لن نسكت أبداً بعد اليوم
-1-
كما أعلنتم أيها المتظاهرون الأبرار الأحرار:
" لن تخدعونا"..!
و" قبَّعت"..!
فكذلك، نحن المثقفين نقولها، ونردد من ورائكم:
" لن تخدعونا.."
و " قبَّعت.."
-2-
فالمثقف - كما عرَّفه المفكر التونسي العفيف الأخضر، وعرضناه في كتابنا ("محامي الشيطان: دراسة في فكر العفيف الأخضر"، 2005) – هو:
-
من يساهم في تحضير الأذهان، للتكيّف مع متطلبات، وضرورات عصره.
-
من يدعو إلى إلغاء المواطنة السالبة المحرومة من حقوقها العامة، وإقامة المواطنة الموجبة الداعية إلى تحويل كافة المواطنين، بغض النظر عن ديانتهم وعرقهم وطائفتهم إلى مواطنين لا رعايا، متساوين في الحقوق والواجبات مع باقي المواطنين الآخرين. وذلك طبقاً لـ "إعلان حقوق الإنسان" الصادر عام 1789 الذي نصّت مادته الأولى على: "إن الناس يولدون أحراراً، ويظلون أحراراً متساوين في الحقوق".
-
من يدعو إلى ردم الفجوة التاريخية بين الدولة الطائفية وبين دولة ما بعد القومية، إلى حيث تصبح الأمة/الدولة تطويراً غير مسبوق لمواطنة عابرة للقوميات، والإثنيات، والديانات، والطائفيات. ولكي يكونوا جميعاً ناخبين، ومنتخبين على كافة الأصعدة، وفي جميع المجالات.
-
من يتمتع بالشجاعة، والجرأة الفكرية والسياسية الكافية، لطرح الأسئلة على المشاكل الحقيقية، التي يعاني منها مجتمعه، والتعرّف على الإنسدادات المزمنة التي تشلّ الفكر، وتُغيّب العقل، وتُسبب العُقم في المواهب، وتطرد الأدمغة المفكرة خارج حلبة الأوطان.
-
من يقوم بإنتاج الفكر النقدي، الذي يساعد على الانتقال من القطعي إلى المُبرهن عليه، ومن المُسلَّم به إلى المُتناقش فيه، ومن القراءة العابرة للتاريخ إلى القراءة التاريخية للنص، لجعله في متناول العقل، ومتكيفاً مع متطلبات الحياة الاجتماعية.
-
من يتبنى القطيعة الجارحة مع التراث. فالحضارة الحديثة ابنة لثلاث قطائع أورثت الوعي الأوروبي ثلاث جروح نرجسية: اكتشاف جاليلو لكروية الأرض، وداروين لنظرية التطور، وفرويد للاشعور. وهكذا لم تعد الأرض مركز الكون، ولا الإنسان مركز الكائنات، ولا العقل سيد بيته، بل اتضح أنه محكوم باللاعقل؛ أي اللاشعور. والتراث الديني، يلعب دور الباغي الذي يردع ورثته عن التنصل منه، ومن أوامره، ونواهيه. كما أن التثبّت العصابي في هذا التراث - كما تفعل الأصولية والسلفية- يغذي النرجسية الجمعية، والمركزية الإثنية، بوتائر عالية، مما يجعلها تلعب دور العائق الذهني.
-
من يُنشِّط ذكاء قارئه، لا أن يخدره بتقريض أوهامه عن نفسه. وهذه مهمة نقدية أولاً، تفرض على الكاتب أن يجدد دوماً. ومهمة المثقف الاصطدام دوماً بالأحكام المسبقة، وبالأخطاء الشائعة، وبمصالح النخب الحاكمة، والأصولية.
-
وهو المثقف غير الشعبي في الفضاء العربي والإسلامي، لأنه ليس ديموغاجياً، ولا يتملق جمهوره، ولا يسمعه ما يريد أن يسمع، ولكنه يسمعه ما يجب أن يسمع.
-
وهو الذي يقوم بكسر المحرمات الغبية التي يحكم بها الأموات الأحياء، لأن المثقف تعريفاً هو مع الحداثة وضد القدامة، ومع العقل ضد النقل، ومع التجديد ضد التقليد، ومع الديمقراطية ضد التوتاليتارية، ومع حرية المرأة ضد استعبادها.
-
وأخيراً، فالمثقف الأصيل والصادق، هو من لا يُعبِّر عن ضمير الأمة. إن "تعبير المثقف عن ضمير الأمة" اعتبرته التوتاليتارية الفاشية، الستالينية والنازية "أمراً قاطعاً" بالمعنى الكانتي؛ أي واجباً أخلاقياً ملزماً، وإلا فالعصا لمن عصى. لإن التوتاليتارية تعريفاً هي تذويب الفرد في الأمة، لجعله نسخة طبق الأصل منها، ينطق بلسانها، ويفكر برأسها الجمعي لا بنفسه. وهي محاولة لا تني وتتجدد، لهدم عمارة المعرفة الحديثة التي جعلت معيار الحقيقة هو التطابق البرهاني مع الواقع. إذ لا حقيقة بدون تحقيق، للتثبت من صحتها أو خطئها. وليس التطابق مع "ضمير الأمة" المسكون بالانفعالات والمخاوف اللاعقلانية، وهذا هو مطلب المثقف الوحيد.
-3-
فأين مجموعة كبيرة من "المثقفين" العرب من كل هذا؟ وهم الذين نراهم اليوم يدافعون عن القبائل والبيوتات، وقد أصبحوا شعراء قبائل والبيوتات، وضمائر دهماء، ومثقفين شعبويين، وكتّاب شعبيين. وأصبحوا الأثداء الدافئة لشرعية الإرهاب والبائعين "الشطّار" لصكوك شرعية الحكم والحكّام. كما أصبحوا يطلقون الخرافة الإعلامية "الرأي والرأي الآخر"، وما هي في واقع الأمر غير أجهزة إعلامية رسمية للتعصب لرأي واحد أحد، تنتج منه رأياً ورأياً آخر. فهو الرأي الواحد وظله. أما الرأي الآخر الحقيقي فهو مرفوض، وملعون، ومنبوذ، وتأتي به في بعض الأحيان لتسفيهه، وتسخيفه، وتسطيحه، و"شرشحته" بافتخار واعتزاز كبيرين، وأخيراً اغتياله بمسدس الحرية، الكاتم للصوت.
وهو ما يجري الآن لكل من يُردد شعار وراء المتظاهرين الأحرار، والأبرار:
" لن تخدعونا" ..
و" قبَّعت"..
-4-
هل تريد الأنظمة العربية الإصلاح؟
إنه السؤال النكتة؟
ولكن الإجابة عنه واضحة وصريحة، ولا تحتاج إلى ( لَتٍ وعجن) طويلين.
فالأنظمة العربية أنظمة شمولية دكتاتورية قروسطية، مثلها مثل الاتحاد السوفيتي المنهار. وهذه الأنظمة قديمة (مُتخشِّبة). وإذا ما حاولنا اليوم ثنيها، وإصلاحها، انكسرت. كذلك كان الحال مع الاتحاد السوفيتي. وقد سبق وقلنا - هنا وهناك عدة مرات - أن الأنظمة العربية غير قابلة للتغيير والإصلاح. فهكذا بُنيت، وهكذا نشأت، لا تقبل الإصلاح، ولا التغيير. وكان أساس هذه الأنظمة غير صحيح وغير سليم، فقام البناء الفاسد على أساس فاسد وغير سليم،.
وما بُني على فاسد وباطل، فهو فاسد وباطل.
وهو ما قال صراحة الشاعر الأردني - أمجد ناصر - العائد من توّه من عمَّان، في "القدس العربي" (13/10/2011)، حيث انتهى إلى قناعة، أن لا نيّة صادقة للإصلاح في عمَّان.
لذا، فلن نسكت بعد اليوم أبداً.
نحن المثقفين، إن كنا مثقفين صادقين فعلاً..!
اجمالي القراءات
9426
كلنا امل في التغييير ان تتغير الأحوال وتتبدل الخلفيات العالقة في اذهاننا ، لكن سمعت رأيا آخر من إنسان عادي يبدو عليه صفات كل المصريين ،فلا شيء يميزه عنهم يقول : إنه لن يشترك في أي انتخابات قادمة ولا فائدة من كل ما يحدث فقط تضييع في الوقت ، فقال له احدهم :إن الدنيا قد تغيرت بعد ربيع الثورات العربية ، فرد عليه ردا في جملة واحدة : إننا نحتاج إلى إبادة ، حتى تخرج الأجيال القادمة نظيفة لا تشبهنا ، وضرب مثال بما حدث في اليابان من تفجير ولوله ما كان اليابان تقدموا ! فما رأيكم دام فضلكم ؟!