وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
سأتدبر في هذا الموضوع بعون الله تعالى كلمات : (السر ، أسر ، أسررت) ث ثم أترك تحديد (سريا ) للتدبر الجماعي مع ميلي انها تابعة لمعنى السر.. وسأتعرض للفظ (أسير و جمعه :أسرى و المعرف بأل منه في :الأسرى ) ثم ستكون المحطة النهائية مع ( أسرى بـ، فأسر بـ ) راجية من المولى عز وجل التوفيق وأن يغفر لي إن أخطأت في تدبري ـ فهي وجهة نظر خاصة يشوبها التقصير بالطبع ـ إنه سبحانه قريب مجيب الدعاء ..
بداية لفت نظري في قراءة لسورة طه الآية السابعة ، تتحدث عن رب العزة وقدرته الغير محدودة على العلم بصرف النظر عن حال العباد ،في الجهر أم في السر ، فبقدرته سبحانه أن يعلم ما هو أخفى من السر .. وهذه الخصوصية للخالق عز وجل تجعل السرائر في حالة بلاء يوم القيامة.. وهذا يجعلنا ندرك ما هو حجم الحساب يوم القيامة! الحساب لا يشمل فقط ما نقوم به من عمل وقول بل ما نسره أيضا وما نخفيه داخل سرائرنا من أشياء لا يعلمها إلا الخالق وحده ... بوسعنا أن نقول: أحسن الكلام ونعمل ما يجعلنا نبدوا أمام الناس ولا أفضل من ذلك.. ولكن هل يكفي هذا ام لابد ان تكون السريرة على مستوى العمل ؟ تتناغم مع ما نقوم به من قول وعمل ، وهذا ما تلخصه كلمة تقوى التي هي المعادلة الصعبة التي تحكم درجة القول والعمل مع السريرة ، وهي دراسة الجدوى أيضاً لكل ما يصدر عنا .. واستدعى هذا أن قمتُ بجمع الآيات التي اشتملت على كلمة سر أو .السر ، وأسر والسرائر وأسررت إسراراً.. وقد وجدت في طريقي أيضا لفظ أسيروجمعه ثم أسرى ب ، فهيا بنا إلى التفاصيل :
وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7 طه)
البداية مع الآية السابعة من (طه ) الآية العمدة تجعلك تقف مبهوتا تشعر بحجمك الحقيقي فـ الرحمن الذي استوى على العرش .. له ملك السموات والأرض وما بينهما وحتى ما تحت الثرى ، لا يعجزه مطلقا علم ما في نفسك من سر، بل ما هو أخفى من السر .. فافعل ما شئت جهرا أو سرا ، فكل شئ يصعد إليه سبحانه ويطير بدون أدنى تحكم منك .. و:نجد الإشارة في :وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16)ق ، ففيها إشارة للخلق والعلم بأقرب صورة يتصورها عقل .. فقط عليك القول في نفسك : سبحان الله ..
ثم الآية الثانية من سورة الطارق
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9الطارق) ، يسبق الآية الكريمة الحديث عن عن قدرة الله سبحانه في حفظه لكل نفس ثم التذكير بطريقة خلق الإنسان الهينة المعجزة فهكذا كان خلقكم ..وعلى القدرة على إرجاعه بأكثر سهوله وهذه الإعادة( في يوم تبلى فيه السرائر ـ يوم الحساب) حساب بكل هذه الدقة التي تبلى فيه السرائر تلك التي نعتقد أننا نملكها ولا سبيل لكشفها ، كلا ستكون محل اختبار ،في وقت سيكون كل منا بلا قوة ولا ناصر .. نقرأ معا : إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ
والآية الثالثة من سورة التحريم ، تتحدث عن درس قرآني للنبي يعلمنا كيف كان التعقيب القرآني يأتي معدلا ومعلما من قبل المولى جل وعلا .. فتبدأ سورة التحريم بسؤال موجه للنبي إذ كيف يحرم من نفسه ما أحله الله سبحانه له ، بغرض مرضات بعض أزواجه ... وتبدأ تفاصيل القصة المعروفة والتي تخبرنا بأن النبي قد اختص بعض أزواجه (سرا بحديث ) وما يهمنا هنا هو (أسر ):
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ( 3التحريم )
والآية الرابعة التي ورد فيها لفط (أسر) مسندا لتاء المتكلم، قد فك تضعيف الراء في فعله وفي مصدره ، (أسررت إسراراً ) كان في قصة نوح ، مضرب المثل في الصبر و التحمل في توصيل الرسالة بكل طرق التوصيل الممكنة، ولكنه لم يجد من قومه إلا كل فرار وإصرار على الاستكبار.. فماذا يفعل.. وقد نقل لنا هذه الصورة بشكل لا يمكنني التعبير عنه ،فأفضل طريقة نقرآ معا هذه الآيات ونركز على (أسررت) محل الدراسة ، وهي حالة مناقضة للإعلان كما أقرت الآية بهذا :
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9نوح )
والآية التالية مطروحة للمناقشة فـ (سريا ) هنا لم أجدها ذكرت غير مرة واحدة في حديث عيسى عن نفسه ، وما يحمله من معجزة في الخلق تجعله متفردا بين البشر( بسر خلقه ) .. ياترى هي من السر أم من شيء آخر ؟ سأنتظر الآراء مع الدليل طبعا :
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24مريم)
أما عن أسير وأسرى فنجدهم في هذه الآيات من سورتي الإنسان والأنفال :
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8 الإنسان )
"مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ــ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم"
(الأنفال 67 ، 70
أما عن( أَسْرَىٰ) الفعل الماضي ، و(فَأَسْرِ )فعل الأمر ، نجد أنه يرتبط بالباء ، أسرى بـ ، فأسر بـ ، فقد اشتركت معي عقول ـ أدعو الله بأن يجعلها في ميزان حسناتها ـ على أنها تدل على ( السير ليلا ) هذا المعنى نراه في سور : الإسراء و الدخان و ( هود ) ثم( الحجر ) ، ثقرأ معا :
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(الإسراء (ا
لإسراء 1
الدخان )) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23)
قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ( هود81)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ
(65الحجر)
ودائما ، صدق الله العطيم
اجمالي القراءات
11472
في موضوع للدكتور أحمد صبحي عن الآيات المحكمات والمتشابهات يقول "ن الله تعالى يأمرنا فى القرآن بالتدبر لآياته (محمد 24) ( النساء 82) ( المؤمنون 68) والمنهج العلمى للتدبر يكمن فى بنية الكلمة نفسها. فالتدبر يعنى أن تكون فى دبر الآية، أو خلفها، أى أن تكون الآية القرآنية أمامك (بفتح الهمزة) وأن تكون إمامك (بكسر الهمزة) والمعنى أن تبدأ بآيات القرآن، وليس بفكرة مسبقة، وأن تتبع كل الآيات فى الموضوع المراد بحثه فى القرآن، و أن يخلو ذهنك تماماً من كل أحكام ومفاهيم مسبقة ومن كل هوى تريد مسبقا إثباته بالتلاعب بآيات القرآن الكريم ، طالما تريد أن تتعرف ـ مخلصا ـ على الرأى القرآنى المجرد . وحينئذ ستجد أمامك كل الآيات المحكمة والآيات المتشابهة تقول نفس الرأى وتؤكد نفس الحقيقة، غاية ما هناك أن الآيات المحكمة تؤكد الرأى القرآنى بإيجاز وصرامة، أما الآيات المتشابهة فهى تعطى تفصيلات تؤكد ما قررته الآيات المحكمة. ثم فى كل ما تبحث تتعرف على مفاهيم القرآن من خلال القرآن نفسه.وفى النهاية تجد كل الآيات المحكمة والمتشابهة تؤكد نفس المعنى ، وتؤكد لك أيضاً أن القرآن الكريم كتاب أحكم الله تعالى آياته بعد أن فصلها على علم وحكمة. ( الأعراف 52 ) سبحانه جل وعلا. هذا هو المنهج القرآنى ، وهو أيضا المنهج العلمى العادل و الموضوعى . وعليه، فإن لم يتبع الباحث هذا المنهج الموضوعى فالأغلب أن يقع فريسة المنهج التراثى السائد فى فهم القرآن ، وبالتالى فسينتقى من الآيات ما يتفق ظاهرها مع المعنى الذى يريد إثباته ، ويتجاهل الآيات الأخرى التى تناقض رأيه ، كما لن يتوانى عن تحريف آيات أخرى فيقع فى التناقض مع القرآن ومع المنهج العلمى أيضاً. ثم يعلل هذا الخطأ بخطيئة كبرى يتهم فيها القرآن الكريم بأنه حمال أوجه . ولو أنصف لأتهم نفسه بالتلاعب بآيات الله جل وعلا . )