وقفة مع مصطلح أمة في الذكر الحكيم.

يوسف ترناصت Ýí 2020-05-12


  لقد تكررت كلمة أمة وأمم في القرءان الكريم، 62 مرة، ولكن بمعاني كثيرة ومختلفة.

 وقد جاء لفظ أمة بمعنى شعب كامل، و قد جاء بمعنى مجموعة من الناس، وقد جاء بمعنى المنهج والسلوك، وقد جاء بمعنى الزمن.

  1 - الأمـة بمعنـى شعـب كامـل :

  يقول سبحانه : {..وَلَقَد بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّــةٍ رَسُولاً(النحل 36)}، وقوله : {..وَكَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّــةٍ قَد خَلَت مِن قَبْلِهَا أُمَّم لِتَتْلُوا عَلَيهِم الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ(الرعد 31)}.

  2 - الأمـة بمعنـى مجمـوعة كبيرة أو صغيرة مـن الناس :

  يقول سبحانه : {..وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّــة يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَقَطَّعْنَاهُم اِثْنَتَى عَشَرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذ اِسْتَسْقَاهُ قَوْمَه أَنْ اِضْرِب بِعَصَاكَ الحَجَر فَانْبَجَسَت مِنه اِثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَا قَد عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُم..(الأعراف 159 و160)}.

  وقوله : {..وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّــةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِم اِمْرَأَتَيْنِ تَذُوذَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يَصْدُرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(القصص 22 و23)}، أي لما توجه موسى عليه السلام، إلى ماء مدين فوجد عليه تجمع من الناس وهم رجال، فالمرأتان لم يسقيا مع الرجال، فكانوا معزولين عنهم، لذلك وصف الرجال بالأمة، لأنهم كانوا متجمعين في نفس المكان.

  3 - الأمـة بمعنـى المنهـج والسلـوك :

  يقول سبحانه عن إبراهيم عليه السلام : {..إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّــةً قَانِتًا لِله حَنِيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ(النحل 120)}، فإبراهيم عليه السلام كان نسيجة واحدة متكاملا ومستقلا، في دينه، مخلصا فيه لله، لذلك يقول سبحانه : {..وَمَن يَرْغَب عَن مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَه}.

  وفي معنى المنهج والسلوك كذلك نقرأ قوله تعالى : {..وَقَالُوا لَو شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُم مَا لَهُم بِذَلِك مِن عِلْمٍ إِن هُم إِلاَّ يَخْرُصُونَ، أَمْ ءَاتَيْنَاهُم كِتَابًا مِن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ، بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّــــةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُهْتَدُونَ، وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مؤن نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرِفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّـــةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُقْتَدُونَ، قُل أَوَلَو جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُم عَلَيْهِ ءَابَاءَكُم وَقَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ(الزخرف 19 الى 23)}.

  لذلك فالله سبحانه وتعالى حينما يرسل للناس رسولا، يأمرهم باتباع نهجهم، والإقتداء بهداهم، والتمسك بكتابه عز وجل وعدم الإختلاف والتشيع في دينه، يقول سبحانه وتعالى بعد أن استرسل في أنباء الرسل الكرام وعباده الصالحين قال : {..إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُم فَاعْبُدُونِ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُم كُلُّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ(الأنبياء 91 و92)}، ونفس الشيء كذلك في سورة المؤمنون، لقوله : {..وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُم فَاتَّقُونِ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُم زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِم فَرِحُونَ(المؤمنون 53 و54)}.

  فاقامة الدين وعدم الإختلاف والتفرق فيه، فهو الوصية الأساسية لله سبحانه، لذلك يقول سبحانه : {..شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَن أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ الله يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب(الشورى 11)}، ويقول سبحانه : {.. وَاعتَصِمًوا بَحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا..(آل عمران 103)}، وقوله : {..وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُم البَيِّنَاتِ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ(آل عمران 105)}.

  ويقول سبحانه : {..فَأَقِم وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الَّدِينَ القَيِّمِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوه وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَّعًا كُل حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِم فَرِحُونَ(الروم 29 الى 31)}، كما يقول سبحانه للرسول : {..إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَّعًا لَسْتَ مِنْهُم فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُم إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئَهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(الأنعام 160)}.

  4 - الأمة للدلة على الزمن :

  قد يأتي لفظ الأمة للدلة على الزمن، كقوله تعالى : {..وَلَئِن أَخَّرْنَا عَنْهُم العَذَابَ إِلَى أُمَّـةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُه أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِم لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُم وَحَاقَ بِهِم مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ(هود 8)}.

  وفي قصة يوسف عليه السلام، لما أفتى يوسف في رؤية صحبي السجن، قال لأحدهما : "إذكرني عند ربك"، إلا أن هذا الأخير نسي أن يتذكره عند ربه (أي عند سيده)، فلبث يوسف في السجن بضعة سنين، ولم يتذكره إلا بعد فترة طويلة من الزمن، حينما أراد الملك الإستفتاء عن رؤيته، يقول سبحانه : {..وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّـةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ، يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجَافٌ وَسَبعِ سُنْبُلاَتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجَعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُم يَعْلَمُونَ(يوسف 45 و46)}.

  ذ.يوسف ترناصت.

  باحث في الثراث الإسلامي.

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 2533

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2020-04-05
مقالات منشورة : 28
اجمالي القراءات : 114,498
تعليقات له : 20
تعليقات عليه : 26
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco