التأريخ و محور النقد !
العالم العربي لم يعرف التعليم النظامي بمدارسه و مناهجه و معلميه إلا بعد سقوط الدولة العثمانية في بدايات القرن العشرين و تفاوت تطبيق هذا النظام التعليمي بالشكل الحالي بين دولة و أخرى بحسب الإستعمار و استقلال تلك الدول تباعا هذا مع الإعتراف بأن بعض الدول المستعمرة – بكسر الميم – ساهمت بفرض التعليم و كمثال لذلك الإستعمار الفرنسي في تونس و الذي ألزم أولياء الأمور بضرورة تعليم ابنائهم و ارسالهم للمدارس .
و أنتشر التعليم في ربوع الوطن العربي و بدأ الناس يهتمون بالتعليم و بقيمة – الشهادة – الدراسية و استقلت الدول العربية و قامت حكومات وطنية فيها و كان التعليم من أولى أولوياتها فبنت المدارس و أهلت المعلمين و طبعت الكتب الدراسية و أوجدت مناهج للتعليم .
و هنا تكمن بداية تشكيل العقل العربي – الحديث !! - و تقزيمه !! و تدجين مستوى التفكير فيه فيما يخص التأريخ و كيف ساهم محتوى تلك المناهج و ما فيها من قصص و خرافات و أكاذيب من قولبة السلوك العام للمواطن العربي بحيث يصبح تفكيره فيما يخص التأريخ واحدا ثم ما لبث أن تحول هذا التأريخ إلى أسلوب حياة ثم تحوله إلى – دين – و تحول تلك الشخصيات التأريخية إلى قدوة يحتذى بها و تجريم من ينتقدها !! و تعظيم ما قامت به من أفعال في حالة غريبة و تشبه إلى حد كبير عملية غسيل للدماغ العربي و بشكل ممنهج بحيث أصبح من الصعوبة بمكان نقد التأريخ !! و بحيث أصبحت الخرافة حقيقة !! و بحيث أصبح اللامعقول معقولا !! .
أجيالا كثيرة نشأت على الفخر بما قام به صحابة الفتوحات تمثل هذا الفخر في تسميه أبنائهم بأسماء تلك الشخصيات التاريخية التي لو قام فريق محايد لا ينتمي إلى أي دين و قيّم ما قامت به من حروب و دمار و سبي و إنتهاك لحرية الإنسان لكانت أبسط التهم هي ( الإبادة الجماعية ) !! و تمثل الفخر و الإعتزاز بتلك الشخصيات كذلك في تسميه المرافق من مساجد و جوامع و جامعات و كليات و مستشفيات و حتى شوارع .
ومن العجيب أن يفتخر أبناء تلك البلاد بشخصيات قامت بإحتلال بلدانهم و إباده أجدادهم و نهب ثرواتهم و من العجيب كذلك أن تظل تلك الشخصيات التاريخية محل – تقديس – في قلوبهم و عقولهم بحيث إذا ذُكرت لا بد و أن تتبعها بكلمات و عبارات من التمجيد و التقديس !!
لنرجع إلى سنوات ليست بالبعيدة و هي السنوات التي بدأت فيها وزارات التربية و التعليم في العالم العبي بطباعة مناهج التربية الإسلامية و التأريخ و كيف تم إختيار مواضيع تلك المواد و ما هي الآلية الممنهجة في الإختيار و ما هو الهدف الرئيسي الفلسفي من إختيار نوعية تلك الأحداث التأريخية و هل تم مراجعة تلك الأحداث و التحقق منها لا سيما و فيها ما فيها من الخرافة و الكذب !!
هل عرف أولياء الأمور أنهم يجهزون فلذات أكبادهم صباح كل يوم و يحثوهم على طلب تعلم ( الخرافة و الظلم و الإستبداد و الكراهية ) !! ليعودوا و قد تم بذر بذور الكراهية و كره الحياة عموما و الفخر بمن قام بقتل الالاف لإختلاف في الرأي !! ثم لم يدعوا لهذا العقل العربي المسكين من برهة للإستراحة و أخذ نفس للتفكير !! بل أتبعوه في المساجد من خلال – الدروس – و خطب الجمعة الأسبوعية و هم يبثون فيهم نفس الأحداث و نفس ذلك التأريخ الملئ بالشخصيات التي رسخت قدسيتها في عقولهم !!!
كم أنت مسكين أيها العقل العربي !!! حتى كتاب ربك العظيم القران الكريم صوروه ككتاب غناء !! و أوهموك بأن قرائته فقط القراءة تأخذ عليها أجرا فقرأته مجرد قراءة دون تدبر و دون منهجية للتدبر ستأخذ الحسنات و اقرأ و رتل – رتل بمعنى تغنى – فمكانك في الجنة يعلو و يرتفع كلما قرأت أكثر و رتلت أكثر و لا أقول – ألم – حرف بل ألف حرف و لام حرف و ميم حرف !!!
في كل تلك المناهج نسوا أن يعلمونا البعد الأهم و هو ( نقد التأريخ ) لذا هم ركزوا على أن هذه المعلومات هي صحيحة و عليك أيها الطالب / المستمع أن تحفظها !! و من ثّم تتشكل في عقلك الباطن على أنها دين ثم عليك تطبيق هذا التأريخ – الدين – في أسلوب حياتك أي أنك تعيد حياة تلك الشخصيات من ظلم و جهل في صورتك أنت بل حتى منظرك و هيئتك الخارجية من الأحسن و المستحسن أن تكون بنفس هيئة و شكل تلك الشخصيات !!!! – أليست هذه عملية غسيل دماغية حقيقية - !!
لم يعلمونا ( نقد التأريخ ) و هو منهج فلسفي حقيقي بأن الأصل هو الشك و من الشك تصل للحق و الحق هو القرآن الكريم و ما دونه ظن و إن الظن لا يغني من الحق شيئا و صدق الحق جل و علا : ( وما يتبع اكثرهم الا ظنا ان الظن لا يغني من الحق شيئا ان الله عليم بما يفعلون ) .
ختاما أقول : لمعرفة التأريخ علينا بقراءه الحدث التأريخي من جهتين : الجهة الأولى هم المنتصرين و الجهة الأخرى هم الخاسرين أو المهزومين ثم نجمع ما كتب هؤلاء و ما كتب هؤلاء متحلين بالأمانة البحثية لنقرر الصورة النهائية للحدث التأريخي .
لدينا القرآن الكريم و هذا القرآن هو الحكم على أفعال الناس و في هذا القرآن الكريم آيات بينات مبينات تقول : ( لا إكراه في الدين ) و تنهى النبي عليه السلام أن يكره أحداً للدخول في الدين : (افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) !! لأنه بكل بساطة لو أراد الحق جل و علا أن يؤمن من في الأرض كلهم لآمنوا و هو القادر جل و علا على ذلك لذلك تبدأ الآية السابقة بالقول : (ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) .
لنأخذ مثالا و ليس للحصر فتح القدس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب عام 16 هـ و نقرأ المصادر الإسلامية العربية و كيف أن هذا الفتح تم بسهولة و يسر !! و لكن هل قرأنا المصادر المسيحية مثلا !!!
اجمالي القراءات
7187
حتى يتحقق النقد التاريخي لنا كعرب ومسلمين لا بد من البدا من نقطة الصفر الا وهي انشاء جيل جديد بثقافة النقد التاريخي ولن يتسنى لنا ذلك بشمولية الا اذا بدانا بتغيير جذري للمناهج المدرسية والجامعية وتغيير نمط خطب الجمعة وتهيئة اطفالنا وشبابنا لمثل هذه العملية النهضوية الفكرية موضوع ممتاز وضروري اخ سعيد لكن انتقادي الوحيد له انك قلت ان الاستعمار الفرنسي هو من شجع على التعليم والمدارس ولكنك نسيت ان الاستعمار سواء كان العربي او الاوروبي لا يمكن ان يدعوا لشيء فيه الخير لمن يحتل بل اذا فعل انما لاهداف خبيثة تخدم مصالحة الانية والذاتية ..