«مترو الأنفاق» يخلي منازل ومحال ميدان العباسية بمعاونة قوات الأمن المركزي
بالتأكيد سوف تبدو صورة ميدان العباسية في المستقبل براقة للغاية... صورة تتصدرها محطة مترو الأنفاق التي يجري العمل بها الآن، وتتوسطها حديقة رائعة وضع مهندسو المشروع تخطيطها قبل البدء في التنفيذ ... بينما تغيب عنها عشرات المنازل والمحال التي تم إخلاؤها مساء السبت الماضي بالاستعانة بعدة سيارات أمن مركزي حاصرتها وأخلتها بالقوة بعد القرار الذي وقعه رئيس الوزراء والذي يقضي بأن يسلم شاغلو العقارات المطلة علي الميدان منازلهم للمنفعة العامة .
الرغم من أن رئيس الوزراء وقع قراراً آخر يقضي بصرف تعويض مادي للسكان وأصحاب المحال يمكنهم من الحصول علي وحدات بديلة، فإن هذه التعويضات لم ترض الأهالي الذين قاموا برفع دعوي قضائية تنظرها محكمة القضاء الإداري حاليا اختصموا فيها كلا من رئيس الوزراء ومحافظ القاهرة ورئيس حي الوايلي ومدير أمن القاهرة ، وطالبوا بإعادة النظر مرة أخري في قرار الإخلاء استناداً إلي عدد من الخرائط توضح مسار الخط الثالث من المترو الذي يبتعد عن منازلهم بصورة واضحة.
الأهالي أبدوا استياءهم من إجبارهم علي إخلاء منازلهم ومحالهم بالقوة، دون انتظار جلسة المحكمة التي تحدد فيها نظر القضية غداً الأحد الأمر الذي عكس في نظرهم «استهانة هذه الجهات التنفيذية بالقضاء» كما يقول «مسعد محمود» صاحب أحد محال البقالة والذي كان حريصا أن يتواجد قرب محله حتي بعد أن أغلقه خوفاً علي محتوياته من بائعي الروبابيكيا الذين راحوا يتجولون وسط المنازل والمحال الخالية ويقتلعون كل ما تطوله أيديهم من أسلاك كهربائية وأسياخ حديدية في غياب أصحابها،
«مسعد» لم يستطع أن يمنع الدموع التي انهمرت من عينيه وهو يروي حكايته مع المحل الذي استأجره والده عقب هجرته من فلسطين في عام ٤٨ ثم ورثه هو عنه وظل يشغله حتي وصله إنذار المحافظة بالإخلاء في شهر أبريل الماضي فقام وعدد من أصحاب المحال برفع القضية غير أنه فوجئ يوم السبت الماضي بجنود الأمن المركزي يقتحمون عليه المحل ويلقون بالبضاعة إلي عرض الطريق، ولم يكن أمامه سوي أن ينقل البضاعة إلي منزله حتي لا تتعرض للسرقة مثلما حدث مع الآخرين أو يبيعها بالخسارة.
ويتساءل «مسعد» في دهشة "كيف تقرر محافظة القاهرة صرف تعويض ٤٠ ألف جنيه في محل يساوي أكثر من نصف مليون جنيه؟في حين يرفض رئيس الحي إعطاءنا بدائل لمحالنا بحجة أن أسعار المحال في النهضة تتجاوز بكثير قيمة التعويض الذي سيصرف لنا ويضيف مسعد «الشائع حاليا هو أن يذهب صاحب المحل إلي البنك لصرف التعويض فيفاجئ بالحجز عليه إذا لم يكن مسددا للضرائب أو بأي حجة أخري خاصة أن صاحب المحل لا يتسلم الشيك إلا بعد أن يسلم للحي البطاقة الضريبية والرخصة والسجل التجاري وجميع الأوراق التي تثبت ملكيته للمحل».
حال «مسعد» لا يختلف كثيراً عن حال جاره «صلاح السيد» صاحب محل فطائر فقد استأجر هو الآخر محله منذ أكثر من عشرين عاماً وقام بعمل تجديدات له في عام ٢٠٠١ كلفته أكثر من ١٥٠ ألف جنيه بترخيص من حي الوايلي وفوجئ بقرار الإخلاء وتنفيذه يوم السبت الماضي رغم جلسة المحكمة التي ينتظرها الجميع، ويقول «صلاح» «القضية كانت قد تأجلت لإطلاع المحكمة علي تقرير الخبير الذي تم تعيينه لمعرفة ما إذا كانت العقارات ١٢٨ و١٣٠ و١٣٢ تعترض مسار المرحلة الأولي من الخط الثالث لمترو الأنفاق أم لا».
وأضاف «أصحاب المحال قاموا بدفع أمانة الخبير التي بلغت ١٥ ألف جنيه من جيوبهم الخاصة وكانوا ينتظرون ميعاد الجلسة بفارغ الصبر حتي فوجئوا بقوات الأمن المركزي التي لم تحترم القضاء علي حد تعبيره تقتحم عليهم محالهم بالقوة وتلقي ببضاعتهم إلي الشارع وعندما حاول - حسبما يقول - الاعتراض فوجئ بأحد رجال الشرطة يتهمه بتعطيل مشروع قومي.
«صلاح» يري أن مبلغ التعويض غير كاف بالمرة وقد تحدث هو مع رئيس حي الوايلي في هذه النقطة فنصحه رئيس الحي أن يتسلم المبلغ، ثم يلجأ للقضاء مطالباً بزيادته، واعداً إياه أنه في هذه الحالة سيلتزم أمامه ويسلمه ما تقضي به المحكمة الأمر الذي دفع صلاح لأن يتساءل عن مدي التزام المسئولين وتنفيذهم لذات الأحكام التي تعدوا عليها عندما تجاهلوا موعد الجلسة ولم ينتظروه وأجبروهم علي أن يتركوا محالهم بالقوة، ويضيف «صلاح»: «المشكلة الحقيقية ليست في إخلاء المحل بالقوة من عدمه، وإنما في ١٦ عاملا كانوا يعملون في المحل لديه، وانقطع عيشهم بسبب قرار المحافظة».
قطع العيش كان قدر «رمضان رياض» العامل في أحد محال الكشري بالميدان والذي جاء قرار الإخلاء ليحرمه من عمله ومقر سكنه في وقت واحد حيث إنه يسكن غرفة تقع أعلي المحل منذ أكثر من ١٢ عاما، هو يجلس حاليا في الشارع بعد أن أغلق المحل أبوابه ومنعه الحرس من قضاء ليله داخل حجرته،
ويقول «حاولت التحدث مع القوة التي جاءت لإخلاء المحال مذكراً أحد اللواءات بميعاد جلسة القضية فرد عليه ساخراً «جلسة إيه يا أبو جلسة» ، وما زاد الأمر تعقيدا أن أحد المسؤولين بالحي - توعدني عقب ظهوري في أحد البرامج التليفزيونية ومطالبته بمسكن يحميه من النوم في الشارع».
وكما هو متوقع فقد فجر قرار الإخلاء الخلافات في شقة «السيدة أم أحمد» بالعقار رقم ١٤٢ بسبب تنازع الورثة علي قيمة التعويض الذي صرفه لهم الحي حيث إن الشقة كانت ملكا لوالدتها كما يروي ابنها «أحمد» الذي يضيف أنه ووالدته ووالده يقيمون مع جدته منذ وقت طويل وإنهم واصلوا الإقامة في الشقة حتي بعد وفاة الجدة،
غير أن أخواله الذين لم يكونوا يقيمون معهم ظهروا فور علمهم بصرف مبلغ التعويض ليطالبوا بحقهم في المبلغ علي اعتبار أنه إرث لهم فيه نصيب وهو ما قلل من المبلغ الذي حصلت عليه والدته الأمر الذي لم يمكنها من العثور علي مسكن بديل ودفعها لأن تنقل أثاثها ومقر إقامتها إلي جمعية المواساة الخيرية التي وفرت لها حجرة تضع فيها أثاثها لحين العثور علي حل لمشكلتها وهو ما أثر بالسلب علي صحتها النفسية كونها تسكن في ملجأ للأيتام كما يؤكد ابنها «أحمد»، هذا قبل أن تتردد معلومات عن استلامها شقة بديلة في مدينة النهضة .
اللواء «حمدي سالم» رئيس حي «الوايلي» تولي الرد علي ما جاء علي ألسنة المواطنين وحرص في البداية أن يقول «حي الوايلي ليس إلا واسطة خير بين وزارة النقل والهيئة القومية للأنفاق وبين المواطنين الذين صدر بشأنهم قرارا الإخلاء والتعويض، نفس الأمر بالنسبة لمحافظة القاهرة التي تعد جهة تنفيذية تساعد الجهات الأخري في عملها.
«ويضيف»: محافظة القاهرة كانت حريصة منذ بدء العمل في مشروع مترو أنفاق العباسية منذ أكثر من عام مضي علي أن تعلم المواطنين أصحاب المنازل المطلة علي الميدان بخريطة العمل، غير أن الإخطار الرسمي للأهالي لم يصلهم إلا في أول أبريل الماضي، ومراعاة لظروفهم وامتحانات أبنائهم لم ينفذ القرار إلا في نهاية شهر يونيو الماضي أي أن المحافظة أعطت الأهالي مهلة قدرها ثلاثة شهور يتدبرون فيها أمورهم و يعثرون علي أماكن بديلة».
وتابع: «في الوقت نفسه فإن المحافظة والحي عرضا علي الأهالي إعطاءهم وحدات بديلة في مدينة النهضة غير أنهم رفضوا وأصروا علي تسلم التعويضات المادية موضحاً أن الحي في هذه الحالة لم يكن أمامه سوي صرف التعويضات التي وصلت إلي ٢٢.٥ مليون جنيه حصل منها أصحاب العقارات علي ١٨ مليونا بينما تقاضي المستأجرون ٤.٥ مليون جنيه.
وأشار سالم الي أن مجموعة كبيرة من السكان أخلوا منازلهم خلال الشهور الماضية ولم يتبق منهم سوي عدد بسيط هم الذين تم إخلاؤهم مساء السبت الماضي .
ونفي استعمال العنف في إخلاء المحال موضحاً أن قوات الأمن المركزي التي تواجدت في المكان كانت لحماية الأهالي والجهات التنفيذية معا وأن بعض الجنود قاموا بمعاونة أصحاب المحال في حمل بضائعهم، كما نفي ما تردد من أن مبالغ التعويضات يتم الحجز عليها وفاء لمديونيات الضرائب علي أصحاب المحال مؤكداً أنه هو شخصيا قام بمخاطبات رسمية مع هيئة الضرائب العقارية رافضاً أن يتم تحصيل المديونيات من مبالغ التعويضات وحرص أن يكتب للهيئة قائلا: أنتم وشأنكم مع المواطنين قاضوهم أو تابعوهم في أماكنهم الجدية ولكن ابتعدوا عن أموال التعويضات.
وعن تجاهل الجهات التنفيذية لجلسة المحكمة التي تحدد موعدها يوم ٢٨ أكتوبر قال سالم «إن هيئة المحكمة قامت بنظر القضية مرتين من قبل ولم تصدر في أي جلسة لها قراراً يقضي بوقف الإجراءات التي اتخذتها الجهات التنفيذية سواء العمل في المشروع أو إخلاء الوحدات السكنية مؤكداً أن هذا القرار لو كان صدر لأصبح ملزما للجميع بوقف الإجراءات غير أن هذا لم يحدث».
اجمالي القراءات
7430