هل تتوجه مصر نحو خصخصة المستشفيات العامة بالكامل؟
فيما يعاني المصريون من ارتفاع قياسي في كلفة الرعاية الصحية بفعل موجة التضخم العاتية، وارتفاع تكاليف المستلزمات الطبية المستوردة، تمضي الحكومة قدماً في مخططها بشأن إسناد المستشفيات العامة للقطاع الخاص، تحت مزاعم تطوير المنظومة وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
ويحذر مراقبون من تداعيات تحويل الخدمة الطبية إلى سلعة استثمارية في مصر، بما يهدد حقوق المرضى الأكثر احتياجاً والاستقرار الوظيفي للآلاف من العاملين في قطاع الصحة، وسط مخاوف من تزايد التكتلات الاحتكارية في القطاع، وتقليص مخصصات توفير العلاج للفقراء ومحدودي الدخل باسم "التطوير".
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي موافقة الحكومة على إسناد إدارة وتشغيل مستشفى أو أكثر في مصر إلى مؤسسة "إيني فاونديشن" التابعة لشركة إيني الإيطالية العملاقة للطاقة، بالتعاون مع مجموعة مستشفيات "سان دوناتو" الإيطالية، التي تصنف ضمن أكبر المجموعات الصحية في أوروبا.
وفي اجتماع عقده مدبولي اليوم الثلاثاء مع مسؤولي شركة إيني الإيطالية، بحضور وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، ورئيس مؤسسة إيني فاونديشن دومينيكو جياني، ورئيس مجموعة مستشفيات سان دوناتو الإيطالية كمال الغريبي، ورئيس قطاع الصحة في مؤسسة إيني فيليبو يوبيرتي، أكد أن شركة إيني تمثل شريكاً استراتيجياً للحكومة المصرية، وليست مجرد شريك رئيسي لها في قطاع الطاقة.وأضاف مدبولي أن انخراط شركة إيني في دعم البنية التحتية للرعاية الصحية، عبر إقامة منشآت طبية متطورة تضم تخصصات دقيقة، يعد نموذجاً يحتذى به في المسؤولية المجتمعية للشركات العالمية الكبرى، كما أنه يعكس تلاقياً في الرؤى مع الحكومة المصرية، التي تضع "بناء الإنسان وصحته على رأس أولوياتها"، على حد قوله.
بدوره، قال عبد الغفار إن هناك توافقاً بين وزارة الصحة المصرية ومؤسسة إيني على إدارة وتشغيل مستشفى "هليوبوليس الجديد" في منطقة النزهة بالقاهرة، ومستشفى "العاصمة الجديدة 2" في العاصمة الإدارية، في إطار جهود تعزيز البنى التحتية الطبية، وتوفير الخدمات الصحية المتكاملة في القطاع بالشراكة مع القطاع الخاص.
وأضاف أن مشروع مستشفى العاصمة 2 هو نموذج للخدمة الطبية المتطورة، حيث يتميز بموقعه الاستراتيجي وتجهيزاته التي تشمل وحدات قسطرة القلب، وجراحات القلب المفتوح. في حين يتميز مستشفى هليوبوليس بوجود مدرسة للتمريض، وخدمات تخصصية دقيقة تشمل علاج الأورام، والحروق، ووحدة السكتة الدماغية، ويخدم كثافة سكانية عالية في منطقة النزهة (شرقي العاصمة)، والمناطق المحيطة بها.
وذكر عبد الغفار أن الطاقة السريرية لمستشفى العاصمة تبلغ 377 سريراً، مقابل 443 سريراً لمستشفى هليوبوليس، مستطرداً بأن وفد مؤسسة إيني زار مستشفى هليوبوليس أخيراً، وتم التوافق على بدء التعاون المشترك من خلال المستشفى، بحيث يتم الانتهاء من التجهيزات الخاصة بها خلال فترة وجيزة.تقنين الخدمات
وأصدرت وزارة الصحة المصرية قرارات متعاقبة تحظر على الأطباء صرف أدوية مستوردة للمواطنين في المستشفيات الحكومية طالما يوجد مثيل محلي لها، وبمضاعفة أسعار الخدمات في المستشفيات العامة، بما في ذلك أسعار بطاقات الدخول والزيارة والكشف في العيادات الخارجية، والاكتفاء بصرف صنف دوائي واحد للمرضى من "روشتة الأدوية" التي يجري وصفها في المستشفيات.
كما أصدرت لائحة جديدة للمستشفيات والوحدات الحكومية، تتضمن إعادة تسعير جميع الخدمات التي تقدمها المنشآت الصحية التابعة لوزارتي الصحة والتعليم العالي، باستثناء التطعيمات الإجبارية للأطفال، وخدمات الطوارئ، ومبادرات الصحة العامة التي ما زالت بالمجان. وقلصت اللائحة نسبة أسرّة العلاج المجاني بالمستشفيات إلى 25% فقط، فضلاً عن رفع أسعار العلاج بمستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان.
وفي مايو/أيار 2024، طرحت وزارة الصحة خمسة مستشفيات كبيرة هي مبرة المعادي، وهليوبوليس، والعجوزة، وهرمل، والشيخ زايد، أمام القطاع الخاص. وأعلنت الهيئة العامة للاستثمار، عبر موقعها الرسمي، عن طرح 18 مستشفى حكومياً ضمن منظومة منح التزام المرافق العامة.
وتتفاوض صناديق استثمار عربية وأجنبية لشراء حصص استراتيجية في المستشفيات وشركات الأدوية الحكومية المصرية، استناداً إلى تشريع صادق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يونيو/حزيران 2024، بشأن "تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، والذي أتاح تأجير المستشفيات العامة للمستثمرين لمدة 15 عاماً بحجة تطويرها وتحسين الخدمة العلاجية المقدمة للمواطنين.
وبحسب المعلن، تعتزم مصر طرح 160 مستشفى حكومياً من أصل 662 في 22 محافظة أمام المستثمرين خلال العامين المقبلين، ما يهدد ملايين المصريين بعدم القدرة على العلاج على نفقة الدولة، وهو الحق المكفول دستورياً بموجب المادة 18 من الدستور التي أعطت "الحق لكل مواطن في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وكفالة الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها، والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل".
يذكر أن نواباً في البرلمان وجهوا طلبات إحاطة إلى الحكومة حذروا فيها من مخاطر احتكار القطاع الخاص على الخدمات الطبية صحياً وأمنياً، بسبب زيادة وتيرة الاندماجات والاستحواذات في القطاع الصحي، الذي أصبح جاذباً بشكل كبير للمستثمرين نتيجة الأرباح والعوائد الضخمة التي تحققها المستشفيات المصرية مقارنة بالدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.
اجمالي القراءات
24