العالم يتعولم والأصولية تتقزَم
يتعولم العالم الآن بسرعة. العالم الآن، يصبح شيئاً فشيئاً سوقاً واحدة، وهوية واحدة، وجزيرة واحدة، وسفينة واحدة، إذا خرق ديكتاتور ما جزءاً منها، هدد العالم كله بالغرق والموت. وهو ما شاهدناه في عهد هتلر وموسوليني وستالين وصدام حسين وغيرهم. فعصر الدولة القومية، والهوية النقية، والعقيدة الخصوصية، تتعرض اليوم لطوفان كبير وغالب هو العولمة، التي تريد وحدة العالم، لا وحدة أقطار معينة فقط. وتريد هوية عالمية واحدة، لا هويات إقليمية متعصبة، ومحاربة لبعضها بعضاً. والأصوليون يسعون الآن إلى "الاستقلال الحضاري" المزيف والمتخيّل، وتدمير الحضارة التنويرية الأخرى، التي أطلق عليها الأصوليون "جاهلية القرن العشرين"، وسعى أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي وسيّد ومحمد قطب وأيمن الظواهري والغرير ابن لادن لتقويضها، ومحاربتها، وتهديدها، بأنها سترى ما لا تسمعه، كما قال ابن لادن في خطابه الأخير في مطلع هذا العام 2008.
-2-
تتمسك الأصولية بخطاب سياسي صوفي متخيّل. وتنشر خطابها الديني الشعبوي في الأرياف والأطراف والطبقات الفقيرة الأميّة (بلغ عدد الأميين - حسب آخر تقارير الأمم المتحدة - في العالم العربي 110 مليون أمي من النساء والرجال). وتُمزج هذا الخطاب بالخرافات، والأساطير، والشعوذات، وتقديس الزعماء، والقادة، ورجال الدين. وفي مصر بالذات، بدأت الأصولية بالتأسيس لما أُسميه "الكنسسة الدينية". أي إقامة كنيسة دينية متمثلة بالأزهر ورجاله، الذين يلبسون لباساً كهنوتياً خاصاً. ولديهم تراتبية دينية، ليست بالضرورة على غرار التراتبية المسيحية، أو التراتيبة الشيعية، ولكنها تقترب منها. ومن مصر، انتشر زي رجال الدين الخاص بالعمّة والقفطان.. الخ. في كل العالم العربي، ما عدا دول الخليج التي يلبس فيها رجل الدين كما يلبس الآخرون. والخطاب الديني الشعبوي الذي تنشره الأصولية - وخاصة المصرية – لصيق بالخطاب السياسي الشعبوي القائم على الخرافات، والأساطير، وتخيل المؤامرات، والدسائس. وقد أدى كل هذا إلى نوع من (الهمبكة) الدينية، ثم (الهمبكة) السياسية. فانتشر في كثير من أنحاء العالم العربي – وخاصة مصر – ما يعرف بالصوفية الشعبية، التي تسلك "درب المهابيل"، والتي تقيم الكرنفالات الدينية في الموالد والأعياد والمناسبات الأخرى. وتتعبد عند أعتاب الأسياد أصحاب الكرامات، وهم في الواقع أصحاب خرافات وليست كرامات، وليس لهم أية مساهمة في الفكر الديني المحض. وهؤلاء كانوا سبباً ومثالاً في إقامة معابد للزعماء السياسيين حتى قبل موتهم. بل هم ألّهوا هؤلاء الزعماء، بحيث لا يُسألون عما يفعلون (لم يُحاكم عبد الناصر على ما فعله عام 1967، والشيخ متولي الشعراوي قال للرئيس السادات في مجلس الشعب 1976، والله لو استطعت أن أقول لك، أن لا تُسأل عما تفعل لقلتها لك، والشيخ الشعراوي في الواقع قالها، وإن لم ينطقها). وكانت نتيجة تغلغل الأصولية في مصر على هذا النحو، انطلاق الإرهاب والعنف الديني في كافة أنحاء العالم العربي من مصر.
فالإخوان المسلمون انطلقوا من مصر، منذ 1928، وانتشروا في العالم العربي.
والفكر الإرهابي وفكر العنف انطلق من مصر (سيّد ومحمد قطب اللذان يعتبران الثديين المدرارين لفكر الإرهاب بكتابيهما: "معالم في الطريق"، و "جاهلية القرن العشرين"). والتنظيم السري للإخوان المسلمين الذي كان هو الآخر، مرضعة الجماعات الإسلامية الإرهابية التي اغتالت السادات 1981 وحاولت اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا عام 1996، انطلق من مصر.
والجماعات الإسلاموية التي خرجت من عباءة الإخوان المسلمين ( "التكفير والهجرة" و"الجهاد الإسلامي" في مصر، و"حزب العدالة والتنمية" و "جمعية العدل والإحسان" في المغرب، و "حزب التجمع والإصلاح" في اليمن، بقيادة عبد المجيد الزنداني، وغيرهم) انطلقت من مصر.
والأصوليون المحيطون بالغرير ابن لادن والذين يخططون له، ويساعدونه على حرق العالم، وتدمير الحضارة الإنسانية، وعلى رأسهم أيمن الظواهري مصريون.
و(الهمبكة) الدينية المتمثلة بالصوفية الشعبوية، ومظاهرها، وكرنفالاتها، ومسيراتها، ولباسها، وأفكارها، وشعوذتها، انطلقت من مصر، التي تضم رفات زعماء الصوفية الشعبوية الخرافية.
و(الهمبكة) السياسية المتمثلة بمقولة "الشعب هو المعلم"، التي كان يرددها عبد الناصر في خطبه الحماسية، وأن كل خطوة تريدها الجماهير – لا ما تحتاج إليها- هي خطوات ثورية مُستجابة، انطلقت من مصر، ومن حقبة عبد الناصر بالتحديد.
-3-
الأصولية كالبطيخة، خضراء من الخارج، وحمراء أو قرعاء من الداخل؛ أي إما أنها دموية، أو لا تقول ولا تفعل شيئاً، ولا تنفع في شيء، وضررها أكبر بكثير من نفعها.
لم تعد الأصولية في تعريفاتها السابقة فقط. فلكل زمان وحقبة تاريخية تعريف جديد للأصولية. لأن الأصولية ليست شكلاً واحداً، أو خطاباً واحداً، ولكنها عدة أشكال، وعدة خطابات. فقد مرَّت الأصولية بأطوار عدة، منها الأصولية التي كانت تتمسك بقوانين الأموات للحكم على الأحياء، أو بما أخذه الموت لتسترده الحياة. وكانت الأصولية توصف بأنها الفئة التي تتمسك بالثوابت وتكره التجديد. أما اليوم وفي مطلع الألفية الثالثة فقد وجدنا أن الأصولية تعني معانٍ كثيرة أخرى، منها كما قال العفيف الأخضر " هوس، هوس بالنقاوة، نقاوة العرق، نقاوة الهوية، نقاوة اللسان من اللحن والدخيل من الألفاظ، ورهاب التطور والتجديد. إنها رفض للحداثة، وردُّ فعلٍ هاذٍ على الحداثة".
السلام عليكم.
اجمالي القراءات
11756
الأستاذ الفاضل د. شاكر النابلسي حفظك الله من كل سوء
أبشرك أن الأصولية الإسلاموية كما سميتها ستنتهي مثلما انتهى الحسن الصباح
وجماعته ونهجه الدموي .
واتخيل أن الله سبحانه وتعالى يؤهل العالم ليوم التغابن وهو اليوم الذي يجتمع
عليه معظم أهل الأرض على قاعدة ( الكل رابح win win situation ) .
معلهش اسمحلي أتخيل
تحياتي