قسمات الائتلاف والاختلاف بين اللوثرية المسيحية والإحياء الإسلامي

جمال البنا Ýí 2008-08-29


تساءل كثيرون.. لماذا لم تقم في العالم الإسلامي حركة إصلاحية شاملة كالتي قام بها مارتن لوثر في القرن السادس عشر في المسيحية، وأنقذها من أسر الكنيسة الكاثوليكية التي هيمنت على العقيدة، وعلى الفكر، وعلى السياسة، وكانت عقبة في طريق التقدم؟.

والحقيقة أن هذه الحركة موجودة، وأنها بدأت تحث الخط في السنوات الأخيرة وأخذت تشق طريقها، وكسبت مجموعة قد تكون محدودة في العدد، ولكنها ثمينة في القيمة، وإذا كان عامة الجمهور لم يتعرف عليها بعد، فذلك لأنها لا تحرص بوجه خاص على اكتساب الأتباع، ولكن على تبيين الحقيقة كاملة وبصورة صريحة قد لا يتقبلها الكثيرون.

المزيد مثل هذا المقال :



وفيما بين الدعوة اللوثرية ودعوة الإحياء نقاط ائتلاف ونقاط اختلاف. وأبرز نقاط الاختلاف أن الإسلام لا يقر وجود "كنيسة" إسلامية ولم يظهر قط "بابا" ولم تظهر مؤسسة تتولي التحليل والتحريم، كما لم يضطهد الإسلام دعاة الإصلاح والمفكرين والعلماء، بل إنهم كانوا رجال دين، فابن خلدون وابن رشد كانا من القضاة، وكانت الأوقاف التي أوقفها السلاطين وزوجاتهم هي التي تمول المدارس ودور العلم.

أما المسيحية فقد حدث فيها نقيض ذلك، لأن اعتبار المسيح إلهًا أو أقنومًا من الأقانيم الإلهية جعل صحابته الذين أطلق عليهم القرآن "الحواريين" رسلاً، ومنحهم المسيح بعض معجزاته، بحيث أصبحوا يتكلمون بلغات الأقوام الآخرين، كما منحهم سلطاته أيضًا، فما يربطونه يكون مربوطاً عندالله وما يحلونه يكون محلولاً عند الله.

وأعطى هذا صفة شرعية للكنيسة، وأعطى رجالها سلطة التحريم والتحليل، وجاء وقت اضطر فيه الإمبراطور هنري الرابع أن يذهب إلي البابا في مصيفه في كانوسا سنة 1077، وأن يقف على بابه ثلاثة أيام قبل أن يسمح له البابا بالدخول، ويرفع عنه التحريم الذي أصدره عليه فأفقده الصفة الشرعية للحكم على شعبه.

وأساءت الكنيسة الكاثوليكية استخدام سلطتها الكبيرة، والسلطة بطبيعتها مفسدة، وفي الفترة التي سبقت مارتن لوثر كانت قد أعلنت حربًا شعواء على المفكرين وعارضت فكرة أن الأرض تدور حول الشمس، وأكدت أن الشمس هي التي تدور حول الأرض، وأن القول غير ذلك زندقة وكفر، كما كانت قد أحرقت العشرات من المفكرين المسيحيين الذين أرادوا إصلاح أوضاع الكنيسة، ولم تحاول الكنيسة أن تصلح من أوضاعها، بل مضت في خطة الاستغلال فأصدرت صكوك الغفران التي كان يمكن للمذنبين أن يشتروها لكي تغفر لهم خطاياهم.

كان مارتن لوثر في وضع قوي، رغم أنه كان يتحدي سلطة رهيبة، ولكن السوس كان قد نخر فيها، واستطاع لوثر أن يظفر بحماية بعض الملوك، وهكذا انتصر انتصارًا مدويا.

وكان أبرز ما جاءت به اللوثرية:
(1) الكتاب المقدس وحده Sola Scriptural أصبح هذا التعبير شعارًا للكنائس البروتستانتية حتى يومنا هذا، وأصبح الكتاب المقدس فقط هو المصدر الوحيد للإيمان البروتستانتي، كما رفضت الكنيسة اللوثرية التقليد وسلطة الكنيسة.

(2) لا يوجد كهنوت خاص، لكن الكل كهنة، فكلنا ملوك وكهنة والجميع لهم السلطة في الكنيسة، والكاهن في مفهوم الكتاب المقدس معناه المؤمن أو المعمد.

(3) ليس رجال الدين وحدهم الذين لهم حق تفسير الكتاب المقدس، فالله الذي جعل حمارًا يتكلم لكي يوبخ نبيا، يستطيع أن يتكلم على فم إنسان لكي يوبخ البابا.

(4) أنكر لوثر صلاحية كل أسرار الكنيسة ما عدا سر الإفخارستيا والمعمودية، وبعض الكنائس البروتستانتية لا تؤمن بسر التناول، ولكنها تؤمن بشركة المسيح وكسر الخبز وتذكار عمل المسيح لهذا السر.

