الآخرين ، ولا ترفعه الى مرتبةٍ أعلى منهم ، فلادور له معترفٌ مسؤولٌ عن الضمير ولا سلطة له ليفرض على الناس ما يجب أن يؤمنوا به ] ، و هذه في واقع الأمر فكرةٌ أتى القرآن لأجل تكريسها في صريح نصوصه ، دون العودة للتأويلات السياسيّة للفقهاء ، والتي أتت فقط لتقدم مبرّرات الإستبداد ، حيث النّص القرآني يؤسس للحريّة في الإختيار : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } الغاشية 22 ، تحديد مساحة الحق في هذا الإختيار ضمن مساحة الضمير لا عبر نفوذ السلطة : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } يونس 99 ، ضمان الحق في الإختلاف : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } الشورى 10 ، أو كما يقول الكواكبي : [ ... عدد الفقهاء من لا تُقبل شهادتهم ، لسقوط عدالتهم ، فذكروا حتّى من يأكل ماشياً في الأسواق ، لكن شيطان الاستبداد أنساهم أن يفسّقوا الأمراء الظالمين فيردّوا شهادتهم ] .
وعلى جانبٍ آخر فإن اللفظ ورد باللّغة العربيّة في القرن التاسع أو العاشر على أبعد تقدير أول ظهوره في التداول اللغوي بالعربيّة ، إذ يجب العودة لمنظور التحديد التاريخي لدخول كلمة العَلمانيّة حقل التداول العربي ، ففي كتاب [ مصباح العقل ] للاهوتي المسيحي القبطي [ ساويروس بن المقفّع ] ، و هو أحد كتّاب الدولة الإخشيديّة أبان الدولة الفاطميّة ، في معرض الكلام عن الخلاف بين الطوائف المسيحيّة حول زواج الكاهن ، يقول : [ ... رأى للمتقدّمون بعد ذلك رأياً في الأساقفة ، امّا المصريّون فرأوا أن يكون الأسقف بالإسكندريّة خصوصاً بتولاً لم يتزوّج في حال عَلمَنته ] ، وهنا نجد أن الكلمة تعود الى الجذر اللاتيني [Laicus ]بمعنى المنتمون الى الشعب ، أو الأميّين من هم ليسوا رجال كهنوت ، الذين يحتكرون العلم و الحديث باسم الله ، فبرأ الله الرسول من شبهة الكاهن : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ } الطور 29 ، { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } آل عمران 79 ، كما أنّ الأمييّن داخل النصّ القرآني هم من ليسوا بأهل كتاب ، من لا يعترفون بسلطة التلموذ أو بدور الراهب { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } الجمعة 2 ، { وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } آل عمران 20 ، و بناءً عليه تكون العلاقة بين الإسلام ورجل الدين علاقةً محفوفة بالمخاطر ، إذ أن كلاً منهما لا يعترف بالآخر، السلطة الدينيّة في الإسلام حسب لسان القرآن غير موجودةٌ أصلاَ ، بل أن النّص يلحّ على تأصيل المسؤوليّة الشخصيّة في اختيار قرارات الإيمان من عدمه حتّى في بسيط الأمور : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } القمر 17 ، { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } النحل 43 ، { وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } المعارج 10 ، الضمير في خطاب القرآن لا يتعرّض للعنف في اختيار المذهب أو العقيدة ، الحق في الإختيار طريقٌ مفتوحٌ مادام الإنسان حيّاً ، عبر الدخول الدائم في دائرة إعادة إنتاج الإيمان : { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } البقرة 260 ، والعنف هو حال الدولة التي تتبنّى ديناً ، وفي حالة الإسلام فإن المذهب سيصبح مقياساً عامّاً تقدّمه السلطة مفروضاً على الكل ، وهذه هو الإختراق الأول لحق الإختيار داخل دائرة الإسلام نفسه .
الأصل في العلمانيّة هو ما يسمّى [ الحياد الديني ] عبر إعادة الحياة الروحيّة الى الحريّة المطلقة ، وهو لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال انّ الدولة صارت لا تكترث لأي قيمةٍ أخلاقيّة بل العكس تماماً هو الصحيح ، المجتمع العلماني هو المجتمع السياسي الي يستطيع الجميع فيه أن يعترفوا ببعضهم البعض ، فلا يعقل في حقيقة الأمر ان يعطى للدولة الحق في سنّ قانونٍ يتناول الحياة الروحيّة عبر توجيه [ الضمير ] ومراقبته عبر إغداق الامتيازات لمذهبٍ معيّنٍ دون آخر ، لأن الأمر في واقع الأمر يشيع انتشار حالةٍ أشار لها صريح النص القرآني بسورةٍ كاملةٍ تتحدّث عن [ المنافقين ] ، وهم حسب لسان القرآن طائفة مكتنزة داخل الضمير الكلّي للامة لا يمكن التعرف عليها : { وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } العنكبوت 11 ، فمراقبة الضمير أمرٌ لا تستطيع الدولة وأجهزتها فعله أبداً ، الدولة جماعةٌ تكوّنت باختيارها سياسيّاً فقط ، ولا تستطيع الإدعاء انّها تستطيع الحديث باسم المجتمع كلّه عبر الأصعدة الثقافيّة ، الدينيّة والإجتماعيّة ، حيث يجب أن يُترك المجال مباحاً لكل المذاهب ، الأفكار ، والتوجّهات للعمل في الشأن العام عبر ساحة عرض الرأي دون وصايةٍ أو تقيّد أو توجيهٍ ليتم إرساء مفهوم العدالة التي هي روح القرآن وأصل الدين : { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } النحل 76 ، فالحياة المشتركة لا تعني بأي شكلٍ من الأشكال الحق في الإشراف على معتقد المرء أو توجيهه ، حينها يكون الشعب ذو السيادة مصدر قانون المدينة التي يعيش فيها ، إذ أن ؤلائك الذين يقولون بالربط بين الدين والدولة لا يملكون مثالاً يمكن إعتماده نموذجاً عبر التاريخ الإسلامي بعد وفاة الرسول الكريم ،ولا يملكون أيضاً تصوّراً واضحاً لمفهوم الإسلام السياسي أيضاً إلا عبر محاولة إعادة خلق هيئة [ الإكليروس ] المسيحي بشكلٍ آخر ، أسموه [ دارالإفتاء ] الذي يمتلك سلطةً لا سند لها في بنيان الدولة أصلاً ، حيث يقوم القائمون على هذه الدار بإغلاق الباب أمام الفاعلين إجتماعيّاً ، أو الأفراد أصحاب القيمة المعرفيّة في تفعيل الرأي والفكر في النصوص التي لم تشملها الأحكام الكليّة في القرآن الكريم ، والتي جُعلت مباحةً للتفاعل مع المكان والزمان على تغيّرهما قبل إقفال باب الإجتهاد ، ليكون الإسلام علمانيّاً بطبيعته عبر المسير بالتطوّر الاجتماعي الصالح نحو الأمام لا بالعودة به نحو الوراء : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } المائدة 48 ، الإسلام بمفهومه التعبّدي البسيط ثابتٌ لا يتغيّر لكنّه في مفاهيم السياسة والدولة فإنه مبهمٌ غير واضح ، ولنا مثلاً في رصيد الإخوان المسلمين المتضارب خير دليلٍ من [ تكفيريّة ] سيّد قطب ،وشكري مصطفى ، مروراً [ بوسطيّة ] حسن الهضيبي صاحب كتاب [ دعاةٌ لا قضاةً ] ، وصولاً الى [ بارغماتيّة ] الغنوشي ، وعلى سبيل المثال أيضاً عبر ذات السياق نجد أن هنالك تناقضٌ لأبسط المفاهيم السياسيّة التي ترد في القرىن على قلّتها ، ألا وهو