الطلاق الصامت" يتسلل إلى آلاف البيوت في العراق

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٣ - ديسمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


الطلاق الصامت" يتسلل إلى آلاف البيوت في العراق

يعدّ "الطلاق الصامت" من بين الأزمات التي تهدد العديد من العائلات في العراق، وهو انفصال عاطفي بين الزوجين لا يشبه الطلاق الحقيقي إلا في كونه غير رسمي، إذ يعيش الزوجان تحت سقف واحد من دون أي تواصل بينهما، ويطلق عليه أيضاً اسم "الصمت الزوجي".
وتدفع أسباب عدة الزوجين إلى العيش في "طلاق صامت"، أهمها الحفاظ على السمعة أو النظرة المجتمعية، أو صحة أطفالهما النفسية، ويفضل البعض الحفاظ على مظهر الزواج لتجنب تعليقات اجتماعية سلبية، كما تلعب الأسباب الاقتصادية دوراً كبيراً، إذ قد لا يستطيع أحد الزوجين تحمّل التكاليف المادية للطلاق، كما أنّ عدم اتخاذ قرار نهائي بالانفصال قد يؤدي إلى عودة الزوجين إلى حياتهما الطبيعية.
مرّ 15 عاماً على زواج أحمد رشيد الذي نتج منه ثلاث بنات لولاهن لما استمر الزواج قائماً رغم أنه أصبح خالياً من المودة منذ عامين، ويقول لـ"العربي الجديد": "عمري 42 سنة، وأعيش مع زوجتي مثل غريبين، وكل ما يجمعنا هو المنزل وبناتنا، ولا نتحدث سوى في الأمور الضرورية".
كان زواج أحمد تقليدياً، ولبى رغبة والدته في الزواج من صديقة شقيقته، ثم اكتشف بعد سنوات أن استمرار هذا الزواج أمر صعب، لكن ذلك حصل "بعد فوات الأوان"، كما يقول، لأنه أنجب بنات يصفهن بأنهن "أحب لي من كل شيء، وأخاف أن يجلب الطلاق ضرراً نفسياً لهن".
هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه أحمد ليس حالة استثنائية، بل واقع لكثير من الأزواج في العراق، فالضغوط الاجتماعية والاقتصادية تجعلهم لا يتخذون قرارات صعبة، ما يؤدي إلى استمرارهم في علاقات غير سعيدة.
وتتحدث مريم المشهداني (38 سنة) لـ"العربي الجديد" عن "مأساة" حياتها الزوجية، وتقول: "كنت أتمنى أن تتغير الأمور، لكن مع الوقت أدركت أننا لسنا سعداء. بقينا معاً لأجل الأولاد، لكنني أشعر بأنني أهدر عمري. أجد الآن صعوبة في التواصل مع أبنائي بسبب التوتر الذي يسود البيت". تضيف: "أعتقد بأنه كان من الأفضل أن أنفصل عن زوجي لأنني سأكون أكثر سعادة وأقدر على تربية أولادي بشكل أفضل، لكن الخوف من المستقبل والوحدة يجعلاني أبقى في هذه العلاقة. أتمنى أن أجد الحل المناسب قبل فوات الأوان".

تمنع الضغوط الزوجين من اتخاذ قرارات صعبة، 1 نوفمبر 2023 (حسين فالح/ فرانس برس)
الضغوط المعيشية أحد معضلات الزواج، 1 نوفمبر 2023 (حسين فالح/فرانس برس)
وتتحدث نرمين قادر عن نحو عشر سنوات من عمر زواجها كانت المشاكل العنوان الأبرز فيها، وتقول لـ"العربي الجديد": "اختار زوجي أخيراً عدم الحضور إلى المنزل سوى عند الليل كي يخلد إلى النوم ثم يذهب إلى عمله في الصباح. هذه دورة حياتنا اليومية، يتكفل زوجي باحتياجات الأسرة وأنا أديرها وأعتني بالولد والبنتين، ولا يعلم أحد من جيراننا بوجود مشكلة بيننا، بل يشيد الجميع بحياتنا الزوجية، فالزوج يكافح من أجل معيشة أفضل لأسرته، والأم تبذل جهدها في تربية طفليها. هذا شكلنا من الخارج، لكن من الداخل لا يجمعنا سوى المنزل".
ويُعتبر اختلاف الثقافات أحد أسباب عدم الوصول إلى تفاهم بين نرمين وزوجها بحسب ما تقول، لكنها تأمل في أن تتغير الحال، وتقول: "نجحت وساطات كثيرة من أهلنا في إصلاح ما بيننا، لكن الحال كانت تسوء بعد ذلك، وقد أخبرته أن يتزوج ويفعل ما يشاء لكن ألا يحصل الطلاق، ثم اكتفيت بأن أكون زوجة على الورق فقط".
ويقول فارس موفق، أختصاصي الطب النفسي، لـ"العربي الجديد": "أشرف على حالات نفسية عانى منها أزواج من اكتئاب، ونجحت في دفع بعضهم نحو الطلاق الصامت لمرحلة مؤقتة كي أوفر فرصة لاحتمال عودتهم إلى حياتهم الطبيعية. تتعلق غالبية المشاكل بالحالة الاقتصادية للأسرة، أو بالاختلاف في السلوك والأفكار بين الزوجين، وهذا شائع بين الأزواج في العراق، وينتهي إلى الطلاق الفعلي أو الطلاق الصامت الذي يتسبب في تبعات نفسية خطيرة بسبب تراكم الخيبات، وربما خيانات لا سيما من الزوج".ويقول الطبيب النفسي حسن الشمري لـ"العربي الجديد": "يدمّر الطلاق الصامت الأسرة كلها، وتزداد حالاته في مجتمعنا، ولا يعرف الأزواج مدى تأثيره السلبي على أسرهم وأطفالهم". يُضيف: "أشرفت على حالات أطفال عانوا من نقص في الحنان والاستقرار العاطفي، ما أدى إلى مشاكل نفسية وسلوكية، وكان السبب انفصال الوالدين عاطفياً، ووجودهما في المنزل ظاهرياً فقط".
ويؤكد الشمري أن "الطلاق الصامت ليس حلاً، وليس في مصلحة الأسرة والأطفال وسمعة الوالدين بخلاف ما يعتقد كثيرون يتخذونه حلاً لحياتهم المليئة بالمشاكل. نتجت حالات طلاق كثيرة أقرتها المحاكم من طلاق صامت استمر فترة طويلة. وبلغ إجمالي حالات الطلاق التي سُجلّت العام الماضي 72 ألفاً و842، مقابل 320 ألفاً و459 حالة زواج.
اجمالي القراءات 13
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق