أثناء الزواج : شهادات واقعية عن ضرب الزوجة فى عصرنا ( ج 2 )
أثناء الزواج : شهادات واقعية عن ضرب الزوجة فى عصرنا ( ج 2 )
ونستشهد بمثال آخر للسيدة أمنية السعيد صاحبة أشهر باب في المشاكل الاجتماعية ، وهو باب "اسألوني" ، وهي أيضا صاحبة الصوت العالي في الدفاع عن حقوق المرأة ..
وننقل هذا المقال لها وقد نشرته اخبار اليوم بتاريخ 16/3/1991م
تحت عنوان " كريمة هانم " تقول السيدة أمنية السعيدة :
( رفعت رأسي عن مكتبي لأرى ذراعا ممدودة امامي بورقة سطرت عليها جملة قصيرة حازمة فيها : كريمة هانم تريد امينة السعيد فوراً ) وتحت هذه الجملة وضع التوقيع في كلمتين يتألف منهما الاسم واللقب اللذان بدأ بهما الكلام أي "كريمة هانم" .. كان ذلك منذ سنوات مضت في بداية عهدي بصفحة "اسألوني" وكنت في ذلك الحين قليلة المشاغل هادئة البال ، وقتي يتسع لأضعاف ما يتحمله الآن ، وأعصابي تحتمل امتحانات عسيرة يقيني أنني إذا خضت اليوم مثلها فإما أن أرسب او أصاب بالجنون ، لا سمح الله ، وثارت براكين الغضب في صدري مرة أخرى ، وعدت على قراءة الطلب وأنا امنع نفسي بالقوة من تمزيقه ، فقد خُيل إلى أن المدعوة "كريمة هانم" تظن نفسها في السماء وتراني في الأرض تحتها ، ولولا بقية من حياء لكتبت تقول : يا بت يا أمينة تشرفي بمقابلة سيدتك كريمة هانم ..!! قلت وأنا أبيت لها غرضاً في نفسي : دعوها تدخل ، ودخلت مكتبي تخطر في مشيتها ، ومن خلفها يسير شاب حسن الشكل مهذب المنظر ، لم تعن بتقديمه لي ، فآثرت أن أتجاهل وجوده ، وكانت كما وصفها الفراش ولم يغالِ جميلة ، انيقة رشيقة ، كل ما فيها يرتاح إليه النظر ، ما عدا أسلوبها العام ، فشعرها الأسود اللامع مصفف بعناية فائقة وعيناها السوداوان الواسعتان يزيدهما بياض بشرتها الصافية سواداً واتساعا ، وفهما الصغير الممتليء مثل كرزة ناضجة تحرسها "حسنة" مستديرة في الجانب الأيمن في ذقنها ، وكانت متوسطة الطول ملتفة القوام في تناسق شرقي بديع ، خصرها النحيل يضاعف إبراز معالم الأنوثة في جسدها ويداها البيضتان تلفتان النظر بأصابعهما الرشيقة ذات الأظافر المنمقة المطلية ، وكانت ترتدي ثوبا كُحْلياً في غاية الأناقة ، في يدها حقيبة ذات مقبض مرصع بالأحجار الملونة ، ثم القفاز الذي خلعت فردة منه ودخلت مكتبي وهي تخلع الفردة الثانية ، قالت في أدب متكلف : " هل ضايقتك .؟ وقبل أن تسمع إجابة مني جلست من تلقاء نفسها ، وبعد ان وضعت ساقاً على ساق وأصلحت طرف ثوبها التفتت إلى وعلى فمها شبح ابتسامة ، وظل رفيقها واقفاً ، والحرج بادٍ على وجهه فاكتفيت بالإشارة إلى المقعد الآخر دون ان أتكلم ، وجلس الشاب وهو يتمتم بعبارات الشكر في حياء واضح ، قلت باقتضاب : " أفندم ." .؟ قالت : " الحقيقة ان المشكلة واضحة وحلها معروف "!، قلت : " لماذا إذن تكبدت مشقة المجيء ؟ قالت وعيناها تتجهان نحو رفيقها كأنه المسئول عن حضورها : " ارضاءً لضميري ولا تأكد من حكمة القرار الذي اتخذته " ، قلت : " أي قرار.؟ " . قالت : " الطلاق ... لا يمكن غيره ، انه الحل الوحيد وحياتك "، و حانت منى التفاته في هذه اللحظة فرأيت رفيقها يطأطيء رأسه وينظر إلى الأرض ، كأنه يريد أن يهرب من مواجهتها وهي تقول هذا الكلام ... قلت : " أليس الأفضل أن تحدثيني عن الظروف ، ثم تتركي لي فرصة الحكم بنفسي .؟ " قالت : " لا مانع ، ولكن تأكدي ألا مفر من الطلاق ، انه رجل عِشرته مستحيلة ، ولا يمكن ان نرضيه مهما فعلنا ، تعبان بمخه يا ستي ، ومركب النقص أفسد عليه أحواله "، قلت : " من أي وجهة .؟" قالت : " من كل وجهة ، من حياتنا من مركزنا ، من عزنا ، سيجنًه اننا أولاد أصول وربنا فاتحها علينا ، يتمنى لو أصبحنا "كحيانين" زي حالاته "، قلت ـ وأنا أكتم غضبي بصعوبة : " أهو أقل منكم .؟ " قالت وهي تلوح بيدها في الهواء : " بكثير "، قلت: " يعني .؟ " ، قالت : " بابا "باشا" من زمان ، وأبوه كان "بك" درجة تانية " ، قلت : " هذا ليس فارقاً . " قالت باستنكار : " كيف ".؟ قلت بهدوء : " الباشوية كانت معروضة في السوق لمن يشتريها ، وبعض الذين لا يحملون ألقابا أعرق من الباشوات حسبا ونسباً "، قالت باعتداد : " ربما غيرنا ، اما نحن فمعروفون في الدنيا كلها وطول عمرنا أسياد بلدنا " ، ومرة أخرى حانت منى التفاتة فرأيت رفيقها يشيح بوجهه إلى الناحية الأخرى في حرج واضح . قلت : " اشرحي لي بالتفصيل من فضلك ".
وحدثتنى "كريمة هانم" بظروف حياتها وزواجها ، ومن وراء كلماتها فهمت حقيقة شخصيتها ، كان أبوها أحد الباشوات المعروفين في ذلك الوقت ، له ثلاثة أبناء هي أصغرهن ، وبحكم أنها آخر العنقود والبنت الوحيدة في الأسرة أفرط أهلها في تدليلها منذ مولدها ، وغمروها بكل ألوان الترف والرفاهية ونصبوها حاكمة بأمرها في البيت وهي مازالت طفلة ، وفي هذا الجو المفسد نشأت صاحبتنا لا يهمها سوى نفسها ، تأخذ كل ما تريد ، وتحصل على ما تشتهيه ولو على حساب أخويها وهما اكبر منها سناً ، إذ كانت حقوقهما دائما تضيع امام انانيتها ورعونة أهوائها وجموح نزواتها ، فإذا علا صوتها بالاحتجاج يصرخ أبوها فيهما مؤنبا ويقول : عيب هذه اختكما الطفلة ..!! وهكذا تنتصر الدكتاتوره الصغيرة ويُغلب أخواها على أمرهما . وكانوا قد ألحقوها بمدرسة أجنبية تتعلم فيها اللغة الفرنسية وتتلقى قواعد اللياقة الاجتماعية ، ولكنها كانت دائما تعتز بنفسها وتكره دراساتها وتمقت التقيد بالنظم والخضوع للأوامر ، وكان أهلها يفضلون لو تعلمت مدة أطول ، ولكنهم لفرط تدليلهم لها كرهوا أن يعرضوها وتركوها تلزم البيت حسب رغبتها مكتفين بالقليل الذي تنحه لها مربيتها الأجنبية العجوز التي تعهدتها منذ طفولتها ، وأصبحت حياة " كريمة هانم " مثلا للفراغ والدعة ، أكل ونوم ونزهة ، ولا شيء غير ذلك ، وفي الشتاء تسافر إلى أسوان ، وفي الصيف تسافر إلى أوروبا ، وكلما حل موسم جديد تُلزم أهلها بشراء أجمل الثياب وأغلى المصوغات ، ولتزهو بما تملك أمام معارفها وأصدقائها . وفي احد النوادي الرياضية المعروفة بأناقتها في القاهرة قابلت صاحبنا "فريد" وكان ضابطا طيب القلب ، ولكنه لا يملك غير مرتّبة مع دخل إضافي لا يزيد عن جنيهات معدودات ، وقد عرف بين زملائه وأصدقائه بأدبه ودماثة خلقه ، وكان فوق ذلك أبيّا أنوفاً ، لا يسلك أساليب الصغار ، ولا يرضى بإهدار كرامته مهما كانت الظروف ، فلما شاءت الأقدار أن تضع كريمة في طريقه أُعجب بها غاية الإعجاب ، ولكن من بعيد ، وبطريقته الوقور الخاصة ، ورأت كريمة شباب النادي يتهالكون على معرفتها ، ويبالغون في خطب ودّها ويتسابقون على نيل رضاها ، إلا فريد الذي بدا كأنه في دنيا أخرى ، ولم تفلح الحيل في اجتذابه الى مملكة رعاياها ، ولم يكن وحيداً او منبوذا فبفضل وسامته ورجولته ووقاره تحقق له النجاح في عالم المرأة ، وباتت فتيات النادي كلهن وراءه يتمسحـن فيه ، ويتنافس على الاستئثار باهتمامه ، وآلمها أن يظل فريد على مبعدة منها وعزّ عليها أن يصمد لإغرائها ويتعالى عن الجري وراءها ، مثلما يفعل غيره ، وأثار سلوكه اهتمامها واستولى على قلبها ، فاستقر رأيها على اقتناصه في أول فرصة ، وكان لها ما أرادت ، ففي إحدى الحفلات الساهرة التي كان النادي يقيمها في بعض المناسبات لأعضائه المصريين والاجانب اجتمع شملها حول مائدة واحدة ، فتعارفا وتكلما ورقصا معاً معظم الليلة .
قالت بلهجة المباهاة : " أنا طول عمرى أقدر الرجولة ، ولم اكن بصراحة اهتم بالمظاهر ، فلما وجدته مثلاً في الأخلاق والشخصية رضيت بالزواج به فرحة ، ولم أبال بالفوارق "، قلت في سخرية مكبوته : " أي فوارق ..؟ " ، فالت بلهجة من ادهشها كلامي : " باردون : لو انا تمشينا مع مركزنا لكنا اخترنا زوجا آخر ، ولكني كنت من صغري عاقلة وعندي مباديء ، فقدمت رجولته على غيرها من الاعتبارات الهامة " ، قلت : " وهل اكتشفت زيف هذه الرجولة فيما بعد .؟ " قالت : " لا ، لكن المسألة "بالعافية" .؟ قلت : " لست أفهم "، قالت : " تصوري اننا بالرغم من حرصنا على عدم مناقشته في المهر والشبكة ورضانا بالقليل الذي استطاع تقديمه .." قلت اقاطعها : " وماذا قدم ..؟ " قالت وهي تتظاهر بالخزي :" وحياتك ثلثمائه جنيه وأسورة بسيطة جداً ، شيء لا يذكر "، قلت وأنا اعض على نواجذي : " بل فوق الكفاية " ، قالت في بسمه ساخرة تنم عن مدى اشفاقها على تقديري : " باردون ، مركزنا يستحق أضعاف ذلك ، ولكني كنت أحبه ، فرضيت ولم اعارض ، وبالرغم من هذا كله دوّخنا أيام الجهاز ، وكل أسبوع ينكّد علينا بلا داع . " قلت : " بمغالاته في الطلبات ..؟" قالت : " يا ريت يا ريت " ، قلت : " لماذا .؟ قالت : " لأننا على حد زعمه نبالغ في الإسراف ، لكن مركزي لم يكن يسمح طبعا بجهاز بسيط ، وبابا وماما لا يرفضان لي طلبا ، فلما اخترت مفروشات جميلة لستّ غرف ثار وفار وأعلن بصريح العبارة أنه ليس زوجا ليُعطي كل هذا ، وهكذا فعل حين اشترينا الفضيات والبياضات والصيني وغيره " ، قلت : " الحق معه " ، قالت : " لماذا يا ستي ما دام لن يدفع شيئا من جيبه ، ودخله بالطبع لا يحتمل هذا كله ، باردون ، اسمحي لي أن أقول لك اننا لم نطلب منه مسكنا ولا خدما لأن اهلي قرروا أن أعيش معهم في نفس البيت ، أصلها فيلّلا ضخمة ، وقد اخلوا لي الدور الثاني منها ، نعمة جزيلة ، وفوق ذلك مجانا ، ولكنه انكرها وتمرد علينا، ولما عرف بإخلاء الدور غضب ولوى بوزه أسبوعا " ، قلت : " لماذا .؟ " قالت : " لأنه على حد زعمه يفضل أن يسكن في شقة ضيقة يدفع إيجارها من جيبه ، منطق عجيب وعقلية معقدة للغاية " ، قلت ـ وأنا أضاعف جهودي في كبت غيظي ــ " وأظنك اسكنتيه في بيتكم رغم ارادته ؟ "، قالت : " طبعا ، انا غرضى مصلحته ، ثم هناك راحتي ، أنا بيني وبينك أنا لم أتعود على الضيق ، وبابا وماما لا يقبلان أن اتعذب طول عمري ، اتمتع بمكانة خاصة في نفسيهما ، ومركزي عندهما حاجة تانية . " . وللمرة الرابعة حانت مني التفاته نحو رفيقها الذي يلازم الصمت من بداية الجلسة ، فرأيته يتململ في مقعده ، ووجهه محتقن للغاية ، وقلت : " وعشتما في الطابق الأنيق الواسع .؟ " قالت : " وعشنا في الطابق التاني الواسع ، وفوق ذلك فعل اهلي ما في وسعهم في التخفيف عنا ، مرتّبه كان حاجة تخجل ، فأعفونا عن مهمة المطبخ ، وكنا نهبط إليهم في الصباح والظهر والمساء لنتناول طعامنا على مائدتهم ، وحتى ضيوفه كنا نأخذهم معنا ، وماما تعمل لهم اصنافا عظيمة جداً ، ولكن هذه النعم الجزيلة لم تأت معه بنتيجة ، دائما غاضب ، دائما ثائر ، دائما لوى بوزه " ، قلت : " وما حجته في ذلك ؟ قالت : " كلام فارغ ... هي هي النغمة السّخيفة المعهودة حضرته يفضّل على هذا العز كله خبزاً وجبناً يدفع ثمنها من جيبه ، غير معتاد على النعمة والراحة ، تتعبه جداً " ، قلت : " كلام معقول ، وانا أوافقه على رأيه "، قالت في احتقار ملحوظ : " باردون ، هذه مسألة تقديرية ــ ومن الناس من لا يحتمل الفقر وضيقه ، وانا واحدة من هؤلاء وكان يجب ان يفهم ويقدر ولكن بلا فائدة ، عقله كالحائط وأخلاقه تزداد مع الأيام شراسة وسماجة ، أربع سنوات وأنا غارقة في هذا الهمّ كله ، وكلما حاولت التفاهم معه يعملها غضبة ويخاصمني . "، قلت لها : " العبرة بأسلوبك" ، قالت : " والله لو نقّب في الدنيا كلها ما وجد مثلي ، انا تعبت في اشترضائه ومجاملته ولكن جهودي تتبدد في الهواء بلا نتيجة ، أسأله بمنتهى الرقة : ماذا ينفّرك من البيت يا حبيبي ..؟ يجيب بخشونة وغلظة : انى أفضل أن أعيش في غرفة على سطح عمارة "، قلت في ارتياح : " وماذا أيضا ..؟ " قالت : " وتتفنن ماما في تقديم الأطعمة اللذيذة فيقاطعها ، وأسأله لماذا يا حبيبي .؟ فيجيب بوقاحة : الخبز والجبن أحب إلى نفسي ، " قلت وأنا ازداد ارتياحا : " وماذا أيضا .؟ " قالت : " ويشتري لي بابا الفساتين الجميلة ، فإذا ارتديت واحداً منها يقيم الدنيا ويقعدها ، وأسأله : لماذا يا حبيبي .؟ فيجيب بسماجة : الشيت والكستور أجمل في نظري " ، قلت متشمته : " بالضبط ..؟ " قالت في استنكار: ،" باردون ، الفستان الواحد بأكثر من مرتبه الشهري "، قلت ـ وأنا أبلع ريقي بصعوبة ـ : " واظنك تذكرينه بهذه الحقيقة دائما .؟ " ، قالت في دهشة : " أنا وحياتك أبداً ، ليست لديك فكرة كم ألاطفه وأجامله وأراعي احساساته ، ولكن بلا فائدة ، مخه لا يفهم ، ومركب النقص أفسد احواله ، ومساء أمس أعلن العصيان رسميا ، وخيّرني بين الخروج في ظرف أسبوع على شقة على قدر إمكانياته أو يذهب هو إلى غير رجعه ، تصوري ..؟!!. قلت : " وماذا اخترت .؟" قالت : " مع ألف سلامة ، انا قمت بالواجب واكثر ، وبذلت كلّ جهدي لإنقاذ حياتنا الزوجية ، ولم أُفلح ، كانت غلطة من البداية ، ودفعت ثمنها غاليا من حياتي ، أربع سنوات وأنا في همّ دائم ، لازم اطلق إنقاذا لشبابي ، فريد مريض بعقله ، وحرام فيه زوجه مطيعة مهذبة مثلي . "
وشعرت في هذه اللحظة ان صبري فرغ تماما ، وقوة احتمالي نفدت عن آخرها . قلت لها بمنتهى البرود والهدوء : : ألم تُضربي مرة في حياتك .؟ " قالت وعلائم الدهشة تكسو وجهها : " لماذا هذا السؤال .؟ " قلت وأنا اتظاهر بعدم المبالاة : " مجرد حب استطلاع " ، قالت : " طبعا لم أُضرب ، طول عمري اتمتع باحترام أهلي ، حتى وأنا طفلة صغيرة وأمثالنا من الناس لا يلجأون على هذه الوسائل "، قلت : " هذه مصيبتك ، واعتقد أن أحوالك تتحسن كثيرا إذا ضُربت علقة جامدة تعلمك الأدب ، وتخرج برودة الغرور من جسدك ، أتعرفين العصا الشرعية .؟ انها سُمْك الخنصر وطول الذراع ، تُلهب ولا تترك أثراً ، ولا تتصوري كم هذه مفيدة أحيانا " ، قالت وهي لا تصدق أذنيها ." اتتكلمين جداً .؟ " قلت : " وهل بيننا هزار لأداعبك .؟ طبعا انا أتكلم الجد كل الجد ولا شيء غير الجد ، والله شاهد على صدق ما أقول ، انت كذابة في كل كلمة نطقت بها ، وتأكدي أنك لم تخدعيني بتمثيلك ، انت مغرورة ، وقليلة العقل ومعدومة الحكمة ، ليس صحيحا انك تعاملين زوجك بالأدب لأن الأدب أكثر من طاقتك ، الحقيقة أنك تعايرينه صباحا ومساءً بأفضال أهلك عليه ، وكرمهم في إطعامه وإسكانه ، انت لا تدعين فرصة إلا وتنتهزينها لتذكريه بمركزك ومركزه ، ثروتكم ومرتبه باشويتكم أبغضتيه فيك ، ونفّرتيه منّك ، وسوّدت الدنيا في وجهه ، " .
وما أن وصلت بكلامي على هذا الحد حتى تحرك رفيقها الذي ظل طوال الوقت يلازم الصمت التام ، قفز وهو يقول في حماسة : " يسلم لسانك فقد وصفيتها على حقيقتها ، ولم يفتْك امر منها . " وأذهلتني المفاجأة ، فتطلعت إليه بدهشة ، قال : " أنا اخوها يا سيدتي ، ولا يمكنك ان تتصوري المجهود النفسي الشاق الذي تكبدته وأنا أصغى لكلامها صامتا ، لقد أرادت ان تظهر امامك في صورة الملاك الطاهر ، وكدت اخشى أن تضللك بمزاعمها ، ولكنك كشفتيها من حُسن الحظ ، ووصفتيها كما لو كنت تعيشين معنا ، زوجها رجل ممتاز بمعنى الكلمة ، ولن تجد مثله ولو عاشت ألف سنة ، ولكنها تذيقه الأمرّين بتعاليها وغرورها ، مع انه يستحق أفضل سيدة في مصر كلها . "، صرختْ في وجهه تقول : " أسكت عيب ، والله لأجعلك تندم على هذه الشتائم "، قلت له وانا اتجاهل ثورتها : " إنها مريضة يا سيدي وعلاجها الوحيد ان تُضرب علقة "، قالت : " وأنا لا اسمح لأحدكما بكلمة " ، قلت أتم حديثي وكأني لا أسمعها : " علقة واحدة وستتعلم بعدها أن الله حق ، وتتأدب رغم أنفها ." قالت وقد احتقن وجهها بالانفعال الشديد : " ما عاش من يمسني ولو بشعرة واحدة "، قلت اشفي غليلي :" لو كان زوجك ضربك من بداية الأمر لعرفت قدره وما فكرت في طلاقه " ، قالت وهي تنصرف باكية واخوها يسرع الخُطا خلفها : " والله ما أُهنتُ في حياتي هكذا ، ولكنها غلطتي ، انا الغلطانه بحضوري هنا . ".
وفي لحظة غاب الاثنان عن نظري ، تنفست الصعداء ، وشعرت بالارتياح يملأ صدري ، وظننت الأمر قد انتهى عند هذا الحد ، ولن أسمع بزائرتي بعد ذلك ، ولكن شاءت الظروف ان تجعل للقصة بقية بعد يومين من هذه الزيارة ، تلقيت مكالمة تليفونية عجيبة ، وكان الوقت بعد منتصف الليل بساعة ، وكلنا يغطُّ في نومه ، ورنَّ جرس التليفون بإلحاح شديد ، وظل يرنّ ويرنّ حتى وصل صوته على مخدعي ، وقمت من نومي مذعورة ، لم نكن قد اعتدنا مكالمات تليفونية في مثل هذه الساعة المتأخرة ، إلا في الملمّات والمصائب ، فاستبد بي الخوف ، وثارت في نفسي الهواجس ، ولكنها كانت كريمة هانم ، آخر من افكر فيه أو أتوقع اتصاله بي ، وكانت تبكي بحرقة وعُنف والكلمات تتقطع على شفتيها ، قالت : " أنا التي جئتك من يومين ، فهل تتذكرين ..؟" قلت : " نعم وماذا جرى .؟ قالت : " ضربني بقسوة ولم يرحم ضعفي " ، قلت وقد تأكدت أن شقيقها أبلغ زوجها نصيحتي : " غير معقول .؟ " قالت : " والله ضربني على وجهي وظهري ، وهذا ثوبي ممزق وآثار أصابعه ظاهرة على لحمي " ، قلت وأنا اخفي الارتياح الذي أشعر به : " هذا عيب عيب جداً ، والرجل الفاضل لا يضرب زوجته أبداً لا .... هو غلطان بشكل مؤسف " ، قالت وهي تزداد بكاء : " ولكنه ضربني أنا التي احبه وأعزه ولا أرجو له غير السعادة " ، قلت : " وما رأيك الآن ..؟ " قالت : " أنا تحت امرك ارشديني أعمل برأيك " ، قلت : " لقد كنت مصممة على الطلاق واظنك الآن أشد تصميما " ، قالت : " المسألة بين يديك وأنا اترك لك تقرير مصيري وتأكدي انني سأعمل بمشورتك مهما كانت . " ، قلت : " الحقيقة ان الحياة الزوجية تستحق التضحية في سبيل المحافظة عليها . "، قالت وهي تشهد بالبكاء : " طول عمري اؤمن بذلك "، قلت : " ولكنه سيتشبث بالخروج من بيتكم على شقة صغيرة " ، قالت : " إن كنت ترين في ذلك مصلحة فأنا لا امانع "، قلت : " ولابد أن يتمسك بضرورة معيشتك على قدر حاله "، قالت : " وهل اهتممت بالترف مرة في حياتي ..؟ " قلت : " إذن المشكلة اتحلت .؟ " قالت : " كيف .؟ " قلت : " إمنحيه فرصة أخرى فلعله خرج عن وعيه دون قصد ، وغدا يندم ويعتذر لك " ، قالت وهي تنفجر ثانية في البكاء : " ولكنه يجمع الآن ثيابه ويصمم على الخروج من البيت فوراُ " ، وقالت وهي تبكي : " أخشى إذا صالحته أن يستهين بي ويظنني معدومة الكرامة " ، قلت : " بالعكس ، إذا كان رجلا فاضلا حقيقة ، فلابد ان يقدر ترضيتك له ، ويحترم تسامحك ، وإذا لم يكن رجلا فاضلا فمع السلامة .).. أ .. هــ
اجمالي القراءات
2028
القصة حلوة ممتعة، تصلح كقصة لفيلم عربي – هناك فيلم ويسترن أمريكي لجون واين اسمه (McLintock) يعرض نفس الموضوع وبشكل مرح. أستغرب من صاحبنا كيف صبر أربعة سنين على هذه الأحوال. هل هو الحب؟ أعرف قصص كثيرة، تروي استغلال رجل لإمرأة غنية، أو إمرأة لرجل غني، ويكون الحب أداة للإستغلال، أما رواية كريمة هانم، فعليها بعض أسئلة الإستفهام. لكن وبغض النظر عن هذا فأنا أرى مجريات الأمور كالتالي: ما جعل كريمة هانم تتشبث بزوجها، هو أنه هو الذي يريد هجرها هذه المرة وهو مصمم على ذلك، لقد فقدت السيطرة عليه. ربما أوحى لها الضرب، رغم شعورها بالإهانة، أن الكيل قد طفح عند الرجل، لكن ما غير موقفها فعلًا هو تصميم الرجل على المغادرة "ولكنه يجمع الآن ثيابه ويصمم على الخروج من البيت فوراُ". ربما لو اتخذ الرجل هذا القرار قبل سنين، لوصل إلى نفس النتيجة. أعود الآن إلى الضرب وأقول: لم يكن الضرب عقابًا، بل ردة فعل. العقاب كان الهجران. الله تعالى هو من خلق الإنسان وكوّنه، ويعلم أن الإنسان يغضب وربما يفقد السيطرة ويستعمل ما لديه من (العتاد الحربي)، وبالنسبة للرجل "استعمال القوة" – على فكرة هناك نساء يضربون الرجال أيضًا، فالضرب ليست موضة رجالي فقط. على هذا أعتقد أن الضرب في الآية 34 من سورة النساء، ليس عقابًا، وإنما كرد فعل يحدث بطبيعة الحال عند فقد السيطرة على النفس، ويجب أن يكون آخر المطاف. الآية تتكلم بصورة عامة، عند إساءة المرأة للعشرة، عن ردود الفعل التي تحصل بطبيعة الحال وتنبه بأن تكون في أول الأمر بالتي هي أحسن مع كبح الغضب واستعمال القوة بقدر المستطاع –كل هذا مرتبط طبعًا بالشرطين في أول الآية "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم عل بعض (الرجال على النساء والنساء على الرجال) وبما أنفقوا (الرجال) من أمولهم".
ما يعزز عندي وجهة النظر هذه، الآية 6 من سورة النور. هذه الآية تفترض اعتقاد الرجل بأن الزوجة زانية، ولا أدري إن كان هناك جريمة أو نشوز أكبر من الزنا. بالرغم من ذلك يدلي الرجل بالشهادة – لا يوجد ضرب - وعند ثبوت الفعل يحصل العقاب – من المجتمع وليس من الرجل.