مفهوم العلمانية بين الأسطورة السلفية و الحقيقة الصريحة؟

مهدي مالك Ýí 2024-12-06


  

 

 

 

 

مفهوم العلمانية بين الأسطورة السلفية و الحقيقة الصريحة؟

مقدمة متواضعة                                        

بغض النظر على تصريحات وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية الأخيرة بالمغرب حول موضوع العلمانية بشكل سطحي امام البرلمان المغربي فان موضوع العلمانية ببلادنا له سياق واضح منذ قرون قبل الإسلام و بعده كما شرحته بشكل مطول في كتابي الأخير أي الامازيغية و الإسلام و أيديولوجية الظهير القامعة لهما او في مقالاتي العديدة طيلة سنوات طويلة استعملت فيها مصطلح العلمانية الاصيلة الذي اقترحه الوالد علي للتمييز بين العلمانية بمفهومها الغربي و العلمانية بمفهومها الأصيل لدى اجدادنا لمئات السيين في سوس العالمة و في الاطلس المتوسط و في الريف الجريح كما اسميه و في الجنوب الشرقي و امازيغي الصحراء الكبرى أي التوارك او الطوارق كما يسميهم العرب ..

رسميا تم تطبيق العلمانية الفرنسية بالمغرب منذ سنة 1956 من خلال الاحتكام الى القوانين الوضعية و احداث مؤسسات الدولة الحديثة كما يحلو للبعض ان يسمي دولة فجر الاستقلال و الحرية .

لكن عندما يسمع معظم المغاربة الى حد الان كلمة العلمانية بدون احالات مباشرة يعتبرونها دعوة لمعاداة الدين الإسلامي او قيمه الروحية او الإنسانية او دعوة لتحرير من الدين بشكل مطلق أي الالحاد او الإباحية الجنسية بشكل علاني الخ من الأفكار المغلوطة و الموجودة في خطاب الدولة الديني الرسمي و الموجودة في الخطاب التنظيري لتيارات الإسلام السياسي  منذ سنة 1928 الى يوم الناس هذا حيث ان هذه الأفكار المغلوطة تتعارض مع واقع الدول العلمانية في الغرب المسيحي رغم سيئاتها الكثيرة الا انها تسمح للمسلمين للدعوة لدينهم و لبناء المساجد فوق أراضيها الخ من هذه الأشياء المحسوبة على العلمانية بمفهومها الغربي  .

و في حين نجد ان اغلب الدول الإسلامية تحرم التبشير بالمسيحية او باليهودية لان المؤمن الحق لا يترك الإسلام لمجرد انتشار التبشير بالديانات الأخرى داخل مجتمعاتنا الإسلامية حسب رايي المتواضع حيث لا أحاول تسويق للعلمانية الغربية هنا على الاطلاق بقدر ما أحاول اظهار ان العلمانية في الغرب المسيحي لا تمنع التبشير بالإسلام منذ عقود من الزمان من خلال بناء المساجد و تأسيس الجمعيات الإسلامية الخ.

ان النقاش الدائر حول العلمانية بالمغرب قد انطلق بشكل علاني منذ 21 سنة أي منذ احداث 16 ماي 2003 الإرهابية بقلب المغرب الاقتصادي النابض أي الدار البيضاء فطالبت بعض مكونات الحركة الامازيغية بالعلمانية بدون أية احالات او تاصيل في تاريخنا الاجتماعي كما اتذكره وقتها و ربما أكون مخطئ في هذه النقطة . ..

 و من بين هذه المكونات الأستاذ احمد عصيد الذي كتب كثيرا حول هذا الموضوع في تلك الفترة في الجرائد مثل العالم الامازيغي الخ فردت الحركة الإسلامية عليه كما هي العادة سنة 2004 بمطلب لم افهمه آنذاك على الاطلاق الا و هو اسلمة الامازيغية الغريب و العجيب بالنسبة لي الان و ليس آنذاك

.

و مرت الأيام و الشهور و السنوات حتى وصلت الى سنة 2010 حيث زرت بيت جدي رحمه الله مع الوالدة بمنطقة اورير نواحي عمالة اكادير اداوتنان فدخلت الى غرفته وجدت خزانة كبيرة تعج بالكتب الدينية بحكم ان جدي كان فقيه تقليدي كما هو معروف في سوس العالمة..

لقد  وجدت في خزانته الكبيرة كتاب قيم تحت عنوان الواح جزولة و التشريع الإسلامي للمرحوم سيدي امحمد العثماني و الصادر عن وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية سنة 2004 بالتمام و الكمال حيث ساهم هذا الكتاب في جعلي اؤمن ايمان راسخ ان العلمانية هي شيء اصيل في مجتمعنا الامازيغي المسلم منذ قرون طويلة أي ان اجدادنا كانوا مسلمين علمانيين بامتياز من خلال الاحتكام الى القوانين الوضعية أي الأعراف الامازيغية التي لا تتعارض مع المقاصد العليا للشريعة الإسلامية........

