نبيل هلال Ýí 2012-03-11
يقول قائل إن الإسلام وحده دين ودنيا ( أو دين ودولة , أو دين وأمة ) لأنه يحتوي على أحكام وشرائع دنيوية ( معاملات ) إلى جانب العقائد والعبادات . والحقيقة أن اليهودية أيضا بها أحكام معاملات , وامتدادا لليهودية كانت النصرانية التي جاءت تعديلا وإضافة إلى أحكام اليهودية , يقول السيد المسيح :" لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء , ما جئت لأنقض , بل جئت لأكمل" . والوصايا العشر المذكورة في ألواح موسى جاءت أيضا في أمثال إخناتون وحمورابي وهي تماثل ما جاء في سورة الأنعام الآيتين 151-152, بل وجاء في كتاب الموتى قبل زمن إخناتون على لسان المتوفَّى وهو يدافع عن نفسه أمام الإله أنه لم يقتل أو يزن ولم يطفف في الميزان ولم يخطئ في حق الناس ولم يقترف الخطايا ولم يترك أحدا يتضور جوعا . وتمثل هذه الوصايا حجر الأساس في تنظيم المعاملات بين الناس . والقصاص بالمثل وردت أصوله أيضا في قانون حمورابي والتوراة والقرآن . أي أن مضمون دين ودنيا - يصح على كل الأديان السماوية لأنها جاءت بما ينظم دنيا الناس . وانظر الآيات الكريمة :
{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ }المائدة43,
(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}المائدة 44 وحُكم هنا بمعنى القضاء وليس بمعنى الحكومة والإدارة , واسمع الله يقول :
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ }النمل78 , وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}النساء58 ,
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }المائدة47 . وقبل ذلك قال الله لداوود :" {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ص26 .
فالقضية المحورية في الدين , أي دين , وكل دين هي الحكم بين الناس بالعدل ,أي القضاء بينهم والفصل في مصالحهم بما يريده الله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} النحل90 , ذلك هو الأمر وليس مجرد التنسك وأداء الطقوس .
وتولى موسى ومحمد صلى الله عليهما مقاليد الأمور السياسية والدنيوية , وهاجر كل منهما من المجتمع الوثني , فخرج موسى بقومه من مصر, وكانت هجرة محمد إلى يثرب وقبلها هاجر أتباعه إلى الحبشة , وذلك هروبا من النفوذ السياسي والعسكري في البلاد التي فروا منها بدينهم. وقد تعذر الهروب على عيسى فالرومان يسيطرون على البيئة التي يباشر فيها دعوته وإن كانت الأسرة المقدسة قد هربت إلى مصر خوفا من بطش الرومان وكان ذلك قبل اضطلاع السيد المسيح بالدعوة .
ووجْه الاختلاف الآخر لدعوة عيسى عليه السلام هو أنها كانت لغير وثنيين وهم اليهود (خلافا لموسى ومحمد لأن بيئتيهما وثنيتان : مصر وبلاد العرب) , الأمر الذي كانت معه الظروف أشد وأصعب فالتغيير المنوط بدعوتي موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام, تغيير جذري وشامل ونقلة نوعية هائلة من الوثنية إلى التوحيد .
والمبادئ الإسلامية الواردة في القرآن والمكوِّنة لأسس الدولة ( في ما يخص المعاملات ) هي نفسها الواردة في باقي الأديان السماوية, فكلها تدور في فلك واحد هو تأمين حقوق الناس ودرء الظلم عنهم, والحض على الفضيلة . فجاء في ألواح موسى الوصايا العشر : " لا تشرك بالرب , لا تصنع له تمثالا , لا تنطق باسم الرب آلهة أخرى , أكرم أباك وأمك , لا تقتل , لا تزني , لا تسرق , لا تشهد شهادة زور, لا تشته امرأة قريبك أو بيته أو حقله " سفر التثنية , الإصحاح الخامس .
وكذلك يقول السيد المسيح عليه السلام : " لا تقتل , لا تزن , لا تسرق , لا تشهد , بالزور ,أكرم أباك وأمك , وأحب قريبك كنفسك" متى الإصحاح التاسع عشر .
ومثل ذلك في سورة الأنعام :
" قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " الأنعام 151 - 152 .
والعقائد متماثلة في كتب الأديان الثلاثة , والعبادات (وهي ما يكون بين العبد وربه) تختلف بحسب الظرف والزمان, فأتْباع الديانات السماوية الثلاث(في الحقيقة هم دين سماوي واحد سماه الله الإسلام) يصلون ويصومون . والله يقول :
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}الشورى13. فدين الله واحد , أرسل به الرسل للناس في أزمان متعاقبة واسماه الإسلام (دين موسى وعيسى ومحمد , وقبلهم جميع الرسل والأنبياء) , ولا يصح إيمان المسلم " من أتباع محمد " مالم يؤمن بدين الله الذي بلغه سائر الأنبياء السابقين في الأزمان الماضية , فكل " المسلمين " يؤمنون بكل الرسل وبكل الكتب , والنبي محمد نفسه يتبع ما جاء به النبي إبراهيم :{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123. والله يصف المؤمنين بأنهم : {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }البقرة4 .
ذلك هو الفهم الصحيح لوحدة دين الله , ومن ينكرها ويؤمن ببعض هذا الدين - مما جاء على يد بعض الرسل - وينكر بعضه الآخر- مما جاء على يد رسل آخرين - فقد كفر , فالله يقول :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }النساء 150- 151 .
فمن يرى أن دين الله غير واحد فقد كفر . والإيمان بكل الرسل وكتبهم شرط صحة الإيمان , فالله يقول :
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة 285 .
ولم يكن الإيمان بالكتب السابقة فرضا , ما لم تكن مطابِقة من حيث المنهج لبعضها البعض , وكذلك الإيمان بالرسل فمنهجهم واحد , ( لا نفرق بين أحد من رسله ). .
الأستاذ الفاضل / نبيل هلال ، السلام عليكَ ورحمة الله .. مع هذا المقال .. ألاحظ ان الرسالات السماوية واحدة يجمعها دين واحد.. هو دين الله .. والله تعالى يقول .. ( إن الدين عند الله الاسلام) ..
إذن فلماذا الصراع والخلاف والقتال .. وتكفير أصحاب كل رسالة للآخرين من أصحاب الرسالات او أتباع الرسالات السابقين أو اللاحقين..
من المستفيد من وراء ذلك..
ثم إني استنتجت أن هناك مسألة عقائدية متداولة بين أتباع رسالة القرآن.. ولا اقول المسلمين لأن كل من ينتمي إلى دين الله الاسلام فهو من المسلمين .. ولا يرتبط ذلك برقعة جغرافية معينة..
ما هى هذه الأكذوبة..؟؟
إنها أكذوبة (سيد المرسلين) التي يرددها أتباع الرسالة القرآنية وخصوصاً خطباء المساجد والحاصلين على الدكتوراة في مجال الدين من جامعة الأزهر وكلية دار العلوم..
دائما ما يفتتحون خطبهم وأحاديثهم في الإعلام ب ( الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ) أو (الصلاة والسلام على سيد المرسلين)
أجد من خلال مقالك أنها اكذوبة فكل الرسل أمرنا الله تعالى ألا نفرق بين أحد منهم بالتقدير أوالتقديس.. لنبي ونزع القداسة عن آخر . هل توجد قداسة لبشر.!؟
الاستاذ المحترم / نبيل هلال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل عام خالص التقدير لما تكتب وتوثق له من القرىن العظيم فهو الهدى وهو الصراط المستقيم وهو النور الذي يزيل ظلام النفوس (القلوب) والعقول..
لو عقلت آياته وتدبرتها..
أما عن عامة الشعب المصري من الأٌقباط والمسلمين فهم مغيبين عقليا وإرادياً ..كل فصيل منهما وم كل طائفة من أبناء الملة الواحدة .. يعتقد نفسه أنه هو الناجي الوحيد . ووانه هو الذي يملك صكوك الغران وصكوك ملكين الجنة.. ولا احد غيره من البشر ..
متى يتعلم كل ابناء رسالة سماوية أنهم ليسوا وحدهم الذين لهم حق غفران ودخول الجنة ..
وأن صكوك الغفران وملكية الجنة هى ملك لله تعالى عزوجل .. حتى يمكن أن نخرج من هذا العبث الكهونتي الذي يقوده رجال الدين المسيحي والاسلامي على السواء..
شكرا لك على هذا البحث القيم الذي يدل على عمق الايمان ورحابته .. زادكم الله منه كثيرا كثير ..
اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفي محمد بن عبد الله النبي الأمي ,وبعد
أختنا الكريمة شكرا على مرورك على المقال , إن معنى :(لا نفرق بين أحد من رسله ) هو نفي التباين بين مناهج الرسل ,فكلها تحض على نفس الفضائل ,لكن ثمة فروقا بينهم من حيث التصنيف ,فمنهم مثلا أولو العزم ممن عانوا الكثير من المشقة والأهوال ,وعلى رأسهم الحبيب المصطفي الذي ظل يدعو إلى ربه طوال 23 سنة دون معجزة حسية من نوع ما كان الله يدعم بها سائر رسله ,وكانت معجزته الوحيدة هي القرآن الذي كان يناسب البشرية من وقت بعثة محمد وإلى نهاية العالم فهو معجزة عقلية للبشرية التي بلغت رشدها ,وكانت مهمة نبينا وحبيبنا محمد قاسية ,جد قاسية ,مهمة تغيير أفكار أقوام آمنوا وتمسكوا بعقائد آبائهم ,وهى عقائد تحفظ لهم عزهم السياسي والتجاري والمالي ,فعلى الوثنية كانت تقوم أنشطتهم السياسية والاقتصادية ,وإيمانهم معناه زوال مكانتهم السياسية والمالية والدينية ,كانت مهمة بالغة الصعوبة فليست المسألة مجرد استبدال معتقد بآخر ,بل هى مسألة تكون أو لا تكون . لذا لمّا نصِف الحبيب محمد بأنه سيد المرسلين ليس معناه الحط من سائر الرسل ,بل معناه إقرارنا بأنه -صلوات الله عليه وسلامه- كان أكثرهم معاناه وأن مهمته كانت الأكثر مشقة ,وهو سيدهم لأنه خاتمهم (خاتم النبيين ) , وكلنا نحبه ونقدره ,والفارق كبير بين المحبة والتقدير(وهو الواجب علينا ) وبين التقديس الذي يقارب بين الله وبين محمد كما يفعل الشيعة والصوفية وهو ما يجب علينا محاذرته ). اللهم صلى وسلم على حبيبنا محمد ,اللهم آمين
شكرا أخي الكريم على مرورك على المقال
الأخت الفاضلة ميرفت، لا تظني أن التقريب بين أصحاب الديانات المختلفة يكون بأن نقلل من قدر خاتم النبيين عليه السلام، فهو الذي اختاره الله تعالى ليبلغ رسالته النهائية و الأخيرة و المهيمنة و المسيطرة على كل الرسالات التي سبقتها.
القرآن الكريم هو الرسالة الوحيدة التي اقترنت بالمعجزة فلا انتهت الرسالة و لا انتهت المعجز- كما حصل مع كل الرسالات السابقة - و هو رسالة عالمية للناس كافة و ليست لأفوام معينة كما كان الحال في الرسالات السابقة، فوصفه عليه السلام بسيد الرسلين و إن كان وصفاً مبتدعاً لم يرد في كتاب الله تعالى إلا أنه استنتاج عقلي من اختيار الله تعالى له عليه السلام ليكون قدوة للناس جميعاً بخلاف كل الرسل السابقين الذين كانوا قدوة لأقوامهم.
و يوم الحساب لم يحن بعد، فلا ندري مكانته عليه السلام عند الله تعالى بين الرسل، فقد يكون خيرهم فعلاً و قد يكون خيراً من ملائكته المقربين، و هذا بالطبع لا يعني أنه يمكن أن يشفع لأحد، فالقرآن يؤكد لنا أن البشر لا يشفعون،بل فقط الله تعالى و من يأذن لهم من ملائكته الذين يعرفون تمام المعرفة ماذا فعلنا و بم آمننا,
و تذكري أنه سبحانه و تعالى وصفه عليه السلام بما لم يصف باقي الأنبياء مثل (خاتم النبيين) و (و إنك لعلى خلق عظيم)
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - الأنوناكي- ج14
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - عربة حزقيال - ج13
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - سلالة الآلهة- ج12
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - هذا ما تقوله الأساطير - ج11
دعوة للتبرع
سئمت من هذا السؤال : Aslam alaykom Dr Mansour, I am sorry to contact you directly as the contact...
شهد وشهداء : عليكم السلا م تحية حب وتقدي ر الى الاست اذ ...
مقدم صداق المطلقة : لو الواح د طلق زوجته قبل الدخو ل من حقه يسترد...
الخليفة و40 حرامى : تقول ان ثروات الخلف اء من الجوا هر والدر ر ...
الجن والاحلام: هل الأحل ام دايما ً بتكون من الله؟ ولا الجن...
more