وطن مسن !

ابراهيم عيسى Ýí 2008-08-19


ما الحكمة التي جعلت واضعي الدستور يشترطون ألا تقل سن المرشح لعضوية مجلس الشعب عن ثلاثين عامًا وألا تقل سن المرشح لمنصب رئيس الجمهورية عن أربعين عامًا؟

الحكمة في هذا من وجهة نظرهم قطعًا ألا يدير شئوننا ويحكمنا شوية عيال!.. عظيم طيب ليه واضعو الدستور لم يضعوا شرطًا ألا تزيد سن المرشح للبرلمان وللرئاسة علي ستين عامًا كي لا يدير شئوننا ويحكمنا شوية مسنين؟!



الذي يشترط السن عليه إذن أن يكمل الشرط لا أن يتركه معلقًا، فالشاب الغرير تحت الثلاثين والرجل تحت الأربعين إذا لم يكن قد اكتملت مواصفات لياقته الذهنية والنفسية كي يتولي مهمة ثقيلة، فإنه بالمنطق نفسه الرجل فوق الستين لا مواصفاته ولا لياقته الذهنية والنفسية تؤهله كي يتحكم في مصائر وطن وقرارات أمة وقوانين شعب، لكن المشكلة العميقة في مصر أنها تدار من فوق الستين بل من السبعين بل من الثمانين وأكثر رغم أن 65% من شعبها تحت الثلاثين!

احترام الكبير وتقدير المسنين أمر واجب، ومن احترامنا وتقديرنا لهم (وهم آباؤنا وأجدادنا) أننا نريد أن نستفيد من حكمتهم وخبراتهم وحنانهم، فلا يعملون في أماكن ومناصب تدير وتحكم، بل يجلسون هناك في مقاعد الحكمة والخبرة والنصيحة دونما مسئوليات ثقيلة ولا ضغوط كبيرة ولا توترات ومشاحنات السياسة والحكم، فالحقيقة أن مصر بلد ضد الإنسانية حيث لا مكان في الوجود يتولي المناصب والمسئوليات الجسام فيه مسنون مثل بلدنا، وكأننا لا نتعاطف مع كبار السن فنطلب لهم الراحة وكأننا لا نعطف علي مجتمعنا فننشد له القادرين الأصحاء موفوري العافية البدنية والذهنية، بل نحن نستسلم لإدارة البلد بعقليات قديمة وأعمار كبيرة ونسلم المستقبل لمن لا طاقة له علي مشاهدة المستقبل!

مصر حالها في هذا مثل الاتحاد السوفييتي السابق، حين كانوا يطلقون وصف القيادة الشابة علي رجل في الستين من عمره لأن بقية القيادات كانت فوق السبعين والثمانين وهذا ما أضاع الاتحاد السوفييتي وفككه (ولا غرابة في أن تستعيد روسيا عافيتها مع رئيس في الأربعينيات ثم رئيس تالٍ أصغر سنًا) ويبدو وكأن جزء من عملية المخادعة واللف والدوران التي تحترفها مصر هو الدفاع عن وجود المسنين بأنه اختيار الشعب، وهذه طبعًا نكتة، فلماذا لا يختار الشعب بالمرة شخصًا في العشرين من عمره؟! الشعب في مصر لا يختار ولا نيلة وكله بالتزوير والتزييف سواء في قيادات الشعب والشوري أو طاقم الوزراء السبعيني أو قيادات القضاء وكبار متحكمي الدولة بمد المعاش للذين يحبهم النظام ويرضي عنهم وعن كفاءة خدمتهم له، علي الناحية الأخري هناك أحزاب دار المسنين التي تتحكم فيها وتقودها أسماء تجاوزت السبعين وبعضها تجاوز الثمانين، ثم هناك النقابات التي جفت دماؤها حتي بات الجالسون علي مقاعد أبرزها من فرع السبعين والثمانين (علي ما هم عليه من خبرة ودراية وأستاذية) إلا أنه صحيًا وطبيًا وعلميًا ونفسيًا وعصبيًا وبكل مفاهيم الدنيا والآخرة فإن الرجل فوق الستين ومن باب أولي فوق السبعين والثمانين في حاجة إلي الراحة والتأمل، وأن قدراته علي تحمل الضغوط أقل، وأن تركيزه ودأبه ومثابرته ومعافرته أدني، وأن صدره أضيق، وأن عصبيته أبرز، وأن طاقته أضعف، وأن عافيته أعل، هذا هو منطق الأشياء وطبيعة الحياة لا فيه إهانة ولا استهانة بل كل تقدير وحنو واهتمام وهم برجال في مقام الوالد، لكن لا يجب أن يكونوا في مقام القائد، وإلا فإنها مكابرة مع الواقع وتجبر علي الناس ، هؤلاء المسنون لديهم قدرة رائعة علي العطاء ولكن عطاء الجدود والآباء والفنانين والأدباء والحكماء وأصحاب الخبرات التي نتعلم منها، لكن أبدًا ليس عطاءً في منصب قيادي مسئول عن ملايين من البشر ومليارات من الفلوس والمصالح، ستقول لي: طيب ما في أوروبا وأمريكا هناك مسنون علي مقاعد الحكم!.. سأرد عليك بأنك حيرت أهلي معاك فإذا قلنا خارج، قلت خصوصيتنا حماها الله، وإذا قلت عن خصوصيتنا قلت الخارج!.. لكن عمومًا لا يوجد في الخارج مسنون علي مقاعد دولة ولا يمد أحد لأحد المعاش ولا يغير قانونًا لأجله، أما المسنون في مناصب منتخبة فهي انتخابات حرة نزيهة مباشرة وليست مزورة ولا مزيفة، ثم في الخارج ليس الحكم فرديا ولا الرئيس فرعونًا فهي دول مؤسسات بحق، البرلمان فيها قادر علي سحب الثقة من الرئيس أو رئيس الوزراء في طرفة عين، ثم لا يبقي المسن علي مقعده مدي الحياة حتي يصير معمرًا في العمر والمنصب، ثم قيادات عمر السبعين في الخارج هذا استثناء نادر بينما في مصر هذه هي القاعدة.. علي قلبنا!

اجمالي القراءات 11355

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-09-16
مقالات منشورة : 93
اجمالي القراءات : 1,056,594
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 88
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt