هل فعلا يريد تنكريدو – عضو الكونجرس الأمريكى – ضرب الكعبة ؟؟
زوبعة هائلة تواجه عضو الكونجرس الامريكى : توم تنكريدو اثر تصريحات منسوبة له تقول انه اذا ضرب الارهابيون ( المسلمون ) أمريكا بقنابل نووية فلا بد من ضرب الكعبة ، وأردف فيما بعد قائلا انه لا يحبذ مثل هذا التصرف ولا يدعو اليه وانما قصد ردع الارهابيين .
الهجوم على تنكريدو لم ينقطع حتى تضاءلت الى جانبه أحداث القتل وضحاياه المدنيين من النساء والأطفال فى العراق والعمال المصريين وغيرهم فى شرم الشيخ.
النظرة الموضوعية فى تصريح عضو الكونجرس ترى أنه من الوارد لأى مسئول أمريكى - حريص على حياة المواطنين المدنيين من قومه - أن يدلى بهذا التصريح لردع اولئك المتطرفين حتى لا ينفذوا تهديداتهم بتفجيرقنبلة بدائية قذرة قادرة على ابادة مدينة أمريكية بأكملها مسالمة لا شان لها بالشرق الأوسط ومتطرفيه وطغاته. المتطرفون يريدون من عضو الكونجرس ان يشعر بالتقديس للكعبة مثل كل مسلم وألا يقترب منها بأى كلمة حتى مع احتمال ان يستعملوا القنابل النووية ضد المواطنين الأمريكيين المدنيين.
لا اخفى اننى أحسست بجرح فى قلبى حين قرأت تصريح تنكريدو ، الا اننى فى العادة – احتراما للموضوعية –أضع نفسى مكان الطرف الآخر واسأل نفسى ماذا أفعل لو كنت مكانه وفى نفس ظروفه. حين تصورت نفسى مسيحيا أمريكيا فى موقع مسئول رأى مصرع الآف المدنيين الأبرياء من قومه فى الحادى عشر من سبتمبر - رجحت ان أقول نفسى الشىء اذا جاء تهديد آخر لقومى بالقنابل النووية.
على أن الموضوعية لا مكان لها فى التفكير السلفى . السلفيون يرون أن من حقهم قتل غيرهم المختلف معهم أو المختلف عنهم، ولا يرون لهذا الغير حقا فى الاعتراض أو الاحتجاج فاذا احتج قامت قيامتهم عليه. لا يختلف السلفيون فى الجالية المسلمة فى أمريكا عن غيرهم من تلاميذ ابن لادن وأنصاره فى الشرق الأوسط .
قاد هؤلاء واولئك حملة شعواء ضد عضو الكونجرس الأمريكى توم تنكريدو ثم طلبوا مقابلته ، وهذا وضع غريب فى الثقافة الأمريكي - أن تهاجم مسئولا ثم تطلب الاجتماع به - وان كان مفهوما انهم يتصرفون طبقا لمفهوم الاستتابة فى الفكر السلفى أن يطلبوا التوبة من عضو الكونجرس الامريكى المسيحى ، وقد رفض تنكريدو استقبالهم .
منظمة اسلامية أمريكية وحيده هى التى وافق العضو الأمريكى على استقبالها. لم تتورط فى الهجوم عليه ولكن طلبت أن تجتمع به فى مكتبه لتستوضح منه الأمر وتعرف وجهة نظره وتناقشه فيما قال. أنها منظمة تحالف المسلمين الأحرار لمواجهة الارهاب. تلك المنظمة التى أنشأها ويرؤسها المحامى الفلسطينى الأصل كمال نعواش ، بينما أسند لى دور مستشارها الاسلامى . أصبح لهذه المنظمة دور متصاعد فى الدفاع عن الاسلام فى أمريكا وتوضيح التناقض بينه وبين السلفية الوهابية وثقافتها الدموية ، وبسببها أقتنع كثير من الأمريكيين الناقمين بأن المسلمين ليسوا كلهم ابناء لادن .
ظهر يوم – الاربعاء 27 يوليو ذهب وفد من المنظمة لمقابلة عضو الكونجرس توم تنكريدو . ضم الوفد رئيس المنظمة كمال نواش وعضو مجلس الأمناء بلال عبد الرحمن ، ومستشارها الاسلامى كاتب هذه السطور.
استمر الاجتماع نحو الساعة فى مقر العضو فى أحد المبانى التابعة للكونجرس. بينما وقف عدد من الصحفيين فى الردهة . استمع لنا السيد تنكريدو وبدا غاية فى التأثر حين وصفنا له وقع التصريح المنسوب له على مشاعر ملايين المسلمين خصوصا نحن المسلمين الذين يتصدون للارهاب . قال له كمال نواش انه لا يطالبه بالاعتذار ولكن يريد منه التوضيح. قلت له ان التصريح المنسوب له أتاح فرصة للمتطرفين اذ أقاموا حملة ضده غطت على جرائم كبيرة ارتكبها الارهابيون. قلت دعنا ننس هذه الصفحة ولنتحدث فيما قاله عن مواجهة ثقافة التطرف فكريا من داخل الاسلام لانقاذ آلاف الضحايا وبلايين الأموال ، وتحجيم آلة الحرب واحلال السلم وثقافة الديمقراطية. انفتح باب الحوار وتشعب وتتابعت كلمات عضو مجلس النواب الأمريكى تنكريدو تؤكد احترامه للمسلمين فى أمريكا وخارجها ، وأنه لم يقصد اطلاقا المساس بالاسلام ومشاعر المسلمين, وأنه حريص على تمتع المسلمين بحريتهم الدينية داخل أمريكا وخارجها وفق ما يعتقدون، وانه يرى ان ضحايا الارهاب من المسلمين أكثر من غيرهم مستشهدا بما يحدث فى العراق اليوم. وتمنى ان ينعم المسلمون بحياة ديمقراطية سليمة. المهم أنه كرر اعتذاره أمامنا عما سببه التصريح المنسوب اليه من جرح لمشاعر المسلمين .
خرجنا من الاجتماع لنواجه ثلة من الصحفيين يسألوننا عما حدث فى الاجتماع. قلنا ما حدث وشهدنا لعضو الكونجرس بما يستحقه من اعجاب ، اذ لم تأخذه العزة بالاثم – كما يفعل صغار كبار المسئولين فى الشرق الأوسط وانما بادر بالاعتذار دون أن نطلبه منه مما يؤكد سمو خلقه وعلو ثقافته.
بقيت لنا كلمة نتوقف فيها بتحليل سريع لثقافتنا العربية فيما يختص مكة وحرمة الكعبة وقدسيتها .
1- هناك فرق بين حرمة الكعبة وتقديس الكعبة.
الكعبة ليست مقدسة فى الاسلام ولكن للبيت الحرام "حرمة" تدخل ضمن فرائض الاسلام وتتعلق بشعائر "الاحرام " فى الحج ومنع الاقتتال فى البيت الحرام وحفظ حياة الوافدين اليه والدواب التى تعيش فيه .
ليس فى الاسلام تقديس لبشر أو حجر. فليست أحجار الكعبة مقدسة، هى مجرد أحجار مبنية من نفس الأحجار التى نمشى عليها ونستعملها فى أى بناء آخر. الكعبة هى بناء بشرى أقيم مرات عديدة وتم هدمه مرات عديدة . الهدف من اقامته ان يحدد المكان الذى يتوجه اليه المسلمون فى الصلاة ويتوجهون لزيارته فى الحج. هذا المكان أقيم عليه أول بيت وضعه الله تعالى للناس. بعد هدمه أرشد الله تعالى ابراهيم الى مكانه ليعيد بناءه هو وابنه اسماعيل عليهما السلام. وأمره الله تعالى أن ينادى فى الناس بالحج اليه.
حرمة البيت الحرام أو المسجد الحرام لا تعنى تقديس أحجار البيت وانما الحرمة هى واجبات دينية معينة يقوم بها الحاج منذ احرامه الى أن ينتهى من احرامه ، وهى مفروضة أيضا على من يدخل البيت الحرام ، فكل من دخله فهو آمن ، ويحرم صيد دوابه . الطواف بالكعبة لا يجوز فيه لمس بنيانها – حتى لا تتحول الى صنم مقدس . الطواف هو حول المكان دون لمس البنيان. الحجر الأسود ليست له أى قدسية ، وانما هو لبيان بداية الطواف فقط . هذا هو الاسلام .
2- موقف معظم المسلمين متناقض مع موقف الاسلام اذ يقدسون الكعبة الممنوع تقديسها ، وينتهكون حرمة البيت الحرام الواجب احترامه بتأدية حقوق الانسان الوافد اليه بل والدواب التى تعيش فى كنفه.
المسلمون – فى معظمهم – يقدسون الكعبة كبناء ، ويتمسحون بها كما يفعلون بقبورهم المقدسة وأوثانهم المحلية فى بلادهم . أكثر اجزاء الكعبة تقديسا هو الحجر الأسود . يشمل التقديس بئر زمزم وبقية المعالم فى الحرم حتى مكان رجم ابليس فى الأكذوبة القائلة برمى الجمار.
ومع تقديس الكعبة عندهم فقد انتهكوا حرمتها كثيرا ، فقوله تعالى عن البيت الحرام :" ومن دخله كان آمنا " لم يتم تطبيقه فى كل عصور المسلمين. وقوله تعالى فى عدم التعرض للحجاج :" ولا آمّين البيت الحرام " لم يلتزم به المسلمون فكان الاعتداء على قوافل الحجاج سنة متبعة طيلة العصور الوسطى.
