كمال غبريال Ýí 2015-10-15
تبدو المشكلة في الشرق الأوسط الآن، وكأنها مجرد مشكلة عصابات مسلحة ذات أيديولوجية دينية بدائية ووحشية، وبالتالي يكون الحل الذي يرد مباشرة للأذهان، هو الدحر العسكري لهذه العصابات، مع تجفيف المنابع البشرية لها، بحملات توعية دينية مستنيرة، تدعو للتسامح وقبول الآخر. هذا بالتأكيد مطلوب، لكنه بالتأكيد أيضاً غير كاف، ولن تجد هذه المنطقة سلاماً واستقراراً، ما لم تحل إشكاليات تكويناتها الهيكلية.
ما نسمية "الإرهاب" يرجع إلى عوامل ذاتية خاصة به، على رأسها توطن أفكار وأيديولوجيات مقدسة، نعدها الآن بدلائية ووحشية، مقروناً بفشل النخب الثقافية ونظم التعليم في المنطقة في الارتقاء بعقلية الإنسان، لتمكنه من التخلص من رواسب الميراث الثقافي الوبيل. هذا بالطبع بالإضافة إلى عشرات العناصر الفرعية، ما لسنا الآن بصدد استعراضه. لكن جذر الإشكالية التي نعيشها اليوم مع دول وشعوب تتبدد، ليس مجرد هذا "الإرهاب" الذي يملأ الدنيا صراخاً ودماء. فالإرهاب واحد من أخطر منتجات البيئة المنتمية إلى عصور مضت، لكنه ليس المسبب الوحيد لكل ما نشهد الآن.
هي مشكلة عضوية في صميم تكوين العديد من دول المنطقة، وعلى رأسها العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان، وتكمن في أنه قد سكنت هذه المنطقة منذ عصور قبائل وجماعات متنافرة متناحرة، ومتباينة عرقياً ودينياً وحضارياً، وتحمل ضد بعضها ثارات وميراث طويل من التطاحن.
لم تجمع بين هذه الشذرات الفسيفسائية دول إلا في أوائل القرن العشرين، حين حاولت القوى الاستعمارية الأوروبية وهي تنسحب من المنطقة تخلصاً من أعباء حكمها المباشر لها، خلق كيانات كبيرة منها، يضم كل كيان بعضاً من هذه المكونات غير المتجانسة المتجاورة جغرافياً، وفرضت في البداية عليها شروطاً لنظم الحكم، كانت كفيلة بأن تؤدي مع الوقت إلى تقارب هذه المكونات، بما يكفي لكي تعيش مع بعضها البعض ومع محيطها في سلام وتوافق، مثلما حدث في أوروبا.
بالطبع كانت الجغرافيا حاكمة في تكوين هذه الكيانات الجديدة، لكن ما اتضح الآن هو أنها لم تكن كافية، لتجميع مكونات متنافرة أو متضادة ثقافياً ودينياً ومتباعدة حضارياً، الأمر الذي لم يكن من الممكن حينها تفاديه، ليتعلق الأمل بقدرة الدولة الحديثة على تذويب تلك المكونات في واحد، بالطبع مع احترام خصوصيات الجميع.
ما حدث هو عدم التزام القوى الأكثر قوة وتمكناً في كل من هذه الكيانات، بالشروط ومنهج الحكم الكفيل بسير الأمور باتجاه توحيد الفرقاء، وكان انتهاج الاستبداد في الحكم الذي شمل جميع المكونات بلا استثناء، وعنصرية وطائفية نظرة وموقف نظم الحكم والفئات الأقوى من سائر مكونات الدولة الأخرى، ما أدى إلى تفاقم الخلافات والعداءات، وليس تخفيض وتيرتها. وكان للتعصب المذهبي والديني وأيديولوجيا العروبة، المساهمة الأكبر في اضطهاد وتهميش الأقليات وحصارها، ما خلق حالة تتفاقم مع الوقت من التوتر والاحتقان. لتكون النتيجة أن فشلت الأنظمة الحديثة في تأصيل الانتماء الوطني للدول الناشئة، بدلاً من الولاء القبلي والعرقي والديني والطائفي، لنرى الآن الناس بعد قرابة قرن من الزمان من الانضواء في دول وطنية، ومازالوا على انتماءاتهم القديمة البدائية، ينساقون لهدم دولهم، لصالح الأحقاد والصراعات العنصرية.
لنتأمل مثلاً فرار الجيش العراقي الوطني دون قتال، من أمام داعش في الموصل والرمادي وغيرها، مقابل استبسال الميليشيات الشيعية، التي رفعت شعارات عنصرية، مثل "لبيك يا حسين". هو الانتماء التلقائي العنصري المتجذر، مقابل بقاء الحديث عن الوطن، مجرد رطانة يلوكها المثقفون في المناسبات!!
الحقيقة أن الدول الاستعمارية التي أوصت الكيانات الجديدة هذه، كما لو بوصايا عشر يلتزم بها "الناس الطيبون"، كانت حالمة وساذجة إلى حد كبير. فمن أين لأناس نشأوا وترعرعوا هم وأباؤهم وأجدادهم في بيئات وثقافة قبلية أبوية وعنصرية متخلفة، أن ينتقلوا هكذا فجأة إذا ما تركت لهم الحرية، إلى سلوكيات وطنية حداثية، ويؤسسوا نظم حكم ديموقراطية، توفر جواً صحياً لتوافق المكونات البدائية الأولى؟!!. . هذا الخطأ نفسه ارتكبته أمريكا، حين تصورت أن تحرير الشعب العراقي من طغيان النظام الصدامي، يمكن أن يؤدي تلقائياً إلى نشوء نظام ديموقراطي حداثي.
بالطبع لا ينبغي أن تفوتنا هنا الإشارة، إلى طبيعة وقدرات إنسان هذه المنطقة بصورة عامة، وعجزه عن التطور وقبول الرؤى والمعايير الحداثية.
الخلاصة أن ما نشهده الآن في سائر أنحاء الشرق الأوسط هو تحلل وتفجر هذه الكيانات المصطنعة، بعد أن فشلت مكوناتها العرقية والدينية في التعايش، وثبت فشل الرؤية الاستعمارية، التي حاولت نقل هذه الشعوب من مرحلة القبائلية إلى مرحلة الدولة الحديثة.
الإرهاب الذي يجتاح المنطقة الآن بكل سهولة ويسر، هو الوحش الذي تكون في رحم هذه الكيانات، ويسري الآن في شقوقها وتصدعاتها، كما يسري الماء الآسن في شروخ صخور قديمة متصدعة وبالية.
هناك خريطة سياسية جديدة يرسمها الإرهاب وشعوب المنطقة الآن على أرض الواقع، ولن يعود الحال أبداً إلى ما كان عليه. ليس لأن الاستعمار والإمبريالية الأمريكية والصهيونية والماسونية يريدون تقسيمنا، ولكن لأن خطة الاستعمار قد فشلت في تجميعنا وتطوير حياتنا ونظمنا ورؤانا، وعدنا أكثر تفرقاً وهمجية ووحشية.
ملحوظة: لتكوين رؤية شاملة لتاريخ دول المنطقة، انظر كتاب "الدولة العربية" لمحفوظ أبو كيلة- ذات للنشر والتوزيع
دعوة للتبرع
المظلوم الظالم : هل ممكن أن يكون المظل وم ظالم ؟ ...
اعجاز القرآن علميا: علم الكتا ب.. قال الذي عنده علم من الكتا ب ...
يئر زمزم: بئر زمزم ما قصته ,, ,,, ,, كل عام انتم بخير ....
الصلاة والسنة : 1/لماذ ا ليس لعيسى ولا لموسى احادي ث 2/متى...
more