مصر بدون مبارك كما شاهدتها الحلقة 3
محمد عبد المجيد
Ýí
2011-06-07
في عهد الطاغية تتوارى خلف الستار وجوه ماكان لها أن تتنفس نفس الهواء الذي يدخل رئتي الزعيم، فإذا أطلت على الشعب دفعها الطاغية إلى الخلف أو إلى أسفل أو دفنها في عالم النسيان.
في عهد الطاغية تتم في القصر صناعة البطل، فهي صناعة محلية صرفة ولو كانت فيها نكهة من بقايا الاستعمار في سياسة ( فرق .. تسُد)، أو في التلاعب على المسرح الوطني الحيّ بالصورة التي تخدم قوى الشر بكافة أصنافها وأطيافها ( كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمـَرة لمالك بن نبي )، وفي مصر كان أحمد عز بديلا عن الدكتور عبد الوهاب المسيري ( رحمه الله)، وكان أسامة سرايا يؤشر بالموافقة أو الرفض لمقال فهي هويدي، وكان رجب البنا يؤكد أن الرئيس( المخلوع) حسني مبارك لا يخطيء مطلقا، وكانت قائمة الممنوعة أقلامهم على الاقتراب من الصحافة المصرية أكثر من المسموح لهم بالتهادي في ردهات بلاط صاحبة الجلالة السلطة الرابعة.
نفس الأمر ينسحب على كل المناصب والوظائف المدنية والعسكرية والأمنية، فالدولة كلها تم تعليبها، وتغليفها، ووضعها على مكتب الرئيس ليحدد بنفسه نسبة الهبر، والنهب، والسلب، والتحايل، والحلب وفقا لسعة الولاء، فطاعة ولي النعمة هي التي تحدد تقسيم المخدرات في الغرزة، أعني تقسيم الغنائم في القصر!
نجحت ثورة الشباب في تغيير وجه الحياة والمستقبل في مصر رغم أنف الثورة المضادة، لكن وجوها شريفة ساهمت في نجاحها بصورة أو بأخرى لم تطل بعد على الجماهير على الرغم من أنها لم تكن محسوبة سلفا على نظام الطاغية.
اللواء أحمد رشدي واحد من قوى الأمن التي حاولت وضع لمسات إنسانية في علاقة متشابكة ومعقدة بين المواطن ومباحث أمن الدولة، لكن عين حبيب العادلي كانت له بالمرصاد.
تولى منصب مدير مباحث أمن الدولة بالاسكندرية في عام 2005 عندما كان هناك في الثغر احتقان طائفي، وانتخابات تشريعية، ونية مسبقة بالتزوير والتزييف والبلطجة، واعتقالات عشوائية تتحدد إثرها نتائج الانتخابات، وتم اعتقال عدد هائل من أعضاء الاخوان المسلمين.
رفض اللواء أحمد رشدي اعطاء أي أوامر بالتعذيب أو الانتهاك أو الاغتصاب أو الاهانة بكافة صورها، وظل لسبعة عشر شهرا ثابتا على موقفه، وعارضا مكتبه للوساطة الاسلامية/القبطية، والتقى لديه مسلمون وأقباط في اجتماعات مطولة ليخرجوا بعدها متصافحين، ومتعانقين.
ولم تتحمل القيادة الأمنية في القاهرة أن يلتحم المقر الثاني لمباحث أمن الدولة في الأهمية مع الجماهير، وكشر حبيب العادلي عن أنيابه، ووصف اللواء أحمد رشدي بأنه ضعيف ووديع، أي أنه يدلل أبناء الاسكندرية بلطفه وإنسانيته.
وتم نقله إلى القاهرة ليصبح أقرب إلى عيون مساعدي وزير الداخلية، فقضى في مكتب أمن الدولة بمجلسي الشعب والشورى خمس سنوات شاهد خلالها من كثب ما يشيب له شعر الجنين.
وقبل الثورة بثلاثة أشهر أنقذه الله عندما تم نقله مرة ثالثة..
منذ أكثر من عشر سنوات، وعندما كنت أستعد لزيارتي السنوية تلقيت منه رسالة شفوية بأنه تم وضع اسمي في المترقب وصولهم إلى كل منافذ مصر، فهو يعرفني من كتاباتي عندما صرح بطبع كتبي الأولى، لكن صاحب المطبعة كان رقيبا على نفسه، وحذف بعض المقالات التي تنتقد مبارك رغم التصريح بها من اللواء أحمد رشدي.