بدأ الهجوم على الكعبة ورميها بالمجانيق بعد نصف قرن تقريبا من موت النبى محمد عليه السلام – فى خلافة يزيد بن معاوية ثم مروان بن الحكم. اذ ثار عبد الله بن الزبيرعلى الأمويين بعد مقتل الحسين وأعلن نفسه خليفة محتميا بالكعبة وسمى نفسه "العائذ بالبيت" . جاء جيش الأمويين وحاصر مكة وضربها بالمجانيق فاشتعلت النيران فى الكعبة ، وترك ابن الزبير النار تحرق الكعبة كلها ليشنع على الأمويين ثم اعاد بناءها.
فى العصر العباسى الثانى استولى القرامطة الشيعة على مكة فقتلوا الحجيج وساعدهم فى قتل الحجاج بعض أهل مكة ورموا الجثث فى بئر زمزم ، وضربوا الحجر الأسود بالدبوس وأخذوه الى عاصمتهم "هجر" فى نجد فظل معهم مدة طويلة. قبل هذا وبعده كان انتهاك الكعبة وقتل الحجاج الآتين اليها خبرا عاديا فى أحداث كل عام يقرؤه من يطالع – مثلا – تاريخ المنتظم للمؤرخ ابن الجوزى ، ولا ينافس هذه الأحداث فى تكرارها كل عام الا الهجوم على قبائل الحج فى سيرها بين العراق والحجاز، أو بين الشام والحجاز.
أكثر من ذلك كان النزاع المستمر بين أشراف الحجاز من حكام مكة ، وبعضهم كان أسوأ خلق الله تعالى كما يظهر من تاريخه. وكان نزاعهم وقتالهم ينتهك حرمة البيت العتيق ويقتل ضيوف الرحمن ويسلب أموالهم. الحديث هنا يطول ويستحق مقالا مستقلا.
الا أن انتهاك حرمة البيت الحرام وحقوق الانسان فيه من القاطنين والحجاج استمرت حتى عصرنا الحديث والمعاصر . عندما ظهر السعوديون بدعوتهم الوهابية - التى تكرر القصة الدموية للقرامطة وحركة الزنج – تعرضت بلاد العراق والشام والجزيرة العربية والقادمين من الحجاج وأهل الحجاز وأهل مكة لغارات دموية ومذابح شنيعة نتج عنها وقوع الحجاز فى قبضة السعوديين مرتين ، فى الدولة السعودية الأولى ، ثم فى عهد الدولة السعودية الثالثة الحالية سنة 1925. أخيرا قام وهابى آخرهو جهيمان العتيبى باحتلال المسجد الحرام واخذ من فيه رهائن فى مطلع القرن الهجرى الحالى أى سنة 1979، ولم تتردد السعودية عن مجاراته باقتحام البيت الحرام بجنود اجانب فتحول البيت الحرام الى ساحة قتال .
حتى بدون معارك حربية ، فالحجاج الأقوياء تتشابك أيديهم وتتلاصق أكتافهم فى الطواف وفى أكذوبة رمى الجمرات ، ويتعاونون فى دهس مئات الضعاف من الكهول والعجائزليموتوا تحت أقدامهم كل عام . هذا بينما يأتى آخرون لموسم الحج للسرقة والنصب. وبعض المقيمين فى المملكة يأتى للحج لمجرد الاحتكاك بالنساء والايقاع بهن ..
3- التفاصيل كثيرة توضح تناقض المسلمين مع الاسلام فى موضوع الكعبة اذ يقدسونها وينتهكون حرمتها فى نفس الوقت . واذا ناقشت هذا التناقض داعيا لاصلاح المسلمين بالاسلام حوصرت بالاتهامات من كل جانب لأن المتطرفين لا يحبون الناصحين . ولهذا لا امل فى اصلاحهم .
المضحك أنهم ينسون كل مساوئهم – التى ألمحنا لبعضها – ويقيمون حملة ضد توم تنكريدو بسبب كلمة قالها وفسر المقصود منها . انها ثقافة العبيد التى تتأبى على مراجعة النفس ولا تعرف وخز الضميرلأن الضمير فيها قد تم اعطاؤه أجازة مفتوحة .
ان عضو البرلمان الأمريكى توم تنكريدو قال كلمة لها فى ظروفها ما يبررها ولكنه وجد من الشجاعة الأدبية ما جعله يعتذرأمامنا ، وهو لا يرى غضاضة فى الاعتراف بالخطأ اذا وقع فيه.
دلونى على حاكم عربى أخطأ ثم اعترف بخطئه واعتذر عنه. عندها سأترك مهنتى ككاتب متخصص فى السيئات وأكتب مشيدا به .
اجمالي القراءات
22285
مقال فوق الممتاز وغير منظور عندي بوركت