الإخوان واستراتيجيتهم الحربائية
كمال غبريال
Ýí
2009-10-21
ربما أهم ما تتميز به جماعة الإخوان المسلمين ومشتقاتها أو أجنحتها، عن سائر الجماعات الراديكالية المماثلة، هو وجود ما يعرف بمبدأ التقية في صلب أيديولوجيتهم، بما تتضمن تطبيقاته من شرعية ومبدئية التظاهر علنياً بما يخالف الحقيقة المبطنة، بحيث يعد ما نعتبره نحن تلوناً وحربائية، هو من صميم الاستراتيجية الإخوانية، وليس فقط مجرد حيلة تكتيكية عارضة، قد تفرضها ظروف استثنائية. . هذا ما ينتهجونه في معرض الالتفاف على المادة الخامسة من الدستور المصري، والتirc;ي تحرم العمل السياسي على أساس مرجعية دينية، في تحد فاضح ومفضوح للشرعية الدستورية، بما يحمل ضمناً من استعراض عضلات من قبل الجماعة المحظورة قانوناً، في مواجهة الدولة المصرية والنظام السياسي بكامله. . فالمادة الخامسة من الدستور بالتحديد، جاءت لتكون مثابة صخرة تسد الطريق على دعاة التأسلم السياسي، حين تحرمهم من المتاجرة بالدين، وتوظيفه لاستقطاب الجماهير، بعد إقناعها بأنهم وحدهم المتحدثون باسم الله، بما لابد وأن يعني أن الآخرين هم أتباع الشيطان.
تفتضح محاولتهم التلون والالتفاف على نص وروح الدستور المصري، في دفعهم لطلائع تبدو وكأنها منشقة عنهم، مدعية لنفسها وسطية، ما أن تقلبها يميناً ويساراً، حتى تكتشف أنها تصب في ذات الوعاء الإخواني، الهادف للعودة بنا إلى الدولة الدينية، التي لا يعرف لها التاريخ غير الفشل الذريع. . نجد لدى الوسطيين المزعومين ذات الخلط الواضح بين الأرضي والسمائي. . بين النسبي والمطلق. . وبين المادي الموضوعي، وبين الأخلاقي والروحي. . يتبدى التخفي والخداع جلياً، حين يستبدلون المفاهيم والتعبيرات الاقتصادية والقانونية المحكمة والمحددة المعنى، بتعبيرات هلامية مأخوذة من الخطاب الديني الوعظي، لتكون النتيجة مسخاً مشوهاً للعناصر والأفكار المتفق عليها تقريباً من الجميع، والتي تناولتها برامج جميع الأحزاب المصرية بما فيها الحزب الوطني، ولم يأت هذا الخلط والاختلاط بالطبع مجانياً، بقدر ما جاء لتحقيق الغرض الأساسي من أمثال هذه المخادعات، وهو الالتفاف على تحريم الدستور لإقحام الدين في السياسة، فكان أن تفتق الذهن الإخواني عن حيلة تقديم برنامج سياسي الشكل ديني المحتوى، يتحدث عن العبادات فيما هو يناقش أموراً اقتصادية، ويتحدث عن الحرية بعبارات تشي بالهيمنة والوصاية على أدق خصوصيات الإنسان.
إن المطالبات الدائمة للجماعة المحظورة بالكف عن التخفي خلف المقولات الدينية العامة وغير محددة المعنى، وتقديم برنامج عملي محدد لحل مشاكل مصر، تهدف إلى تعرية الإخوان من دروعهم وأصدافهم المقدسة التي يتمترسون خلفها، ليدخلوا في جدل موضوعي حول وسائل حل الإشكاليات الحياتية لما يزيد عن ثمانين مليون مصري، تحولت حياتهم إلى كتلة واحدة هائلة من الفشل والبؤس والفوضى.
الملعب الذي يريد العلمانيون سحبهم أو دفعهم إليه أبداً ليس ملعبهم، وقواعد اللعب به مجهولة وغريبة عليهم، فهم لم يحترفوا إلا التلاعب بالعواطف الدينية لشعب مؤمن بالسليقة، واحترفوا فتاوى النساء، مستغلين الحجم الذي تشغله المرأة في فكر الرجل الشرقي، سواء كلفه بها ودورانه حولها، كحالة طبيعية في مجتمعات ما قبل الصناعة، حيث الفراغ الطويل من العمل في المجتمعات الزراعية والبدوية، أو نتيجة لتأثير حرارة الجو في المناطق المدارية والمناخ القاري، مستفيدين من حساسية الرجل الشرقي ضد أي انتهاك لملكيته للمرأة، التي لا يرى فيها إلا جسداً لإشباع شهوة واستثارة شهوات، وهي الرؤية التي نراها جلية في ملصقاتهم على الجدران، والتي تحض المرأة على "الحجاب في عصر الذئاب"، فهذه هي رؤيتهم التي لا يجوز تخطئتها، حيث هي تعبير عن دخيلة سيكولوجية وفكرية، ترى كل امرأة فريسة وكل رجل ذئب، لتصير تلك القضية الواحدة هي محور الكون بالنسبة لهم، فيرون الرجل بكل ثراء قدراته وملكاته مجرد ذكر والمرأة مجرد أنثى، وتكون قصة الإنسانية هي قصة مطاردة الذكر للأنثى، أو حسب تعبيراتهم مطاردة الذئب للفريسة، ومن الطبيعي والحالة هذه أن يتلهف الرجل على من يدله على وسائل ومبررات، ليضع ما يمتلك من أجساد شهوانية داخل زنازين محكمة ومظلمة، يحتفظ وحده بمفاتيحها!!