مفهوم [ الشورى ] فهي عند البعض لا تعدوا كونها استطلاعٌ للرأي ، وعند آخرين تأتي لتقييد شرعيّة القرارات دون النظر الى كثرة المؤيدين أو قلّتهم ، بحيث تكون محصورةً على أهل الحل والعقد ، وذات الأمر عند الحديث عن الحاكم أو [ ولي الأمر ] أو [ الإمام ] حسب القراءات المختلفة للمذاهب الإسلاميّة نفسها ، حيث يقدّم التصوّر الإسلامي السياسي التي تقدّم صورة إمامة [ الغلبة والقهر ] حيث القيادة فرديّة في النظام السياسي الإسلامي عبر ابتداع مفردة ولي الأمر التي لم ترد مطلقاً في النص القرآني إلا عبر وصف منظومة الجماعة نفسها : { وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } النساء 59 ، فيكون الحاكم دكتاتوراً شرعياً صاحب الصلاحية في إدارة شؤون الشعب والدولة ، غير ملزمٍ باتباع رأي الاكثريّة وأخذ مشورة أيٍ كان ، ليتحول الحاكم ويتطوّر كتعبيرٍ عن الوعي المكبوث لدى الشعوب الإسلاميّة نفسها عبر علاقة العنف من الداخل ، ليتحوّل الى صورةٍ عليا ، وذات كاريزميّةٍ الى صورةٍ من صور الأنا المتضخّمة ، لتنتج في نهاية المطاف دكتاتوريّات أكثر سوأً من التي تشكّلت عبر تاريخ ذات المجتمعات .
هنا يجب في البداية إعادة بناء التصوّرات العامّة، والمفاهيم الرئيسيّة التي أصبحت من البديهيّات ، فيقول نصر حامد أبو زيد في مقالٍ تحت عنوان : خطاب الإسلام السياسي والعنف المستتر: [ ... إن الفروق بين المعتدلين والمتطرفين في الإسلام السياسي هي الدرجة ، وليس النوعيّة ]، لكن على جانبٍ آخر فإنّ العلامات الدالة على الصلة الوثيقة بين الخطاب القرآني ومفاهيم العلمانيّة الرئيسيّة تبرز بوضوحٍ لا يمكن لأحدٍ أن ينكره ، الحديث عن كون الإسلام دين دولة بناءً على قراءةٍ مجحفةٍ للنص ، عبر النصوص التي تتحدّث عن[ الحكم ]ناسبةً إياه لله عبر تأويل مشوبٍ بالنوايا السيئة ، يبقى محض قراءةٍ تبتعد عن النص نحو نيّة الفقيه ، فالمقصود بالحكم في القرآن ،وقد ذكرت مفردة [ الحُكْمُ ] في القرآن في ستّة مواضع ، ليس بمعناها السياسي أو الدستوري ( الأيديولوجي، بل بمعنى مشيئة الله وقضائه ، كما أن قراءة التراث الإسلامي الذي يبقى نصّاً محكوما بنوايا السلطة التي تملك في يدها السيطرة على منظومة التدوين ، تحوي داخلها نصوصاً تقول بأن الفصل بين الدين والدولة كان من بديهيات الخطاب الديني منذ ولادته ، في عصر النبوءة الأول ، وأن الجمع بين السلطتين كان كارثيّاً على أكثر من صعيد، حيث كانت غاية الدولة الدينيّة دائكاً تكريس المعرفة الفقهيّة كنصٍّ محكمٍ ليظهر الإسلام بمظهر العاجز منذ أقامت السلطة وزناً كبيراً لنصوص الفقهاء المتأخرين ليتم اعتبارها شريعةً منزّلةً لا يجوز العدول عنها ، أو كما يقول السباعي في كتابه : إشتراكيّة الإسلام : [ ... إن التواطؤ الأيديولوجي بين المؤسّسة الدينيّة وكبار الملاك هو الذي يتحكّم بفهمهما المفكك الجزئيللشريعة ، وهو تواظؤ لا تفسير له في ميدان الشريعة نفسها ] ، فالفقهاء كعادتهم والدولة كطبيعتها تفهم الشريعة فهماً جزئيّاً دائماً ، غير متجّه لغاية ساميّة مقدار توجّهه ناحية غاية آنيّةٍ للدولة في زمان ومكان بعينه ، فلا يتذكّر الفقهاء تحت ظلّ الدولة إلا أحكاماً بعينها وينسون أحكام أخرى مع انها كلٌّ لا يتجزأ ، فالدولة لا يمكن إلا أن تكون مذهبية ، عبر تمجيد الإجتهادات وفرضها على الناس ، أو كما يقول حسن المالكي : [ ... كل الفرق الإسلامية تعادي بعضها أكثر من معاداتها الشيطان ، وللشيطان نصيب من الجميع ومهمته وضع شرائع بديلة وعقائد بديلة ونصوص بديلة، فهل نعرفها ،أعني هل نعرف تلك البدائل العقائدية والحديثية والفقهية ... الخ ، كلا لا نستطيع معرفتها ، لماذا وكيف نعرفها ؟ ، الجواب صعب حتّى على أولياء الشيطان] ، الإسلام رسالة اجتماعيّة تهدف الى التطوّر الإجتماعي ، والنصوص الدينيّة يجب إعادة إنتاجها دائماً عبر قراءةٍ مستدامة للمصدر [ القرآن الكريم ] : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد 24 ، وفي نهاية المطاف يجب أن لا نفتح الباب مشرعا للإنتهازيّين والمنافقين يستغلون ثقة الناس العمياء وغفلتهم أيضاً من أجل ترسيم الإستبداد ، ولنا في محاولة الإخوان المسلمين امتطاء صهوة الحصان القومي 1949 - 1959 في أبشع صور الإنتهازية السياسيّة عندما بارك الإخوان التأميم الزراعي عبر دفاع أيديولوجي تحت سقف البرلمان مبرّرين إيّاه بحديثٍ منسوبٍ للرسول يتحدّث عن الإشتراك : [ ... في الكلأ والماء ] ، ليقوم نفس الحزب السياسي بفتح الباب أمام عبد الناصر لتأميم الصناعات والمرافق العامّة والتي كانت مجرد جزءٍ من خطة تهميش التكتلات البرجوازيّة حينها لاجل التمهيد لتلسط السلطة على الشعب لاحقاً ، وليربط الحزب نفسه بالإتحاد السوفياتي الشيوعي ، او كما يقول السباعي مرشد عام الإخوان حينها : [ ... سنربط أنفسنا بروسيا ولوا كانت الشيطان نفسه ] ، لينتج بعد هذا الهذيان السياسي مباشرةً المنهج الجهادي الأكثر تعصّباً وتزمّتاً على الإطلاق ، والذي أعلن تكفير الجميع ، ليتحوّل الإسلام عبر تصوّر سعيد حوي مرشد التيار الجهادي في سورية سبعينيّات القرن المنصرم منذ ذلك الحين من موجّه لحياة الناس نحو التقدّم والحريّة ، الى هادمٍ للمجتمعات ، ثيوقراطيّاً وانقلاباً جديداً على الإسلام نفسه.
المراجع :
· هرطقات ، عن الديمقراطيّة والعلمانيّة والحداثة والممانعة العربيّة ، جورج طرابيشي ، دار الساقي ، الطبعة الأولى 2006.
· ما هي العلمانيّة ، هنري بينا / رويت ، المؤسسة العربيّة للتحديث الفكري ، الطبعة الأولى 2005 .
· يثرب الجديدة ، الحركات الإسلاميّة الراهنة ، جمال باروت ، دار رياض الريّس للكتاب والنشر ، الطبعة الأولى 1994 .
· اشتراكيّة الإسلام ، مصطفى السباعي ، جامعة دمشق ، الطبعة الثانية 1960 .
دعوة للتبرع
امرأة لوط : ما معنى وصف امرأة لوط بأنها من الغاب رين ؟ ...
أنت مُستفزّ: اسلوب ك ينفّر الناس منك حتى لو إقتنع وا ...
منهج موسى بن ميمون: في كتابه دلالة الحائ رين ، موسى بن ميمون...
لا حرج عليه ولكن : واحد صاحبن ا من متابع ي موقع اهل القرء ان ...
هؤلاء الهواة: انا فعلا استغر ب لبعض الاخو ة يريدو ن ان...
more
أهنئك على ما كتبت
و لك منى دوام الود