كمال غبريال Ýí 2011-05-31
لاشك في شموخ قامة د. مراد وهبة الفكرية، وكما أستمتع بالقراءة له والاستنارة بكلماته وأفكاره الرائعة، فإنني أستمتع بالاختلاف معه في بعض الأحيان، وهو بالطبع شرف عظيم أن يتمكن إنسان من الوصول إلى الاختلاف مع تلك العقلية الفذة، بقدر شرف التتلمذ على إنتاجها الفكري العظيم، خاصة في منطقتنا الغارقة في دهاليز الظلام والأمية والعقم الفكري، لذا فإنني أعترف بأنني أتصيد أي اختلاف لي معه، لأمارس رياضة ذهنية محببة إلي، ولا يمنع أن يكون محل الاختلاف وهدفه هو المزيد من التنوير الذي نذر شيخنا الوقور له نفسه، ويحضرني هنا تقديماً لكلماتي هذه، ما قدم به "توفيق الحكيم" لمسرحيته "براكسا" أو "مشكلة الحكم" المأخوذة عن مسرحية "أريستوفان" بقوله: "إلى أرستوفان العظيم أقدم ذنبي وأطلب المغفرة".
لا أستطيع بقدر مقنع لي من اليقين الجزم بأن فيلسوفنا د. مراد وهبة من أؤلئك الذين افتتنوا بمقدرة العقل الإنساني المجرد، فانتحى به جانباً، أو طار به ومعه مفارقاً أرضنا وما عليها من واقع مادي مبتذل، ومتبذل هنا تعني معيشي ويومي ومتاح دائماً بكل الطرق. . أقصد انتهاج المثالية التي تبدأ بالعقل وتنتهي به، فتحلق فوق الواقع الأرضي، لتعود بعد حين وتنظر إليه شذراً، لأنه يختلف بالتأكيد عن المنظومات الفكرية والهندسية الرائعة التي توصل إليها ذلك العقل أثناء تحليقه، ليبدو المفكر بعد ذلك يرتدي ثوب نبي حامل رسالة سماوية مفارقة، مبشراً بجنة موعودة وإن كانت أرضية، إذا ما تخلى الناس عن عشوائية حياتهم، وانصاعوا لتعاليم الوحي الفكري ومنظومته المثالية!
الأمر هكذا إن صح وصفاً لمقاربة د. مراد وهبة لحياتنا الثقافية والاجتماعية، يكون دوجماطيقية مثيلة لتلك التي نذر عمره ليناهضها، داعياً الناس إلى إعمال ملكة النقد لديهم، وهي الدعوة التي ابتغاها من مقاله الأخير في جريدة يومية مصرية، تحت عنوان "هل للإنسان عقل أم عقلان". . يقول أستاذنا الكبير في صدر مقاله:
"فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية لفظ Reflection، يعنى الانعكاس أو يعنى العقل، ومعنى ذلك أن العقل ينعكس على ذاته. ومن هنا يكون لدينا عقلان: عقل يفكر وعقل ثان يفكر فيما يفكر فيه العقل الأول، وهو بعد ذلك وما يريد من موافقة أو عدم موافقة. والموافقة أو عدمها لا تتم إلا بممارسة النقد. ومن هنا يقال على العقل الثانى إنه عقل ناقد، وهو أهم من العقل المفكر لأنه هو الذى يصحح مسار العقل الأول.".
عبارة مفجعة ومخيفة ومحبطة لمثلي، من ينشد مهرباً من تكلس وجمود جماهير تخلفت وتعفنت من طول عصور استكانتها في مستنقع يقينها الدوجماطيقي، لتخرج بالنقد والحوار والصراع الديالكتيكي بين المتناقضات، إلى آفاق رحبة، تسمح للنور أن يغمر كهوفها المعتمة والخانقة.
محبط ما يقوله أستاذنا " أن العقل ينعكس على ذاته"، فما دام هناك كما يقول " عقل يفكر وعقل ثان يفكر فيما يفكر فيه العقل الأول"، فإننا أمام حالة انكفاء على الذات، يغيب فيها الواقع تماماً، لينكب العقل فيها على نفسه يحاوره وينقده، وهي حالة مطابقة لما يتورط فيه أصحاب الدوجما، الذين ينكبون عليها تحليلاً وتفسيراً وشرحاً مستفيضاً، بمعزل عن الدنيا من حولهم. . هكذا يفعل أيضاً ذئاب أو طيور الظلام، الذين يستدعون إنتاجاً فكرياً ينتمي لعصور ماضية، باعتباره النموذج الأمثل لحياتنا المعاصرة، وكيف لنا والحالة هذه أن نلومهم، وهم يستجلبون لنا ما يعتقدون أنه نموذج مثالي تم تدقيقه وتمحيصه بواسطة من يفوقوننا علماً وتقوى، بغض النظر عن المصدر الأساسي لتلك المنظومة، إن كانت ترتكز على أساس مقدس متسام، أو تنتسب لعبقرية فكرية إنسانية فذة!!
