الجحيم الذي تهفو إليه قلوبنا
تدفقت في رأسي الأفكار داهمة، عند رؤيتي في قناة فضائية لجموع اللاجئين السوريين الهاربين شمالاً من تقدم الجيش السوري إلى الحدود مع تركيا. ما يبدو ظاهرياً هو أن هؤلاء كانوا الحاضنة الشعبية لداعش والنصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام وأمثالها. هذه الملايين من البشر اعتنقت ما اعتنقت من رؤى لنفسها وللعالم، وهي تحت حكم علماني، هو الأكثر قسوة واستبداداً في العالم، والأكثر عداء لهذا التيار، سواء من الناحية السياسية البعثية العلمانية، أو الناحية الطائفية لحكم يُتَهم بأنه حكم عائلي وعلوي. ومع ذلك استشرى الفكر الداعشي بينهم، واتشحت البنات في سن الثالثة بالسواد. لم تشتق هذه الملايين لنسمات حرية تتنفسها، وإنما ذهبت إلى دفن عقولها وأجسادها في السواد الحالك، وفي وحمرة دمائها التي يسفكها المجاهدون في سبيل الله.
لم أجد ما أخرج به من تأملي لتلك الجموع، سوى أن عدالة الطبيعة تتحقق، بقوانينها السارية على كل الكائنات. كائنات قويت أجنحتها وصارت طيوراً، وأخرى فقدت أطرافها، وصارت ثعابين تزحف في الأوحال، وتلدغ كل من تطوله أنيابها، كما ذهب الكثير منها لأن يكون بعوضاً وذباباً وصراصير!!
التنوع في الكائنات الحية لا يأتي فقط من تنوع الظروف البيئية التي عاشت فيها، ولكن أيضاً من ردود أفعال وتطور تلك الكائنات وفق تركيبها وتكوينها الذاتي. لقد أثبت إنسان الشرق الأوسط سواء في ظروف بيئته الأصلية، أو حال انتقاله للحياة في العالم الحر، أن اتجاهه العام يجنح لرفض الحضارة الإنسانية بصيغتها المعاصرة، ويذهب إما للانكفاء على ذاته، أو إلى العداء والكراهية للعالم وللحضارة. . نتحدث بالطبع عن تيار عام نرصده، بما لا يمنع وجود الكثير من الحالات الفردية الاستثنائية، أو حتى وجود تيارات أخرى باتجاه الحداثة والحضارة، لكنها أضعف من أن تكون ذات تأثير يعتد به على الصورة العامة.
ما نريد قوله هو أن اجتياح الفكر والروح الظلامية المعادية للحياة لهذه الشعوب ليس نتيجة عوامل عارضة، تلك التي ربما ساهمت في تفاقم الحال. فالأساس بالدرجة الأولى هو نوعية شخصية هذه الشعوب، وهي التي ساقتها للتمسك بالموروثات والفيروسات الثقافية المتوطنة. فكم من شعوب غادرت ميراثها الثقافي، لتنزع نحو مسيرة تغيير وتجديد دائم، خاصة حين يكون تأثير ذلك الميراث وبيلاً على حياتها. لذا فإن دور الموروثات أو الفيروسات الثقافية المتوطنة يأتي في الدرجة الثانية، يتلوها في درجات متأخرة متفاوتة سائر العوامل البيئية، الطبيعية منها والاقتصادية والسياسية.
نعم كان البترودولار الذي يضخه مشايخ قبائل الخليج وراء تقوية تيار الظلامية والكراهية، لكنه لم يخلق هذا التوجه من فراغ. لم يستثمر أمراء النفط ثرواتهم في هذا الاتجاه عبثاً، أو نتيجة لصدفة سيئة. ولم تملأ الدولارات النفطية جيوب تلك الملايين من البسطاء، الذين كان خيارهم المصيري لأنفسهم هو الارتماء في أحضان سواد القلوب والأفكار.
وكانت الأنظمة السياسية الاستبدادية الثورية العروبية وراء كفر الجماهير بما هو قائم، لكن هذا وحده غير كاف لأن تذهب هذه الملايين لما هو أسوأ. والظن أن العكس كان من المفترض أن يكون هو الصحيح، أن تكون الهيمنة وقمع الحريات في النظم العروبية دافعاً لنفور الناس من كل هيمنة، والاتجاه إلى حيث الحرية واحترام إنسانية الإنسان.
الفقر المادي الذي ترزح فيه ملايين الشرق الأوسط، لا يمكن كذلك اعتباره دافعاً لتجاهل الناس لحقائق واقعهم الأرضي، والتعلق بسماء لابد وأنهم يدركون بالفطرة أنها لن تمطر عليهم ذهباً وفضة أو مَنّاً وسلوى، ولا يجوز أن نصدق تلقائياً من يسند هذا الزحف الجماهيري الهابط إلى الهاوية، إلى معاناة الفقر وبؤس الحال.
قد يكون اجتماع كل ما سبق من عناصر رافداً لظاهرة الإيغال في السقوط الحضاري لإنسان الشرق الأوسط، لكن جوهر أو قلب الظاهرة أمر آخر مختلف، لن نجده إلا لدى الإنسان الشرق الأوسطي وهويته البيولوجية.
شعوب الشرق الأوسط تذهب الآن بأقدامها، إلى مصيرها الذي اختارته لنفسها، حتى وإن كان من بينها من يسير باكياً مولولاً لاطماً الخدود، ملقياً الاتهامات يميناً ويساراً وأعلى وأسفل. . نحن جميعاً ذاهبون عاجلاً أو آجلاً إلى الجنة أو الجحيم الذي تهفو إليه قلوبنا!!
Kamal Ghobrial
Alexandria- Egypt
+201226834061
اجمالي القراءات
7670