سودانيون في تشاد... لاجئون يفرون من الموت إلى الموت
يعيش عشرات آلاف السودانيين في مخيمات اللجوء في تشاد المجاورة أوضاعاً إنسانية متردية، وسجلت أخيراً وفيات نتيجة سوء التغذية.
تفاقمت معاناة اللاجئين السودانيين في مخيمات شرقي تشاد خلال الشهرين الأخيرين، ولقي أكثر من ثلاثين شخصاً، من بينهم أطفال ونساء، حتفهم نتيجة سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية، من بينهم 13 بسبب الجوع في مخيم "قاقا" الواقع في إحدى مقاطعات محافظة وارا، حسبما أعلنت شبكة أطباء السودان، السبت الماضي.
ويبلغ تعداد المخيمات في مناطق شرقي تشاد نحو 20 مخيماً، منها حجر حديد، وأركوم، وعلاشا، ودقي، ومجي، وأبو تنقي، وقاقا، وملح، وزابو، وفرشانا، وبرك، ومورة، وأم خروبة، وتنقورى، إضافة إلى المخيم المؤقت في مدينة أدري. ودفع الجوع الشديد أعداداً من اللاجئين إلى حفر بيوت النمل للبحث عن حبيبات الدخن والذرة من أجل سد رمقهم، بينما بعضهم يقتات على أوراق الأشجار أو الأعشاب المتوفرة، وأحياناً علف الحيوانات إن توفر.
يقول المتحدث باسم "شبكة أطباء السودان"، الطبيب محمد فيصل، لـ"العربي الجديد": "يعاني سكان المخيمات في تشاد، وخصوصاً في مُخيم قاقا، من نقص شديد في المواد الغذائية، وأوضاعهم الإنسانية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. دفعت الأوضاع المعيشية القاسية وعدم توفر الموارد، إضافة إلى التدهور الأمني اللاجئين إلى العودة نحو مدينة الجنينة في غرب دارفور، مشياً على أقدامهم في الغالب، لعدم امتلاكهم المال لاستئجار مركبات تقلهم".
يتابع فيصل: "تسبب السير لمسافات طويلة في وفاة ثلاثة نساء لقين مصرعهن على الطريق قبل وصولهن إلى الحدود السودانية في أثناء محاولتهن العودة من تشاد، كذلك توجد حالات سوء تغذية حادة في مُخيمات اللجوء، ومنها مُخيمات مجي، وأبتنقي، وألاشا، وزابوط، ونتوقع تسجيل وفيات أخرى بين الأطفال والنساء بسبب الجوع الشديد وتفشي الأمراض".
وتغيب عن المخيمات مختلف الخدمات الأساسية مثل التغذية والمياه الصالحة للشرب، إلى جانب ندرة الخدمات الطبية. تقول حليمة إسحاق (68 سنة)، وهي لاجئة من ولاية وسط دارفور تقيم في مخيم أركوم الذي يقطنه نحو 17 ألف أسرة، لـ"العربي الجديد"، إنهم يعانون أوضاعاً معيشية قاسية في ظل نفاد المواد الغذائية وارتفاع أسعار المتوفر منها في الأسواق، في مقابل عدم امتلاكهم الأموال التي تمكنهم من شراء السلع.
التدهور الأمني ونقص الغذاء يدفعان اللاجئين للعودة إلى السودان
تضيف إسحاق لـ"العربي الجديد": "غادرنا مناطقنا في السودان سيراً على أقدامنا بعدما نهب الدعم السريع كل ممتلكاتنا، وعندما وصلنا إلى تشاد، لم نجد سوى ظل الأشجار مأوى لنا لنحو شهر، قبل أن ننتقل إلى مخيم أركوم، وحالياً نعيش في مسكن بسيط. كنا لأشهر ننام على الأرض من دون أسرّة أو أغطية، فالمنظمات الإنسانية تمنح كل أسرة بطانية واحدة، ما يجعلنا نضطر إلى النوم متلاصقين على الأرض، ونضع هذه البطانية فوقنا، وإذا ذهبنا لجمع الحطب أو الأخشاب لنبني بها أكواخاً تقينا البرد أو الحر، نتعرض للضرب من قبل سكان القرى القريبة من المخيم".
بدورها، تقول اللاجئة السودانية سامية كوكو، من مُخيم مجي الذي يضم نحو 52 ألف أسرة، لـ"العربي الجديد" إن "حياة اللاجئين في خطر بسبب توقف توزيع المواد الغذائية، التي استُبدِلَت بمساعدات نقدية غير منتظمة، وفي كثير من الأوقات تتأخر. قبل ستة أشهر أوقف برنامج الغذاء العالمي توزيع المواد الغذائية، واستبدلها بتوزيع الأموال على اللاجئين، ونصيب الفرد شهرياً يعادل 27 ألف جنيه سوداني (10 دولارات). لكن الأوضاع الأمنية المتدهورة، وحالة الانفلات الأمني تعرقل فريق التوزيع، وأحياناً لا يتمكنون من الحضور إلى المخيم لأشهر، ما ينعكس على الوضع المعيشي للاجئين الذين لا يملكون أي موارد أخرى لشراء المواد الغذائية، ما يجعل الكثير من الأسر تتضور جوعاً".ويؤكد مسؤول عن تسيير مخيم قاقا لـ"العربي الجديد"، أن "الدعم المالي الذي يُقدم إلى اللاجئين غير منتظم، وغالباً ما يتوقف لأشهر، فيحاول اللاجئون تحسين أوضاعهم المعيشية بالزراعة في موسم الأمطار، لكنهم لا يتمكنون في بعض الأوقات من حصد محاصيلهم الزراعية لسوء الأوضاع الأمنية".
وترجع هشاشة الأوضاع الأمنية في المخيمات إلى قلة أفراد الأمن، فعلى سبيل المثال، يحرس مخيم قاقا الذي يضم نحو 50 ألف لاجئ ثلاثة أفراد شرطة فقط. وكشف عدد من سكان المخيم أن وكالات الأمم المتحدة طالبت في وقت سابق بتوفير الحماية لكوادرها حتى تتمكن من ممارسة عملها، لكن السلطات المحلية لم تستجب لتلك النداءات.
ومع تزايد حدة الانفلات الأمني، نظم سكان مخيم قاقا، يوم الخميس الماضي، وقفة احتجاجية أمام مقر مفوضية شؤون اللاجئين بالمخيم، مطالبين بتوفير الأمن والمزيد من المساعدات. وتؤكد مصادر من المخيم أن اللاجئين يفتقرون إلى الأمن في ظل ضعف الحماية، وكثيراً ما تعرضت نساء في أثناء الاحتطاب لانتهاكات جسدية تشمل الضرب المبرح من قبل سكان القرى المجاورة.
ولا تقتصر التهديدات الأمنية على الاعتداء على اللاجئين خارج أسوار المخيم، إذ تعرّض مكتب صرف المساعدات النقدية للاجئين في إبريل/نيسان الماضي، لهجوم مسلح من قبل مجهولين تمكنوا من الاستيلاء على استحقاقات ثلاثة أشهر كان ينتظر توزيعها، وأصيب في هذا الهجوم خمسة لاجئين بإصابات بليغة.
ويفتقر سكان مخيم قاقا، الذي شهد حالات وفاة متعددة أخيراً بسبب سوء التغذية، إلى الرعاية الصحية. يقول اللاجئ إسحاق إبراهيم لـ"العربي الجديد"، إن "المخيم رغم العدد الكبير لسكانه، يوجد فيه مركز صحي صغير تديره كوادر من الممرضين والمساعدين الطبيين، وهم يقدمون الحد الأدنى من الرعاية الطبية لآلاف اللاجئين، ولم يعرف المركز الصحي زيارة أطباء نساء وتوليد أو أطباء أطفال".ويضيف أنه "إذا أصيب لاجئ في مخيم قاقا بأي مرض يحتاج إلى فحوصات دقيقة، أو مقابلة اختصاصي بصورة عاجلة، فليس أمامه سوى الذهاب إلى مستشفى أبشي المرجعي، إن كان يمتلك المال، إذ لا يوجد من يتحمل كلفة العلاج في أي مستشفى خارج المخيم. الناس هنا يموتون بالأمراض نتيجة الفقر، رغم أنه يمكن علاجهم بعقاقير بسيطة".
ويقول مصدر طبي من مركز قاقا الصحي لـ"العربي الجديد"، إن "المركز يقدم الفحوص البسيطة للاجئين بحسب الإمكانات المتوفرة، وهى تنحصر في فحص الملاريا، وعلاج الالتهابات، ولا يمكن إجراء أي عملية جراحية فيه".
وتعاني السودانيات في مخيمات اللاجئين بتشاد من أجل الوصول إلى الأطباء المختصين في النساء والتوليد. وتقول اللاجئة سامية كوكو: "لا يوجد اختصاصي نساء وتوليد إلا في مخيم مجي، ولا تستطيع النساء في المخيمات الأخرى الوصول إليه بسبب وعورة الطرق، والمخاطر الأمنية التي تهددهن. تعرضت سيدة لنزف حاد في فبراير/شباط الماضي، ولم يمكن إسعافها، وتوفيت في المخيم بعد ثلاثة أيام".
اجمالي القراءات
41