محمد عبد المجيد Ýí 2011-10-27
مئات المقالات خاضت في وصف وحشية الليبيين الثوار في التعامل مع طاغيتهم، فمنهم من رآه قصاصا عادلا، ومنهم من خجل من وحشية المنتصرين الذين قتلوا اسيرَ حرب أصبح بين أيديهم.
التبسيط والتسهيل والأحكام القاطعة الفورية أمور تتصادم تماماً مع العقل الذي من المفترض أن يكون قد اختزن من التجارب والعلوم والثقافة ما يسمح له أن يسلك طريقاً مختلفاً لوصف المشهد ( الوحشي) الذي آذى الكثيرين، وفرح به الكثيرون .. أيضا!
لكل فعل ردّ فعل يعادله في المقدار وقوة الدفع ، وهنا يصبح اللجوءُ إلى العقل أقل عقلانية من عواطف الجماهير التي تزيحه جانباً لتتصرف بعفوية وتلقائية تتناغم مع الموقف، فقوة ُفرحها تعادل قوةَ غضبها، وهي، أي الجماهير ، على استعداد في لحظات معينة من غليان عواطفها أن تسحل عدوها ( نوري السعيد في بغداد، وموسوليني في ميلانو)، أو تنخرط في حرب بين بلديهما بسبب مباراة كرة قدم مثلما حدث بين الهندوراس والسلفادور.
والقتل والسحل والتمثيل بالجثث ليست أكثر من فرصة تتاح للتعبير عن مشاعر الكراهية، لكن هناك مئات من نفس هذه الحالات لم تعرف طريقها إلا في أحلام اليقظة، ولو أن بشار الأسد خرج برفقة شقيقه ماهر لتحية المسالمين في درعا أو حمص ، فإن الجماهير السورية غير المسلحة ستفعل بهما مثلما فعل الثوار بعقيدهم الذي جثم على صدورهم لأكثر من أربعة عقود.
ولو تمكنت الجماهير اليمنية من الامساك بعلي عبد الله صالح فإن أكثرهم رقة ووداعة وطيبة سيمزقونه إرباً، ولن يبقى في جسده سنتيمتر واحد لم يغرز فيه يمني سيفه أو خنجره
ما حدث مع ديكتاتور ليبيا لا يتصادم مع الطبيعة في أي وجه من الوجوه، فالخيال قادر على استدعاء آلاف الصور لوحشية الطاغية في دقائق معدودة، والقتال المرير استغرق تسعة اشهر، وسقط عشرات الآلاف من الشهداء، وتم تدمير مدن بأكملها، وقيظ الصحراء مع عطش وغضب وارهاق يحدث اختلالات في أجهزة الجسد المنوط بها التحكم في العواطف والعقل والتفكير.
السلاح بين أيدي الثوار، وأكثرهم شباب، وليس من بينهم من لم يسقط له أخ أو أخت أو حبيب في العهد الأغبر للقائد الملهم المتعطش للدماء.
ثم فجأة تمسكه أيديهم المرتعشة ولا يصدقون أنفسهم، والخوف من أن يفلت منهم إلى سجن وقفص ومحاكمة وطعام ساخن ومحامين من كل الجنسيات حضروا للدفاع عنه جعل الأصابع في وضع الاستعداد للضغط على الزناد، فبينهم وبين قاتلهم ضغطة واحدة فإذا هم يتنفسون، أو يزفرون زفرة المحتفل بالنصر.
جماهير الأفراح كجماهير الأحزان، والعرس كالمأتم، ونفس عضلات الوجه هي التي تدفع إلى الغضب أو البهجة، والعقل لا يؤدي دوره في الزحام، وأنت لا تستطيع أن تشاهد مباراة حامية الوطيس لكرة القدم ثم تنظر إلى جارك البارزة عروقه من الصياح وتناقشه في مسرحية لشكسبير أو تسأله عن فيلم هل تحبين برامز؟
الثوار الليبيون كانوا رغم ذلك متحضرين فلم يمثـّلوا بجثته بعد تمزيقها قطعاً صغيرة، ولم يفصلوا رأسه عن جسده رغم أن مشاعر الغضب كانت قد تخطت مرحلة جمرات الحمم.
أما مشاهدة جسده في المشرحة أو في ثلاجة الطيور فهو حدث غير معتاد، واستنكره أكثر الناس كراهية لديكتاتور ليبيا، ولكن من كان قادرا على اقناع الليبيين أن عفريتهم مات، وأن المجلس الانتقالي لن يعلن أن شبيها بالقذافي هو الذي تم القبض عليه، فالطاغية تمكن من الهرب؟
خمسة أيام تحملنا فيها مشهداً غير إنساني في الظروف الطبيعية، لكنه مفهوم تماماً في هذا الظرف الاستثنائي جداً، وأنا هنا لا أكتب عن معارضتي أو موافقتي، إنما أحاول التسلل إلى صدور الثوار وجماهير شعبنا لقراءة ما خفى علينا.
كل الذين وقفوا في صف طويل لمشاهدة جثة تكاد تتعفن لم يكونوا متوحشين أو متخلفين، لكنهم أناس مثلنا جميعاً أرادوا فقط التأكد من أن العفريت لن يطاردهم في أحلامهم ويقظتهم مرة أخرى.
دعونا ننظر إلى الجانب الايجابي من تلك الوحشية الظاهرة، وندلف إلى كوابيس طاردت مساء يوم قتل الطاغية المهرج دراكيولات أخرى في اليمن وسوريا والسودان ورابعهم الباسط ذراعيه على صدره وهو راقد في محكمة لا يدري إلا الله إن كانت حقيقية أم مسرحية.
دعونا لا نصُبّ غضبنا على الذين عانوا ويلات حُكم المستبد البهلوان، فتصرفات وأفعال وتجاوزات الجماهير والثوار يمكن للذين يزعمون القدرة على وصف العدالة أن يتخيلوا أنفسهم مكان الثوار لتلك الدقائق المعدودة، وأحسب أن صوت العقل ربما سيكون منعدما تماما مقارنة بالصورة الوحشية المتحضرة لثوار ليبيا الأبطال.
ميزان العدالة السماوية والأرضية تم وضعه أمام المجروحين حتى النخاع للحظات، وهم لم يطففوا فيه، إنما الصدمة في الامساك بطاغيتهم هي التي أصدرت الحكم العادل أو الجائر، لكنه الطبيعي!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
فهم حقيقى مقنع وباسلوب رائع عايش مشاعر الثوار ـ أى من بقى حيا من الثوار بعد أن شاهد فظائع العقيد المخبول طيلة عمره ، ويخشى أن يظل حيا لتمتد الحروب ويستمر التخريب .
بورك فيك اخى الحبيب طائر الحرية ..
أستاذنا المحترم والمتألق دائما / محمد عبد المجيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية أعترف أنني كنت ضمن من علّق ورفض ما حدث لجثمان القذافي بعيد قلته ، وكنت أرفض تماما ما حدث من الثوار المنتصرين ..
لكن بعد قراءة هذه الكلمات وهذا التحليل أراني أفهم أكثر وأرجع بذاكرتي لحالة الثوار الذين رأتهم عيناي ، والشرر يخرج من عيونهم رغم سلمية الثورة المصرية ، وهذا امر طبيعي جدا يمكن أن يكون لا إرادي أو رد فعل طبيعي يخرج من الإنسان حين يشعر بقوته أو حين يشعر بقوة الآخرين معه ، او حين يشعر بلحظة انتصار على طاغية من نوعية القذافي ، قد أكون مخئا في مسألة رد الفعل حين يشعر الانسان بقوته ، ولكن هي مسألة واردة الحدوث
وما قرأته في هذا المقال يؤكد باليقين أن ثوار مصر او سوريا او اليمن لو أتيحت لهم فرصة الإمساك بأحد المجرمين بداية من الرئيس وبقية العصابة فلن تأخذهم به رأفة ولا رحمة ، وهذا مخزون طبيعي لسنوات عجاف من الفقر والجهل والمرض والتخلف والاستبداد والاستعباد والقهر الظلم كل هذا يتم التعبير عنه فجأة في لحظات سريعة جدا دون سيطرة للعقل والتفكير المنطقي ..
وربطا لهذا الأمر وبحثا في نفسية الإنسان أحضر هذه الأيام لمقال عن المرأة ووعن حقوقها المحرومة منها في المجتمعات العربية والاسلامية خصوصا ، وهذا يؤدي بالمرأة لإخراج مكنون كبتها ومخزون حرمانها من حقوقها في رد فعل مفزع جدا في أي مناسبة سواء في مأتم ويكون رد الفعل بالصراخ والعويل ، أو فرح يكون بلبس موديلات لم تعتاد عليها ولم تعهدها من قبل بمنطق أننا في فرح وكل شيء مباح ، ولا مانع من الرقص والتصفيق والتهليل ، وكل هذا رد فعل طبيعي جدا تخرجه المرأة المصرية في هذه المناسبات ..
رغم أن الموضوعين يختلفان تماما إلا انهما يتفقان في مسألة إخراج رد الفعل الإنساني ..
أخيرا أشكرك من القلب ..
الأخت العزيزة إيناس عثمان،
نعم، تسعة اشهر في الصحراء منذ 17 فبراير الماضي، ومنها شهور الصيف القاتلة حرارة في رمال حارقة والموت يتربص بهم، وكلما دخلوا مدينة خرجوا وأعادوا الدخول، ومن يقع في أيدي كتائب القذافي فإن الموت كان أخف العقوبات، ويأتي الآن من يشفق على الطاغية قبل أن يقوم بقياس درجة غليان الأجهزة العصبية للثوار.
