آحمد صبحي منصور Ýí 2025-11-23
ف 4 : رشيد رضا التلميذ الخائن ب2 مناهج الازهر الشيطانية ومحاولات الإصلاح . كتاب الأزهر عدو الإسلام الأكبر
1-هربا من بيئة التعصب الدينى (بين المسلمين والنصاري) والتعصب المذهبى (بين السنة والشيعة) والصراع الدولى (بين العثمانين والأوربين) جاء رشيد رضا من الشام إلى مصر، ضمن كثيرين من الشوام النصارى والمسلمين، الذين جاءوا إلى مصر يحملون داخلهم إفرازات التعصب الدينى والمذهبى وموروثاته. وفى مصر كان التدين مختلفا، يسمح لهذا وذاك بحرية المعتقد وإمكانية الشهرة والثراء والنفوذ. وأتيح لهذه الكفاءات الشامية عن طريق (وكلاء) مصريين أن يحظوا بالشهرة والثناء، وعندها، وبعد الاستقرار والتمتع بالأمان، عاد أولئك الأعلام الشوام إلى استئناف خصوماتهم الفكرية فى مصر، بين علمانيين وسلفيين، بين ملحدين ومتدينين، بين نصارى ومسلمين..
وكان من أولئك صاحبنا رشيد رضا الذ ى حمل فى داخله التعصب السنى السلفى بعد أن أحدثت الحركة الوهابية انتعاشا للفكر السلفى الحنبلى التيمى بالشام. وحاول رشيد رضا كبت مشاعره السلفية بكل ما أوتى من دهاء أهل الشام، ولا ريب أنه كان يتوجع من آراء أستاذة محمد عبده ومن انتقاده للأحاديث، خصوصا وقد كان الإمام محمد عبده لا يفتأ يهاجم التصوف والدعوة الوهابية معا.
2- وبينما كان رشيد رضا يحتفل بآراء شيخه فى نقد التصوف ويرصع بها أقواله فى تفسير المنار نجده على العكس يتجاهل أراء محمد عبده فى السخرية وانتقاد الوهابية، ومنها قوله عنهم .. فئة زعمت أنها نفضت غبار التقليد، وأزالت الحجب التى كانت تحول بينها وبين النظر فى آيات القرآن ومتون الأحاديث لتفهم أحكام الله منها، ولكن هذه الفئة أضيق عطفا وأحرج صدرا من المقلدين، وإن أنكرت كثيرا من البدع، ونحّت عن الدين كثيرا مما أضيف إليه وليس منه.. فلم يكونوا للعلم أولياء ولا للمدنية أحباء. (الإسلام بين العلم والمدنية: 47:148)
3- وكذلك تجاهل رشيد رضا ما أكده الامام فى نفس الكتاب السابق عن الأصل الثالث من أصول الإسلام وهو البعد عن التكفير، والتكفير أساس الاستحلال للدماء والأموال والأعراض، والاستحلال أساس قيام وتوسع الدولة السعودية الوهابية. وصاحبنا رشيد رضا أوقع نفسه فى تكفير خصومه فى المذهب وفى الدين فى مواضع كثيرة من تفسيره فى المنار، وذلك حين كان يخلط بين خطاب الله تعالى للبشر من مشركين وأهل كتاب (ومن حقه تعالى أن يقول لهم ما يشاء) وبين الأوامر الإلهية لنا فى الحكمة والموعظة الحسنة وإرجاء الحكم فى العقائد إلى الله تعالى يوم القيامة، وذلك فى حوارنا مع المختلفين عنا فى المذاهب والعقائد.
سار رشيد رضا على نفس طريقة السلف - خصوصا ابن تيميه - فى إدمان التكفير لجميع من يخالفونه فى الرأي.
4- وإذا كان محمد عبده فى كتابه (الإسلام بين العلم والمدنية) قد جعل الأصل الخامس من أصول الإسلام "قلب السلطة الدينية.. والإتيان عليها من أساسها" فإن رشيد رضا لم يفهم من هذا المبدأ إلا الهجوم على أولياء التصوف، ونراه فى المقابل يعمل على تأسيس الكهنوت الدينى السياسى أو الدولة الدينية، وهو المبدأ الذى وقف عليه نشاطه بعد أن تحالف علنا مع السعوديين، وبعد موت شيخه الامام. والطريف - بل من غير الطريف - أن رشيد رضا يتحدث عن تأليف الإمام محمد عبده لكتاب الإسلام بين العلم المدنية فيقول فى مقدمة تفسير المنار " زرته يوم الجمعة 13 رمضان فقرأ لى عبارة من كتاب فرنسى فى الطعن على الإسلام، وطفق يرد عليها بعد أن قال أن هؤلاء الافرنج يأخذون مطاعنهم فى الإسلام من سوء حال المسلمين مع جهلهم بحقيقة الإسلام، وقال إن القرآن نظيف والإسلام نظيف وإنما لوثه المسلمون بإعراضهم عن كل ما فى القرآن واشتغالهم بسفاسف الأمور.." والشيخ رشيد رضا لم يذكر لنا كل ما قاله له شيخه، كما لم يذكر أيضا لنا فى تفسير المنار بعض ما قاله شيخه فى نفس الكتاب " الإسلام بين العلم والمدنية".
5- ومن حقنا أن نتشكك فى أمانة النقل لدى رشيد رضا فى الموضوعات التى يختلف فيها مع شيخه الأمام، ويتأكد لنا هذا الشك فى تفسير المنار ذاته، ففى نهاية الجزء الذى فسره الإمام محمد عبده وهو نهاية الآية (126) من سورة النساء يقول رشيد رضا هذه الآية كانت آخر ما فسره شيخنا الأستاذ الامام الشيخ محمد عبده فى الجامع الأزهر، وسنستمر فى التفسير على هذه الطريقة التى اقتبسناها منه، ولكنه يناقض نفسه فيما كتبه فى المقدمة، والعادة أن تكون مقدمة الكتاب آخر ما يقوم به المؤلف لأنه فى نهاية حديثه فى المقدمة يقول : ( هذا وإننى لما استقللت بالعمل بعد وفاته خالفت منهجه بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنة الصحيحة، سواء كان تفسيرا لها أو فى حكمها . ) وواقع الأمر أن منهج محمد عبده اعتمد على بعض مرويات الأحاديث ومناقشتها وإثبات ما يتفق منها مع وجهة نظره، ولكن الجديد الذى جاء به رشيد رضا ورفض أن يفصح عنه هو الإتيان بأحاديث سماها سنة صحيحة وهى تؤكد على رؤية رشيد رضا المخالفة لمدرسة شيخه التنويرية. ونضرب لذلك مثلا واحدا: فالشيخ محمد عبده فى تفسير آية وما كان الله يطلعكم على الغيب وعدنا بتفصيلات آخرى لتأكيد أن النبى لا يعلم الغيب، وذلك عندما يصل إلى الآية 50 من سورة الأنعام قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ومات الامام قبل أن يصل إلى نهاية سورة النساء، وأكمل رشيد رضا التفسير، وحين جاء إلى الآية المذكورة حاول تأويل أو تحريف معناها الواضح ليثبت للنبى علم الغيب، وفعل نفس الشيء فى موضوع الشفاعة، وهذه هى السنة الصحيحة التى يعنيها رشيد رضا،
6- وهنا تبدأ الفجوة بين محمد عبده ورشيد رضا، وهنا أيضا تتسع الفجوة: فالأحاديث النبوية عند محمد عبده مجرد أحاديث آحاد لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن، ولا تنهض وحدها دليلا إلا إذا اتكأت على آية قرآنية أو رؤية قرآنية واضحة. أما عند تلميذه رشيد رضا فالأحاديث هى مصدر قائم بذاته سواء اختلف أو تعارض مع القرآن، بل طبقا لمنهجه فإنه يستسيغ تأويل الآيات القرآنية وتحريف معناها كى توائم وتتفق مع الأحاديث الصحيحة لديها.
7- ولكن النتيجة الواضحة والمؤلمة أن رشيد رضا نجح فى خنق وتحجيم حركة شيخه التنويرية وكان لذلك سببان:
7 / 1 : الأول يرجع إلى منهج محمد عبده نفسه الذى لم يكن متسقا ومحددا. إذ إنه بدون مبررات تشرح سوء الاحوال وعنف الأشياخ وتأثيراتها على تردد محمد عبده وعدم وصوله إلى منهج كامل متسق الأطراف يضع الأمور فى نصابها، نقول برؤية منهجية فوقية أن هذا التردد وعدم حسم المشكلة الأساسية (الأحاديث المنسوبة للنبى فى الغيبيات والتشريعات ) قد أتاح لرشيد رضا أن يجهض حركة محمد عبده التنويرية ويحصرها فى الإطار التقليدى الذى تتقلص مساحته التنويرية شيئا فشيئا، والمؤسف أن عدم التحديد للمفاهيم و التوارى فى الهجوم خلف مصطلحات باهتة، مثل التأويل جعل الكثيرين يعتقدون أن رشيد رضا قد سار على منوال شيخه، لأن التلميذ الداهية استخدم نفس مصطلحات شيخه استخداما عكسيا، فإذا كان محمد عبده يريد أن يهاجم الأحاديث تحت لافتات آخرى مثل التأويل وسفاسف الأمور، فإن رشيد رضا بذكاء نادر استخدم نفس اللافتات فى الهجوم على خصومه، ومنهم من كان قرآنيا حاول أن يبنى على ما أرساه الامام محمد عبده، فكان أن سلط عليه رشيد رضا منبر المنار ليهاجمه ويستعدى المناخ مستخدما نفس مصطلحات شيخه.
7 / 2 :- والسبب الثانى يعود إلى المناخ الذى ساند رشيد رضا فى منهجه:
رشيد رضا لم يكن فى وزن شيخه محمد عبده ليكمل بعده مشوار الإصلاح ولكى يعادى شيوخ الأزهر وحلفاءهم فى السرايا الملكية وقصور الاقطاع. هذا إذا كان رشيد رضا متحمسا فعلا للسير على طريقة شيخه، ولكن عرفنا اتجاهه الحقيقى، وقد وجد المناخ بعد موت الامام محمد عبده مواتيا لكى يرسى دعائم دعوته السلفية الوهابية ويصعد معها إلى القمة. فقد كان خصوم رشيد رضا من المفكرين الشوام ينشرون فى مصر (المذاهب الغربية الإلحادية والعلمانية لأهل أوربا الكفرة الذين يستعمرون بلاد المسلمين) ومن الطبيعى أن يتحد رشيد رضا مع علماء الأزهر ضد أولئك الملاحدة، خصوصا بعد إسقاط الخلافة العثمانية وتحول تركيا إلى (العلمانية الكافرة) وتجدد الحديث عن الخلافة الإسلامية وبعثها، وما واكب ذلك من علو شأن الدولة الوهابية السعودية باستيلاء عبد العزيز آل سعود على مكة والحجاز سنة 1926، وتنافسه مع الحكام الآخرين فى مزاد الحصول على لقب الخلافة والإمامة العظمى فى مواجهة الغرب الكافر. من الطبيعى أن يحاول رشيد رضا بمهارته الشامية أن يظفر من هذا السوق السياسى بأى شيء. وقد ظفر فعلا بشيء وأشياء، وبغض النظر عن هذه الأوضاع السياسية فإنها خلقت مناخا ليس لديه أدنى استعداد للبناء فوق ما أرساه الإمام محمد عبده، ويكفى أن الظروف الاجتماعية والسياسية فى مصر أصبحت تتقبل فكرة الدولة الدينية، بعد أكثر من قرن من النهضة الفكرية وتأسيس الدولة المدنية الحديثة، ومشاركة محمد عبده فى تأسيس الحزب الوطنى القديم الذى يفصل بكل وضوح بين الانتماء الدينى والانتماء السياسي.
8 ـ هذه النقطة استثمرها رشيد رضا فى الدعاية لمشروعه السياسى للدولة السلفية الوهابية الدينية، وكان قبل ذلك قد أسهم فى تحويل الجميعة الشرعية من تدينها الصوفى إلى التدين الوهابى، كما نجح فى إقامة جماعة أنصار السنة بزعامة صديقه الشيخ حامد الفقى، كما أسهم فى إقامة جماعة الشبان المسلمين. أى أنه أكمل إرساء الدعوة السلفية الوهابية بديلا عن دعوة محمد عبده المستنيرة، ثم كان أن قام رشيد رضا بأخطر عمل سياسى، وهو إقامة جماعة الأخوان المسلمين عن طريق تلميذه الشاب حسن البنا سنة 1928 وبذلك تحول الفكر السلفى من مجرد الدعوة إلى الحركة السياسية النشطة إلى إقامة الدولة الدينية. ونجح حسن البنا خلال عشرين عاما (1928-1948) فى إنشاء خمسين ألف شعبة فى العمران المصرى، وساعد على نجاحه استثمار المناخ الدينى والاجتماعي لصالحه بالإضافة إلى حرمان الطبقات الوسطى والدنيا من طموحها السياسى، مع التبرعات المالية من السعودية قبل ظهور البترول فيها. واستثمر حسن البنا كل أنواع الخلل الاجتماعى والسياسى لصالحه، وتحالف تبعا لمصلحته مع حكومات الأقليات، ومع كل أنواع الثوار وفى النهاية تحالف أتباعه بعد مقتله مع حركة الجيش، وأسهموا فى قيام الثورة، ثم اختلفوا مع عبد الناصر فانقلب عليهم فهرب من نجا منهم إلى موطنهم الروحى (السعودية).
9 - وقد استفاد الفكر السلفى الوهابى من هذا المناخ السياسى الصاعد والهابط على السواء بالنسبة للحركة السلفية السياسية، والدليل على ذلك أن عبد الناصر وقع فى نفس الخطأ الذى وقع فيه الوالى محمد على من قبل، حين قضى على الدولة السعودية الأولى دون أن يقضى على أساسها الفكرى والديني. وإذا كنا نغفر للوالى البلقانى محمد على هذا الخطأ فكيف نبرره لعبد الناصر وهو أقرب لفهم ما يجرى أكثر من الوالى محمد علي. والمهم أن عبد الناصر قضى على الإخوان سياسيا ولكنه تبنى الفكر السلفى أو على الأقل تصالح معه، ووضع عبد الناصر بذلك الأسلوب العسكرى فى مواجهة الحركات الدينية السياسية، وهو أن تكون الدولة العسكرية- خصوصا فى وقت ضعفها - معتمدة على أشياخ التطرف فى محاربتها للتطرف نفسه، وتكون النتيجة أن تحاول الدولة المزايدة على المتطرفين بأن تكون أكثر تدينا منهم، وكذلك فعل عبد الناصر، وكذلك فعلت الجزائر وكذلك تفعل السياسة المصرية الراهنة، وكذلك يستفيد التطرف السلفى على صعيد السياسة، وعلى صعيد الفكر، وعلى صعيد المنهج الفكرى، وهنا يكون اختبارا صعبا أمام أى مفكر مسلم مستنير يحاول مواجهة الفكر السلفى السائد والذى يحظى بمساندة الدولة نفسها. وتلك هى الأرضية التى قام فيها فكر الشيخ شلتوت فى عهد عبد الناصر.
وهى نفس الأرضية التى انتشرت فيها غابات الشوك، والتى يتحتم على كاتب هذه السطور أن يسير فوقها خلال ما تبقى له من عمر..
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور ) https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran
| تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
| مقالات منشورة | : | 5315 |
| اجمالي القراءات | : | 65,308,355 |
| تعليقات له | : | 5,514 |
| تعليقات عليه | : | 14,906 |
| بلد الميلاد | : | Egypt |
| بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
شكرا فقد أضحكتنى .!: القرا نيين دائما ما يسخرو ن من اهل السنه في...
من الغابرين: ( غابري ن ) وصف لامرأ ة لوط . هل لأنها كانت...
الطلاق بعد اللعان: هل لا بد من التفر يق بين الزوج ين بعد اللعا ن ...
عدن وعلامات الساعة: السّ لام عليكم أستاذ نا الفاض ل أنا من...
ننكر كل الأحاديث: يا اهل العلم توجهو ن اتهام اتكم في نقض...
more
بارك الله جل وعلا بعمرك وعلمك دكتورنا المحترم ، لفت انتباهي في هذا المقال إن الامام محمد عبده كان ينتقد الأحاديث فهل كان قرآنيا في ذلك الوقت. مع خالص الشكر لكم.