هكذا يكون ما يشهده مجتمعنا من معركة حامية الوطيس، حول النقاب إن كان عادة أم عبادة. . تلك المعركة التي نعتبرها مصيرية ومقدسة، فيما يعتبرها العالم الذي يراقبنا مهزلة، هذه المعركة هي صلب ومحور العقلية المتأسلمة المنكفئة على الذات، والتي تحتل الغريزة الجنسية مركزها.
الوتر الثالث الذي احترف الإخوان الضرب عليه، هو وتر استثارة الكراهية للآخر، وهي لعبة رابحة حيث يسود الجهل ويغيب العقل، فلا يتحرك الإنسان إلا بوحي من العاطفة، التي يحرصون أن تكون دائماً متأججة، فأقوى ما يجتذب جماهير هذا هو حالها، هو الخوف من آخر، يتم تصويره كعدو لله وللمؤمنين به. . ولا يكون أمام المؤمنين عندها إلا أن يلتزموا صاغرين بكل ما يجأر به محترفو الصراخ والتحريض، وإلا كان مصيرهم جهنم في الآخرة، والوقوع فريسة لأعداء الله في الدنيا!!
هكذا يحقق الإخوان انتشارهم وتفوقهم على سائر القوى الاجتماعية والسياسية، وحين يأتي من يدعوهم إلى التخلي عن كل ما يملكون ويتقنون، وإلى النزول إلى ساحة مختلفة تماماً. . ساحة لا يتحدثون فيها باسم الله وإنما باسم أنفسهم، ويكون عليهم أن يعرضوا مقولاتهم، وأن ينتظروا رأي الجماهير فيها وفي نتائجها العملية، فإن هذا بالتأكيد ما يرفضونه بصورة مطلقة، فقد اعتادوا أن يفتوا والناس تطيع، فيما سيف النعت بالكفر، أو بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، مسلطاً على رقاب الجميع .
من العبث إذن محاولة جر الإخوان بعيداً عن موضوعهم الأثير وهو جسد المرأة، ليبحثوا مشاكل التعليم والمياه والصرف الصحي والإسكان والبطالة والقمامة المتراكمة في الشوارع، وكلها أمور يتمتعون فيها بأمية لا يحسدون عليها، كما ستفرض مثل هذه المهام على ذواتهم المقدسة المنزهة، أن تقف على قدم المساواة، أمام ما يطرحه علمانيون متخصصون، علاوة على أن تطبيقات الواقع تهددهم بكشف زيف مقولاتهم وفشلها، وهم من اطمأنوا إلى قول ما يحلو لهم، حيث الحكم مرجأ إلى يوم القيامة.
نفس هذا ما يمارسه بعض رموز التأسلم السياسي، الذين يقسمون بأغلظ الأيمان انفصالهم التام عن الجماعة المحظورة، وبأنهم دعاة دولة مدنية وديموقراطية، ثم يطرحون مقولات يدورون فيها حول أنفسهم، لنجدهم في النهاية يعودون بنا إلى نفس النفق الضيق والمسدود، الذي يصر الأخوان على حشرنا فيه. . هو ذات نهج التلون الحربائي الذي تخصصت فيه مختلف صنوف كوادرهم. . محاولة تجميل ما يستعصي على التجمل. . تلك المحاولات التي لا تخدع إلا من كان يخادع نفسه قبل أن يحاول خداعنا.
فرغم تدين الشعب المصري وبساطته، إلا أنه يعرف أنهم أهل هيمنة وصدام مع العالم، ومع كل من يتجرأ ويتساءل عن حقيقة ما يظهرون وما يبطنون. . فرجل الشارع المصري يدرك جيداً أنهم إذا ما تولوا قيادة السفينة فسوف يوجهونها للاصطدام بأقرب صخور، ويعرف أنهم زراع كراهية، والشعب المصري رغم كل شيء مازال محباً للحياة، ولا يتقن صناعة الموت كما تحرضه ملصقاتهم ولافتاتهم التي يختارون لها اللون الأسود، في تعبير غير متعمد عن دخائلهم . . الثقة في الشعب المصري لا تستند إلى أوهام أو أحلام، فالشعب المصري قد أتقن صنع الحضارة على مر العصور، ولا يمكن أن يسلم رقبته لدعاة الموت والإرهاب، مهما أتقنوا التجمل والمخادعة. . ولا يمكن أن يسمح بتحول مصر إلى طالبانستان أو حماسستان أو إخوانستان.
اجمالي القراءات
9359