دعاء أمي مستجاب.
ملخص لقصة رواها لي صديق قائلاً:
والدتي أمية لا تفهم في السياسة إلا بمقدار ما تسمع من جيرانها ومن التلفاز وخاصة من الفضائيات المحلية .ورغم أنها بلغت العقد الثامن من عمرها, إلا أنها لم تصل بعد إلى أرذل العمر. فمحاكمتها للأمور سليمة, وأرائها في كثير من الاحيان صائبة. تدهشني وأنا المتمرس في أمور السياسة منذ عشرات السنين بمواقفها الوطنية وكرهها للصهيونية والاستعمار، وحبها لكل مقاوم للمحتل أينما كان.
بين آونة وأخرى أزورها في القرية،وأبيت عندها ليلة أو ليلتين.وفي بعض الليالي يوقظني قيامها لصلاة قيام الليل التي تنهيها بصلاة الفجر .فأبقى مستلقياً في فراشي لكي استمتع بدعائها المعتاد ليلاً, وذلك قبل قيامي وتصبيحها وتقبيل يديها الطاهرتين.فهي عادة تبدأ أولاً بالدعاء لأبنائها ثم لأحفادها وتسميهم فردًا فرداً.وإذا كان أحدنا مريضاً،فإنها تدعوا الله أن يشفيه من مرضه بأسرع ما يمكن .وفي النهاية تدعوا لنفسها بحسن الخاتمة فقط.
بعد الهجوم الغاشم على غزة ، زرتها لأطمئن عليها ولكي أروح عن نفسي مما أعانيه من انقباض الصدر نتيجة الأوضاع السياسية المستجدة وخاصة الهجوم الوحشي على غزة. قضيت عندها المساء كله , وكنت أتمنى أن يسير الزمن ببطء لأقضي معها أطول وقت ممكن .ومع ذلك طلبت مني أن أقضي الليلة معها ,لم أتردد وخاصة للنوم في بيتنا الذي تربيت فيه وعشت أحلى ذكريات حياتي عندما كنت شاباً في مطلع العمر طعم خاص. وكالعادة عند زيارتي لها تحدثني عن أحوال الجيران ,وتطلب مني مساعدتهم إن هم كانوا بحاجة للمساعدة ,ثم تسأل عن زوجتي وأحفادها ,حاملة هم الجميع . في زيارتي هذه شعرت أنها استيقظت أبكر من المعتاد.صلت ركعتين زيادة قبل صلاة قيام الليل ، ووهبتهما بصوت عالي لنصرة الشعب الفلسطيني في مقاومته للمحتل .... قائلة:يا رب ! ومن صوتها شعرت أنها كانت تبكي وتسأل الله بخشوع ....يا رب ... هاتان الركعتان أهبهما لنصرة شعب غزة المسكين .ولنصرة العرب والمسلمين على اعدائهم، إنك على كل شيء قدير.وبعد أن أنهت الصلاة بدأت بالدعاء: اللهم انصر العرب والمسلمين على أعدائهم، اللهم أرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل.! اللهم شتت شملهم! اللهم مزق صفوفهم! اللهم اجمع صفوف العرب والمسلمين! اللهم أحم شعب فلسطين وشعوب العرب والمسلمين وكل شعوب العالم الذين يقاومون الظلم والاحتلال. وقد استرعى انتباهي أنها اكتفت بالدعاء السياسي ولم تدع لنا ولا لنفسها.
في الصباح ، ونحن نتناول طعام الفطور، قلت لها: سمعتك ليلة البارحة وأنت تصلين الفجر , وكنت تدعين الله أن ينصر الشعب الفلسطيني والعراقي وكل الشعوب المظلومة ،ولم تدع لنا ولا لنفسك! قالت! يابني يجب أن نوجه الدعاء الان فقط لنصرة الشعب الفلسطيني والعراقي والعرب والمسلمين على اعدائهم، ولايجوز أن نشرك بدعائنا أحداً. ذكرتني أمي بالشعارات التي يرفعهاحكامنا :( كل شيء من أجل المعركة) ولكنهم يفعلون كل شيء إلا المعركة. بعد ذلك وجهت اليها سؤالاً استفزازياً، أنت مع من؟
لم تستوعب السؤال.كررته على مسامعها.نظرت الي باستغراب وقالت: وهل يمكن أن يكون عربي أو مسلم شريف مع الاعداء ضد الشعب الفلسطيني والعراقي؟ طبعاً أنت تمزح، ثم أكملت كلامها وكأنها صرفت النظر عن الاجابة قائلة: البارحة شاهدت في التلفزيون رجلاً أمريكاً له ولدان يحاربان ضدنا في العراق.كان يشتم حكومته ويقول لماذا يجب على اولادي أن يقتلوا أولاد العراق! وماذا سأستفيد إذا قُتل أولادي ولم أراهم أنا وأمهم بعد الان، و أكملت قائلة: ثم شاهدت على محطة تلفزيونية أخرى أمريكيون يتظاهرون في الشوارع ضد حكومتهم يطالبون إرجاع جنودهم إلى وطنهم ووقف الحرب !
وتسألني مع من أنا ! أنا مع الأمريكين الذين يتظاهرون, ومع اليهود الذي يرفضون قتل الشعب الفلسطيني، ولست مع الأمريكيين والصهاينة الذين يقصفوننا ويقتلون أبنائنا.
اللهم ألهمنا عقول العجائز.
اجمالي القراءات
11206