مع تحياتي الطيبة
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
أخي الحبيب جد سلمى،
شكرا على تفضلك برفع درجة محاولة للفهم إلى الفهم، وهو كرم منك آمل أن أكون عند حُسن الظن دائما، وكلماتك الرائعة وسام لقلمي لعله يضاعف مداده.
وتقبل ، أخي الحبيب الدكتور أحمد صبحي منصور، كل محبتي.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
Dear Malath Arar
شكرا على هذا الثناء بأنه لم يكن هناك أفضل من وصف الوحشية كما يراها البعض إلا بأنها التصرف الطبيعي إذا حاولنا تفهم الدوافع النفسية للثوار الليبيين.
مع تحياتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
أخي العزيز حكيم،
لم يدر بذهني تقنين التعذيب والتمثيل بالجثث، لكنني حاولت وضع الحديث في اطاره الطبيعي دون صدور أحكام صارمة.
لو أن قتل القذافي تم بهذه الطريقة بعد صدور حكم من قاض او زعيم أو ثائر يرتدي بدلة كحلي وربطة عنق حمراء ويجلس على كرسي هزاز لكان رد فعلي مختلفا تماما، أما الطبيعي جداً أن الأجهزة العصبية للثوار كانت في مرحلة الغليان، والخوف من شبح عفريت كان يطاردهم لأكثر من أربعين عاما جعلهم في حالة دفاع عن النفس كالفتاة التي تمسك مسدساً ويحاول بلطجي اغتصابها في نفق للقطارات.
كابوس الخوف منه تحول فجأة إلى حلم القضاء عليه، وفيديوهات الليبيات اللائي تم اغتصابهن في مصراتة بعد توزيع المنشطات الجنسية على اكتائب العقيد تــُضاعف غليان الجهاز العصبي لثائر تعلم من الصحراء أن شرف نساء بلده وعائلته إذا تم الاعتداء عليه فإن كل الجرائم الأخرى تهون بجانبه.
هل تعرف أن برنامج ما يطلبه المستمعون في التلفزيون الليبي الأخضر المتخلف كان يفرض على المتصلين أن يقوموا باهداء الأغنية إلى القائد أولا ثم إلى بقية أفراد الأسرة؟
كان عفريتا يتشكل في كل الوجوه، ويظهر مثل ( أبو رجل مسلوخة) على ناصية كل شارع، فكيف تطلب منهم تحكيم العقل؟
مع تحياتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
أخي العزيز الأستاذ رضا عبد الرحمن،
تعليقك درس في الأخلاقيات تعلمنا منه بقدر اعجابنا به، فأنت تضرب المثل هنا على أهمية التراجع عن رأي إن اقتنع صاحبه برأي معاكس له، فأكثر الناس تأخذهم العزة، ويبحثون فيما لديهم عن الأشياء التي هي أفضل مما لدى الآخرين.
تصرف حضاري كبير منك، فلم تقف تدافع عن رؤية سابقة مؤكدا وحشية الثوار، لككت عدت مرة أخرى لتسبر أغوار النفس فتعيد قراءة المشهد على ضوء معطيات جديدة، فالآراء ليس فيها منهزم ومنتصر، إنما مستفيدون مما يتم طرحه.
زاد احترامي لك، أخي العزيز، و ياليتك تقص على تلاميذك في المدرسة من شأن هذا الحادث، فالمعلم قدوة، وأنا على يقين من أنك قدوة حسنة لمن هم بين يديك وديعة لعدة ساعات في كل يوم.
أنتظر مقالك، وواثق أنه قيم كمقالاتك السابقة، والله يرعاك.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
دعوة للتبرع
الحمر حرام ثم حرام.: الساد ة إدارة موقع اهل القرآ ن , السيد أحمد...
هل هذه وصية؟: أخى هو شريكى فى التجا رة . نصحنى بالتن ازل عن...
لا نبتغى السياسة: لم اجد وسيلة اسرع للاتص ال بك من هنا. انضمم ت ...
عدو مبين: يقول الله عز وجل في كتابه الكري م ، بأن لا نتبع...
more
السلام عليكم سلمت يداك يا أستاذ عبدالمجيد فلقد حللت نفسية الثوار سكان الصحراء منذ تسعة أشهر وهم يصارعون الموت حتى أصبح مشهدا عاديا اعتاده الثائر ففي كل يوم بل في كل دقيقة يتوقع الموت له أو لمن معه ، طيب الحل بسيط أن نجعلهم يفقدون الذاكرة حتى ينسوا ما فعله العقيد من وحشية ودم واغتصاب في حقهم وحق ذويهم ، إن تحمل الشعب الليبي كان فوق الطاقة فليس غريبا ولا مستغربا أن يقتلوا السفاح الذي أوصلهم كما هدد إلى 2مليون كما هددهم في بداية الثورة ، لماذا نكيل بمكيالين في جريمة كلنا يعرف عقوبتها فلو قتل إنسان عادي فسوف يقتص منه ويكون مستحق للقتل ،فما بالك يقاتل آلاف وربما أكثر ؟!! ألا يستحق القتل ؟!