الفتوة ونقابات الحرفيين فى العصور الوسطى

احمد صبحى منصور   في الخميس ١٠ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


ظهرت جماعات الفتوة في العصر العباسي وامتدت إلى الأناضول وآسيا الصغرى حيث انخرط فيها أرباب الحرف , وكانت جماعات الفتوة من الحرفيين يقيمون لهم زوايا لاستقبال الغرباء وإيوائهم ، ويقومون بنجدة الملهوف والوقوف ضد الظالم ، وفي مدن التخوم والثغور كانوا يشاركون في الحرب ضد البيزنطيين .

مقالات متعلقة :

وقد تنقل الرحالة ابن بطوطة في زوايا أهل الفتوة من أرباب الحرف أثناء تجواله في الأناضول وآسيا الصغرى ، وكتب عما شاهده من كرمهم وشهامتهم .
وبدا واضحاً أن لكل حرفة جماعة من أهل الفتوة يمثلون نظام النقابات في عصرنا ، وقد اعترفت الدول القائمة في الأناضول وآسيا الصغرى بتلك الكيانات الاجتماعية التي أقامها أرباب الحرف خلال نظام الفتوة ، بل وكان حكام بعض المدن من أهل الفتوة .. ولعل نظام الفتوة  هو الذي أوجد ذلك التنظيم المحترم لأرباب الحرف .
    وكانت لأهل الفتوة آداب وتقاليد ونظم أضفى عليها واضعوها المسحة الدينية ، وربطوها أحيانا بجذور شيعية و صوفية  أو سنية حسب المعتقد السائد لدى أصحابها.
العـــودة للأصـــــــــول
 

 

  ونتابع الرضوى "محمد بن سيد علاء الدين" في كتابه عن الفتوة المؤلف سنة 931 هـ  لنرى بعض تقعيداته لأهل الحرف من خلال نظام الفتوة .

 

   جعل الرضوى لأهل كل حرفة سلسلة ، وذلك على النسق الصوفي في امتداد الطرق والسلاسل .
والرضوي في وضعه لتلك السلاسل الوهمية لأصحاب الحرف من أهل الفتوة إنما يعبر عن الثقافة المتردية لأهل القرن العاشر الهجري حيث ساد التصوف وعمت الخرافة وتضاءلت المعرفة .
   ومع ذلك فإن ما كتبه الرضوي يعبر عن الروح الدينية للقرن العاشر حيث يضفي المجتمع على كل نشاط المسحة الدينية .
وإذا كانت جماعات الفتوة قد أفرزتها الظروف الاجتماعية والسياسية فإنها تتمسح بالدين ، وإذا كان أرباب الحرف والصناعات قد انخرطوا في سلك الفتوة وتنظيماتها فلا بأس من أن يكون لهم نسب وسلسلة بأسماء وأعلام لهم احترام في التفكير الديني.. والعصر في ذلك الوقت كان يتسامح مع الجهل طالما صدر عن عاطفة دينية مشبوبة. ونعتقد أن  الرضوي في كتابه كان أقرب إلى عقلية الصناع وأرباب الحرف منه إلى المؤلفين الباحثين .
 

 

الكاشفي  في كتابه عن الفـــتـــــوة

 

   وهناك مؤلف آخر عن الفتوة كتبه الحسين الواعظ الكاشفي "ت 910 هـ" أي في نفس عصر الرضوي ، وتغلب نزعة التشيع على الكاشفي بسبب نشأته في فارس ، وكتابه عن الفتوة باللغة الفارسية ويتضمن أبواباً كثيرة منها ما يخص أرباب الصنائع والحرف ، وقد وضع لهم ترتيباً آخر يخالف الرضوي .
   وقد قسم الكاشفي أرباب الحرف إلى قسمين : أهل المعركة ، وأهل القبضة .
وأهل المعركة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : أهل الحديث وأهل القوة وأهل الألعاب .
 فأهل الحديث منهم المداحون والمبتهلون بالشعر والسقاة وخواص القائلين من العلماء  ثم الفراشون ثم القصاصون وأصحاب الحكايات .
أما أهل القوة والألعاب فمنهم المصارعون ورافعو الأحجار وحملة الأخشاب والأثقال وعمال البناء  وصناع السلال وحاملوها  واللاعبون على الحبال تلك هي التقسيمات الأساسية لأهل المعركة .
   أما أهل القبضة فينقسمون إلى قسمين : ما يتم العمل به كالسيف ومالا يتم العمل به ويحتاج إلى غيره معه كالأزميل والمسطرين ، وفي القسم الأول تكون قبضة الإنسان هي الأصل ، وتكون الثانية قبضة الفرع وأسهب الكاشفي في الحديث عن الأدوات وأقسامها وعلاقتها بأهل القبضة .
   ولم ينس في حديثه عن أقسام أهل الحرف إلى أن يصعد بكل حرفة في سلسلة بمثل ما فعل الرضوي ، وإن كان أكثر ثقافة وتعمقاً منه .
يقول مثلاً عن عمال البناء الذين ينتمون لأهل القوة والألعاب ، أن سندهم يتصل برافعي الأحجار وهم يحملون مواد البناء في قصعات يلقونها للتسقيف أو التجصيص أو الترميم .
ويقول إن أول من صنع القصعة هو نوح عليه السلام وقد نحتها من الخشب .. ويسير الكاشفي مع خرافات أخرى عاشت في عصره ويضفي بها هالة على أرباب الحرف في تنظيمات الفتوة .
وتارة يستشهد الكاشفي بآيات قرآنية يعلي بها من شأن بعض الحرفيين فهو يقول عن القصاصين وأصحاب الحكايات أنهم يستندون إلى قوله تعالى " وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك : هود 120 " ويعتبر عملهم مفيد لأن السامع يستفيد منه العبرة ، ويقول إن أهم آلة يستعين بها القصاص وأصحاب الحكايات هي الكرسي الذي يجلس عليه .
بذلك يسير مع منهجه في الاعتماد على المرويات الشائعة في عصره لكي يضفي مسحة دينية على كل صاحب حرفة.
ونظير ذلك ما يقوله الكاشفي عن السقاة  من أن عملهم مبارك بدليل قوله تعالى " وسقاهم ربهم شراباً طهوراً " ويقول أنه يكفي السقاءون فخراً أن يكون نوحاً عليه السلام ساقي المؤمنين على ظهر السفينة وإبراهيم عليه السلام ساقي أهل الصحراء.
هذه المقالة تمت قرائتها 200 مرة
اجمالي القراءات 19446
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   السبت ١٩ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[44243]

جماعات الفتوة وجماعات االإخوان

وافر الشكر للدكتور / أحمد صبحي على هذه الدراسات التاريخية الموثقة ، والتي تفيد المهتم بالثقافة  والمهتممين بالشئون العربية والاسلامية والتي يمكن من خلال مثل هذه الدراسات التاريخية والتي إحداها بين أيدينا الآن فيمكن للباحث والمثقف  والقارئ العادي أن يفوز برؤية ثاقبة لما يحدث في تلك العصور الاسلامية ومقارنتها بما يحدث الآن في عصرنا الراهن واستخلاص العبر وإيجاد الحلول لما يواجه أمتنا الاسلامية على وجه العموم  وأمتنا المصرية على وجه الخصوص، فتجد ان نوعين من المؤرخين تناولوا نشأة جماعات الفتوة ونقابات الحرفيين في العصور الوسطى، وبصفتي مهتم بالشئون الاصلاحية والثقافية لأمتنا الكبيرة أجد الآتي


  أن هناك تشابها  بصورة واضحة لا تخفى على  المتأمل  في نشأة جماعات الفتوة  في العصور الوسطى ونشاة جماعات الإخوان في العصر الحديث فنجد أن نشاة  جماعات الفتوة في ذاك العصر كان  نتيجة وإفرازاً طبيعيا  للظروف الاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة في المجتمعات الاسلامية، وكيف كان ذلك ؟  كان بغياب العدل والقسط في المجتمعات الاسلامية وتركز السلطة في أيدي أسرات بعينها وشعور المواطن بأنه لاقيمة له ، وأنه معرض للهوان والتنكيل به وقتما يريد السلطان !


وبالتالي لجأ أصحاب الحرف إلى هذه التكتلات البشرية  من أصحاب الحرف ممن يملكون  قوة الحرفة وقوة الأيدي ولا يملكون قوة العقل والوعي الديني السليم، وسكنوا مدن التخوم الثغور وقسموا أنفسهم  حسب ما جاء بكتاب الرضوي. وكما صنفهم الكشافي إلى أهل المعركة وأهل القبضة.


2   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   السبت ١٩ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[44244]

يتبع

وإذا أتينا إلى عصرنا الحديث وتتبعنا نشاة  جماعات الإخوان وتأملنا  الظروف الاجتماعية للنشأة لوجدنا تشابها ملحوظا بين جماعات الفتوة وجماعات  الإخوان ، فنجد أن الظروف الاجتماعية والسياسية في أول القرن  الماضي وأواخر القرن الذي سبقه عند قيام الدولة السعودية في الحجاز واتخاذها اللمرجعية الدينية المتطرفة في الفكر الاسلامي في العصور الوسطى شعارا وستارا  مما أفرز هذه الدولة البدوية المتطلعة للغزو  والتسلط فقد أخضعت الحجاز لنفوذها ، وارادت على المدى البعيد أن يكون لها عمقاً استراتيجيا في مصر فتم  لها ذلك على يد  الزعيم حسن البنا الأب الروحي للإخوان و استغلوا ظروف الاحتلال الانجليزي لمصر وظروف الفقر  التي يمر  بها البلد المُحتل ونشروا فكرهم خلال القرن الماضي وخصوصا بعد تدفق أموال البترول عليهم وسفر الكثير من الكوادر العلمية الى السعودية وعودتهم  مشبعين بالفكر الوهابي ذو المرجعية الدينية المتطرفة  والذي انتشر بين أبناء مصر كما تنتششر النار في الهشيم ، على مرأى وجهل من الإدارة المصرية خلال النصف الثاني من القرن الماضي!؟


 وهانحن اليوم ندفع ثمن  تكتل السلطات في كلا البلدين  وتواطئهم على شعوب الأمة الاسلامية من تهميش أصحاب الفكر الاصلاحي المستند إلى القرآن الكريم وما تنادي به  المواثيق الدولية من الحرية والدعوة إلى السلم ومحاربة الفقر وحرية الاعتقاد والدعوة إليه  بكل الوسائل المتاحة  بالطرق السلمية كما ينص على ذلك القرآن  وكما جاء الميثاق العالمي لحقوق الانسان.


3   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الأحد ٢٠ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[44266]

الصبغة الدينية .

نشكر الدكتور منصور على هذه الدراسة التكميلية لجماعات الفتوة والتي كانت سائدة في العصور الوسطى ، فالواضح أن هذه الجماعات كان لها إيجابيات بجانب السلبيات التي كانت توجد بها أيضاً فمن ضمن الإيجابيات إكرامهم للضيف ونصرة المظلوم ، هناك أيضاً أنهم كانوا يسكنون الحدود المجاورة للعدو. وهذا سلوك دفاعي نهجته هذه الجماعات للفرار من الطبقية بالمجتمع ، والعيش بحرية بعيداً عن نفوذ السلطان . وهذا ما يفعله البدو هذه الأيام . فنرى تشابهاً بين جماعات البدو وجماعات الفتوة ، ووجه الشبه بينهما هو محاولة البعد عن نفوذ السلطان المستبد ، والعيش بحرية .


ولكن نجد أن المؤلف الكاشفي بما أنه كان شيعي المذهب قد كانت ترجمته لهذه الجماعة  تشوبها الصبغة الدينية الشيعية . 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
باب دراسات تاريخية
بقدمها و يعلق عليها :د. أحمد صبحى منصور

( المنتظم فى تاريخ الأمم والملوك ) من أهم ما كتب المؤرخ الفقيه المحدث الحنبلى أبو الفرج عبد الرحمن ( ابن الجوزى ) المتوفى سنة 597 . وقد كتبه على مثال تاريخ الطبرى فى التأريخ لكل عام وباستعمال العنعنات بطريقة أهل الحديث ،أى روى فلان عن فلان. إلا إن ابن الجوزى كان يبدأ بأحداث العام ثم يختم الاحداث بالترجمة او التاريخ لمن مات فى نفس العام.
وننقل من تاريخ المنتظم بعض النوادر ونضع لكل منها عنوانا وتعليقا:
more