القاموس القرآنى
بقلم د. أحمد صبحي منصور
حزب الله وحزب الشيطان
. يعتقد الإخوان المسلمون وكافة الذين يستخدمون الدين فى الطموح السياسى ـ أنهم يستمدون شرعيتهم السياسية في الحكم من الله تعالى وليس البشر، لذا لا يؤمنون بالتعددية الحزبية في السياسة لأن الأحزاب عندهم حزبان فقط حزب الله – وهم يجعلون انفسهم حزب الله ـ وحزب الشيطان وهم أولئك الذين لا يؤمنون بحقهم في الحكم والتحكم ..
وتلك نظرية بديعة في خلط أوراق الدين بالسياسة وخطورتها على الإسلام أفظع من خطورتها على الوطن وأهله وحاضره ومستقبله، وربما أصبح معروفا خطر الحكم الديني واستبداده ودمويته وفاشيته ونحن قدعانينا من " بروفة " صغيرة قام بها التطرف أو الجناح العسكري للتيار الديني فى أعماله الارهابية ، قبل ان يصل الى الحكم ، فماذا إذا وصل للسلطة وأصبح يحكم بالحاكمية أو حق الحاكم المتأله فى ان يتملك الناس بزعم أنه مختار من الله تعالى لحكم الناس والتحكم فيهم وتملكهم.
. ولكن الذي يحتاج إلى توضيح هو مقولتهم بأن الإسلام لا يعرف إلا حزبا واحدا شرعيا هو حزب الله وحزبا آخر ملعونا هو حزب الشيطان وأنهم وحدهم هم حزب الله وأعداؤهم حزب الشيطان . ونريد أن نوضح ما يقوله القرآن الكريم في ذلك .
إن الله تعالى جعل الجنة في الآخرة من نصيب المؤمنين في كل زمان ومكان وجعلهم حزب الله وفي المقابل جعل النار من نصيب الكافرين في كل زمان ومكان وجعلهم حزب الشيطان أي أن استعمال كلمة " حزب الله " " وحزب الشيطان " هنا تعني مفهوما دينيا ووصفا بالإيمان والتقوى ولا يعلم سوى الله تعالى من سيكون يوم القيامة من حزب الله او من حزب الشيطان . الله جل وعلا وحده هو الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهو وحده جل وعلا مالك يوم الدين ويوم الحساب ، ومن يزعم لنفسه تلك المزية فقد إدعى الالوهية وخرج عن الاسلام وصار عدوا لله تعالى ورسوله. وهذه قضية واضحة فى عقيدة الاسلام .
. وتعالوا بنا نستعرض من الآيات القرآنية التي تعرضت لمفهوم كلمة حزب وأحزاب
1- إن الهداية للحق تأتي من دين الله تعالى الحق ومن يتمسك به فهو من حزب الله , والله تعالى يقول عنهم " أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .المجادلة 22 " . وذلك الفلاح في الآخرة في الجنة . وفي المقابل فأصحاب النار هم حزب الشيطان والله تعالى يقول عنهم " يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ . المجادلة 18 و19 " أي استحوذ عليهم الشيطان في الدنيا فأصبحوا في الآخرة في النار , ومن حزب الشيطان . والله تعالى يحذرنا في حياتنا الدنيا من ذلك الشيطان حتى لا نكون في الآخرة من حزبه.
2- ومنذ أن نزلت الرسالات السماوية بالهداية كان الشيطان يبذل جهده في الغواية , وينجح في ذلك , ليس فقط في تكوين جبهة مضادة للرسول وأتباعه ، ولكن بعد ذلك ينجح في تفريق المؤمنين إلى أحزاب دينية متفرقة .
3- وكما قلنا فالشيطان يبذل جهده في تكوين جبهة ضد المؤمنين ويبذل جهده في تفريق المؤمنين إلى أحزاب دينية , ولذلك فإن الله تعالى يصف مشركي الأمم السابقة بأنهم أحزاب , وذلك وصف ديني وليس سياسيا , وقد كان مشركو مكة على شيمة الأحزاب المشركين من قبل , لذا أخبر القرآن مقدما بهزيمة المشركين في الجزيرة العربية. وهكذا يقول تعالى عن المشركين السابقين أنهم أحزاب , أي أحزاب دينية " كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ . غافر 5 " . ويقول تعالى أيضا عن تحالف المشركين ضد النبي " وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . الأحزاب 22 " .والقرآن يصف من يكفر بالقرآن بأنه من الأحزاب ويتوعده بالنار مع باقي الفصيلة المعروفة بحزب الشيطان , يقول تعالى " وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ : هود 17 " ..
. إذن فالقرآن يتحدث عن مفهوم ديني لكلمة حزب وأحزاب ، ومن الطبيعي هنا أن يكون الناس قسمين فقط , أحدهما في الجنة وهم حزب الله , وأخر في النار وهم حزب الشيطان . ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تعالى وحده ..
وجاء التيار الديني فخلط أوراق الدين بالسياسة وجعل الخلطة لصالحه هو , وبدأ بإصدار قرار بأنه هو وحده حزب الله وبأنه وحده المخول من لدن الله تعالى بحكم الناس أو الرعية . وطالما اعتبر نفسه جماعة المسلمين فإن غيرهم ممن لم ينضم إليهم فليس من المسلمين وبالتالي فإن الموقع الباقي له هو حزب الشيطان فقط ..
ونرجع للقرآن لنحتكم إليه في تلك الدعوة أيضا ..
1- فليس من أخلاق الإسلام أن يزكي المرء نفسه بالإيمان والتقوى , والله تعالى يقول " فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى : النجم 32 " . والإخوان المسلمون أجدر بهم أن يبتعدوا عن هذا المنزلق الخطير إن كانوا فعلا يخافون الله تعالى ..
2- وليس من أخلاق الإسلام أن نتهم مؤمنا بما يقدح في عقيدته وسلوكه لمجرد الاختلاف معه في الرأي , وأولئك قد اعتبروا أنفسهم وحدهم هم المسلمين واعتبروا الخارج عنهم ليس من جماعة المسلمين , أو خارجا عن حزب الله أي من حزب الشيطان , وتلك تهمة فظيعة , وهم إن كانوا أحيانا لا يصرحون بها فإن تسميتهم أنفسهم " الإخوان المسلمون " وأدبياتهم السياسية تفصح عن ذلك , وذلك يدعم اتهامهم لغيرهم في دينه ومعتقده , والله تعالى يقول " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .الأحزاب 58 " .
3- وهم حين يزعمون أنهم يستمدون شريعتهم من الله تعالى , فقد وقعوا في منزلق اخطر , فمن أين لهم تلك الشرعية التي يزعمونها ؟ أهو وحي جديد بعد القرآن الكريم ؟ وأين ذلك النص أو التفويض الإلهي الذي نزل لهم وحدهم من السماء بأن يحكمونا ويركبوا أكتافنا باسم الإسلام ؟ إن ذلك الزعم في حد ذاته افتراء على الله تعالى
. إذا كان الإخوان المسلمين مهمومين فعلا بالإسلام , فالإسلام يدعوهم إلى أن يفهموه أولا بعد أن تراكمت على حقائق الإسلام طبقات من الخرافات لوثت عقائد المسلمين , ومن يحب الله ورسوله يهب حياته لتوضيح حقائق الإسلام وتبصير المسلمين بها
وإذا كانوا يحبون الله ورسوله فلتكن الآخرة مطلبهم الأساسي , وليس الدنيا ومواكبها , والله تعالى يقول " تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . القصص 83 " .
وإذا كانوا يريدون الدنيا والسياسة فهذا حقهم .. ولكن من حقنا عليهم أن يكلمونا بلغة السياسة شأنهم شأن الأحزاب الأخرى دون تمسح بالدين أو استغلال لأسم الإسلام العظيم .. فليس مثل الإسلام دينا ظلمه أصحابه والمنتسبون إليه !!
اجمالي القراءات
20022
وليس من حق أي إنسان أن يفضل نفسه على إنسان آخر في النواحي الإيمانية العقيدية ، لأن تلك الأمور لا يعلمها إلا الله عز وجل ..
فلابد لهذه الجماعات والأحزاب المتمسحة بالدين أن تفصل بين الدين والسياسة إذا كنوا فعلا يريدون وجه الله ، أما إذا كانوا يمتطون الدين للوصول إلى أهداف سياسية بحته فليسامحهم الله ، ويجب ان يتخلوا عن كل المظاهر الكاذبة التي انخدع بها المسلم البسيط ..