محمد عبد المجيد Ýí 2010-12-30
ليس لي سيّدٌ، ولكن في هذه الأيام المباركةِ ،تونسيًا، أختارُ طواعية سيدي بو زيد فهو الوحيد الذي تـَمَكَن من تفعيل كلمات أبي القاسم الشابي عن الشعبِ الذي إذا أراد الحياةَ، فلا بد أنْ يستجيب القدرُ، وأنْ ينجلي الليلُ، وأنْ ينكسر القيدُ.
لا أريد أنْ أنحشر في طائرة تشارتر في أوسلو، وأهبط مطارَ العاصمة التونسية، وأتوجّه إلى سوسة أو الحمامات، وأستلقي علىَ رمال ناعمة فلا يجعلني موجُ البحر أنصِت إلىَ آهاتِ المعذَبين في أقبية سجون أحَدِ أغلظ الطـُغاة وأشرسهم في عالمنا العربي.
لكنني أتمنى الآن أنْ أتسلل إلىَ تونس الخضراء، وأبحث عن كل المتظاهرين والمنتفضين الأبطال، وأقوم بتقبيل رأس كل واحدٍ منهم، فطاغيتُهم الأكبر لا تحمله قدماه في قصر قرطاج من الخوف والفزع، فالتونسيون الشجعان إنْ لم يكونوا كلُّهم شباباً، فأزعمُ أنهم أصبحوا شابيين من أصل شِعريٍّ واحدٍ .. أبي القاسم!
الشجاعةُ هي واحدةٌ من أجمل قِيَمِ الإنسانية، فأنْ تسير مُلَوِّحَاً قبضتك في الهواء في بلدٍ يحتل المرتبةَ الرابعةَ في العالـَم بالنسبة لعدد المعتقلين مقارنة بعدد السكان، فأنتَ قد صعدت لأرقىَ مرتبة بشرية لو علـِم بها داروين لغيّر منهجه وجعل أصلَ القرد هو الإنسان الجبان، وأصلَ الإنسانِ المتحضر هو الرافض لكل صور العبودية والاستغلال والمهانة.
بعد السابع من نوفمبر 1987 تَسَوَّرت تونس من كل حدودها، فأضحى الجدارُ المعنوي حالةً من الإعتقال الدائم، ولكن تظل الستون سنتيمتراً مربعاً في السجن المدني ، والتي هي نصيب السجين نائماً، وواقفاً، هي الجريمة الأكبر للديكتاتور التونسي، فالزنزانة بها 300 شخص حتى أن أحدَهم قضىَ شهرا لم يقابل زميلا له معتقلاً في نفس الزنزانة، ويتحرك بصعوبة في المكان المخصَّص له والذي يضيق به فأر!
مَنْ مِنَّا لا يتذكر الصحفي محمد بريس الذي نشر تحقيقا عن ماسح أحذية، فتم اعتقالُه لأنه أساءَ لصورة تونس الي يحكمها بطل حركة التصحيح النوفمبرية؟
مديرُ تحرير صحيفة ( الشعب ) كان قد تم استدعاؤه لأمن الدولة لأنه نشر مقالا عن غضب الشعب الاندونيسي من جرّاء غَلاء المعيشة، واعتبرت أجهزةُ استخبارات زين العابدين بن علي المقالَ إسقاطاً علىَ حُكْمِه!
لم يَدر بذهن أحدٍ أنَّ التونسيين يمكن أنْ يغضبوا، فغضبُهم في المهجر، ومعارضتُهم في شوارع باريس ونيس وبروكسل وجنيف و .. مونتريال.
ومع ذلك فأمنُ المطار في العاصمة التونسية قبض علىَ أحدهم وهو عائدُ من فرنسا، وأخرجوا له صورةً تم التقاطـُها قبل عشر سنوات من داخل السفارة التونسية في باريس، وكان المسكين يقف صامتا في مظاهرة مسالمة، لكن عينَ كاميرا الطاغية اخترقتْ نافذةَ السفارة، والتقطت صورتـَه، تماماً كما فعلتْ أجهزةُ الاستخبارات الأردنية مع مدير تحرير صحيفة كويتية عندما عَبَرَ الحدودَ من الكويت إلى بلده سورية عبر المملكة الهاشمية، فحققتْ معه استخباراتُ الحدود بتهمة كتابة مقال ينتقد الحسين بن طلال ، رحمه الله، قبلها بعشرين عاما في صحيفة ظبيانية!