في اليوم التالي لوصولي الأول لقاهرة ميدان التحرير بعد أحد عشر عاما من الغياب قمت بزيارته في مكتبه بوزارة الداخلية، ولم أكن قد التقيت به من قبل.
كان اللقاء حارا، ودافئا، وأخوياً، وقدمت له الشكر الجزيل على مواقفه المشرفة مني، ودعمه المعنوي لثورة الشباب، وسألته عن تلك الشجاعة التي واتته عندما اتصلت به من أوسلو بعيد بث ( أوراق مصرية ) من قناة الحوار ( حلقة 13 نوفمبر 2010) التي دعوت خلالها إلى الثورة عندما يكتشف المصريون بأن عدوهم الحقيقي هو حسني مبارك!
أكد لي بأن تليفونه كان مراقبا، وأن حبيب العادلي كان على علم بتعاطفه مع شباب الثورة، وكراهيته للطاغية الرئيس، فازددت احتراما له في وقت يضع من ينصت إليك سبعين علامة استفهام إن امتدحت في ضابط كبير من مباحث أمن الدولة.
كان سعيدا لأن ملفه لم تتناثر عليه بقع سوداء، ولم توجه إليه أي جهة ثورية أو من رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف تهمة امتهان كرامة مواطن واحد مهما صغرت.
ثم التقيت به مرة ثانية في بيته بالاسكندرية ( الجمعة 13 مايو 2011) وسهرنا طويلا نتحدث في كل شيء، ويعرض تاريخه، وأحلامه، وتمنياته، فضلا عن مساهمته في ثورة الشباب التي ينسبها أيضا للشرفاء من أمن الدولة الذين عانوا كثيرا من ظلم واجحاف النظام البائد، لكن التعميم لم يبق لكثير من الشرفاء طريقا لاعادة المشهد بأثر رجعي.
تحدثت مع بعض شباب الثورة الذين أكدوا لي بأنهم على وعي تام بالقوى الوطنية التي لم تكن في صف الطاغية، فحاول ابعاد القرار الأمني الوطني عن أيديها النظيفة.
اللواء أحمد رشدي يملك كل مقومات القيادة والادارة الأمنية لصناعة جهاز يحمي المواطن والوطن، ويضع أولوياته في استتباب الأمن وكرامة المواطن، وأنا على يقين من أن الرجل قادر على العطاء في مصر الثورة، وانهاء الانفلات والبلطجة، وأنه سيجعل مصر واحة للأمن والسلام.
قد يكون هو المثل الأقرب لي بحكم تجربتي الصادقة والشفافة معه عندما كان في السلطة ويمهد للثورة، وكان قويا بايمانه بوطن لا تستقيم الحياة فيه بدون كرامة المواطن، لكنه كان ضعيفا في عيني حبيب العادلي!
ولكن مصر الثورة تحتاج إلى عملية فرز جديدة، وبحث في كل شبر عن الذين أزاحهم الطاغية عن طريقه ولم تبحث الثورة عنهم بعد.
مصر قادرة على اعادة تقديم شرفائها، ووطنييها، ورموز النزاهة والعبقرية والادارة والقيادة فيها قبل أن يعود رجال مبارك بوجوه قديمة عليها أقنعة حديثة.
إنني على يقين من أن الدور الذي يمكن أن يقوم به اللواء أحمد رشدي في مستقبل مصر سيكون مكسبا كبيرا للثورة وشبابها.
هذا بلاغ للثورة وشبابها وللدكتور عصام شرف ولجماهير شعبنا، ويبقى الحكم النهائي لصانع القرار السياسي والباحث عن الجندي المجهول في زمن تحتاجه مصر أكثر من أي وقت مضى.
وإلى المشهد الرابع بإذن الله في مصر بدون مبارك كما شاهدتها
وسلام الله على مصر.
اجمالي القراءات
10325
ما قلته استاذ محمد عبد المجيد عن اللواء أحمد رشدي من نزاهة وعدم وجود بقع سوداء في ملفه تجعلنا نحترمه ونقدم له تحية خاصة .
ويكفيه شرفاً أنه لم توجه إليه أي جهة ثورية تهمة امتهان كرامة مواطن واحد
وليت كل هذه الصور والشخصيات المشرفة تعرفنا بنفسها ويعرفنا بها كل من يعرفها عن قرب لكي تكون مثل يٌحتذى من قبل الشباب الذي يبحث عن مثل وقدوة يحتذي بها .