الطيار الأردني والمغيرة العجلي
لمن لا يعلم .." المغيرة بن سعيد العجلي"..هو أحد متطرفي الشيعة الذين حرقهم الخليفة الأموي.."هشام بن عبدالملك"..حياً..غضب عليه الشيعة ولعنوه قبل أن يلعنه الأمويين، وللإمام الصادق أخبار تفيد لعنه وطرده من مذهب الشيعة ومن الإسلام..حيث ادعى بعض مؤرخي الشيعة أنه كان يكذب على الأئمة ويضع عليهم روايات لتشويه سمعتهم ومكانتهم.
ادعى النبوة وله شطحات غريبة، اعتقلوه وأمر الخليفة بحرقه حياً، فكان إعدامه على يد المجرم الأموي الشهير.."خالد بن عبدالله القسري"..عام 119 هجرية ، وشهرته أنه نفس المجرم الذي ذبح المفكر الشهير.."الجعد بن درهم"..في عيد الأضحى.
في النهاية كان المغيرة العجلي خصماً سياسياً أو دينيا، ولو كانت له عقوبة فليست أعظم من الإعدام دون تعذيب، أما حرقه حياً وتعذيبه بالنار هو فعل متوحش ترفضه الأديان، وهو فلسفة الطغاة والمجرمين في القرآن الكريم، حيث كانت تلك فلسفة قوم إبراهيم الطُغاة بعد أن فشلوا في إقامة الحجة على النبي قاموا بإلقائه في النار حياً، ونفس الفعل مع أصحاب الأخدود، وهذا يعني أن المؤمن يتعفف عن هذا السلوك الغير آدمي الدال على الغِلظة والوحشية.
عندما قلنا أن داعش تُحيي سيرة الأمويين وجرائمهم لم نكن نتكلم من فراغ، فذبح الحسين والتمثيل بجثته فعلته داعش مع ضحاياها، وحرق المغيرة العجلي فعلته داعش مع الطيار الأردني.
وطبيعة أي مجرم يحاول تبرير جرائمه، فالأمويون اتهموا الحسين بالخروج والزندقة وإشاعة الفوضى فذبحوه ، والدواعش اتهموا الطيار الأردني بالردة وقتل الأطفال فحرقوه...وهكذا أي مجرم يبرر جرائمه على الأقل لكي يكون راضياً عن نفسه وفعله.
الأحاديث التي تؤمن بها داعش وضعت في عهد الدولة الأموية وتم تدوينها في العصر العباسي، وتوجد أحاديث لا يعلم الأمويون عنها شيئاً رغم كونهم الأسبق في الزمن، وهذا دليل على أن وضع الأحاديث ظل إلى القرن الثالث والرابع بل توجد أحاديث ظهرت لأول مرة في كتب السيوطي وابن حجر في القرنين التاسع والعاشر، بل والأدهى من ذلك توجد أحاديث تم وضعها في القرن الرابع عشر بعد غزو العراق للكويت..
أي جماعة وأي فرقة تعتمد على التقليد وأقوال السابقين ستمرق من الدين كما مرقت داعش، فكل متدين يختار دينه وفق طبيعته وتكوينه الشخصي، أي أننا في الحقيقة لا نؤمن بإسلام واحد بل ملايين من الإسلام، كل دين مختلف عن الآخر، والتقليد يستدعي أجواء الكراهية التي حلّت في الطبائع الأخرى، فيجري استعادة السلبيات قبل الإيجابيات كون التقليد لم يتم إلا عن حاجة ومنفعة.
وكما يُقال أن فعل الشر أسهل من الخير، وفي التاريخ كان الهدم والشر علامة لبدايات ونهايات الدول، فما من دولة تنتهي أو تبدأ إلا ويشيع معها الشر وكافة صنوفه من الظلم إلى القتل إلى السرقة إلى كل صنوف الطغيان، حتى روي في كتاب .."مقاتل الطالبيين".. لأبي الفرج الأصفهاني أن أبي جعفر المنصور دفن بعض الشيعة أحياء، وهذه جريمة لم نراها بعد عند الدواعش، لكن حرق الطيار الأردني ربما يوازيه استدعاء هذه الجريمة من التاريخ.
وهذا يعني أن نموذج حرق المغيرة العجلي تم استدعائه لحرق الطيار الأردني اعتماداً على نصوص وأحاديث تُجيز ذلك من فعل الصحابة ، أي أننا لن نبرح التاريخ ونصوصه ومآسيه حتى نتخلص من التقليد وقدسية الموتى ونعلن فتح باب الاجتهاد والنظر في الأدلة حتى يتسنى لنا علاج الجريمة في الأفق الديني مرحلياً .
ليس المطلوب الآن أكثر من وقف المذابح باسم الدين، على أن يرافقه تحدٍ آخر وهو النظر العقلي لضمان عدم استدعاء هذه الجرائم مرة أخرى، وقد يحدث ذلك إذا انتقل العرب من حالة البداوة المعاصرة إلى حالة حضارية يكونون فيها أقرب للإنسان من الحيوان، فتمدد السلفية سمح بشيوع نوع من الغرائز الحيوانية فتكت بالبشر قبل أن تفتك بشئ آخر أقل أهمية، وقد حارب الأسبقون الفكر السلفي محذرين من خطورته على الأجيال اللاحقة، وقد وصل التحذير متأخراً مع شيوع العلم والتواصل المعرفي وشبكات الإنترنت.
فَعَلِم العوام لأول مرة أن ما عرفوه دهراً لم يكن سوى رأياً واحداً يقابله آراء أخرى ليست أقل حجة ومنطقية، وما ظاهرة الإلحاد بين الشباب العربي إلا نموذجاً للنظر العقلي في الدين، مع ضعف بائن في مؤسسات الدولة التعليمية والدينية، لم يجد الشباب حُجج مقنعة تحملهم على إعادة النظر، وقد يكون ذلك أحد أوجه انتشار الفكر الفوضوي بين الشباب، بدليل أنهم لا يهتمون بتقلد المناصب أكثر من المعارضة وإطلاق الشعارات، ولو تقلد أحدهم منصباً ربما عَلِم أن ما كان يثور عليه في الماضي لم يكن سوى ثورة على الذات.
اجمالي القراءات
7145