الجنرال بن علي دراكيولا العصر الحديث، وهو يتلذذ بتعذيب مواطنيه كما لم يفعل طاغيةٌ قبله، ولن يفعل بعده!
حمادي الجبالي قضى خمس عشرة سنة في سجون الديكتاتور التونسي، ظـُلماً وبغياً، فلما خرج من السجن الصغير إلى السجن الكبير المُسَمَّىَ الوطن، أبعدته عن أسرتِه، ووافقتْ أنْ تقوم بناتُه الثلاث بزيارتِه شريطة أنْ يشاهدوا خيالـَه من بعيد دون الاقتراب خطوة واحدة!
نحن أمام حالة سادية، نرجسية، دموية لرجل الغرب في الشرق، وعدو الإنسانية في شمال أفريقيا، ومصّاص الدماء الأكبر في عالمنا العربي المليء بدراكيولات متفرقة تُعِدّ أبناءَها لوراثةِ القصر والسلطة، والعبيد ..والأرض!
سجونُ ومعتقلات تونس مثل السجن المدني، وبرج الرومي، وناظر، ومرنة، وباجة، وبرج العامرية، ومونستير، وسوسة، وبلاريج، والهوارب، والمرناقية، تستطيع أن تبتلع في جوفها نصف سكان تونس وتقولُ هل من مزيد؟
الجنرال مدعومٌ عربيا، وغربيا، وأمريكيا، وإسرائيلياً، وعندما أخرجتْ صناديقُ الاقتراع لسانـَها لعيون الغربيين الزرقاء، وكانت النتيجة 99% عامي 89 و 94، ابتسم دعاةُ الحرية والديمقراطية كما ابتسم توني بلير في خيمة العقيد وهو يحاول أن يبعد عن ذهنه صورة مدينة لوكيربي، وانفجارات لندن التي تحالف فيها الجيش الجمهوري الايرلندي مع رسول الصحراء!
أجهزةُ الاستخبارات التونسية تسمع دبيب النمل، وتستدعي مواطناً قام لصلاةِ الفجر ثلاثَ ليالٍ سَوِيّاً فوَشَتْ به أضواءٌ خافتة، وتسحب حجابَ طالبةٍ جامعية، وتستدعي الخارجيةُ دبلوماسياً رفض معاقرة الخمر في حفل العيد الوطني بسفارة بلده في عاصمة أوروبية، فَرَفْضُ رشفةٍ من البوجوليه، والألزاس، والبوردو يعني العودةَ إلىَ تونس، والتعرّض للمراقبة، فربما تكون بذرةُ التديّن قد نبتتْ في أحشاء الرجل قبل أن يتطرف بوقت طويل!
والطاغيةُ يصنع ماضيه ليلائم حاضرَه، وأيضا ليفسح المجال للمنافقين باعادة صناعةِ معبودهم الجديد وِفْقا لتوجيهات القصر، وعندما تولىَّ الحُكمَ بعدما أطاح بالرئيس مدىَ الحياة .. الحبيب بورقيبة، اختفتْ كُلُّ الأوراق والثبوتات من مدرسة سوسة الثانوية، فليس من حقِ أحد أنْ يتلصص علىَ ماضي الرئيس، فالماضي صناعة جديدة ومغلَّفة بأوراقِ الحاضر، وأحلامِ المستقبل، ولو كان بامكان المستبد أنْ يستدعي الحيواناتِ المنويةَ التي سابقته، فَسَبَقَها قبل مولده بتسعة أشهر، لما تأخر، ليتأكد أنه تخلّص منها، وأنها لن تشهد عليه في يوم من الأيام!
عندما تم منح محمد الناصر وِساماً تقديرا لجهودة الأمنية، غابتْ عن ذاكرة الكثيرِ أنه ذئب في صورة بشرية، وأنه كان يرغم المعتقلين علىَ لعق العصا بعد اِدْخالِها في فتحة الشرج.
كان الثامن عشر من يونيو عام 2005 يوما تاريخيا عندما نظرت المحكمة الابتدائية في جنيف دعوى اقامها الناشطُ التونسي عبد الناصر نايت ليمان ضد الطاغية، واستبشرنا خيرا، وكبرت أحلامُنا في مشاهدة صفٍّ طويل من الطغاة أمام محاكم دولية، يتقدمهم زين العابدين بن علي، وعلي عبد الله صالح، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وعبد العزيز بوتفليقة، وبشّار الأسد، وعمر حسن البشير، لكن ذاكرة المحاكم كذاكرة الشعوب تستيقظ يوما، وتنام سبعين ليلة!
لستُ من المؤمنين ببركات الأسياد، إنس أو عفاريت، والبركة الوحيدة المعترف بها حاليا هي بركة سيدي بو زيد، وإذا انتقلتْ من تونس إلى القاهرة والاسكندرية وبنها وبورسعيد وأسوان، فأغلب الظن أن سراويل كل قيادات الحزب الوطني الحاكم ستتبلل قبل الغضب المصري بوقت طويل!
دعونا نضع وسامَ الشجاعة على صدور أبطال تونس، ونستعد للتهنئة الكبرى التي سيتسلمها البطل التونسي الجديد في قصر قرطاج، ويعيد إرسالها إلى بطل جديد آخر في قصر العروبة القاهري.
أما سرادق العزاء الذي نراه كابوسا مزعجا فهو القضاء على الانتفاضة التونسية، ثم الخطاب الأول للرئيس الشاب جمال مبارك في حياة والده أو بعد رحيله.
أيها التونسيون الأحباب،
لا تجعلوا البيان رقم واحد من ماسبيرو يبتعد كثيرا عن بيان أبناء الشابي في تونس الخضراء، فالطغاة سيسقطون واحدا إثر الآخر كما حدث عام 1979، عام سقوط الديكتاتوريات في أفريقيا.
لقد بدأتُ في كتابة تهنئتين بسقوط بن علي و... مبارك، ولا أعرف لمن سأرسل التهنئة الأولى!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 29 ديسمبر 2010
تحية للأستاذ محمد عبدالمجيد الذي يذكرنا أننا ما زلنا أحياء !! نتنفس عبير الحرية من مقالاته ، ولا أدري ما سبب تقييد الرئيس التونسي ورجالاته لأفراد شعبه ، وتجريمهم لمن يصلي حتى في خارج تونس! ففعلة الخير كثيرين حتى في الغربة ، يسجلون حتى النفس ،وأكدت لي تونيسية كانت تتكلم بحرص وتخفض في صوتها حتى أشعرتني بالقشعريرة أنها هي وعائلتها في وجود عائلة تونسية أخرى لا تأتي على ذكر الصلاة ولا تقوم بالصلاة لا هي ولا الأسرة الثانية ، ولما استغربت من المقولة قالت لي بسيطة سأريكي عمليا غدا وكنا في زياررة لأسرة مصرية معا ، فكانت تنظر لي وتهز رأسها لتثبت صدق وجهة نظرها من آن لآخر .
هل روح ابوالقاسم الشابي ستنتفض من جديد في الشعب التونسي ..
أما قدرنا نحن العرب أن ننتقل من ديكتاتور إلى ديكتاتور آخر ..
الاستاذ محمد عبدالمجيد يثبت انه بانوراما متحركة لرصد الديكتاتوريات العربية ..
شكرا للأستاذ محمد على هذا المقال ..
أخي العزيز الأستاذ رمضان عبد الرحمن،
تاريخنا مليء بالتجاوزات، ولكنني أختلف معك في أن لا تاريخ لنا أو حضارة غير القتل والتعذيب، فشهادات الغربيين أنفسهم من توماس كارليل إلى جوستاف لوبون، ومن فانساي مونتاي إلى روجيه جارودي، ومن محمد أسد ( ليوبولد فايس سابقا) إلى مراد هوفمان تؤكد عكس ذلك.
وتقبل تحياتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
الأخت العزيزة عائشة حسين،
كلام صديقتك التونسية صحيح تماما.
زوجة صديق لي يعمل في وكالة الأنباء السورية حاليا وكان يعمل دبلوماسيا من قبل في سفارة سوريا بالعاصمة التونسية.
كان يسير مع زوجته المحجبة، وتقدم عنها خطوات، فإذا برجل أمن تونسي يوقفها، وويعتدي عليها بالتقريع والشتائم لحجابها، وقالت له بأنها سورية ولا علاقة لها بقوانين نزع الحجاب التونسية، ولما نظر زوجها خلفه شاهد هذا الشجار، كما حكى لي لاحقا، وكاد هو والشرطي التونسي يتقاتلان في الشارع.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
شكرا، أخي العزيز الأستاذ محمد سامي، فالحقيقة أن الديكتاتوريات العربية هي التي ترصد حركاتنا، وسكناتنا، وأحلامنا، وكوابيسنا، وحياتنا، و .. موتنا.
مع تحياتي القالبية
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
أستاذ محمد المحترم أنا أسئل نفسي كثير لماذا بالتحديد المسلمين هم من يوجد عندهم التجاوزات
الأكثر بين شعوب العالم وعلى الرغم أن الإسلام أتي لكي يحافظ على حقوق الناس ومع الأسف الشديد المسلمين فعلو العكس
الأستاذ المحترم / محمد عبد المجيد كل عام وأنت وجميع الأسرة بخير .
ما أأعرفه عن تونس أن التحكم والقمع يكون في معظمه في نوعية التدين وارتداء الحجاب ،فهل هذا القمع في كل مناحي الحياة كما هو في باقي شعوب المنطقة العربية كما يٌفهم من هذه الفقرة من المقال
"سجونُ ومعتقلات تونس مثل السجن المدني، وبرج الرومي، وناظر، ومرنة، وباجة، وبرج العامرية، ومونستير، وسوسة، وبلاريج، والهوارب، والمرناقية، تستطيع أن تبتلع في جوفها نصف سكان تونس وتقولُ هل من مزيد؟ "
يا سيدى العزيز الم تسمع عن انتفاضه 6 ابريل التى قام بها شباب وبنات الشعب المصرى ضد الطاغيه لكن الشعب المصرى عندما يواجه فانه يواجه مليون ونصف عسكرى غير الضباط والحشاشين والبلطجيه اى ان عساكر الامن المركزى عددهم اكبر من عدد الجيش المصرى
وفضلهم مليون عسكرى اخر ليصبحوا بعدد الجيش الصينى ورغم ذلك مصر اولا
الأخت العزيزة نورا الحسيني،
وأنتِ بألف خير، وسنة سعيدة عليكِ وعلى أسرتكِ الكريمة.
الديكتاتور لا يختار فئة واحدة يناصبها العداء، لكن طغيانه قد يمتد إلى البيت, والأسرة، وخدمه، والعاملين معه، ولا ينتهي عند كل أفراد الشعب.
مع تحياتي القلبية
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
الأخت ساره علي،
نعم، سمعت عن انتفاضة 6 ابريل، وقمت بالتحريض من أجلها، وشاركت عن بـُعد، لكن لا يزال العدد المطلوب للوصول إلى الغضب الذي يخافة الديكتاتور دون الآمال والأمنيات.
تحيات لكِ، والله يرعاكِ.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
أخي الأستاذ محمود مرسي،
شكرا لتهنئتك الطيبة، وتمنياتي لك ولأسرتك الكريمة بعام سعيد رغم بدايته غير المريحة، والله يرعاك.
أملي كبير في أن الغضب التونسي سيتكرر، فالخطوة الأولى ستجعل التونسيين يفهمون أن طاغيتهم من ورق، ثم تأتي الخطوة الثانية ، ولعلها الأخيرة.
مع محبتي وتقديري
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
دعوة للتبرع
مسألة ميراث : هل يرث الرجل عمته المتو فية ولها ابنة...
ثلاثة أسئلة: 1 ـ لماذا أمر الله جل وعلا الملا ئكة بالسج ود ...
فعلا ..لماذا يا هذا؟: السؤا ل لماذا للان لم يتم محاكم ة وزير...
الوصية وسداد الديون: الدكت ور احمد يقول . ان من مات اغلق كتاب...
more
أستاذ محمد المحترم ما لا يعلمه الكثير من الشعوب العربية أو الإسلامية كما يقولون أن العرب أو المسلمين ليس لهم تاريخ أو حضارة غير القتل والتعذيب والصراع على السلطة والضحية حتما تكون من هذه الشعوب وإذا كانت الشعوب هي الضحية وتستخدم هذه الشعوب من اجل الوصول
إلى السلطة لماذا لا تقبل هذه الشعوب ألان أن تكون الضحية من اجل الوصول للحرية