محمد عبد المجيد Ýí 2008-02-26
أكثر من عشرين عاما مضت على كتابة مقالاتي عن الطاغية حسني مبارك، ولا أدري إنْ كانت قد حرّكت ذرةً من موضعها، أو ساهمت بالاعداد للبيان رقم واحد أو حتى ساهمت في شد أزر رجال قادمين، إن شاء الله، لاعادة مصر إلى أبنائها الشرفاء!
هذا المقال من أرشيف كتاباتي وقد مرت عليه ست سنوات.
أوسلو في 12 أغسطس 2002
سيدي الرئيس..
على كثرة ما سمعت من أحاديثك وخطبك ومقابلاتك طوال عقدين والتي لم يستوعب عقلي كثيرا منها، فإن تصريحك الأخير عن عملك وتضحيتك ووقتك وجهدك من أجل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أصابني برعب شديد، على الرغم من أنني اعتدت على هذه الضغوطات النفسية والعصبية التي تتحدى قوة البأس في كياني كله!
قلتَ، بأن سبعين في المائة من وقتك يذهب للقضية الفلسطينية! تسمرت مكاني لبعض الوقت، ثم بدأ رأسي بإرسال علامات استفهام لا نهائية إلى كل خلايا الجسد والمخ والأعصاب ومواطن الذاكرة والخبرة والمنطق عسى أن تأتيه الإجابة قبل أن ينفجر غضب عارم داخل النفس.
ماذا تبقى لمصر وشعبها وهمومها وكوارثها وقضاياها وملايينها من المساكين والطيبين والساذجين الذين وضعوا حول عنقك أمانة أرض الكنانة، وجعلوا ثقتهم بك مدخلا رئيسيا لقبولهم إياك زعيما وقائدا أوحدا وحاكما عسكريا وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة والفصل في الحياة والموت والفقر والكرامة والذل والمهانة وكل ما على أرض مصر وتحت ترابها وفي سمائها وبحرها؟
ثلاثون بالمائة من وقتك لشعبك، فإذا تركنا السياسة جانبا ودلفنا من باب الحساب والرياضيات والإحصاء، وحسبنا أوقات الاستقبالات والحفلات والاجتماعات والسفر ومتابعة برنامج صباح الخير يا مصر وتوجيهاتك ليوسف والي وكمال الشاذلي عن الحزب الوطني وبعض الوقت للأسرة والنوم وقراءة مانشيتات الصحف القومية والرد على مكالمات من مستشاريك وسكرتاريتك والمكالمات الخارجية، فقد يبقى لشعب مصر من وقتك دقيقتان أو ثلاث في كل يوم!
ومع إصرارك، سيدي الرئيس، أن لا يدعمك أو يسندك أو يتقاسم معك المسؤولية نائب رئيس، بحكم أنك ترفض رفضا قاطعا أن يكون في مصر بعدك ثان أو ثالث أو عاشر، فأغلب الظن أنك لا تعرف كثيرا عن شعب مصر وآلامه وأوجاعه ودموعه المنهمرة أنهارا حتى لو كان إعلام صفوت الشريف ومانشيتات الصحف اليومية القومية كلها تخفى عنك عذابات شعبك.
قبل أن أحدثك عن شعبك حديثا لا يستطيع مستشار واحد أو عشرة أو كلهم أن يأتوا لك بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا لأن من صميم أعمالهم أن لا يغضبوك أو يعكروا مزاجك أو يضعوا أمامك أخبارا أو مقالات تنتقدك أو يوحون إليك أو يصرحون لك بأن محبيك أقل عددا من معارضيك ومنتقديك، فإنني مضطر لأن أطرح سؤالا من موقع قصوري في فهم مبادراتك وأطروحاتك وجهودك عما فعلته، في عشرين عاما من أجل فلسطين؟
كأن مصر العظيمة بكل قوتها وثقلها ودورها الحضاري قد منعت في عهدك الرشيد مذبحة واحدة ضد الفلسطينيين، أو اتخذت قرارا صارما يوجع العدو الصهيوني، أو قررت منع بيع البترول، وهو آلة العسكرية الشيطانية للكيان الصهيوني، أو الغاز، أو أنقذت أبا عمار، أو قصرت بضغطها وثقلها الحصار الهمجي على كنيسة المهد، أو جندت كل طاقاتها الإعلامية والسياسية لمنع مجزرة جنين!
أتابع الصحف القومية وفضائيات صفوت الشريف ومهللي الثقافة والإعلام لعلي أعثر على تحليل منطقي عما فعلت عشرات الآلاف من الساعات التي أنفقتها من أجل فلسطين في العشرين عاما المنصرمة، ووجدتك فعلا، لكنني لم أعثر على مصر معك أو بجانبك أو تقف خلفك.
أحاول الاجتهاد في فهم جزء يسير من عبقرية فهمك، للسياسة الدولية، فلا أعثر بالسر ولكن بجدار سميك بيني وبيتك يكاد يمتد بطول مصر وعرضها، وإلا لفهمت بعضا من السبعين بالمائة التي شغلتك عن بلدك ووطنك وشعبك.
اخترقت طبلة أذني تصريحاتك وتحليلاتك عن التوازن في ورقة عمل الرئيس الأمريكي جورج ووكر بوش وهو يكشر عن أنيابه للأمة العربية،ويتوعد، ويلقي بكل ثقله خلف النازية الصهيونية في عنفها وقسوتها ضد العرب واحتقارها لنا،وتسليمها مسيرة العمل التصفوي ضد العرب لرجل سادي وعنصري وسفاح حروب وقاتل محترف، ومع ذلك فأنت ترى كل ذلك توازنا في خطاب ضرب بعرض الحائط القيم والمواثيق الدولية وقرارات الشرعية بتقسيم فلسطين، وهي أيضا قرارات ظالمة، وضرورة إلزام الكيان الصهيوني بالانسحاب من الأراضي المحتلة ومئات القرارات ومنها مبادرة عربية في قمة بيروت تقدم على طبق من ذهب لمجرم الحرب،فيرفضها ويزداد احتقاره لنا، ويتأكد لديه بأنه كلما أمعن في إذلالنا رضخنا له وركعنا بين يديه.
لا أريد أن أكتب كثيرا عن سياستك الخارجية التي تمثل مصر وكرامتها وعزتها واستقلالية القرار فيها وخشية الآخرين من غضبها وعتابها، فلم يعد في العالم كله من يرى مصر في عهدك، الأكبر والأكثر رقيا وتحضرا وديموقراطية واحتراما لحقوق الإنسان ودفاعا عن كرامة مواطنيها في الخارج.
فالمصري، سيدي الرئيس، في عهدك أرخص مواطني المنطقة برمتها، بل إن دولا صغيرة وفقيرة ولا تتعرف عليها عيون الخبير في خرائط العالم تدافع عن كرامة مواطنيها في كل مكان، أما المصري في عهد الرئيس حسني مبارك فتعرفه شرطة الحدود، ويحتفظ الكفيل في الدول الشقيقة بجواز سفره ويمنحه نصف أجر وقد يطرده في أي وقت ضاربا به كل كرامة وشرف وأخلاق، وقبلها متجاهلا أي حساب يأتيه من سلطة بلد المصري والمفترض أنها تدافع عنه ولو كان في بطن حوت أو جوف كهف أو سجن بغدادي أو بين أيدي شرطة المسطحات المائية في إريتريا البائسة أو في شاحنة تنقله من طبرق أو بنغازي أو زليطن أو خليج سرت إلى السلوم!
صدقني، سيدي الرئيس، إن قلت لك بأن أنين المصريين وصراخهم ومهانتهم ودموعهم خارج أرض الوطن لا تثير اهتمام أو حفيظة أحد من العالمين، فأن يقتل صدام حسين خمسة آلاف أو أقل ويشحنهم إلى مطار القاهرة الدولي، أو تضربهم أجهزة الأمن الأردنية بالسياط أو على ظهورهم، أو يسرقهم ويبصق في وجوههم عتاة الإجرام من أجهزة الأمن الليبية المتخلفة ثم تلقي بهم إلى الجانب الآخر من الجماهيرية العظمى، فلم ولن يحرك شعرة واحدة منك أو يخفت ابتسامتك أو يستثير نخوة الغضب من أجل رعاياك أو يجعلك تمنح لشعبك ثلاث دقائق أخريات تتأمل فيها الهزائم والمخاوف والآلام والمهانة والجروح والتشوهات، وحتى هذه اللحظة لم تقع العين على بصيص أمل واحد لنهاية نفق يراه مستشاروك ومساعدوك ورجالك ضوءا باهرا يغشي الأبصار، ولكنه للأسف الشديد، يعمي القلوب التي هي في الصدور!
هل تتفضل، سيدي الرئيس، وتدعني أحلم أمامك، وأبسط على مسامعك تفاصيل هذه الأحلام التي ستراها بدون شك كوابيس لشخص مسه جن من شواظ من نار، وأزعم أنك ستقول قبل أن تقرأ حديثي إن صاحبكم مجنون.
نعم، سيدي الرئيس، فأنا مجنون بمصر، وأحلم بها ولها، وأرفض تماما قبول الأمر الواقع، وأستنكر عالم الخوف الذي صنعته صاحبة الجلالة السلطة الرابعة، وجعلتك فوق النقد، ومعصوما من الخطأ، وبعيدا جدا عن القراءة المفجوعة والغاضبة والحزينة لمشهد بهية.. مصر الطيبة التي تحكمها أنت حكما عسكريا بقانون طوارئ وبدون انتخابات وبغير نائب، وبثلاث دقائق من وقتك، وربما تستكثر عليها هذا الوقت!
أول أحلامي الهاجسية التي لا تفارقني لحظة في يقظة أو منام هي أن أستمع إليك مرة في خطاب استقالة تقدمه لشعبك في لحظات شجاعة نادرة وتقول فيه بأنك قد اكتفيت بواحد وعشرين عاما من حكم مصر، وأنك ترى أن هذا البلد الطيب يحتاج إلى زعيم آخر، وقيادة جديدة تعيد ترتيب البيت وأولوياته، وتستبدل الذي هو خير بالذي هو أدني، وتستخرج من قلب مصر الطاهرة أفضل ما فيه من كفاءات وعبقرية ودماء شابة تعيد صياغة الوطن من جديد.
أحلم بأن أهتف بحياتك وبشجاعتك الرائعة عندما تقدم استقالتك وتطلب من شعبك العظيم أن يختار بنفسه قائدا غير ملزم باتفاقات أو معاهدات أو وعود أو أصدقاء أو رجال التصقوا بمقاعد الحكم والقوة والسطوة والمال، وتكونت منهم شللية مخيفة ومفزعة فيها الكثير من التضليل والتشويه والفساد وتبديد الأموال وإهدار الثروات والمحسوبية والتزييف والتزوير. لكن كيف يتسنى لي خداع النفس في حلم لن يتحقق ولو انفلق البحر وكان كل شق كالطود العظيم؟
وأحلم أيضا أن يستيقظ ضمير أحد مستشاريك المقربين منك ويحدثك حديثا مطولا عن شعبك ومعاناته وفواجعه، وعن الفقر والمرض والكبد الوبائي والبلهارسيا والأمية وسكان المقابر والمخدرات والتطرف الديني والفساد والسرقة ونهب أموال مصر وهروب لصوص القروض وعشرات الآلاف من الهموم والمشاكل والشكاوى والعذابات التي لن يغمض لك جفن قبل أن تأخذ الحق لأصحابه ولو كان من أفواه حيتان الفساد مجتمعين أو متفرقين.
أحلم بأن أستيقظ صباح يوم جميل مشرق لأرى مكانك مصريا، شابا أو كهلا، يعاهد الله تعالى على أن يكون خادما أمينا لشعبه، وأن يكون قراره الأول متعلقا بكرامة المصريين في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة.
هل تعرف، سيدي الرئيس، أن بمصر ستة عشر ألف سجين سياسي وأكثرهم من الجماعات الإسلامية الذين لم يتآمروا على نظام حكمك، ولم يحملوا السلاح في وجه الحكومة، لكنهم بفكرهم المتزمت والمتشدد قد فتحوا على أنفسهم أبواب وجحيم الأرض والظلم، فقانون الحكم العسكري منذ عام واحد وثمانين يرفض الحقوق المدنية، ولا يرى في هؤلاء المواطنين روحا تستحق الاحترام، فقد قلت أنت بنفسك بأن الذين يمارسون الإرهاب لا يستحقون شفقة أو رعاية أو معاملة إنسانية. وأظن أنك تعرف، وتقرأ التقارير عن أعدادهم والتُهم الموجهة إليهم، وعن احتجاجات منظمات حقوق الإنسان، وعن التزام مصر الأخلاقي والأدبي والإنساني والقانوني أمام العالم بأن يكون للمتهم حق المحاكمة والدفاع والكرامة، وأن يتم الإفراج فورا عمن لا تثبت ضده تهمة ارتكاب أو الشروع في ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون.
نشرت منظمة” مراقبة حقوق الإنسان” تقريرا عن وسائل التعذيب في مصر التي تمارس على نطاق واسع، وقالت فيه بأن قوات الأمن والشرطة دأبت على إساءة المعاملة خصوصا في مرحلة الاستجواب، وقد أشار التقرير الخاص بالتعذيب التابع للأمم المتحدة إلى حدوث اثنتين وثلاثين حالة وفاة أثناء الاحتجاز من جراء التعذيب الذي يقوم به ضباط الشرطة والمخبرون ورجال الأمن. وفي الحالات القليلة جدا التي لجأ أقرباء الضحايا إلى تحريك دعوى قضائية ضد من قاموا بهذه الممارسات الوحشية ضد المواطنين، خرج الضباط مرفوعي الرأس دون أن يمسهم سوء.
في عهدك، سيدي الرئيس، شهدت مصر ظلما فادحا وهبطت قيمة المصري في وطنه، واندثرت كرامته، واتسعت دائرة القمع في السجون والمعتقلات، وتم وضع الكثيرين في الحجز الإداري لسنوات امتدت أحيانا إلى عشر ولا يزالون في السجون ومنهم الصحفي عبد المنعم جمال الدين، عبد المنعم الذي قضى عشر سنوات، وحكمت له محكمتان عسكريتان بالبراءة، لكنه لم يخرج، فهو يعرف مثلما يعرف أيضا ضباط الشرطة ورجال الأمن أن القوة في عهدك لا تستمد شرعيتها من المحبة وخدمة الشعب وتثبيت أركان دولة المؤسسات واهتمام الرئيس بكرامة كل مواطن، لكنها تحصل على قوتها وسطوتها وجبروتها من موافقتك الضمنية أو الصريحة بأن المواطن المصري لا يستحق معيشة كريمة أو عدلا أو معاملة إنسانية.
المصريون كلهم يعلمون أن الداخل لقسم الشرطة مفقود والخارج منه مولود، وأنا أظن أن تعليماتك وتوجيهاتك هي القانون المقدس لكل موظف أو مسؤول أو وزير في الدولة، ولو تحدثت مرة واحدة في عشرين عاما، وهددت وتوعدت كل من يعذب مصريا أو يهينه أو يضربه أو يعتدي على حقوقه، لما تجرأت منظمة واحدة من نشطاء حقوق الإنسان ونشرت تقاريرها المليئة بالدموع والأحزان على شعب لا يستحق منك إلا أن تشكره، وتركع له، وتؤكد له بأن مهمة الحاكم هي خدمة الشعب وليس الحكم عليه.
أكثر من عشرين عاما وأنت، سيدي الرئيس، الأول والآخر والباطن والظاهر، تملك وتحكم ولا ينافسك مصري واحد على السلطة، ولا يتجرأ أحد أن يحلم بصوت مرتفع في معارضتك أو نقدك أو إحصاء أخطائك أو تحميلك مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان أو فشل الوزراء أو نهب مصر أو الصمت على التعذيب والضرب والسبّ وانتهاك الحرمات في سجونك ومراكز الشرطة، فشعبك في خدمتك مادمت عليه قائما! سيدي الرئيس..
أعلم أنني أحرث في البحر، ,أبحث عن ابتسامة في مأتم، وعن وردة في صحراء قاحلة، وعن الفضيلة في صندوق انتخابات الحزب الوطني الحاكم، لكن اليأس لم يدب في أوصالي بعد على الرغم من كل تفاسير وتبريرات الهزيمة والإذلال والقهر والعبودية الحزينة الأليمة المُهينة للسلطة المطلقة التي يمنحها الحاكم لنفسه. بأيّ حق وقانون ودستور وعدل وضمير ومنطق تسمح لنفسك، سيدي الرئيس، أن تستمر في الحكم لأكثر من عشرين عاما، وتفرض قانونا للحاكمية العسكرية، وترفض إجراء انتخابات حرة ونزيهة ينافسك فيها مواطنون مصريون لهم ما لك وعليهم ما عليك؟ بأي حق، سيدي الرئيس، ترفض توجيه إنذار بمعاقبة كل ضابط شرطة أو أمن يعذب مواطنا أو يهينه أو يذله أو يجلده أو يعلقه كالخراف في سقف مكتبه بعد أداء القَسَم بأن الشرطة في خدمة الشعب؟
عندما أتحدث مع أصدقاء وزملاء المهنة ويأتي لساني على ذكر قناعاتي بأن الحاكم هو خادم للشعب، يكاد يستلقي كثيرون منهم على أقفيتهم من الضحك والسخرية لهذا المنطق الساذج، فالشعب هو الخادم الأمين، يُلقي إليه بفتات ما يتخلص منه الأسياد، ويغرق هو في بحر الفقر والجهل والمرض والازدراء والدونية في عالم خال تماما من الحقوق المشروعة الوطنية والقومية والدينية. عندما أفتش في أحلامي وأرى صورة زعيم آخر بعد استقالتك- الوهمية قطعا في خيالي- أتخيل بادئ ذي بدء زعيما منقذا للوطن، يرى مصر من الداخل وليس من الخارج كما تفعل، ويؤجل كل القضايا الأخرى، إلا ما ندر، من أجل استخدام سلطته التنفيذية الفرعونية لحل قضايا الوطن وهي بالآلاف وتزداد وتتوسع وتزيد اليأس عمقا وتورما!
ماذا لو تعرضتَ إلى محكمة شعبية أدبية تفنّد وتغرّبل، وتحاسبك على كل دقيقة أنفقتها في الحكم، وعلى قرار اتخذته وقرار لم تتخذه، وعشرات الآلاف من الشكاوى والنداءات والاستغاثات والتحذيرات التي وصلتك ولم تأبه أو تكترث أو تأخذ الأمر على محمل الجد أو تستخر الله أو تجسد فلسفة الحكم في أن الحاكم خادم للشعب، أمين على أمواله وأعراضه وكرامة أبنائه؟
ماذا ستقول، سيدي الرئيس، لتبرير صمتك عن آلاف من انتهاكات حقوق الإنسان والمواطن والتعذيب في السجون حتى الموت وجعل أقسام الشرطة مراكز لتعليم المواطنين الخوف منك ومن رجال أمنك؟
وفقا لكل تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان المصرية والعربية ومنظمة المجموعة تسع عشرة ومنظمة هيومان ووتش الدولية وغيرها الكثيرو.. الكثير فإنك تعلم عن كل الحالات والانتهاكات الصارخة والضرب والاغتصاب والجلد والظلم والحجز لفترات طويلة دون محاكمة ورفض إطلاق سراح من برأتهم المحاكم العسكرية، فهذا جزء من قانون الأحكام العرفية الذي تحكم به شعبك الطيب ومصر العظيمة الطاهرة التي سلمتك مقاليد أمورها، فجاء صمتك عن اغتصابها أكثر ألما ووجعا لها من كل منتهكي حرمتها.
سيسألونك أيضا عن آلية اختيار رجالك ووزراء حكومتك ومحافظي مصر والمستشارين ورؤساء تحرير الصحف الكبرى ومن بيدهم الأمر والنهي والمال والقوة ورقاب شعبك!
ستقول حتما بأنك القائد والحاكم العسكري والزعيم الأوحد وأن كل هؤلاء أصفار أضعهم حيث شئت، واستبدل منهم إن أردت عشرين أو أكثر أو أقل في اليوم أو في الشهر أو أتركهم يعبثون وينهبون ويسرقون ويفسدون في الأرض أو يفشلون في مناصبهم.
أنت تعلم، سيدي الرئيس، أنك لو أردت فعلا اختيار الأفضل والأطهر والأنقى والأكثر شرفا وأمانة والأنظف تاريخا والأبعد عن الشبهات فإن الحل بين يديك وتطبقه كثير من الدول المتقدمة، أي بعرض ملف أي مسؤول تختاره في موقع على المخابرات المصرية ومباحث أمن الدولة ومباحث الأموال العامة ليقدموا إليك تقريرا كاملا عن الرجل وسيرته وتاريخه وحساباته في البنوك واتصالاته، وكل ما تم التحقق منه مما يثير الشبهات أو يزيلها، لكنك ترفض هذا الحل السحري والوطني، وتنصت إلى صوت قادم من داخلك أنت فقط، فتختار محافظا للجيزة مثلا، وتبدأ التقارير والشكاوى والحقائق والتحذيرات تتكدس على مكتبك، وأنت تنظر إليها بازدراء واحتقار و تظنها مشاركة من الآخرين في الحكم، أو نصائح من الرعاة، أو تحديات لقراراتك الصائبة دائما، كما يؤكد كل معاونيك ومستشاريك وإعلامك وضيوف صباح الخير يا مصر وافتتاحيات الصحف القومية التي يكتبها رجالك لك ومنك وعنك.
هل عرفت الآن، سيدي الرئيس، لماذا أحلم بزعيم آخر من بعدك يأخذ مصر في أحضانه، ويخفف عنها آلامها، ويجفف دموعها، ويمسح على رأسها، ويقسم لها أنه لن يختار لها إلا الأصلح، ولن يبقي أي مسؤول يوما واحدا أو حتى ساعة واحدة في منصب إنْ تأكدت لديه حقيقة أي من الشبهات المثارة حوله ولو كانت لا تراها العين المجردة؟
هل عرفت الآن، سيدي الرئيس، لماذا تداعبني أحلام ما بعد أعوامك اللانهائية في حكم مصر، وأكاد أرى رؤى العين زعيما جديدا مصريا، ووطنيا حتى النخاع، يطارد ناهبي خيرات مصر، وتتسلل إلى مكتبه صباح و ظهر ومساء كل يوم تقارير عن حركة الأموال، والقروض، والمشروعات الناجحة والفاشلة، وحسابات الحيتان الجديدة، وكل قرش يتحرك في حساب أي مسؤول أو في حساب زوجته وأولاده، والتحويلات للخارج، وكل المساهمات والهبات والأموال الممنوحة لمصر من الدول الأوروبية ومن أمريكا ومن الأشقاء العرب ومن الجمعيات الخيرية والخاصة؟
لم تشهد مصر في أي عهد من عهودها السابقة منذ بدء النهضة، هوجة من النهب والسرقة والفساد وتهريب الأموال وغسيلها والضحك على البنوك كما حدث في عهدك, فقد يقول رئيس الوزراء بأن الأموال المشكوك في تحصيلها لصالح البنوك أكثر من خمسة عشر مليار جنيه، ويؤكد الاقتصاديون أن استنزاف مصر لا يعادله استنزاف خيرات بلد آخر في المنطقة، لهذا لا يتعجب المرء- المتابع الجيد- من هول الكارثة، ويطرح كل مصري على نفسه تساؤلات مشروعة عن حجم الأموال التي ساهم بها العالم في عقدين من عهدك، الذي سيستمر بإذن الله عشرين عاما أخرى أو أكثر، ومنها مليارات من الديون التي تم إسقاطها أثناء حرب تحرير الكويت، وتعويضات عربية وأمريكية وغربية لانضمام مصر إلى التحالف، ومئات الملايين لصمت مصر عن ضرب أفغانستان وقتل مئات المصريين المتطرفين وعائلاتهم الذين اختبأوا في الجبال والكهوف ولديهم بصيص من أمل أن تطالب بهم حكومتك فهم رعاياك ولو كانت لحاهم تمسح الأرض!وأموال لمشروعات تنموية وخطوط سكك حديدية واستثمارات في السياحة والعقارات والزراعة والري والبحوث العلمية ومنح أموال للأزهر والجامعات الأخرى ومتضرري الكوارث الطبيعية فضلا عن وقوف الإدارة الأمريكية خلف الجنيه المصري في مقابل...!!!
هل تعرف، سيدي الرئيس، حجم البطالة، الحقيقية والمقنعلة، في عهد إنجازاتك العملاقة؟ أغلب الظن أن دقائقك الثلاث لن تسمح لك بالتعرف على المشهد المصري لملايين من رعاياك الذين يجوبون شوارع وقرى وأزقة وحواري مصر من ثغرها إلى حلايبها يبحثون عن أمل مفقود، وعن عهود ووعود وأماني وإحصاءات نشرتها صحف مصر القومية على لسان كل رؤساء الحكومات المتعاقبة ووزرائها، تُحَدثهم عن المنّ والسلوى وجنات تجري من تحتها الأنهار، واهتمام شخصي ومتابعات يومية منك لأحوال رعاياك وأبناء بلدك الذين يأتمنونك على أحلامهم في حياة حرة وكريمة وعزيزة.
البطالة في عهدك المعجز، سيدي الرئيس، كارثة قومية وزلزال يهدد كيان مصر كلها، ودليل حي وواقعي وملموس على أنك، لم تحقق لشعبك جزءا يسيرا من أمانيه، وأنه قد آن الأوان أن تترك الحكم وتعود معززا مكرما إلى صفوف الجماهير، فربما يشرق صباح مصري جميل وتهب نسمات رقيقة، وتنتعش آمال، ويجلس على عرش مصر الجمهوري رجل ليس من صلبك ولا من ذريتك أو من مدرستك، ويكتشف بما يطلق عليه علماء النفس العين الجديدة، فيعيد ترتيب أولويات هموم الوطن ويبدأ بالأمية والمسكن اللائق للمواطن والحفاظ على كرامته وتجفيف منابع الفساد وإعادة مليارات من أموال مصر المنهوبة، وحصر كل الأموال والمساهمات والمعونات والتبرعات التي دخلت خزانة الدولة، والإفراج عن آلاف المعتقلين الذين لم يتآمروا على أمن الدولة ولم يرتكبوا جرائم، ويصدر قوانين ملزمة فورا بعدم التعرض بالإهانة لأي مواطن مصري في أي قسم للشرطة، ويدعو إلى مشروع قومي مكثف بالتعاون مع العالم الحر وكل أطباء مصر في الداخل والخارج للخروج من طوفان الأمراض الخطيرة والكارثية، مثل البلهارسيا والكبد الوبائي، التي تفتك بثروة الوطن، ويبعد كل رجالك الذين تشبثوا في مقاعد السلطة والجاه والسلطان والمال وأصبحوا- بفضل دعمك وقوتك وسطوتك- أصحاب البلد والقانون والإعلام ويتحكمون في طعام المصريين وشرابهم ودوائهم وعلاجهم ورفاهيتهم ومساكنهم.
سيدي الرئيس..
لا أدري أين هو الآن ذلك الفارس النبيل الذي نحتاج إليه بمفهوم جديد للحكم ينهي إلى غير رجعة مؤسسة الرجل الواحد، ويفتح مصانع إعداد الرجال ليتدفقوا منها على كل مناصب الدولة كالنمل يعرف كل منهم عمله ويؤديه في تجمع وتناغم وانسيابية وسهولة لا يحيد عنها أو تشغله أمور أخرى.
هل فكرت، سيدي الرئيس، في مشروع قومي للإنسان المصري، سلوكا وثقافة وحقوقا مواطنية ومعرفة بالواجبات والقوانين وماله وما عليه وعلاقاته بمؤسسات الدولة وبالحكم وبالشرطة وبالقضاء وبالتعليم وبالنقابات وبالسياسة الوطنية لبلده؟
دعني أزعم عن ثقة يقينية بأن هذا الأمر لم يدر بذهنك قط، وأن سلوكيات أبناء شعبنا العظيم التي شهدت تراجعا خطيرا ومخيفا في سنوات عهدك تنذر بطوفان لا قِبل لنا جميعا به، فقد تركتَ، طبقة المنتفعين والمارينيين وتجار الصراخ السياسي للحزب الوطني الحاكم وحيتان الانفتاح والاحتكاريين الديناصوريين و الساديين من رجال الأمن ومأموري أقسام الشرطة والسلخانات البوليسية وقوى الذهنية المتخلفة في الإعلام المرئي والمقروء تتحكم في المصريين وتشكل سلوكياتهم وتخفي خلف ظهورها تراثا وثقافة وعادات وتقاليد وجواهر دينية ولآلئ وجدانية ورثها شعبنا المصري العظيم.
في عهدك، سيدي الرئيس، لم يتعرف الكثيرون من الذين غابوا عن مصر سنوات طويلة على أي مشهد وطني وشعبي لدى العودة إلى أرض الوطن، فقد عمل معول التدمير في الشخصية المصرية تشوهات لم نعتدها من قبل، ورفع من شأن سلوكيات الفهلوة والفن الهابط واللغة السقيمة والذهنية الاستعبادية التي ترفض منافذ الفهم، وترى تكميم الأفواه عملا مقبولا، طالما يصدر عن حاكم أوحد لا تستطيع أي قوة أن تستبدل به آخر ولو كان هو المنقذ من الطوفان والأمل الوحيد المعقود على إخراج مصر من مأزق لا تُحسد عليه، فقانون الطوارئ العسكري يستطيع أن يرسم على ظهر المواطن خطوطا حمراء محفورة في لحم جسده ومنقوش عليها كرامة المواطن المصري في أقسام الشرطة بموافقة ضمنية وصريحة منك!
هل جاءك، سيدي الرئيس، نبأ المصريين الذين انتحروا في عهدك وتخلصوا من حياة الذل والبطالة والفقر والدونية ومشاعر الفشل؟ إن لم تكن تعرف فهم أكثر من ثلاثين مواطنا من كل مئة ألف نسمة، وهي نسبة مرتفعة جدا، فإذا كانت في بلد يدين معظم أهله بالإسلام الحنيف الذي يُحَرّم الانتحار في أي صورة من الصور( باستثناء العمليات الاستشهادية ضد العدو الصهيوني)، فنحن أمام مأساة قومية أخلاقية تضع النظام كله في قفص الاتهام.
يتعامل حيتان المال في عهدك بأموال تجعل الثري العربي أو الغربي أو الأمريكي يفغر فاها، ويضرب كفا بكف، فعشرات الملايين من الجنيهات أصبحت مبالغ تافهة لناهبي مصر الجدد، وأضحت أخبار المخاصمات القضائية أو مطالبات الضرائب أو البنوك تمثل في الواقع ميزانيات دول بأكملها، فمثلا هناك رجل أعمال وتاجر خيوط صناعية يرفض في مخاصمة قضائية تسديد مبلغ مئة مليون جنيه، وآخر يربح من مشروع اتصالات هاتفية عدة مليارات، وثالث يستأذن المصارف ساعة أو بعض الساعة لإحضار نصف مليار جنيه عدّاً ونقدْا، وقد ذكرّني هذا بمحامي الريان في شركة توظيف الأموال الذي طلب من المحكمة الإفراج عن موكله في مقابل صرف شيك بمبلغ مليار جنيه، ناهيك، سيدي الرئيس، بحياة الاستفزاز الثرائي الخيالي التي يحياها حيتان عهدك الجديد!
هل صحيح أن السندات الدولارية التي أصدرتها الحكومة المصرية تضمن لحامليها حقوقهم من ممتلكات الدولة العامة ومن بينها قناة السويس، كما قال النائب أيمن نور، وهذا يعني رهن القناة لصالح الأثرياء الجدد؟
منذ خمسة عشر عاما رفعت الحكومة شعار التصدير، لكنها لم تتحرك من مكانها قيد شعرة، على الرغم من أن بلادا عديدة في دول العالم الثالث أصبحت في عداد النمور الآسيوية أو الأفريقية بفضل نجاح سياسة التصدير.
كتبت لك من قبل، سيدي الرئيس، عن أرفع وأرقى وأفضل صور الحكم وأكثرها اختصارا للتقدم والتطور والرفاهية، وأعني الإدارة السليمة، وتلك لعمري أقل اهتماماتك منذ توليت حكم مصر بقانون الأحكام العسكرية وبغير نائب وبدون انتخابات. عندما يشتد بي حلم الإفراج عن مصر من قبضة الرجل الواحد والحزب الحاكم والسلطة المطلقة، وينطلق خيالي بعيدا في زعيم مصري جديد، تقفز فورا إلى ذهني الإصلاحات الإدارية، وتحديث كل مؤسسات الوطن، والتخلص نهائيا من آلاف القوانين الظالمة والمتخلفة والمتجمدة والموميائية التي ورثناها من العهد الاستعماري ومن الدولة العثمانية وظلت حجر عثرة أمام تقدم المصري، وحاجزا بين العقل وبين الواقع.
سيدي الرئيس، لو تلقت مصر عدة مليارات من الدولارات مع صباح كل يوم فإن الفساد سيبتلع نصفها، وسيدخل النصف الآخر في بطن الإدارة البيروقراطية المتخلفة التي يمكن لك- إن أردت مرة واحدة التعرف على أوضاع شعبك في عهدك الرشيد- أن تراها واقفة ثابتة ملتصقة في أهم مؤسسات الدولة، وتخرج لسانها لأي تطور في في الشهر العقاري، وفي مستشفيات الحكومة، وفي قوانين الحقوق المالية للأرامل واليتامى وأصحاب المعاشات المهنية، وفي حياة الموظفين، وفي الضرائب العشوائية التي تخلص منها العالم المتقدم منذ مائتي عام، وفي أروقة المحاكم, وفي أرشيف الدولة، وفي أي تعامل مالي أو حقوقي أو قانوني بين المواطن وبين الدولة.
ولو فكرت يوما واحدا في إصلاح النظام القضائي، ومنح القضاة أجورا سخية وحياة كريمة وحلا لكل مشاكلهم المالية والعائلية والمرضية والمستقبلية، ثم طلبت منهم وضع مشروع قومي للعدالة السريعة وإنهاء النظر في مئات الآلاف من القضايا المكدسة لما تأخر هؤلاء الشرفاء عن تلبية طلبك ورفع المعاناة عن المعذبين في الأرض..
وفي عهدك تحيرني، سيدي الرئيس، أفكارك عن العدالة، ولا أفهم منها حرفا واحدا، أو منطقا أو تحليلا أو تبريرا!
لماذا تبكي بدموع حارقة أمهات مصريات تزوجن من مواطنين غير مصريين، وعاش أبناؤهن في أرض الكنانة، ورضعوا من خيراتها، وشربوا من نيلها، وتنفسوا من هوائها الملوث، وتكلموا لغة أهلها، ولا يفرقهم عن الآخرين غير أب غير مصري قد يكون عربيا أو هنديا أو أوروبيا أو منغوليا أو برازيليا أو أمريكيا، ومع ذلك فإن ميزان العدالة يرجح كفة الظلم، ويرى أن لا حقوق مواطنية لهؤلاء الأولاد المظلومين، وأنه ينبغي التعامل معهم على أنهم أغراب لا يستحقون شرف الحصول على بطاقة شخصية مصرية أو عائلية أو جواز سفر أخضر ينحني له احتراما وتقديرا وضباط الجوازات والجنسية في الأردن والعراق وتونس والجماهيرية العظمى وبريطانيا العظمى وأمريكا العظمى؟
سيدي الرئيس..
سحر هذا أم فردية مطلقة؟
الصنمية في الإسلام هي أيضا عبادة الخُطب والاستقبالات والافتتاحيات المستضعفة للصحف القومية في عهدك، ولكن هل تسمح الساحة المصرية على ما رحبت بصورة أخرى غير صورتك؟
هل يستطيع رئيس الوزراء أن يتكلم في حضرتك، فضلا عن عقد مؤتمر صحفي دون أن يستأذنك؟ هل يستطيع مسؤول واحد في الدولة كلها أن يتحدث عن مشروع أو إصلاح أو تغيير أو أفكار دون أن يتوجه بالشكر الجزيل لك على توجيهاتك الكريمة، فيصغر كل رجالك في مقابل إرضائك على الرغم من أنهم أصفار متراصة تخدم كلها رجلا واحدا، وتسعى لبهجته وسعادته؟
إن علاقة وزرائك ورجالك بك لا تعدو أن تكون تهجينا ثنائيا متعانقا وتوأميا من الاستبداد والطفيلية من الطغيان والشللية، ولكن أيضا من الاستكبار والاستضعاف. إن وزراء مصر و محافظيها ومسؤوليها الكبار وجنرالات العسكر والإعلام والثقافة والحزب الحاكم مسلوبو الإرادة، وفاقدو التفكير!
سيدي الرئيس..
إن النفس التي لا تنمّي ملكة التفكير والنقد الذاتي تصاب بالعهن والكبر، والعقل الذي يعتاد على عدم طرح الأسئلة بدون وجَلٍ وبلا خوف، لن يبني أمة أو يحافظ عليها. في صدري شحنات محبوسة تتصادم وتريد كل واحدة أن تخرج قبل الأخريات ظنا منها أن لها الأولوية في عالم مصاب بالخرس الجمااعي.
ماذا فعلتَ بالمخابرات العامة ومباحث أمن الدولة؟
إن هذه الأجهزة الأمنية الوطنية ينبغي أن لا يمسها أي زعيم بسوء أو يقلل من شأنها أو يدفعها إلى أعمال صغيرة يمكن أن يقوم بها مخبرون أقزام أو مرشدون من بسطاء الثقافة والعلم. فليست مهمة المخابرات ومباحث أمن الدولة التعرض لمخالفي نظامك، أو الذين ينتقدون رجالك، أو الذين يشككون في الانتخابات المزورة، أو الذين يهتفون ضد رئيس وزراء إسرائيل وعصابته من أعداء مصر ووطننا العربي الكبير..
إن مهام هذه الأجهزة الوطنية أكبر وأقدس مما يعهد إليها به، فمهمتها الحفاظ على أمن الوطن، وحمايته من خصوم الداخل وأعداء الخارج والطابور الخامس وعيون الكيان الصهيوني والسفارات والبعثات الأجنبية والاستعمارية. ومهمتها أيضا أن تساعدك، إن أردتَ، في التعرف على لصوص المال وناهبي خيرات مصر والهاربين بخزانة الدولة في حساباتهم، وأن تقدم لك- إن أردت- أيضا ملفات وتقارير عن رجالك ووزرائك ومحافظيك وعن أعضاء مجلسي الشعب والشورى ومن تدور حولهم الشبهات من تجار الكيف والعملة وتبييض الأموال القذرة التي تم نهبها من رعاياك.
إن الخلط الحاصل في أجهزة الإعلام ليس صادرا عن حسن نية، فقد تم تشويه صورة الجهاز الأمني الوطني الممثل في المخابرات العامة ومباحث أمن الدولة لصالح التقليل من شأنها وذلك بتصوير الساديين من ضباط الشرطة في بعض أقسام المحافظات على أنهم ينتمون للجهاز الوطني الأمني، وهذا ليس صحيحا بالمرة.
هل تتابع حقا الإعلام المصري؟ إنه إعلام لنشر ثقافة مزورة، فصناعة الثقافة في إعلام صفوت الشريف، ساعدك الأيمن، يشرف عليه المطربون والمغنيون وذوو العاهات الفنية والمعوقون لغويا والبلهاء معلوماتيا، ولو كانت هناك مئة مدينة للإنتاج الإعلامي فلن تستطيع أن تصنع فنا ذا قيمة ما لم تأمر أنت بصناعة المواطن المثقف الإعلامي غير الخائف.
إن صناعة الخوف هي تفريغ لروح الأمة وربما يسعدك أنها خلقت طبقة مثقفة مدجنة أو مهجّرة أو صامتة أو باحثة طوال الوقت عن أوجه العبقرية في قراراتك الحكيمة.
سيدي الرئيس..
لماذا لم تتحرك في قضية الأسرى المصريين الذين قتلتهم بدم بارد قوات الجيش الإسرائيلي القذر مع أن لديك كل الوثائق والقرائن التي تدخل بها مصر قضية عادلة مضمونة الربح والكرامة؟ لماذا تزود الكيان الصهيوني العدواني العنصري بأكثر من ثمانين بالمائة من احتياجاته النفطية الذي تسير بها عجلة السحق والعدوان، وأنت تعلم أن الاتفاقية انتهت بمرور عشرين عاما، أي عام تسعة وتسعين، لكن مصر مبارك تصر على تعويض إسرائيل ما تفقده من محرك آلة العدوان.. بترول مصر الطاهرة؟
هل لديك، سيدي الرئيس، مشروع أمني اجتماعي تربوي لعشرات الآلاف من المسجلين خطرين والبلطجية ومحترفي الإجرام في طول مصر وعرضها؟ لماذا صمتت مصر مبارك عن حادث الطائرة المصرية الذي اتهمت فيه أمريكا ظلما وعدوانا الطيار المصري البطوطي؟
من الذي وضع أكثر من ثلاثين ضابطا وخبيرا عسكريا مصريا في طائرة واحدة قبل أن تنفجر؟ هل كان الأمر صعبا عليك أن تقدم لمصر مشروعا حضاريا تسامحيا للعلاقة بين المسلمين والأقباط، وأن تمنح أشقاءنا في الوطن وفي التاريخ وفي الآمال والأحلام كل حقوقهم وعلى رأسها حق تولي أي منصب في الدولة ولو كان رئيس الوزراء( ولا أقول نائب الرئيس فلن يحظى بها حتى مسلم، أما منصب الرئيس فهو حق مقدس لك وحدك ولذريتك من بعدك)؟
أتابع عن كثب وبقلق بالغ الخطوات الثابتة والبطيئة والمركزة للسيد جمال مبارك في الحزب الوطني الحاكم قبل أن يتولاه ويستعد لوراثة عرش مصر رغم أنف كل مواطنيك المعترضين في ظل غياب نائب الرئيس وحضور القبضة الحديدية لقانون الأحكام العسكرية وانتهاء عصر الانتخابات والترشيح والمنافسة على منصب رئيس الدولة، فهو استفتاء قادم سيتولى إعداده صفوت الشريف وكمال الشاذلي ويوسف والي وفتحي سرور قبل أن تعلن وزارة الداخلية نتيجة الاستفتاء الشعبي- المعدة سلفا- بنجاح الشاب جمال مبارك واستعداد مصر لمرحلة حاسمة وتجديد شباب الوطن، أليس هذا السيناريو القادم؟
هل أحدثك سيدي الرئيس، عن صرخات المعذبين التي تخترق جدران أقسام الشرطة وسجون وزنزانات مصر الطيبة وتصلك في القصر الجمهوري لكنها لا تستطيع أن تنفذ إلى قلبك ووجدانك وضميرك حتى الآن على الأقل..؟
هل سمعت عن أحمد سليمان الذي طلب ضابط شرطة من المخبرين أن يصبوا الكيروسين عليه ويحرقونه؟ هل تناهت إلى سمعك صرخات المواطن محمد عاشور الذي لقي حتفه في شرطة المنتزة ؟ والمواطن مخلوف عبد العال الذي تم جلده بالسياط وكلما أغمى عليه، صبوا عليه ماءا باردا حتى مات من التعذيب؟ هل سمعت عن المواطن الذي دخل قسم قصر النيل وبعد الضرب بالكرباج تم وضع قطعة خشبية داخل فتحة الشرج تعبيرا عن إصرار ضباط الشرطة أن هذه قيمة المواطن المصري؟ هل عرفت بما فعله الرائد مصطفى حسن الذي عذب مواطنا خمس ساعات متواصلة، فلم يتحمل المسكين واعترف بما طلب منه .. أي بأنه خطف فتاة وقتلها، لكن مخدومها أجبرها بعد شهر على التوجه لقسم الشرطة لتبرئة المواطن المسكين؟
وماذا عن المواطن عبد المنعم شعبان الذي اختلف مع مخبر سري تابع لقسم حلوان، فاقتحمت قوة من الشرطة بيته ، واقتادوه إلى سلخانة( الشرطة في خدمة الشعب) وتم تعليقه في السقف، ثم مات من التعذيب. وقامت أرملته برفع دعوى قضائية، فاقتحمت الشرطة حرمة مسكنها، وخلع المخبرون ملابسها وأهانوها حتى تتنازل عن الدعوى؟ وماذا عن الذي تم صعقه بآلات تعذيب كهربائية ثم توفى، وتم تحرير محضر بأنه سقط من الطابق الثالث؟
وهناك آلاف من حالات التعذيب التي حدثت في عهدك وتحت سمعك وبصرك، وربما برضائك، ولكن في عالم مصنوع من الخوف، صَمَتَ الجميع إلا قلّة، ولا يزال حلمي متوهجا بزعيم من بعدك. لذا استحلفك بالله، سيدي الرئيس، أن تستقيل!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://www.ahewar.org/m.asp?i=461
http://taeralshmal.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal
http://taeralshmal1984.maktoobblog.com
دعوة للتبرع
بين اليأس والاصلاح: من حقك أن تيأس من النظا م فى مصر ، فأنت تعيش فى...
إنشروه: أتمنى أن تساهم وا في نشر فيديو حالة الطفل...
استمرار الرق : لماذا لم يحرم الله جل وعلا ملك اليمي ن ) الم...
ان تموت متقيا : هل ان أقراك ، كتبك و مقالا تك كل يوم ،هذا...
عدة المطلقة : غاب عنها زوجها أربع سنوات ، وهو يعيش فى بلد...
more