متى يدرك الرئيس مبارك هذه الحقيقة؟
اضيف الخبر
في
يوم
الأربعاء ٠٧ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً.
نقلا عن:
الشروق
تولى الشاه محمد رضا بهلوى حكم إيران منذ عام 1941 وحتى عام 1979، وقد كان شاه إيران على علاقة وثيقة بالمخابرات الإنجليزية والأمريكية التى كان لها الفضل فى إعادته للعرش عندما أجبره رئيس وزرائه الزعيم الوطنى محمد مصدق على مغادرة إيران فى بداية الخمسينيات، كما تميز حكم الشاه بالقمع الشديد للمعارضين وتسببت الشرطة السرية الإيرانية (السافاك) فى قتل وتعذيب مئات الآلاف من الإيرانيين حتى قامت الثورة الإيرانية عام 1979.
شاه إيران اذن، بنظرة محايدة وموضوعية، ديكتاتور سفاح يداه ملطختان بدماء الإيرانيين، وقد كان عميلا، بالمعنى الحرفى للكلمة، للولايات المتحدة والغرب. منذ عامين التقيت فى القاهرة السيدة فرح بهلوى أرملة شاه إيران الراحل فى منزل أصدقاء مشتركين.
وقد أعجبت بشخصيتها المنفتحة اللطيفة المتواضعة ولفت نظرى ذكاؤها الحاد وتعليمها الراقى.. تحدثنا طويلا وأخبرتنى أنها تكتب مذكراتها ووعدت بإهدائى نسخة منها عند صدورها. وفعلا أرسلت إلىَّ مؤخرا نسخة من كتاب مذكرات فرح بهلوى (الصادر عن دار الشروق) بدأت فى قراءة المذكرات فاستوقفنى أن السيدة فرح تعتبر زوجها الراحل شاه إيران بطلا قوميا وصاحب الفضل العظيم على إيران كما أنها تعتبر الثورة الإيرانية مجرد مؤامرة قام بها مجموعة من الرعاع والحاقدين.
وهى تصف اللحظات الأخيرة قبل أن ترغمهما الثورة، هى وزوجها، على مغادرة إيران فتكتب: «إننا نرحل رافعى الرءوس واثقين من أننا عملنا دوما لصالح البلاد واذا كنا أخطأنا فعلى الأقل لم نكن نفكر إلا فى الصالح العام» اندهشت للغاية من هذا الكلام وتساءلت: كيف لهذه السيدة المثقفة الذكية أن تتجاهل أو تغفل عن الجرائم البشعة التى ارتكبها شاه إيران فى حق بلاده؟
قد يقال إن حب الزوجة لزوجها يعميها دائما عن أخطائه لكننا لا نتحدث هنا عن عيوب شخصية وإنما جرائم بشعة ارتكبها الشاه فى حق ملايين الإيرانيين.. الأغرب من ذلك أن المذكرات حافلة بما يدل على أن شاه إيران نفسه كان يعتقد أنه أدى خدمات جليلة إلى الشعب وأنه ضحى براحته وحياته من أجل الوطن.. يقودنا ذلك إلى السؤال: كيف يرى الحاكم المستبد نفسه؟! يعلمنا التاريخ أن الحكام المستبدين جميعا كانوا يعتبرون أنفسهم أبطالا عظاما وكانوا فى حالة دائمة من خداع النفس تجعلهم يبررون كل ما يفعلونه من تصرفات سيئة أو حتى ما يقترفونه من جرائم.
هذا الانفصال الدائم بين الحاكم المستبد وما يحدث فى الواقع، ظاهرة وصفها الأدب العالمى بدقة وسماها «عزلة الديكتاتور».. فالديكتاتور يعيش فى عزلة تامة عن حياة مواطنيه ولا يعرف حقيقة ما يحدث فى بلاده.. بعد سنوات من حكم الديكتاتور تتكون حوله مجموعة من الأصدقاء والأقارب الأثرياء الذين تجعلهم حياتهم المترفة بعيدين تماما عن معيشة الناس العاديين وبالتالى يفقد الديكتاتور إحساسه بالفقراء وهو لا يعايش الحياة الحقيقية أبدا وإنما تنتقل إليه صورتها عن طريق تقارير ترفعها إليه أجهزة أمنية مختلفة.
وهذه الأجهزة ترى من مصلحتها دائما تخفيف الصورة القاتمة للأحداث تفاديا لغضب الديكتاتور وكثيرا ما تتصارع هذه الأجهزة فيما بينها على ثقة الديكتاتور فتكتب تقارير متضاربة وتختلق أحيانا مؤامرات وهمية تزعم أنها قضت عليها لتقنع الحاكم بأهميتها. أضف إلى ذلك أن الوزراء الذين يعملون مع الديكتاتور ليسوا منتخبين وبالتالى لا يهمهم إطلاقا رأى الناس فيهم وإنما ينحصر اهتمامهم فى الحفاظ على رضا الحاكم الذى عينهم ويستطيع إقالتهم فى أية لحظة، وهم لا يواجهون الحاكم بالحقيقة أبدا وإنما يقولون له دائما ما يعجبه..