لم يكن لي أن أتهم أستاذنا د. مراد وهبه بأنه عنى بالفعل ما خلصت أنا إليه عاليه، لولا مدخله للموضوع، والذي فقد فيه -الأغلب عمداً- الخيط الصحيح لمقاربة الموضوع، حين قال: "فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية لفظ Reflection، يعنى الانعكاس أو يعنى العقل، ومعنى ذلك أن العقل ينعكس على ذاته"، فالعلاقة بين العقل والانعكاس، أو المبرر الذي دعا إلى إطلاق كلمة "انعاكس" كدالة على "العقل" كمدلول، ليس هو ما ادعاه أو ارتآه من انعكاس العقل على ذاته، وإنما هو انعكاس الواقع على ذلك العضو داخل جمجمة الكائن الحي وهو "المخ"، ليتولى قراءة الإشارات المنعكسة إليه، ومحاولة ترتيبها في منظومة تصلح لإرشاد الكائن في التعامل مع مصدر تلك الإشارات، وهي وقائع الوجود المادي.
وظيفة النقد هنا ضرورية ومرتبطة بوظيفة "المخ"، وتتمثل في تلقي الانعكاسات الناتجة عن سلوك الكائن وفق تصوراته عن الواقع، والتي قدمها له "المخ"، أو فلنقل "العقل" وإن كانت تلك الكلمة أو مفهومها القديم المترسخ في الأذهان قد سبب من الخلط والضلال أكثر مما تسبب في فهم وتنوير. . التغذية المرتدة للعقل Feed back لنتائج العلاقة بين الكائن والواقع وفق التصورات الأولية، تعمل على تصحيح تلك التصورات، لتقدم للكائن منظومة مختلفة بدرجة أو بأخرى، تكون أكثر اتساقاً مع الواقع، وتؤدي لعلاقة أكثر تحقيقاً لمقاصد الإنسان، والتي هي مجرد إشباع احتياجاته المتنوعة، وما قصة تطور الإنسان غير قصة تحسين استغلاله للواقع المادي تلبية لاحتياجاته، والتي ترافق معها تطور تلك الاحتياجات وتعاظمها.
الواقع المادي وتلبية احتياجات الإنسان هو المرجعية إذن، والنقص أو العوار في تحقيق أهداف الإنسان وتطلعاته هو المحفز للنقد والمراجعة المستمرة، ومن هنا وقوفنا في وجه الدوجماطيقيين والمثاليين معاً، فنحن لا نرفض دعاة الظلام في شرقنا لمجرد أن مقولاتهم الفكرية لا تعجبنا، أو لأنها لم تنقد وتدقق وتمحص عقلياً، ولكن لأن تطبيقها سيؤدي لنتائج وبيلة.
أدعو أستاذنا د. مراد وهبة لأن يدير ظهره لكوجيتو ديكارت "أنا افكر إذن أنا موجود"، ليعتنق معنا مقولة "أنا افعل إذن أنا موجود"، فليس صحيحاً أبداً أنه "في البدء كانت الكلمة"، لأنه "في البدء كان الفعل"، بداية من فعل الانفجار الكبير، وانتهاء بيوم الناس هذا، حيث الفعل ونتائجة العملية هي المعيار.
دعوة للتبرع
لعلهم ..!!!!!: الله سبحان ه يقول .. لَعَل َّهُم ْ ...
الزلزال: ما معنى الزلز ال فى القرآ ن ؟ هل هو الزلز ال ...
يذهب جفاءا : كنت أسمع عنك حاجات صعبة تمنعن ى أقرأ لك ،...
أفلام البورنو وغيرها: تحيه طيبة لي سؤالا ن ان سنح لكم الوقت بالرد...
الاعراض عنهم : بعد ما بدات اقراء فى المنه ج القرا نى اشتد...
more