حين كان يحزن النبى محمد عليه السلام
آحمد صبحي منصور
Ýí
2018-06-25
حين كان يحزن النبى محمد عليه السلام
مقدمة :
1 ـ يحزن البشر على أمور شخصية ودنيوية . لم يكن هذا حال النبى محمد عليه السلام . كان يعانى من زوجاته ويصبر ولا يحزن ، وينزل الوحى بشأنهن يعظ ويحذّر ( الأحزاب 28 : 34 ، التحريم 1 : 5 ) . خاتم النبيين ــــ عليه وعليهم السلام ـــ كان يحزن لأسباب موضوعية دينية ترتبط بدعوته وحرصه على هداية الناس . وهذا مُنتظر ممّن بعثه رب العالمين بالقرآن الكريم رحمة للعالمين .
2 ـ كان حزنه عليه السلام بالغا وعميقا الى درجة أن يخاطبه رب جل وعلا ينهاه عن هذا الحزن مواسيا له .
3 ـ وكان فى حزنه يضيق صدره ـ مع سماحته وصبره ، فيأمره ربه جل وعلا أن يستعين بالتسبيح والصلاة ، قال له جل وعلا : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر )
4 ـ ونعطى تفصيلا للمواضع التى نزل فيها القرآن الكريم ينهى النبى محمدا عن الحزن :
أولا : حزنه على مسارعة بعضهم بالكفر بعد الايمان
خلافا لما يعرف ب ( حدّ الردة ) الذى إخترعه المحمديون فلم يكن هذا معروفا ولا مألوفا فى عصر النبى عليه السلام. كان فقط يحزن بسبب الذين يرتدون عن الاسلام يسارعون فى الكفر وهو معهم .
ـ جاء فى السور المكية :
1 ـ قال له ربه جل وعلا : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) يونس) . واضح أنه كان يُلحُّ عليهم فقال له ربه جلّ وعلا إنه ما أنزل عليه القرآن ليشقى بتبليغه ، عليه فقط أن يذكّر من يخشى. قال جل وعلا : ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) طه )
2 ـ وأمره بالإعراض عن المعاندين لأن من إهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه وليس هو عليهم بوكيل . قال جل وعلا : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)يونس ) .
3 ـ ونهاه عن أن تذهب نفسه عليهم حسرات . قال له ربه جل وعلا : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر ) وأسفا عليهم : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)الكهف ).
4 ـ بل أمره أن يقول لهم أن يظلوا على كفرهم طالما يتمسكون به وأن يظل هو على ما هو عليه : ( وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود) .
5 ـ هذا لأن من إهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه، قال جل وعلا :( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)الزمر )
6 ـ فى هذا السياق قال له ربه فى سورة مكية ألا يحزن عن من يكفر من أصحابه ، لأن من كفر ومات على كفره مصيره الى عذاب غليظ ، قال جل وعلا : ( وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) لقمان )
وفى المدينة:
1 ـ قال جل وعلا فى التأكيد على أنه لا إكراه فى الدين فقد تبين الحق من الباطل : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) البقرة ).
2 ـ وكان من أصحابه من يُسارع بالكفر فقال له رب جل وعلا عنهم : ( وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) آل عمران ).
3 ـ وتكرر هذا فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) المائدة )
4 ـ كانت له فى المدينة دولة وسُلطة ، ولكن كانت دولة قائمة على الحرية المطلقة فى الدين . ليس فيها أكذوبة ( حدّ الردّة ) . لذا كان عليه السلام يكتفى بالحزن على من يسارع بالكفر معلنا ذلك بأعلى صوت .
ثانيا : حزنه بسبب عدم نزول آية حسية حتى يهتدوا
1 ـ القرآن الكريم آية ( معجزة ) عقلية ومتجددة ودائمة الى قيام الساعة . وبهذا تختلف عن الآيات ( المعجزات ) التى كانت لبعض الأنبياء من قبل. كانت رسالتهم لقوم معينين فى مكان معين وزمان معين فى وقت لم تكن البشرية فيه قد بلغت النضج الكافى ، لذا كانت الآية ( المعجزة ) وقتية مادية حسّية .
2 ـ فى رفض العرب للقرآن طلبوا آية ( معجزة حسية ) ونزل الرفض الالهى ، ومعه التعليل :
2 / 1 : إن الآيات السابقة لم تنجح فى هداية الأمم السابقة ، ولن تنجح فى هداية المعاندين العرب :
2 / 1 / 1 : قال جل وعلا عن طعنهم فى القرآن وطلبهم آية مثلما أوتى الرسل السابقون : ( بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) الأنبياء )
2 / 1 / 2 : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لو جاءتهم آية ليؤمنّن ونزل الرد إنهم لن يؤمنوا إلا أذا تدخلت مشيئة الله بإرغمهم على الايمان ، قال جل وعلا ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) الأنعام )
2 / 1 / 3 : وطلبوا أن تنزل ملائكة وجاء الردُّ :
2 / 1 / 3 / 1 فى قوله جل وعلا :( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) الانعام ). حين يرون الملائكة فهذا يعنى الموت ثم قيام الساعة ، وبهذا إنتهى الأمر بالنسبة لهم . ولو أرسل الله جل وعلا اليهم ملكا لكان متجسدا فى شكل رجل .
2 / 1 / 3 / 2 : وفى قوله جل وعلا : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8) الحجر ) . يعنى أنهم لا يرون الملائكة إلا عند الموت وفى اليوم الآخر ، وحينئذ لا مجال للتأجيل أو الهروب
2 / 1 / 4 : وطلبوا رؤية الله جل وعلا والملائكة ، فقال جل وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) الفرقان )، أى حين يرون الملائكة سيكون هذا وبالا عليهم .
2 / 1 / 5 : وطلبوا آيات كثيرة ، قال عنهم جل وعلا : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه ) وجاء الرد : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) الاسراء )
2 / 1 / 6 : وفى إستحالة هدايتهم لو جاءتهم آية حسية ، قال جل وعلا : (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) الحجر ) أى لو عرج الله جل وعلا بهم الى السماء لقالوا إنه سحر .
2 / 1 / 7 ـ والدليل على أن الآية الحسية لا تثمر فى هداية الكافرين أن قوم ثمود رأوا خلق ناقة من الصخر فلم يؤمنوا ، وفى النهاية عقروها ، ولهذا كان المنع من أنزال آية حسية ، قال جل وعلا : ( وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59) الاسراء ) . هذا هو السبب الأول فى منع نزول آية حسية .
2 / 2 : السبب الثانى هو الاكتفاء بالقرآن الكريم الآية الكبرى ، قال جل وعلا : ( وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت )
3 ـ حرصا منه عليه السلام على هدايتهم كان يتمنى أن تكون معه آية حسية ، وكان يحزن لمنع الآية الحسية ، فقال ربه جل وعلا:( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ (35) الانعام ) . الله جل وعلا يعلم بحزنه ، ويوضح له إنهم فى الحقيقة لا يكذبونه ولكنهم يعرفون الحق ويجحدونه عنادا ، وقد أخبره جل وعلا بما عاناه الرسل السابقون وصبرهم ، ثم قال له إنه إن كان مهتما جدا بإحضار آية لهم فليتصرّف بنفسه ، يحفر نفقا فى الأرض أو يصعد الى السماء ليأتيهم بآية . ولن يستطيع .!
ثالثا : حزنه بسبب إتخاذهم أولياء من دون الله الولى الحميد.
أقوالهم كانت تسبب له الحزن خصوصا مع إتخاذهم أولياء من دون الله جل وعلا وهو الولى الحميد . فقال له رب جل وعلا : ( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) يس ). ونعطى بعض التفصيل :
1 ـ الله جل وعلا هو وحده الولىُّ المقصود بالعبادة والتقديس ، قال جل وعلا عن ذاته :
1 / 1 :( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى )
1 / 2 : ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) الشورى )
2 ـ المؤمن يكتفى بالله جل وعلا وحده وليا :
2 / 1 : قال جل وعلا :( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) الكهف ). هو وحده الولى ولا شريك له فى حكمه .
2 / 2 : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14) الانعام ) . الله جل وعلا هو وحده فاطر السماوات والأرض الذى يُطعم غيره ولا يُطعمه غيره . والمسلم لا يتخذ غير الله جل وعلا وليا.
2 / 3 : قال جل وعلا عن الكافرين الذين يحسبون انهم مهتدون بإتخاذهم أولياء من دون الله : ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) الكهف )
3 ـ الكافرون يتخذون أولياء من البشر الموتى :
3 / 1 : قال جل وعلا عن أولئك الأولياء الموتى الذين تحولوا الى تراب لا يتحرك ولا يسمع ولا يستجيب ولا ينفع ولا يضر : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) الاعراف )
3 / 2 : عن هذه الأولياء الموتى قال جل وعلا :( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) النحل )
3 / 3 : وعن زعمهم أن تلك الأولياء تقربهم الى الله جل وعلا زلفى قال جل وعلا : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر ) ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) الزمر ) ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) الزمر )
4 ـ فى موضوع أولياء الله :
4 / 1 : من يستمر فى حياته مؤمنا تقيا تبشره ملائكة الموت عند الاحتضار بأنه من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لأنه كان فى حياته الدنيا من الذين آمنوا وكانوا يتقون . قال جل وعلا : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) يونس ) بعدها قال جل وعلا : ( وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66) يونس )
4 / 2 : الذى يموت كافرا تبشره الملائكة بالعذاب ، قال جل وعلا : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل). فى المقابل قال جل وعلا عمّن يموت مؤمنا تقيا : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) النحل ). تتنزل عليهم ملائكة الموت تبشرهم ، قال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) فصلت )
4 / 3 : هذا من بداية نزول آدم وحواء الى الأرض : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)البقرة )
4 / 4 : هذا يشمل كل من آمن واتقى من كل الطوائف طالما آمن بالله جل وعلا واليوم الاخر وعمل صالحا فهو من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة ) ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة ).
أخيرا : لو عاش محمد عليه السلام عصرنا وشهد عبادة الأولياء والأئمة وتقديس قبورهم مع وجود القرآن الكريم معنا ..ماذا كان سيفعل به الحزن ؟
اجمالي القراءات
8512
لكان مات من الإكتئاب بسكتة قلبية شديدة وكانت رحمة من الرحيم الكريم. أو السيناريو الأخر هو القتل لو كان حاربهم بالوعظ وكان فى حالة من السعادة تماما مثل سورة 36 ءاية 26 ( قيل ادخل الجنة...)