(5) هاجم لوثر الرهبنة (على الرغم من أنه كان راهبًا) ووصف حياة الرهبنة بأنها نوع من التدريب في مستشفي للأمراض العقلية، وأن الرهبنة تسوق الشباب والشابات إلى الجنون بمطالبها الشاذة للفقر والعفة والطاعة. المرجع: كتاب "كيف نفهم الأصولية البروتستانتية" ترجمة نشأت جعفر، ص (155).

وتتميز الكالفنية التي أسسها جون كالفين بأنها تعطي العمل مدلولاً عباديا، وترى أن النجاح الاقتصادي هو علامة من علامات رضا الله، على نقيض الرأي المسيحي الذي دعا إليه المسيح، مما جعل بعض المفكرين يري أن البروتستانتية كانت عاملاً من عوامل نهضة الرأسمالية.
هذا ما حدث بالنسبة للوثرية؟ فماذا حدث لدعوة الإحياء؟

قلنا إن الإسلام لا يعترف بكنيسة، ولا برجال دين، ولا بمؤسسة تملك التحريم والتحليل، ولكن ـ ضرورات التخصص ـ مع توسع الدولة الإسلامية وتعدد احتياجاتها، وأنها كدولة إسلامية كانت في حاجة لسند إسلامي من القرآن أو السُـنة، نقول إن هذه التطورات أدت لظهور علماء دين يتخصصون في دراسة الإسلام ويستنبطون الأحكام منه، ومع أنهم علماء دين وليسوا رجال دين، فإنهم ما إن ظهروا حتى كونوا فيما بينهم "المؤسسة الدينية" التي ادعت أنها هي التي تتحدث باسم الإسلام، وهكذا ظهر بالفعل ما يشبه "الكنيسة" في الإسلام.

مع أن هذه المجموعة التي توصلت إلي تكوين المؤسسة الدينية.. لم يكن لديها سلطات كسلطات الكنيسة، ولم يتطرق إليها الفساد، فإن مجرد تكوينها أدي لظهور الصفة المؤسساتية الاحتكارية، وما يصطحبها من مآخذ، خاصة أن الدين نفسه فيه قدر من طبيعة الاستحواذ، وكانت سوءة المؤسسة الدينية الإسلامية هي قيامها على فكر السلف، بحيث أصبح تفكيرها سلفيا، أي ما وضعه الأئمة من ألف عام.

وكان هذا يخالف القرآن الذي ندد بالذين يتبعون آثارهم "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَينَا عَلَيهِ آبَاءَنَا"، ورأي في ذلك نوعًا من الشرك، وكان الخطر في الدعوة السلفية أنها ماضوية، وتدعو الناس لأن يعيشوا في الماضي، وبهذا كانت عقبة في سبيل التقدم الذي يفرض أن ينظر إلى الأمام لا إلي الخلف، فضلاً عن معارضتها الأصل القرآني وإحلال آراء الفقهاء محله، كما أنها اعتمدت في تفسير القرآن، أو قل حكمت تفسير القرآن في القرآن نفسه، وأصبحت معاني القرآن هي ما قرره كبار المفسرين كالطبري والقرطبي وابن كثير.. إلخ، وبهذا استبعد القرآن تمامًا في استلهام أحكامه، وفي استلهام معانيه.

وفي كل يوم تصر المؤسسة الدينية (الأزهر) أنها هي وحدها التي تمثل الإسلام، وأن أي واحد آخر ليس له هذا، وهي تبذل كل قواها لتعويق دعاة الإصلاح والتجديد، ولادعاء أن ذلك يخالف صحيح الدين، وبهذا لم تكتف بدورها السلبي والعقيم في فهم الإسلام، بل أضافت إليه محاربة جهود المصلحين، وأشبهت بذلك الكنيسة الكاثوليكية.

وهنا تلتقي دعوة الإحياء بدعوة لوثر، لأن لوثر دعا إلى الرجوع إلى الإنجيل، والإحياء تدعو للعودة إلى القرآن، ولوثر يستبعد أقوال الكهنة، ودعوة الإحياء تستبعد أقوال السلف، ولكن دعوة الإحياء لم تتجه هذا الاتجاه تقليدًا للوثر، لأن لوثر نفسه في الأخذ باتجاهاته كان متأثرًا بالإسلام ودعوته إلي استبعاد الكهنة واستبعاد البابوات والأولياء والقديسين.. إلخ، كما تثبت ذلك البحوث المعمقة.

ولهذا نجد أن نقاط الائتلاف بين اللوثرية والإحياء هي أن دعوة الإحياء:
(1) تريد العودة إلي القرآن مجردًا، وعدم الالتزام بتفسيرات المفسرين وما وضعوه من أفانين، وما يسمونه علوم القرآن من نسخ وأسباب نزول.. إلخ.

(2) رفض قيام مؤسسة دينية، ولكن يمكن أن توجد جامعة أو أكثر لدراسة الإسلام، دون الادعاء أنها هي وحدها التي تمثل الإسلام ويحق لها الحديث باسمه.

(3) ضبط السُـنة بضوابط القرآن، لأن السُـنة كانت هي الباب الذي دخل منه الوضع والكيد للإسلام، ولأن الاعتماد في صحة الحديث على السند ليس هو السبيل الأمثل، والسبيل الأمثل هو اتفاق المتن مع القرآن.

(4) فتح باب الاجتهاد أمام كل من يري في نفسه القدرة وعدم حصره في المؤسسة الدينية، وعدم وضع شروط مسبقة، لأن المهم هو المقولة لا القائل، فليتحدث كل من يريد، فإذا كان حديثه حقاً فهو كسب، وإذا كان باطلاً فسيظهر بطلانه وينتهي تلقائيا "إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً".

(5) إبراز أهمية العمل في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واعتبار التنمية كمعركة جهادية تشترك فيها الجماهير لاستنقاذ المجتمع من تخلفه الاقتصادي.

وهناك فرق لا يعلمه الكثيرون عن صاحبي الدعوتين، فلوثر كان أصله راهبًا، رغم أنه يدعو لاستبعاد الرهبان، ورزق حماية الملوك الذين لولاهم لنالته محرقة البابا، فلم تكن له ميول شعبية، ولم تتسم دعوته بسمة عدالة، بل إنها كانت كما رأى بعض المفكرين محضنًا للرأسمالية، وعندما وقعت ثورة الفلاحين سنة 1555 ضد النبلاء والملوك في ألمانيا وقف لوثر في صف الملوك والنبلاء وأيد استئصال الثورة، واستخدام القسوة في الحكم على زعمائها.

كما أن "كالفن" كان متعصبًا، وفرض على جنيف عندما حكمها إرهابًا دينيا، وأمر بإحراق أحد المصلحين لمعارضته، في حين أن رائد دعوة الإحياء نصير، بل داع، للحركة العمالية والنسائية، ويؤمن في مجالات العلاقات الاجتماعية، كعلاقة الحاكم بالمحكوم، الغني بالفقير، والرجل بالمرأة، بأن الفيصل والحكم هو العدل، أما في مجال الفكر المجرد فلا قيد على الحرية فيه، ومن ثم فإن التعصب ينتفي تمامًا من دعوة الإحياء.

اجمالي القراءات 18783

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   ربيعي بوعقال     في   الإثنين ١٩ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[74383]

جمال البنا: والإحياء الأسلامي


اقتباس {{ تريد العودة إلي القرآن مجردًا، وعدم الالتزام بتفسيرات المفسرين وما وضعوه من أفانين، وما يسمونه علوم القرآن من نسخ وأسباب نزول.. إلخ}}.

هذا نسج  جميل، يتفق تماما مع مذهبنا وأهل القرآن،  إلا أن الشيخ ـ رحمه الله ـ عاد في البند الثالث فنقض غزله : {{: (3) ضبط السُـنة بضوابط القرآن، لأن السُـنة كانت هي الباب الذي دخل منه الوضع والكيد للإسلام، ولأن الاعتماد في صحة الحديث على السند ليس هو السبيل الأمثل، والسبيل الأمثل هو اتفاق المتن مع القرآن}} لسنا بحاجة لهذه المتون أصلا، فإن كانت مخالفة للقرآن فهي ضلال مبين، وإن كانت متفقة معه فإن الأخذ بها يعني ببساطة أنها جاءت متممة لنقص ما في محكم التنزيل، ( وهي مسالة عقدية خطيرة جدا )ثم إن تسمية هذا الضلال البعيد بأمثل السبل خطأ جسيم. غفر الله لنا وله فقد كان مجتهدا بحق، ولكن طغيان الموروث كبير جدا، والتخلص منه كليا صعب شديد.



{{... وجعله مهيمناً على ما سبقه من كتب وأنزله مبيناً مفصلاً تاماً لا يحتاج إلى مصدر آخر معه، وتظل آيات الكتاب حجة على أولئك الذين يتهمون القرآن بالنقص والغموض والاحتياج للبشر}} القرآن وكفى ـ للدكتور أحمد صبحي. 



2   تعليق بواسطة   ربيعي بوعقال     في   الثلاثاء ٢٠ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[74388]

Salam alikom C'est juste pour un sourire matinal


Me voila prêt et à nouveau debout,alors je chante ,



Et pour commencer, je me permets de donner un conseil à ceux qui pensent sincèrement :« qu’on a toujours besoin d’un plus faible que soit, meme s'il est un peu timbré ! » , les autres en sont dispensés ! ..B   

S.v.p, Dites à M.Joseph : la vie est une suite de « two»..R  

Vivez la "s.v.vous pouvez"de debout en bout  !

Mais ne vous y en enlisez pas jusqu’au cou,



Et surtout n’entassez pas trop  de sous,

Car vous en passerez fatalement dessous..  

                                                           
                                                          ,
Encore merci, et c’est  tout,



Pardon ma soeur  pardon, ce n'est pas tout, Car je  doit  ajouter- si vous permettez- un dernier bout   Je crois que  "lui aussi" est  musulman, et que Dieu lui accorde sa miséricorde 



AINSI QUE NOUS



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-09-27
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 18,785
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 6
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt