محمد عبد المجيد Ýí 2008-02-09
أراد ضابطُ الأمن في أحد ميادين القاهرة أن يتبسط مع مواطن مصري يقف مع عشرات غيره خلف حاجزٍ أمنيّ أقامه رجالُ الرئيس لمنع توسعة نطاق مظاهرة لا تخيف كتيبةَ أرانب مذعورة، فقام بينهما الحوار التالي:
الضابط: أراك منذ الساعات الأولى للصباح تقف في موقعك ولا تبرحه إلا قليلا، فلماذا لا تعود إلى أهلك وتترك هذا الهزلَ فنحن أعرف بأمن الوطن منكم؟
المواطن: إنني أمارس حقي في الاحتجاج على الظلم الذي يقع على رؤوس أبناء شعبنا منذ أكثر &ثر من ربع قرن.
أنت تمارس واجبك في الحفاظ على أمن الوطن وأنا أمارسه بطريقة مختلفة.
الضابط: ومن قال لك بأننا هنا لحماية الوطن؟
إن مهمتنا الوحيدة هي الابقاء على الرئيس ونظام حكمه وبالتالي كل رجال الرئيس يدخلون في تلك الحماية ولو كانوا لصوصا وتجار مخدرات وناهبي خيرات الوطن وولاد ستين ألف كلب.
المواطن: وماذا عن القَسَم باسم الله العظيم الذي أقسمتَه بُعَيّد تخرجك في كلية الشرطة، وأنك تحمي الشعب؟
الضابط: هذه أمور روتينية يعرف كل منا أنها لا تساوي قيمة الدقيقتين اللتين استغرقهما القَسَم. نحن يد السلطة التي تبطش بها، ولسانُها الذي يصبّ في أذنيك شتائمَ لا قِبَل لكرامتك بها، ونحن عصا السلطة التي تدخل في فتحة شرج المواطن فيبتهج السيد الرئيس عندما تتناهى إلى سمعه أوجاعكم وآلامكم وصراخكم.
مشاعرنا بين اصبعين من أصابع الزعيم، فإن أراد لكم الكرامة والحرية والقيم الانسانية السامية أطعناه، واستخرجنا من أعماقنا نوازع الخير فينا. وإن أراد أن يذيقكم العذاب ألوانا وأشكالا، فإن رؤوس الشياطين تطل من عيوننا، ونتحول نحن إلى قساة غلاظ القلب تم نزعُ نفخةِ روح الله من قلوبنا.
المواطن: ألا تشعر بين ألفينة والأخرى بتقريع الضمير وأنت تقف أمام الله، العزيز الجبار، استعداداً ليوم الوقوف الأكبر .. يوم لا ينفع زعيم أو طاغية، ولا يشفع لك تبرير بأنك عبد المأمور؟
الضابط: ضميري يتحرك بالروموت كونترول الذي تعبث به يدُ سيّدنا، وهو قد يغلقه متى يشاء.
كلنا نرهن ضمائرنا لدى السيد الكبير، فالطاغية في أي مكان، وليس فقط في مصر، قادر على أن يتسلل إلى أحلامنا ويشاهدها كما يشاهد ناقد فني شريطاً سينمائيا ليستخرج منه مالم يره الآخرون.
عندما أرسل الحسن الثاني أسرة الجنرال أوفقير إلى سجن تائه في عمق الصحراء، تم فصل الأم مع ابنها عبد اللطيف وهو في الثالثة من عمره عن بقية أفراد العائلة، وكان يفصل بينهم حائط سميك لأكثر من أحد عشر عاما.
كانت البنات يكبرن ويتألمن، والأم تتعذب فبينهما وبين بناتها أقل من متر واحد ولم تَرَهُنَّ لأحد عشر عاما.
أين ذهبت ضمائر كل الحراس الذين تعاقبوا على حراسة الأسرة في هذا المكان النائي؟
كان من الممكن أن يحدث ولو مرة واحدة أن يستيقظ الضمير ويسمح حارس أو أكثر للأم وابنها برؤية فلذات أكبادها لدقيقة أو أقل.ولكن لأن الضمير يظل رهينة في يد الزعيم، نتحول نحن إلى ذئاب مفترسة.
بلى فأنا أقف أمام الله في كل يوم، لكن صلاتي لا تنهاني عن الفحشاءوالمنكر والبغي.
المواطن: هل تصل تقارير مُفَصّلة عما تقومون به إلى السيد الرئيس، خاصة الاغتصاب والحرق وهتك عِرض المصريات والتصفية الضرورية لمن تروّن أهمية ازاحته وارساله إلى العالم الآخر؟
الضابط: هل أنت أهبل أم عبيط أم تريد أن ترهن مثلنا ضميرك لدى سيدنا وزعيمنا المبجل؟
هل نحن نتبرع بجعل المصريين حشرات تحت أحذيتنا دون موافقة مسبقة من الرئيس؟
هل كان سيادته في سجن انفرادي طوال ستة وعشرين عاما وغير مسموح له بقراءة الصحف أو متابعة الأخبار أو مقابلة أي شخص من الداخل أو من الخارج يقص عليه نبأ جحيم سجونه ومعتقلاته؟
ألا يعرض عليه وزير الداخلية تفاصيل جرائمنا فيؤشر بالموافقة على استمراراها؟
ألم يتحدث مع مئات الشخصيات العالمية عن حقوق المصري التي يفتخر الحيوان إن قرأها أنه ليس مواطنا في عهد رئيسنا وزعيمنا؟
نحن نفعل ذلك لنرضيه، وهو الذي يأمرنا باغتصابكم.
دعني أُسِرّ لأذنيك بشيء آمل أن تفهمه جيدا: أيّ مواطن مصري يحاول أن يجد تبريرات للرئيس هو في الحقيقة مشترك معنا بصورة غير مباشرة.
إنه ضابط أمن ولكن في صورة مواطن.
إنه باحث عن عمل مع الرئيس ويعرض رهن ضميره ولكنه لم يضع نجوما بعد على كتفيه ولا نياشين على صدره.
المواطن: ولكنكم عشرات الآلاف غير المرشدين والمخبرين فكيف تمكن الرئيس من اعتقال كل ضمائركم، أعني كيف يحرك روموت كونتروله مشاعركم؟
الضابط: لو أراد أن يضم إلينا ثلث المصريين أو نصفهم أو ثلثيهم لما أحتاج الأمر لجهد كبير.
كل الطغاة قادرون على العثور بسهولة ويسر على من يبطش، بل من يأكل أجساد مواطنيه وهم أحياء.
الزعيم هو الذي يصنع الشعب، وليس العكس!
المواطن: ولكن ماذا عن الشرفاء من رجال الأمن؟
لماذا لم يتمكن الرئيس من جعلهم ينساقون خلف أوامره، ويقتلون ضمائرهم بأيديهم أو يرهنونها لدى الزعيم حتى يأتي آخر غيره ويلتصق بكرسي الحكم؟
الضابط: لأنهم لا يعصون الأوامر مباشرة، وهم يعملون الخير في صالح المواطن خفية وبعيدا عن أعين مرشدي الرئيس، فإذا تلقى تقريرا عن يقظة ضمير ضابط فإن نقله أو عزله أو الاطاحة به تصبح أقرب من أرنبة أنفه.
إننا نملك صلاحيات لو قرأتها على مسامعك لبكيتَ على مصر ما بقيّ لك من عمر.
صحيح أننا نستهلك من ميزانية الدولة أضعاف ما تم رصده للتعليم والبحوث العلمية والصحة والعلاج والدواء مجتمعين...
وصحيح أننا نكذب عليكم عندما ندّعي أن الشرطة في خدمة الشعب، فنحن وأنتم في خدمة الرئيس...
لكن كارثتكم في الضوء الأخضر الذي تلقيناه فهو يشمل كل شيء لم يدر بذهن أكثر المتشائمين والكارهين لرئيسنا.
إننا نملك صلاحيات تجعل السلطتين التشريعية والقضائية تتراجعان إلى أن تصبحا في خدمة السلطة التنفيذية، وأما فصل السلطات الذي نصّ عليه الدستور فهو لا يساوي ثمن الورق الذي طُبع عليه.
فأنا، مثلا، أستطيع أن أضرب بحذائي وجه أي قاض يمثل العدالة، بل يمكنني أن أصطحب أي مواطن تحكم له المحكمة بالبراءة عقب الحُكم مباشرة، وألقي به في السجن دون أن ينبس حماة العدالة ببنت شفة.
وأستطيع إنْ أردت أنْ آمر باغتصابك، سِراً أو عَلَناً، وأن أصبّ على جسدك كيروسينا وأشعل فيه النار، وأن أُحضر إلى قسم الشرطة أهلك وأولادَك وجيرانك وأذيقهم عذابا لم يعرفوه من قبل.
إننا صناعة محلية لا تضاهيها صناعة أخرى ثقيلة أو خفيفة.
إننا نتلقى أحيانا متهمين أرسلتهم أجهزة الأمن الأمريكية لننتزع منهم اعترافات لو سلّطت عليهم ذئاباً حقيقية لما فعلوا مثلما نفعل نحن.
هل تتذكر الفنانة التي اعترفت بالقتل تحت التعذيب فلبثت في السجن خمس سنوات كانت أرحم لها من المكوث عدة أيام بين أيدينا، رغم أنها بريئة؟
هل سمعت عن مواطنك المصري الذي تلقى وجبة جديدة من التعذيب لأنه كان يضم فخذيه ونحن نُدخل العصا في فتحة شرجه، فاعتبرناها مقاومة غير مشروعة؟
المواطن: لهذا نكره الرئيس حسني مبارك كما نكره الموت والمرض والسرطان والغزو الأمريكي والاحتلال الاسرائيلي!
الضابط: هذا بهتان عظيم، فلو كنتم تكرهون الرئيس لما بقي في قصره كل هذه السنوات.أنتم تكملة لنا، وتسخرون ممن يحدثكم عن حقوقكم،
المصريون يكرهون المصريين، وتلك حقيقة لا مِراء فيها ولا ريب حول صحتها. إنكم تعتبرونها بلدا للأسياد ومهمتكم ليست أكثر من الوقوف على أعتاب أبوابنا تطلبون العفو والمغفرة لذنوب لم تقترفونها.
عندما يطل رأس مصري ينبهكم بأم الجرائم وهي عالم الاستعباد والاستحمار الجماعي توجّهون إلى صدره سِهاماً كأنه المجرم الحقيقي.
لم تَعُدْ الكلمةُ تؤثر في أيّ منكم، وحجتكم الواهية هي أن الفقر قادر على اشغالكم، وأن لقمة العيش واللهثَ خلفها والبحثَ عما يَسُدْ رمقَ الأسرة تمنعكم من الاحتجاج.
المواطن: إن السوط الذي بيدك يقطع لساني قبل أن يلهب ظهري، وسلطاتُك المطلقة التي تجعلك مفترسا وقادرا على نهش لحمي تقف حجر عثرة أمام قدراتي في التمرد والاحتجاج والمطالبة بحقوقي.ومع ذلك فالله يمهل ولا يهمل، وأنت رأيتَ بنفسك كيف أصدر القضاءُ العادل أحكاما عادلة على ضباط أُدينوا بتعذيب مواطنين مثلي!
الضابط: هذا هو السر في طاعة المصريين العمياء لأيّ فرعون، فالمصري تلسع ظهره ووجهه وقفاه سبعين مرة في كل يوم، فإذا قررتَ بعد عدة سنوات أن تخفف ضربات السوط قليلا، قدّمَ لك عظيمَ الشكر وموفور الثناء على طيبتك وكرمك ورحمتك ورقة قلبك.
آلاف من حالات التعذيب والاغتصاب والانتهاك والاذلال يشيب لها شعر الجنين، فإذا ذَرَّ الرئيسُ الرمادَ في العيون، وقدّم على مذبح الاستغفال عدة ضباط في محاكمة علنية، سقطت بعدها من ذاكرتكم كلُّ جرائمنا حتى لو حفرنا لثلث سكان مصر مقابر جماعية.مشكلة المصري في ذاكرته تجاه السلطة فهي كهارد ديسك بأقل من ميجابايت.أما احالتك نتائج صمتك إلى السماء لعل الله يرسل طيرا أبابيل إلى قصر العروبة وقصر عابدين ومنتجع شرم الشيخ فيُخَلصكم من الرئيس فهو من التخدير باسم الدين، واستخدام الرسالة السماوية السامية والعظيمة والرائعة والداعية إلى الكرامة والحرية كأنها قات يمني أو بانجو مصري أو هيروين أفغاني. القضية ليست خوفا من بطشنا، فأنتم ملايين يشملكم أيضا عشرون ألف قاض، وأربعون ألف محام، وعشرات الآلاف من الأكاديميين، وعدة ملايين مغترب بعيدين عن قبضتنا، وسبعة آلاف صحفي واعلامي، وربع مليون مثقف انخرط أكثرهم في أحزاب سياسية.
الحقيقة التي ستصدمك هي أن كل هؤلاء، تقريبا، مع النظام، ويدافعون عنه فعلا وليس قولا، ويقيمون سَدّاً منيعا لئلا يسقط.أنتم لا تختلفون عَنّا إلا في قرار تعيين السلطة، ولو استبدل الرئيسُ بنا أكثر وطنييكم لفعلوا مثلما نفعل نحن.
إنني لا أصدق أن ملايين المصريين خائفون، والأقرب إلى المنطق والعقل والواقع أنكم جميعا تسجدون للرئيس ويبدو الظاهر الكاذب أنه سجود لله الواحد القهار.
حوارات سابقة للكاتب:
حوار بين سمكتين في قاع البحر
حوار بين قملتين في شعر رأس صدام حسين
حوار بين الرئيسين حسني مبارك و .. جمال مبارك
حوار بين زنزانتين في سجن عربي
حوار بين حمار و .. زعيم عربي
حوار بين إبليس و .. الرئيس حسني مبارك
حوار بين سجين حر و .. حر سجين
حوار بين الشيطان و .. وضيوف الرحمن
الحوار الأخير بين رئيس يحتضر و.. رئيس يرث
حوار بين كلب السلطة و .. كلب الشارع
حوار بين زعيمين عربيين في غرفة مغلقة
حوار بين وافد و .. كفيل
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 10 يناير 2008 النرويج
http://www.ahewar.org/m.asp?i=461
http://taeralshmal.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal
http://taeralshmal1984.maktoobblog.com
Taeralshmal@gawab.com
دعوة للتبرع
أحسن تقويم ..ثم ..: -------- ---------- ---------- ---------- ---------- -- سلا م ...
أعانك الله جل وعلا !: لقد وضعت جهاز كهربا ئيا لتسخي ن الماء في سطل...
باب للزواج: نريد فى الموق ع بابا يختص باعلا نات الزوا ج ...
عن الدفن من تانى: ما قولك يا استاذ فى دفن المرأ ة فى قبر رجل غريب...
هذا جائز : هل من الجائ ز قراءة احد الادع ية الموج ودة ...
more
أخي الفاضل محمد عبد المجيد تحية طيبة وبعد:
مع احترامي لرأيكم الشخصي فيما تتصورونه من مجريات هذا الحوار الذي يدور بين ضابط شرطة (والذي تصوره هنا بأن مقاليد الأمور بيده، سبحان الله العظيم)، وبين مواطن عادي مسلوب الإرادة تماماً لا يستطيع أن ينبس بكلمة اعتراض واحدة علي ما يهرف به هذا الضابط الذي لا يمكن تفسيره إلا أنها مجرد عقد نقص يعانيها، ثم تصف ذلك بأن الضابط يتبسط مع المواطن!!.... وبالطبع فإن هذا ليس تبسطاً كما تقول بل إنها عقد نقص كما ذكرت آنفاً، وقد يستطيع الضابط أن يحقق القليل مما يقوله، أو قد لا يستطيع أن يحقق أي شئ منه، ومع ذلك فإن المواطن المسكين ينخدع في طريقة كلامه ويتركه متجنباً شروره وآثامه!!!، كما أنني أراك تتكلم من خلال تجربة شخصية مريرة حدثت لك بصفة شخصية مع أحد هؤلاء الضباط، الأمر الذي دفعك أن تكتب هذا الحوار الخيالي الوهمي غير الواقعي، وذلك لأسباب كثيرة سوف أذكر هنا بعضها:
1- إنك قد قمت بالتعميم، فقلت (((مواطن)))، أي مواطن، ونسيت أن هناك بعض المواطنين الذين يمتلكون سلطات أكبر بكثير من الضباط مثل رجال القضاء ووكلاء النيابة ورجال السلك الدبلوماسي، أو رجال قيادات الجيش..... الخ يمكن أن يطيحوا بهذا الضابط إلي ما وراء الشمس من خلال نفوذهم ومكانتهم المرموقة في الدولة.
2- إن ضابط الشرطة عادة ما يخاف أن يتجاوز مع أي مواطن، إذ أن هناك جهات معنية بتلقي الشكاوي التي غالباً ما يتم النظر فيها بجدية، وإن لم يتم ذلك فيمكن لهذا المواطن أن يقوم بتصعيد شكواه إلي أعلي المستويات من إبلاغ المنظمات الحقوقية إلي نشر ما يحدث في الجرائد إلي إبلاغ مدونين الإنترنيت بذلك، فكما يقول المثل ((ما ضاع حق وراءه مطالب)، لذا فإن هذا الضابط يخشي علي مستقبله من كل ذلك، وخصوصاً بعدما تفجرت بعض القضايا التي تم التنديد بها عيانا بيانا علي صفحات الجرائد والفضائيات والإنترنت وهكذا
3- إن هذا الضابط يخشي علي حياته وسلامته وأمنه هو وأسرته من مغبة تجاوزه مع المواطن، فقد يغتاله هذا المواطن أو يغتال أحداً من أسرته، وقد يتم هذا الاغتيال من قِبل أحد أسرة هذا المواطن المجني عليه، وقد قرأنا أمثلة كثيرة علي ذلك.
ولذلك فإنني أري أن هذا الحوار قد تم بين ضابط شرطة ناقص، ومواطن خايب ساذج، لذا فإنه أبعد ما يكون عن الواقعية.