إذا الشعب المصري أراد الحياة
بعد ما سمي "الخريف العربي"، الذي أعقبه "شتاء عربي" قارس البرودة والظلمة، اجتاح المنطقة العربية في تونس وليبيا ومصر وسوريا، وبات يهدد كل دول وشعوب المنطقة، وقد سيطر وساد فيه ذئاب الظلام والتخلف والإرهاب، بدأت من مصر هذه المرة تباشير "ربيع حقيقي"، تستيقظ فيه الشعوب على ما فاتها، وعلى ما انخدعت فيه لعقود من أيديولوجيات الكراهية والموت والظلام، لتبدأ "إرادة جديدة للحياة" مواجهة مع "إرادة الموت"، ومن المحزن ولا نقول المحبط، أن العالم الغربي الذي ننظر إليه نحن دعاة الحرية والحداثة، بصفته الرائد في قيم ونوعية الحياة التي نتوق إليها، ونسعى لتوطينها واستزراعها في بلادنا، أن نجده الآن يقف مسانداً لأعداء البشرية والحياة، وقد عقد معها صفقة لعينة، صرنا فيها نحن أعداء التحول الديموقراطي والحرية!!
لابأس، فهي الآن معركة صراع إرادات، إرادة الشعب المصري في الحرية والحداثة وحياة أفضل تليق بالبشر، في مواجهة إرادة خفافيش الظلام وحلفائهم في العالم الغربي، الذي قرر تسليم منطقة الشرق الأوسط للجماعات الإسلامية الإرهابية، ليتجمعوا فيها ويكتفوا بها، مقابل أن يكفوا أذاهم عن باقي أنحاء العالم. . الأمر على حقيقته إذن مضاد لما يرفعون راياته ويصورونه كدفاع عن حقوق إنسان وديموقراطية وما شابه، فهم يعرفون يقيناً حقيقة من نواجههم، ولم يدخروا جهداً في مطاردتهم في الصومال واليمن وأفغانستان وسائر أنحاء العالم، لكنهم بعدما فشلوا في اجتثاث جذورهم، قد قرروا التضحية بشعوب المنطقة، لتكون القربان الذي يقدمونه ترضية وإشباعاً لوحش الإرهاب المتأسلم، وربما يفعلون ذلك بضمير مخدر بحقيقة أن هذا الوحش هو أصلاً من إنتاج هذه الشعوب.
ليس الغرب فقط، بل بيننا أيضاً من يرى النيران تشتعل في وطنه، فلا يكتوي مع أهله بنيرانها، لكن ترتسم على وجهه ابتسامة صفراء، ويذهب ليقف أمام المرآة، ليجمل وجهه الذي تجتاحه تجاعيد الوهن وهبوط الهمَّة ببعض من مساحيق التجميل، فيأتي من "صندوق حقوق الإنسان" بعبارات معلبة مكرورة إلى حد الابتذال، يخرج علينا بها، ليؤكد أنه إنسان متحضر ورهيف المشاعر، وأنه فراشة ملونة تحلق في سماوات القيم بجناحين من نور يعجز كثيرون عن رؤيتهما، فيصدقه البعض، وينظر إليه آخرون باستغراب، ويضيق صدر البعض من سماجته، فيبصق على الأرض في مواجهته ويمضي. . أليس هذا تقريباً ما قد فعله ذلك الكبير الحائز على جائزة نوبل للسلام؟!!
رغم أن الموقف في مصر كان واضحاً كشمس الظهيرة، أن عصابات إرهابية إجرامية متأسلمة تهدد أمن وحاضر ومستقبل البلاد والعباد، إلا أن القيادات السياسية والعسكرية المصرية لم تدخر جهداً، بل وربما بالغت في الحرص على توضيح الصورة للعميان والمتعامين في الداخل والخارج، واستنفدت كل محاولات تراجع الإرهابيين عن غيهم واستجرامهم، بعدها كان على رجال مصر الشرفاء أن يتقدموا بشجاعة لاستخلاص مصيرنا من بين أنياب الذئاب، لذا لا ينبغي أن نكترث الآن بعواء العاوين، ففي أنوار الفجر الذي يشرق ما يكفي من الضوء لفضح كل المتاجرين بمصائر الشعوب.
لكي تستمر ثقة شعوبنا في العالم الغربي، مطلوب منا أن نصدق أن مؤسساتهم السياسية والبحثية والإعلامية لم تكن قادرة على اكتشاف أن التجمعات في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة بقلب القاهرة ليست اعتصامات سياسية سلمية، لكنها بؤر إجرامية تكدس الأسلحة، وتستهدف شل الحياة المصرية، وتنطلق منها بين وقت وآخر حملات تخريب وقطع طرق وخطف مدنيين ورجال شرطة، وأنها مركز قيادة لعناصر إرهابية منتشرة في ربوع مصر، وهذا ما رأيناه من هجمات تلك العناصر في سائر أنحاء البلاد فور البدء في تصفية البؤرتين القياديتين. . إذا كان العالم الغربي يتصور نفسه الآن في دور القاضي، والشعب المصري ودولته في دور المتهم بانتهاك حقوق الإنسان، فإن الحقيقة هي أن العالم الغربي بأكمله هو المتهم بالنفاق والخداع وبالمتاجرة بمصائر الشعوب، وبالتعاون مع التيارات الإرهابية، التي يقاتلها إذا ما مست بلاده، لكنه يتحالف معها ويساندها ويدعمها لكي تسيطر على شعوب الشرق.
مطلوب منا أيضاً لكي نرى معقولية في موقف الغرب من ثورة الحرية التي قامت في مصر في 30 يونيو 2013، أن نصدق اقتناعهم بأن فترة عام مضى من حكم محمد مرسي وأهله وعشيرته كان حكماً ديموقراطياً، ولو في مراحله البدائية الأولى، ولم يكن حكماً جاهلاً غبياً يستهدف استدال ستائر سوداء على كافة ربوع مصر، وكأن هذا الحكم لم يضرب القانون والشرعية ويستهدف السلطة القضائية، ولم يحاصر رجاله المحكمة الدستورية العليا، ومدينة الإنتاج الإعلامي. . هل يسمح الغرب في بلاده لجماعات سياسية بفاعليات مثل هذه، ويعتبرها من قبيل حرية الرأي؟. . وكأن أحداً في الغرب لم يشاهد جلسات مجلس الشورى الإخواني السلفي الذي يسميه المصريون "مجلس قندهار"، ويستمع لما يقوله نوابه الأكثر والأعجب تخلفاً وظلامية وجهلاً، بل ويرى أشكالهم وسيماهم المنتمية لمراحل ما قبل التاريخ. . هل كانت هذه الديموقراطية التي يؤمنون بها ويدافعون عنها، أم هي ما يرتضونه أو يريدونه لشعوب الشرق، لكن لا يقبلونه على أنفسهم؟!!. . نعم آلية ديموقراطية ممثلة في صناديق الانتخاب قد أتت بهؤلاء، لكن ألا يتوجب علينا أن نتأمل إن كانت عملية الانتخاب قد أتت بالفعل بالنتائج المرجوة والمتوقعة، والتي يمكن أن تقودنا لحياة ديموقراطية، أم أنها ستأخذنا إلى الطريق ذاته الذي سارت فيه ألمانيا وإيطاليا وغزة، حين أتت ذات صناديق الاقتراع بهتلر وموسيليني واسماعيل هنية؟!!
من الطريف أو المستفز سيان، أن دعاة الإنسانية وحقوق الإنسان في مصر والعالم الغربي لم يلفت نظرهم بداية فعاليات الإخوان وأذيالهم يوم 14 أغسطس، مع بداية تفعيل الدولة المصرية للقانون في مواجهة بلطجتهم واستجرامهم. . لقد بدأوا باستهداف الكنائس ومتاجر وبيوت الأقباط في مدن وقرى مصر، حرقاً وقتلاً ونهباً، والعجيب أن هذا لم يحرك ضمائر الغرب الحية التي يدعونها، ويفتح عيونهم المغلقة عن الحقائق، ليدركوا من هؤلاء حقيقة، وإن كانوا بالفعل فصيلاً سياسياً ديموقراطياً تم الإطاحة به عبر انقلاب عسكري، أم أنهم ذات الإرهابيين الذين تدك معاقلهم طائرات وصواريخ الناتو في جبال أفغانستان، وتستهدفهم الطائرات بدون طيار في باكستان واليمن وجبال تورا بورا، أيضاً ما فعله "الفصيل الديموقراطي الإرهابي" بقسم شرطة كرداسة، الذي هاجموه بمضادات الدبابات، وارتكبوا مذبحة في حق رجال الشرطة ومثلوا بجثثهم، ورأينا جميعاً صوراً للمذبحة لم أقو أنا شخصياً على النظر إليها، ألم تكن هذه كافية لتدلهم على الطرف الذي يمارس العنف فعلاً وفكراً وأيديولوجيا، وأن تخرس كل من يصنفون الإخوان وهوامشهم الإجرامية كفصيل سياسي وطني يحتاج للمساندة دعماً للديموقراطية؟!!
كلي يقين بانتصار إرادة الحياة التي يمثلها الآن الشعب المصري، وبالهزيمة الساحقة للإرهاب، وللمتراجعين أمامه والمتحالفين معه. . نحن من حَضَّرْنا "العفريت"، ونحن من سنصرفه!!
المصدر ايلاف
اجمالي القراءات
8100