اليأس:
اليأس

أسامة قفيشة Ýí 2017-10-14


اليأس

هل لا يجوز للمسلم المؤمن بأن ييأس من دعوة البشر لدين الله جل وعلا ؟

و هل اليأس في أمور الدنيا يختلف عن اليأس في أمور ألآخرة ؟

و متى يعتبر اليأس أمراً سلبياً ؟ و هل هناك يأسٌ ايجابي ؟

و هل علاج اليأس يدفع بالشخص للهرب من وجه الحقيقة و عدم الاكتراث ؟ أم بالعمل و الجهد و المواجهة من أجل علاج تلك القضايا ؟

من خلال تدبري لكلام المولى جل وعلا في جانب اليأس , وجدت بأن اليأس ينقسم لثلاثة أقسام ( اليأس من البشر , و اليأس من رب البشر , و اليأس في أمور الحياة ) ,

في البداية نأتي على تعريف اليأس و من ثم نتناول تلك الأقسام ,

اليأس هو قطع العلاقة بشكلٍ نهائي و عدم الرجاء من الميئوس منه , و هو فقدان الأمل تجاه أمرٍ ما مع هجرانه و عدم العودة إليه .

القسم الأول ( اليأس من البشر ) :

يأتي هذا اليأس متخصصاً و مقتصراً في الجانب الدعوي فقط , أي بالدعوة لدين الله جل وعلا .

اليأس في هذا الجانب يعتبر مطلباً إلهياً و هو أمرٌ محمود , يتخلص به المؤمن من عبء المسؤولية و عدم حمل هم البشر في الحرص على هداهم ,

فنلاحظ بأن المؤمن المسلم لا يتوجب عليه إكراه البشر على الإيمان أو الحرص على هدايتهم , فهو غير مكلف بهذا , فما عليه سوى الدعوة و من ثم يتوجب عليه اليأس ممن لم يستجب لتلك الدعوة دون إكراهٍ أو إجبارٍ أو حتى الإلحاح عليهم ,

فقال جل وعلا ( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) 110 يوسف , نستنتج هنا بأن الرسل عليهم السلام قد بلغوا مبلغ اليأس من أقوامهم بعد أن استوفوا حجّهم و بلغوا رسالتهم للجميع , فحين بلوغ مرحلة اليأس هنا تأتي مرحلة قطع العلاقة و الرجاء , و يأتي البتر و الفصل تماماً كبتر و فصل العضو الجسدي الميئوس منه ,  

و نفس المعنى في قوله جل وعلا ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) 31 الرعد ,

هي دعوةٌ صريحةٌ للذين آمنوا بأن ييأسوا من دعوة الذين كفروا بأن لا يلحوا عليهم هذا الأمر و لا يلاحقوهم به ولا ينازعوهم في هذا الأمر , أي لا يحرصوا على هداهم لأن مسؤوليتهم تنتهي بالتبليغ فقط , فمن ثم لا بد أن يأتي اليأس بالتوقف عن هداهم لأن الأمر بيد الله جل وعلا فله الأمر جميعاً و لو شاء لهداهم أجمعين ,

و لأن الهداية هي أمر شخصي و إرادي لا إكراه فيه , فمن أراد منهم الهداية هداه الله جل وعلا , و من الآيات التي تعزز هذا المراد قوله سبحانه و تعالى ( إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) 37 النحل , و قوله ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) 103 يوسف ,

ليس هذا فحسب بل على المؤمن بأن لا يشعر بالندم أو الحزن أو بالحسرة على من لم يستجب لدعوة الله جل وعلا  فقال سبحانه ( أفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) 8 فاطر ,

أما الكافرين فلا ييأسون من المؤمنين و لا يعرفون ذلك , أي لا يتركونهم و شأنهم يحاولون جاهدين و يمكرون و يخططون و يحاربون كل من آمن من أجل أن يردوهم عن دينهم , مثلهم و قائدهم في هذا الجانب هو إبليس الذي لا ييأس في إضلال البشر , و الآيات التي تشير لهذا كثيرةٌ جدا و منها ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) من الآية 217 البقرة ,

كما نلاحظ بأن الكافرين قد تمثل يأسهم فقط من كتاب الله جل وعلا ( القرآن ) و هو دينه القويم , فباكتماله و حفظه من قبل الخالق جل وعلا جاء يأسهم منه , فهم لا يستطيعون اللعب به أو فيه , فدفعهم هذا اليأس لتفسيره من أجل حرف مفاهيمه , و قاموا باختراع الأحاديث و النصوص و اعتبروها ديناً للبشر فقال ربنا جل وعلا عن يئسهم هذا ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) من الآية 3 المائدة .

القسم الثاني ( اليأس من رب البشر ) :

هذا النوع من اليأس هو من ميزات الكافرين برب العالمين , الذين لا يؤمنون بآيات الله و لا باليوم الآخر ,

فقال جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) 13 الممتحنة , هؤلاء الكافرون لا يؤمنون بالآخرة فلا علاقة تربطهم بها , تماماً كعلاقتهم بالموتى فتلك العلاقة منقطعة فلا رجاء و لا أمل بعودتها ,

و كذلك في قوله ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 23 العنكبوت , أي من كفر بآيات الله و لقائه فذلك لا أمل بأن تناله رحمة الله جل وعلا , فلا تشمله تلك الرحمة يوم الحساب فما له سوى العذاب الأليم ,

هذا هو يأس الكافرين من الآخرة و بالتالي فرحمة الله بهم ميئوس منها , فكما قطعوا العلاقة مع الله جل وعلا و ابتعدوا عنه , و لم يكن لديهم أمل في البعث و الحياة الأخرى فسيقطع الله جل وعلا عنهم رحمته يوم القيامة فلا أمل و لا رجاء من أن تشملهم تلك الرحمة .

القسم الثالث ( اليأس في أمور الحياة ) :

اليأس في هذا الجانب هو أمرٌ سيء و سلبي , يجب على المؤمن بأن لا ييأس فيه , فأمور الدنيا كلها ما هي إلا ابتلاء و اختبار للبشر ,  

أما عن يأس الكافرين في أمور الدنيا و صعابها في الخير و الشر و الرزق , نلاحظ بأن من ييأس من تلك الصعاب هم الكافرون وحدهم و ذلك بالحديث عنهم بمسمى ( الإنسان ) فهذا المسمى يأتي دوماً في وصف الكافرين فعلية كل من لا يؤمن بتلك الحتميات و يسلك مسلكاً سلبياً في التعامل معها فهو من الكافرين , و هذا في قوله جل و علا :

( لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ) 49 فصلت ,

( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ) 9 هود ,

( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ) 83 الإسراء ,

فاليأس في أمور الدنيا هو من صفات الكافرين ,

و لا يجب بأن يصل حجم البلاء و الابتلاء عند المؤمن باليأس , بل عليه بالمثابرة و الجهد و الأمل في تغير أمور الدنيا نحو حياةٍ أفضل و مستقبلٍ أفضل , و هذا يتمثل في قوله تعالى ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) 87 يوسف ,

فعلى المؤمن الانطلاق في هذه الحياة من أجل غدٍ أفضل , و بأن يملك حافز التغير بأن لا يركن أو يستسلم للشر أو للمصائب أو الفقر و يعتبرها واقعاً عليه التعايش معه أو للاستسلام و اليأس بل عليه أن يكون ايجابياٌ و عليه السعي جاهداً من أجل التغير ,    

الابتلاء بتلك الأمور يدعو للتفاؤل لا التشاؤم , و أن يكون حافزاً و عاملاً نحو تغير الواقع إلى الأفضل , لا أن نركن له و نعتبر عوامل الشر و المصائب بأنها أمور خير لنا و علينا تقبلها و التعايش معها بشكلٍ ايجابي .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 8532

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-04-09
مقالات منشورة : 196
اجمالي القراءات : 1,556,592
تعليقات له : 223
تعليقات عليه : 421
بلد الميلاد : فلسطين
بلد الاقامة : فلسطين