و قال جدي رحمه الله لي وقتها ان هذا الكتاب يحكي عن مسائل اجدادنا أي ان فقهاء سوس العالمة رغم عقود من السلفية الوطنية كما تسمى و كذا الوهابية فانهم يشعرون بالحنين الى ماضي اجدادهم الموقر او حسب ما فهمته من كلام جدي رحمه الله                                               

الى صلب الموضوع                                   

انني هنا لست معارضا اصيلا للأستاذ احمد التوفيق وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية هنا غير انني اناقش و احلل فقط حيث ان وزارته قد طبعت كتاب الواح جزولة و التشريع الإسلامي منذ 20 سنة دون أي تاثير يذكر على حياتنا السياسية او الدينية على الاطلاق اللهم برنامج تلفزيوني يتيم بثته قناة السادسة حوالي سنة 2012 حول المرحوم امحمد العثماني مع العلم ان كتابه القيم لم يذكر مصطلح العلمانية من قريب او من بعيد و انما استحضر ان اجدادنا كانوا يطبقون العرف الامازيغي او القانون الوضعي الامازيغي كما نسميه داخل قبائل سوس المتدينة بالإسلام بشكل عظيم عبر المدارس العتيقة و الزوايا الصوفية .......

منذ 21 عام حدثت احداث جسام من قبيل صدور ترجمة معاني القران الكريم الى اللغة الامازيغية خارج اسوار وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية العالية سنة 2003 و من قبيل ظهور مصطلح الإسلام الامازيغي بفضل المرحوم الأستاذ احمد الدغرني و من قبيل حل الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي سنة 2008 من طرف وزارة الداخلية حيث من بين أسباب هذا الحل هي ان هذا الحزب يريد احياء الأعراف الامازيغية عبر إدخالها الى التشريع الوطني ببلادنا الخ من هذه الاحداث الجسام لياتي الأستاذ احمد التوفيق الى البرلمان في نهاية المطاف من اجل ان يصرح ان المغاربة هم مسلمين علمانيين أخيرا بدون أي تاصيل تاريخي مع كامل الاحترام و التقدير لمقام وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية الموقر عندنا  ..

ان تيارات الإسلام السياسي عندما وضعت ورقة اسلمة الامازيغية في سنة 2004 كانت قاصدة لتحويل النقاش الدائر حول العلمانية آنذاك عن سياقه الأصيل بغية ايهام الجماهير ان الحركة الامازيغية تريد انذاك احياء ما يسمى بالظهير البربري للتفريق بين العرب كما يعتقده جل المغاربة الى حد الان و البربر كما يسمون في ادبيات الحركة الوطنية في أوائل ثلاثينات القرن الماضي الخ .

لكن فكرة اسلمة الامازيغية كما اريها الان هي فكرة أيديولوجية تنطلق من المشرق العربي بالأساس أي تيارات الإسلام السياسي هناك و الحالمة بعودة دولة الخلافة و تطبيق الشريعة الإسلامية الخ.....

غير ان  اجدادنا قد استقلوا عن الخلافة المسماة بالاسلامية منذ سنة 740 ميلادية كما يقوله الدكتور عبد الخالق كلاب ثم اسسوا دولهم الامازيغية الإسلامية  أي الاجتماع بين العرف الامازيغي و الشرع الإسلامي أي المرجعية الامازيغية الإسلامية كمصطلح اخترعته منذ شتنبر 2023 لمواجهة للمد الوهابي الخطير في منطقة سوس العالمة.

ان العقل السلفي ببلادنا منذ عقود عديدة كان ناكرا لوجود هوية اسمها الهوية الامازيغية بالمطلق فوق المغرب كانها لم تساهم قط في نشر الإسلام بالسيف كما يعلمها  بني امية  او بالحسنى و كانها لم تساهم في بناء الحضارة الإسلامية في دول المغرب الكبير و في دول جنوب الصحراء الافريقية و في الاندلس و لو باستعمال للغة العربية الخ من هذه الاعمال الجليلة التي قامت بها الامازيغية طيلة 13 قرن من تاريخنا الإسلامي المشرف ..

ان العقل السلفي هنا ببلادنا ظل جامد لا يتغير مع الامازيغية او مع قضايا الانتقال الديمقراطي ببلادنا منذ ستينات القرن الماضي الى يوم الناس هذا حيث على وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية حسب رايي المتواضع ان تضرب من الحديد على من يتطاول على الامازيغية  بشموليتها لان الامازيغية أصبحت لغة رسمية و ثابت من ثوابت الدولة المغربية الى جانب الإسلام السمح و اللغة العربية ............

ان العلمانية ليست دعوة لعزل الدين عن المجتمع لان الدين هو شان شخصي بين العبد و ربه و ليست دعوة للإباحية الجنسية بشكل علاني كما حدث في الخلافة المسماة بالاسلامية من خلال قصور الخلفاء و الوزراء و  أسواق النخاسة في عز النهار امام الجميع بينما يحرمون عندنا سهرات فن احواش او فن الروايس بسبب الاختلاط بين الرجال و النساء و أتساءل السؤال التالي اية هذه الفضاءات هي اطهر و موقرة هل أسواق النخاسة ام سهرات فن احواش او فن الروايس ؟

انني اختم هذا المقال بالتأكيد ان تيارات الإسلام السياسي ببلادنا قد ادركت منذ عقود من الزمان ان الامازيغية هي عامل للعلمنة و التحديث من خلال تاريخ القبائل الامازيغية و لدى قامت هذه التيارات بتهميش هذه القضية الهوياتية عقود من الزمان حتى خطاب اجدير التاريخي سنة 2001 ثم عملت على وضع العراقيل امام هذه الهوية الاصيلة منذ سنة 2001 الى يوم الناس لكنها فشلت في نهاية المطاف لان التاريخ لن يعود الى الوراء بل يتقدم الى الامام و الى التطور و التطوير ................

 

تحرير المهدي مالك

 

اجمالي القراءات 435

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-12-04
مقالات منشورة : 293
اجمالي القراءات : 1,450,118
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco