الخنزيرة دوبل .. قصة قصيرة
زئر الأسد ملك الغابة، منادياً ممثلي كل فصائل الحيوانات، لعقد إجتماع عاجل .. فها هو الربيع على الأبواب، وحان وقت الإعداد لـ المهرجان الرياضي الكبير للغابة، إنها (أوليمبياد الحيوان)، فيها تتنافس كل الحيوانات من كل الفصائل، في مختلف الألعاب الفردية مثل ألعاب القوى، والمصارعة والملاكمة، والسباحة، والغطس، والجماعية أيضاً ككرة القدم، وكرة الماء.
وكان قطيع الخنازير الذي يزيد عدده عن 50 خنزير، يشارك سنوياً في أوليمبياد الحيوان، لكن في لعبتين فقط، هما : كرة القدم والعدو (سباق الجري)، ولم تحصد الخنازير الميدالية الذهبية في أي منهما، طوال تاريخهم الرياضي، بيدأنهم كانوا راضين عن أدائهم في كرة القدم.
إلا أنه هذه المرة، قررت الخنازير زيادة عدد مشاركاتهم في الأوليمبياد، فقد رزقوا منذ 3 أعوام بخنزيرة جميلة أطلقوا عليها إسم "دوبل"، وكانت "دوبل" تختلف عن باقي القطيع، فمنذ ولادتها وهي تحب الماء والسباحة، مما أثار إعجاب كافة أفراد القطيع بها.
وقرر حاكم الخنازير وكان إسمه "ناخر"، منذ ولادة "دوبل"، تقديم كافة أنواع الدعم لها، فكان يرى فيها أنها سباحة ماهرة، وانها يمكن أن تنافس أعتى الحيوانات في العوم والغطس !، هكذا رأى "ناخر" الخنزيرة "دوبل"، وهكذا رآها باقي أفراد القطيع.
كانت "دوبل" هي الخنزيرة الأجمل بلا منازع، وكافة الذكور يحلمون بالزواج منها، إلا أن الحاكم "ناخر"، لطالما ظل يؤجل مسألة زواجها لحين يجد لها الخنزير المناسب، أو يجد لها حيوان آخر من خارج قطيع الخنازير.
وكان ذكور الخنازير يشعرون أن "دوبل" ستتزوج بحيوان آخر ليس منهم، فالصغيرة حقاً كانت تتميز بالجمال الفتان بين أقرانها.
بدأ إجتماع الحيوانات للإعداد لـ : "أوليمبياد الحيوان"، وقام حاكم الخنازير "ناخر" .. ليعلن أن قطيعه سيشارك في السباحة لأول مرة !، بالخنزيرة المتميزة "دوبل"، واثار إعلانه تعجب كافة الحيوانات الأخرى، وعلى رأسهم الملك "الأسد"، فقال الملك لــ "ناخر"، صف لنا الخنزيرة "دوبل"، فقال "ناخر" :
جميلة – رشيقة – لا تأكل إلا الجرذان أو الفئران – سباحة ماهرة – عذراء لم تتزوج.
إستحسن الجمع كله ثناء "ناخر" على دوبل وتشوقوا لرؤيتها، ووافقوا جميعاً على إنضمامها للمسابقة العامة.
حتى جاء يوم السباق، وظهرت "دوبل" لأول مرة بين الحيوانات المتسابقة الأخرى، إلا أنها كانت مثار إعجاب الجميع، فهي أول خنزيرة تصل لهذا المستوى وتلك الجرأة على التسابق في لعبة لا يقدر عليها الخنازير !، إلا أن غريمتها أنثى الفيل، في نفس مسابقة لعبة السباحة، كانت الوحيدة التي لم تكن معجبة بها.
بدأت الأوليمبياد وشارك المتسابقون جميعاً، ووصلت "دوبل" للنهائي مع أنثى الفيل الصغيرة.
وإستحوذت "دوبل" على تشجيع جميع الحيوانات، إلا أن أنثى الفيل الصغيرة، كانت واثقة أنها ستتغلب عليها.
وشعرت "دوبل" بالمسئولية الكبيرة تجاه بني جنسها، والذين يضعون عليها آمالاً كبيرة، فجميعهم ينتظر حصولها على الميدالية الذهبية، وكانت تخشى أن تخذلهم أو تحطم آمالهم، حتى جاء يوم النهائي لمسابقة لعبة السباحة، وإنطلقت "دوبل" بكل ما أوتيت من قوة، وإنطلقت كذلك أنثى الفيل الصغيرة، وظلت كلا الأنثيين تسبحان، وتسبحان، تقاومان التيار، ومرة تتقدم "دوبل"، ومرة أخرى تتقدم أنثى الفيل الصغيرة .. كم كانت المنافسة شديدة حقاً.
لكن .. في النهاية تقدمت أنثى الفيل الصغيرة، ولم تلحق بها الخنزيرة "دوبل".
حزن الخنازير على خسارة "دوبل" للميدالية الذهبية، وقرروا عقد إجتماع داخلي فيما بينهم لبحث أسباب إخفاق "دوبل" في الفوز بالميدالية الذهبية ..
وفي إجتماع الخنازير، تحدثوا عن الدعم، فوجدوا أنهم قد قدموا لــ "دوبل" كافة انواع الدعم، من أفخر أنواع وأحجام الجرذان والفئران، لم يبخلوا عليها بالتدريب، وأعطوها كافة خبراتهم، منحوها كل الوقت للتدريب، ولم يكلفوها عناء العمل والبحث عن الطعام، قدموا لها كافة أنواع الدعم المعنوي، بينما أنثى الفيل الصغيرة التي إنتصرت عليها، وحصلت على الميدالية الذهبية، لم تلقى دعماً مثلها، فلماذا إذاً فشلت "دوبل".
شعر الخنازير بالعنصرية، وتشككوا أن أمراً ما خارج عن قانون الغابة والمسابقة قد حدث، حتى لا تحصل الخنازير على الميدالية الذهبية، وتقدموا بشكوى للملك (الأسد)، والذي أمر بالتحقيق في الأمر، وشكل لجنة يترأسها النمر "شريخان"، وبعد التحقيق في الأمر خرج النمر "شريخان"، ليعلن نتيجة ما توصلت إليه اللجنة وقال :
لم يحدث خروج عن قانون الغابة، ولا قانون المسابقة، وصحيح أن الخنزيرة "دوبل" وجدت كل الدعم من أهلها، لكنها مع ذلك خسرت المسابقة، ليس لتقصير منها !، وإنما لأسباب تشريحية :
- فالخنازير إرتفاعهم قصير !.
- وقد خلقوا بإمكانيات لا تجعلهم أبداً يحققون الفوز بالميدالية الذهبية في السباحة، فأرجلهم قصيرة !.
- ورؤوسهم متحجرة !.
- وطعامهم لا يولد الطاقة الكافية !.
- كما أنهم لم يولدوا في الماء كما تولد الفيلة.
علم الخنازير بنتيجة التحقيق، وحزنوا حزناً كبيراً على فشلهم، وتأثرت نفسية الخنزيرة "دوبل"، وإستاءت حالتها بعد أن علمت أن ما ذهب من عمرها، كان هباءاً، وأنها لن تقدر في المستقبل، مهما فعلت .. أن تفوز بالميدالية الذهبية.
إلا أن عزاء "دوبل الوحيد، كان في ثناء الملك "الأسد" عليها، فخفف ذلك من وطأة الهزيمة على كافة الخنازير.
شادي طلعت
اجمالي القراءات
1997