نادرا ما يغامر الوزراء فى حكم استبدادى بالتعبير عن آرائهم الحقيقية وإنما يظلون دائما فى انتظار تعليمات الرئيس وتوجيهاته وهم يعتبرون كل ما يفعله الرئيس أو يقوله أو حتى يفكر فيه، قمة الحكمة والشجاعة والعظمة. وهكذا تكتمل عزلة الديكتاتور عن الحقيقة حتى يفيق فى النهاية على كارثة تحيق بالبلد أو ثورة تطيح به من الحكم.. إن عزلة الديكتاتور ظاهرة متكررة فى التاريخ وهى من أسوأ عيوب النظام الاستبدادى. عندما اندلعت الثورة الفرنسية فى عام 1789 وحاصرت الجماهير الغاضبة الجائعة قصر فرساى. سألت ملكة فرنسا مارى انطوانيت عن السبب فى هذه المظاهرات فقال أحد معاونيها:
ـ إنهم غاضبون لأنهم لا يجدون الخبز يا صاحبة الجلالة
فأجابت الملكة بدهشة:
ـ ولماذا لا يأكلون الكعك؟
هذه الجملة الشهيرة المنسوبة إلى مارى انطوانيت تدل على مدى العزلة التى قد يصل إليها الحاكم المستبد. لقد كانت مارى انطوانيت امرأة قوية وذكية بل كانت المتحكمة الفعلية فى قرارات زوجها الملك لويس السادس عشر.. لكنها بعد سنوات من الاستبداد صارت بالفعل تعيش فى عالم آخر بعيد.
فكرت فى ذلك وأنا أتابع ما يحدث فى مصر. فقد ذهب الرئيس مبارك لإجراء جراحة فى ألمانيا، أنا بالطبع أتمنى الشفاء لكل مريض لكننى لم أر فى مرض الرئيس حدثا فريدا من نوعه. فكل إنسان يصيبه المرض كما أن سن الرئيس المتقدمة تفرض عليه بعض المتاعب الصحية بين الحين والآخر لكن كتبة النظام استقبلوا مرض الرئيس وكأنه نهاية الدنيا حتى كتب بعضهم أن مصر مرضت بمرض الرئيس وكأن مصر العظيمة قد تجسدت وتلخصت فى حسنى مبارك. نفاق رخيص ومشين استمر طوال فترة العلاج فلما نجحت الجراحة بحمد الله وعاد الرئيس مبارك إلى مصر، انطلقت مواكب النفاق والطبل والزمر.
وصدرت الأوامر إلى بعض المطربين والمطربات بإعداد أغنيات خصيصا من أجل الاحتفال بعودة الرئيس الميمونة ولا أعلم كيف يقبل فنان حقيقى على نفسه أن يتحول إلى مداح بالأجر مثل أولئك المتسولين الذين يطوفون فى الموالد. هل فكر هؤلاء المنافقون فيما سيفعلونه عندما يسافر الرئيس مرة أخرى إلى ألمانيا لمتابعة حالته، هل سيؤلفون أغانى جديدة عند عودته من الفحص الطبى؟.. هل يصدق الرئيس مبارك هذا النفاق؟!
ألا يخطر بباله ولو للحظة أن هؤلاء الطبالين والزمارين لا يحبونه وإنما يدافعون عن الامتيازات التى حصلوا عليها فى عهده؟.. ألا يدرك الرئيس مبارك أن كثيرين من هؤلاء المنافقين ظلوا دائما ملتصقين بالسلطة وتلونت أفكارهم وآراؤهم بما يناسب كل عهد.. كانوا اشتراكيين مخلصين فى الفترة الناصرية، فلما تغيرت الرياح واتجهت الدولة إلى الاقتصاد الحر صاروا من أكبر أنصار الخصخصة وحرية السوق.. ما التصور الذى يملكه الرئيس مبارك لما يحدث فى مصر؟! هل يعرف أن أكثر من نصف المصريين يعيشون تحت خط الفقر؟! ألا يقلق الرئيس أن ملايين المصريين يعيشون فى العشوائيات بلا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحى؟ ألا يزعجه انتشار البطالة والفقر والمرض والإحباط؟ هل يعرف الرئيس مبارك أن مصر قد تدهورت إلى الحضيض فى كل المجالات؟
هل سمع عن الفقراء الذين يموتون فى الطوابير من أجل الحصول على الخبز وأنبوبة بوتاجاز؟ هل سمع عن مراكب الموت التى يحاول من خلالها آلاف الشبان المصريين الهروب من البؤس فيلقون حتفهم غرقا فى البحر؟ هل قال أحد للرئيس مبارك إن آلاف الموظفين يفترشون الأرصفة منذ أشهر أمام مجلس الشعب مع أطفالهم لأن حياتهم أصبحت مستحيلة؟.. هل فكر الرئيس مبارك فى الموظف الذى يتقاضى مائة جنيه فى الشهر لينفق على أسرة كاملة، بينما كيلو اللحم قد وصل إلى سبعين جنيها؟ لا أعرف طبعا كيف يفكر الرئيس مبارك وإن كنت أعتقد، طبقا لظاهرة عزلة الديكتاتور، أن الرئيس مبارك لديه تصور منفصل تماما عن حقيقة ما يحدث فى مصر..
إن الواقع فى مصر مرشح للانفجار بقوة فى أية لحظة ولو حدث هذا الانفجار، لا قدر الله، فسوف ندفع جميعا ثمنا باهظا.. أتمنى أن ينهى الرئيس مبارك سنوات حكمه بإجراء إصلاح ديمقراطى حقيقى وتعديل الدستور بحيث يتيح التنافس الشريف بين المرشحين وإجراء انتخابات حرة نظيفة حتى يختار المصريون وجوها جديدة محترمة تتحمل المسئولية لتنتهى محنة مصر ويبدأ مستقبلها.. متى يدرك الرئيس مبارك هذه الحقيقة؟!
الديمقراطية هى الحل
اجمالي القراءات
3213