نهنيهم ولاّ نعزيهم؟
نبيل شرف الدين
Ýí
2010-01-11
كلما اقتربت أعياد القيامة أو الميلاد أمسك قلبى بيدى، وأسأل الله اللطف فى قضائه، فمنذ سنوات طويلة- لم أعد أتذكر عددها- أصبحت معايدتنا لأهلنا الأقباط بحرق ممتلكاتهم تارة، وقتلهم تارات، وأخيراً تفتق ذهن الشيطان عن مجزرة مكتملة الأركان، قتل فيها «معلومون» وليسوا «مجهولين»، بشكل عشوائى، المصلين لدى خروجهم من قداس العيد بمدينة نجع حمادى التى تحولت لمأتم كبير وساحة مصادمات دامية.
ماذا نتوقع فى المستقبل من صبى شاهد بعينيه أباه أو جاره يُقتل برصاص عشوائى، بينما يهتف القتلة «الله أكبر»، وهل يمكن لمن رسخت فى وجدانه هذه الصورة البشعة أن يكون متصالحاً مع ثقافة أفرزت هذا العمل الإجرامى، أم أنه سيتحول لطاقة شريرة للدفاع عن وجوده وحياته، أو على أقل تقدير سينسحب من العالم وينكفئ على ذاته، وبتعبير آخر فلم يعد أمامه إلا أن تسكنه روح الاستشهاد أو الانزواء.
ولماذا نراهن كثيراً على تسامح أهلنا الأقباط وسعة صدورهم، ونصر على التعامل مع مثل هذه القضايا الخطيرة باعتبارها «حوادث فردية» رغم أنها باتت متكررة ومتصاعدة، أو كأنها مجرد «جرائم جنائية» عادية، مع أن الطائفية تشكل أهمّ دوافعها، وإلى متى سنظل ندفن رؤوسنا فى الرمال خشية مواجهة الحقيقة التى تؤكد أن الفتنة مستيقظة بالفعل، وأن علاجها ليس أمنياً فحسب كما يتصور البعض، لأن الأمن لا يصنع سياسات الدول، بل ينفذها فقط، فالأمر فى جذوره هو مسؤولية صانع القرار والإرادة السياسية التى أخشى أنها صارت تتسم بالميوعة فى اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تكرار هذه الجرائم الطائفية التى تنذر بالأسوأ.
وهل ينبغى أن ننتظر حتى يحمل شباب محتقن من الأقباط السلاح لـ«يدافعوا عن أنفسهم»، وحينها سنتحول لدولة ميليشيات وجمهورية طوائف؟ وإلى متى سنظل نمارس سيناريو عناق «القس والشيخ» كمعالجة السرطان بالمسكنات حتى يأتى على الجسد كله، ويتم تفريغ الصعيد من المسيحيين مع أن جذورهم ضاربة فيه منذ عهد الفراعنة؟ فما يحدث الآن يدفع آلاف الأقباط من أبناء الصعيد للهجرة خارج مصر، أو حتى للقاهرة والإسكندرية لو لم يتمكنوا من الهجرة.
وإذا حدث تفريغ الصعيد من المسيحيين- لا قدر الله- فهل سيكون ذلك فى مصلحة أحد، أن يقع الصعيد فى قبضة تيار التعصب الدينى الذى سيلتقى مع الطبيعة الحادة للصعيد ليعود كما كان قبل عقود، مصدر قلاقل وبؤرة ملتهبة، ولماذا لم نتعلم مما حدث؟ وماذا فعل نواب الشعب والحزب الحاكم والمحليات وأجهزة الأمن وغيرها فى مواجهة هذه الجريمة البشعة التى حولت أعياد أهلنا الأقباط لمأتم؟
ألم يتوقع مسؤول واحد هناك إمكانية حدوث ذلك الاعتداء الإجرامى، خاصة بعد الاحتقانات التى ترتبت على واقعة الفتاة المسلمة والشاب القبطى؟ وإذا كان الجواب بنعم فستكون مصيبة أن يعرف أحدهم ولا يفعل شيئاً لمنع هذه المجزرة، أما إن كان الجواب بالنفى فالمصيبة أعظم، أن يكون المسؤولون عن إدارة بؤرة توتر طائفية مغيبين ومعزولين عن المجتمع لهذه الدرجة، وبالتالى تنبغى تنحيتهم ومساءلتهم قضائياً لأنهم لم يكونوا على قدر المسؤولية.
وإذا افترضنا بهؤلاء حسن النوايا وعدم التواطؤ مع القتلة، فقد ارتكبوا إهمالاً جسيماً ينزل منزلة الفعل المتعمد، وبالتالى لا يمكن اختزال الأمر فى ضبط الفاعلين ممن صوبوا بنادقهم نحو صدور أهلنا الأقباط، بل ينبغى أن يدفع المسؤولون فاتورة إهمالهم أو تواطئهم، لأن هناك «مسؤولية سياسية» تتجاوز أركان الجريمة الجنائية، ذلك لأن ما حدث لم يكن مجرد جريمة عادية، بل طائفية تهدد أمن الوطن وحياة أبنائه.
بالله عليك أخى المسلم السمح الذى يحترم جميع البشر والأديان، هل ما حدث فى نجع حمادى «إسلام أم إجرام»؟ وماذا يمكن أن أقول لصديقى المسيحى الطيب الذى فقد أباه أو عمه أو حتى جاره.. هل أهنئه بالعيد، أم أعزيه فى مصابه الأليم؟
والله المستعان.
اجمالي القراءات
10348
"بالله عليك أخى المسلم السمح الذى يحترم جميع البشر والأديان، هل ما حدث فى نجع حمادى «إسلام أم إجرام»؟ وماذا يمكن أن أقول لصديقى المسيحى الطيب الذى فقد أباه أو عمه أو حتى جاره.. هل أهنئه بالعيد، أم أعزيه فى مصابه الأليم؟"
نعزى أنفسنا قبل أن نعزيهم ، هؤلاء هم أهلنا وما يضرهم بالقطع يضرنا قبلهم ، وهذا العمل الاجرامى لا يمت للإسلام بصلة ، هو نتيجة التطرف والتشدد وما أبعد الإسلام عن ذلك ، الإسلام دين سلام فالمسلم الحقيقى هو من سلم الناس منه وعاش فى سلام مع الناس مهما أختلفوا معه حتى ولو كان الاختلاف فى أمور العقيدة .