حتى الطعام الحلال أصبح ممنوعاً.. فورين بوليسي: جماعات مناهضة تقتحم مطاعم المسلمين وتهشم نوافذها تحت

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠٦ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: عربى بوست


حتى الطعام الحلال أصبح ممنوعاً.. فورين بوليسي: جماعات مناهضة تقتحم مطاعم المسلمين وتهشم نوافذها تحت

حتى الطعام الحلال أصبح ممنوعاً.. فورين بوليسي: جماعات مناهضة تقتحم مطاعم المسلمين وتهشم نوافذها تحت بصر السلطات الصينية

في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، ألغت عدة أقاليم صينية معايير الطعام الحلال، في خطوةٍ روَّج لها مسؤولون حكوميون باعتبارها مكافحةً لتيارٍ مصطنعٍ من سيطرة الطعام الحلال، يُفتَرَض أنَّه قد أفضى إلى امتداد التأثير الإسلامي إلى الحياة العلمانية.

جاء ذلك في تقرير لجيمس بالمر، المحرر البارز والمتخصص في الشؤون الصينية، نشرته مجلة Foreign Policy الأميركية، قال فيه إن ما يحدث ضد المسلمين في الصين بخصوص معايير الطعام الحلال منافاةٌ صارخةٌ لسياساتٍ حكوميةٍ سابقةٍ شجَّعت بحماسٍ على تطوير تجارة الطعام الحلال لأجل تصديره.

وأضاف: أُغلِقَت ثلاثة مساجد كبرى هذا الأسبوع، ما نجم عنه ارتفاع أصوات الاحتجاجات. وبالفعل أُغلِقَت العديد من المساجد في أرجاء البلاد، أو أُرغِمَت على تجديد تصميماتها لكي تتماشى مع ما يُفتَرَض أنَّه أسلوبٌ ذو طابعٍ صيني أكثر، وتكثَّف حضور الحزب الشيوعي هناك، إذ عُلِّقَت صور الزعيم الصيني شي جين بينغ في مواقع بارزة، وصارت الجدران تكتسي بالشعارات الماركسية.

20 مليون مسلمٍ في الصين، ومن ضمن الأقليات الخمس والخمسين المُعتَرَف بها رسمياً، توجد 10 أقلياتٍ مسلمةٍ تقليدياً، أكبرها بفارقٍ كبير عما بعدها الهُوي والإيغور.

ويعود تاريخ الإسلام في الصين إلى ما قبل ألف سنةٍ، وقد نشبت صداماتٌ سابقةٌ -كما يحدث مع الأديان الأخرى- بين السلطات الإمبراطورية والمؤمنين بالدين، كان أبرزها تمرد دونغان في القرن التاسع عشر. وطعام الأقليات المسلمة شائعٌ ورخيصٌ، وله شعبية في أنحاء البلاد، وتتميز هذه المطاعم عادةً بكتاباتٍ عربيةٍ وصورٍ لمساجد شهيرةٍ على جدرانها. لكن مع تعمُّق ظاهرة الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) على مدار السنوات الأربع الماضية، صارت المطاعم بالتدريج تميل إلى إزالة أية دلائل معلنة على الدين الذي تتبعه.

وتستهدف الصين كل الأديان وليس الإسلام فقط

وحسب جيمس بالمر، فليس الإسلام هو الدين الوحيد المُستَهدَف، إذ تطالب بكين برقابةٍ وإشرافٍ حكوميٍّ على كافة الأديان. وكانت هذه الرقابة فيما سبق تتولاها إدارة الدولة للشؤون الدينية، لكن حُلَّت تلك الإدارة، في مارس/آذار الماضي، وانتقلت مسؤولية الشؤون الدينية مباشرةً إلى إدارة الجبهة الموحدة للعمل، التي تشرف على إدارة الحزب الشيوعي للمجتمع المدني على المستوى المحلي.

وترتَّب على حلِّ إدارة الشؤون الدينية كذلك نهاية كثيرٍ من علاقات العمل بين الإدارة والطوائف الدينية. وقد رحل معظم أفراد هيئة العاملين السابقين، وفي حين صار وانغ زوان -رئيس إدارة الشؤون الدينية لفترة طويلة والمعروف بالتساهل النسبي- الآن واحداً من 10 نواب وزراء في إدارة الجبهة الموحدة للعمل، فإنَّه تقريباً لا يملك أية بطانةٍ أو سلطةٍ ولا يضطلع بأي دورٍ يُذكَر.

وقد علَّق أحد الغربيين ذوي الخبرة الطويلة في العمل مع المنظمات الدينية غير الحكومية في الصين، مشترطاً عدم ذكر اسمه، قائلاً: «كانت إدارة الشؤون الدينية قد أصبحت حاجزاً بالغ الأهمية بين الممارسات الشرعية والحاجات والأعمال الدينية، ومطالب الحزب الحاكم. أمّا الآن فقد تحولت إلى أداةٍ للرقابة العلنية والباطنة، كانت مهمتهم فيما مضى تسيير عمل الأديان. أمّا الآن فمهمتهم هي تسخير الدين لصالح الحزب».

في الوقت نفسه، أُجبِر المسؤولون المحليون، تحت الضغط في بيئةٍ حزبيةٍ داخليةٍ ينتشر فيها جنون الاضطهاد، على التخلي عن سياسات التسامح المحلي لإفساح المجال للإجراءات الصارمة.

على أرض الواقع، تُرجِم ذلك إلى بيئةٍ أشد قسوة بكثيرٍ على المؤمنين بالأديان. إذ واجه المسيحيون في أنحاء الدولة موجةً من القمع، واعتقال عددٍ من القساوسة البارزين، وإغلاق الكنائس، وحظر بيع الإنجيل عبر الإنترنت، وإزالة الصلبان. وكذلك فُرِضت رقابةٌ لصيقةٌ أكثر من أي وقتٍ مضى على البوذية التبتية، التي لطالما كانت السلطات تراقبها عن كثبٍ. وحتى ما تُسَمَّى بالأديان الصينية، مثل الطاوية والبوذية غير التبتية، تمرُّ بفترةٍ عصيبةٍ، إذ لا يُسمَح لمعتنقيها بتشييد مبانٍ جديدةٍ لممارسة شعائرهم، ولا تنظيم فصول لتعاليمهم، ويضطَّرون للمرور بسلاسل من البيروقراطية الإضافية.

لكن الانتهاكات ضد الإسلام هي الأبرز في الصين

يقول جيمس بالمر في تقريره، إن الانقلاب ضد الإسلام هو المثال الأبرز إلى حدٍّ بعيدٍ -وقد يكون الأسوأ- على قمع الصين للأديان. وينبع ذلك بنسبةٍ كبيرةٍ من تبنّي نظامٍ شمولي في إقليم شينجيانغ، حيث تعتبر الدولة الأمنية أية ممارساتٍ إسلامية هي أمارات على تطرُّف محتمَل. وكانت المجتمعات المسلمة الأخرى قادرةً فيما سبق على تحمُّل العاصفة، ويرجع ذلك جزئياً إلى إعادة أعضاء طائفة الإيغور بالإكراه إلى شينجيانغ، وحتى أنصار المذهب السلفي على النمط السعودي كانوا قادرين على ممارسة أفكارهم في منطقة نينغشيا وغيرها.

أما اليوم، فقد نتج عن حدَّة الحملة المعادية للإسلام في شينجيانغ تبنِّي مقاطعاتٍ أُخرى للأفكار ذاتها، وإلا يُتَّهَم حكَّامها بالوهن في وجه الإرهاب أو بالتعاطف الأيديولوجي مع الإسلام. وتلك بالأخص هي الحال بالنسبة لمسؤولي الحزب المنتمين إلى أسرٍ مسلمةٍ، إذ أُلقِيَ القبض على عديدٍ من المسؤولين المنتمين للإيغور بتهمة «المداجاة»، أي تقديم أنفسهم كأعضاء موالين للحزب في حين أنَّهم متعاطفون سراً مع الدين.

ونقلت مجلة Foreign Policy تصريحاً من أحد موظفي الدولة من قومية الهان الصينية، يعمل في مناطق إسلاميةٍ، قال فيه: «كانوا يطلبون من المسؤولين من طائفة الهُوي المساعدة في التعامل بحساسيةٍ مع شؤون الهوي. أما الآن، إذا كنت من الهوي، فعليك أن تضاعِف من قسوتك تجاه قومك».

خاصة مع تفجر ظاهرة الإسلاموفوبيا في السنوات القليلة الماضية

وقد استمدت الحملة الحكومية الدعم من اكتساب ظاهرة الإسلاموفوبيا شعبيةً متزايدةً، إذ تفجَّرت الظاهرة في السنوات الأربع الأخيرة. ومع أنَّ العنصرية ضد الإيغور كانت موجودةً دوماً، فإنَّها كانت تركِّز في السابق بدرجة كبيرةٍ على الناحية العِرقية، لا المعتَقَد. أمّا هذه الكراهية الحديثة، فبدأت مع الهجوم الإرهابي الذي وقع بمدينة كونمينغ جنوبي الصين في عام 2014 على إحدى محطات القطار، حين شنَّ ثمانيةٌ من الإيغور هجوماً أسفر عن مصرع 31 مسافراً.

وأصبح الإنترنت مصطبغاً بشوفينيةٍ هانيةٍ عدائيةٍ جديدةٍ، وربما ما ساعد على ذلك هو كون ذلك واحداً من الخطابات السياسية المتبقية القليلة المقبولة. فصار كثيرٌ من الأصدقاء والزملاء الصينيين، حتى الليبراليين نسبياً منهم، ينزعجون من أي ذكرٍ للإسلام. وفيما كُمِّمَت الأفواه الناطقة بأي خطابٍ مغاير على الإنترنت، لم تمسَّ جهات الرقابة الإساءة إلى المسلمين، ولا حتى دعوات العنف ضدهم.

ولقد اختلق الصينيون المصابون برهاب الإسلام حركة «تحليل (من حلال)» خرافية، تؤدي في مخيَّلتهم الدور ذاته الذي تؤديه الشريعة الإسلامية في أذهان المشرِّعين الأميركيين من المناطق الريفية، الذين يخشون أن يُنظِّم الملالي مسيراتٍ عسكريةً في شوارع أميركا الرئيسية.

ولَطالما كان الطعام موضع صدام، فغالباً ما يتحاشى الشباب الإيغور تناوله في المطاعم التي لا تقدِّم الطعام الحلال حسب الشريعة الإسلامية، لا لأسبابٍ دينيةٍ، وإنما كبادرةٍ على التمرد الثقافي، وبات الإجبار على أكل لحم الخنزير أمراً اعتيادياً الآن في شينجيانغ.

لكن في أعين الصينيين المصابين برهاب الإسلام، فإنَّ المسلمين هم مَن يفرضون أنفسهم على الصينيين العاديين الطيبين. ويعتبرون مجرَّد تقديم خدمات الطعام الحلال مؤشِّراً على تهديدٍ محدقٍ، وحين طرح أحد تطبيقات توصيل الطعام الطعام الحلال باعتباره أحد الخيارات المتاحة لديه، واجه المسلمون موجةً من الكراهية على الإنترنت.

بالاضافة لمحاولات الحزب الحاكم خلق عدو في الداخل

فهناك عدة مخاوف مجتمعة هنا، فالصينيون يهتمون للغاية بسلامة الطعام، ووصف الطعام الحلال بأنَّه «كينغجن» -وهي كلمة تعني «إسلامي»، لكنَّ ترجمتها الحرفية هي «نقي ونظيف»، وَضَعَ في الأذهان إيماناً بأنَّ آكلي الطعام الحلال يشعرون بامتيازٍ ما أو يَتَّهِمون الهان بالقذارة.

ويرتبط ذلك بإيمانٍ راسخٍ بين الصينيين من قومية الهان، بأنَّ الأقليات العِرقية تتمتع بمعاملةٍ خاصةٍ، بناءً على السياسات الحكومية التي منحتهم درجاتٍ إضافيةً في اختبارات الانضمام إلى الجامعات، أو سمحت لهم بتساهلٍ أكبر في تنظيم الأسرة. (كما هي الحال مع سياسات التمييز الإيجابي في الولايات المتحدة، كانت تلك السياسات حقيقيةً فعلاً، لكنَّ التمييز اليومي الذي واجهه المواطنون الصينيون الذين يبدو عليهم أنَّهم ليسوا من الهان لم يكن ظاهراً لأفراد الهان).

 وفي الوقت نفسه، انتقلت عبر الشبكات الاجتماعية أخبارٌ زائفةٌ روَّج لها العنصريون في الغرب، بشأن فظائع ارتكبها المسلمون بالمجتمع الصيني.

وقد يكون هناك دافعٌ آخر لرهاب الإسلام في الصين، فالنزعة القومية الهانية الجديدة تحتاج إلى عدوٍّ داخليٍّ، ويتناسب الإسلام مع هذه الأوصاف. في الأصل، كانت جمهورية الصين الشعبية، مثلها مثل الاتحاد السوفييتي الذي استلهمت منه نظامها، تُصوِّر لنفسها أنَّها دولةٌ متعددة الأعراق. لكن كما هي الحال مع الروس في الاتحاد السوفييتي، كان الهان الصينيون هم المسيطرين بدرجةٍ هائلة، لكن على الأقل كانت البيانات الرسمية من أعلى المستويات تندِّد بالشوفينية الهانية.

أمّا اليوم، فإنَّ النزعة القومية الهانية تكتسب أرضيةً آخذةً في الاتساع، بين الصينيين العاديين وكذلك في سياسة الدولة. ففُرِضَت على نطاقٍ واسعٍ قيودٌ على التعليم اللغوي للأقليات، الأمر الذي كان مكفولاً لهم في السابق. وحتى بالنسبة للأقليات التي يُنظَر إليها في العموم نظرةً إيجابيةً، مثل الكوريين، تَقلَّص عدد المدارس التي تعمل بلغتهم الأم من تقديرات بالعشرات إلى حفنةٍ من المدارس. ويميل خطاب الدولة بالتدريج نحو الترويج للقومية العرقية.

وكثيراً ما تعتمد الهوية الجديدة على وجود عدوٍّ مقنعٍ. وقد يُحبِّذ الحزب الحاكم أن يكون تعريف العدو لدى الرجال والنساء من الهان هو «الأمريكانية»، لكنَّ ذلك محالٌ في دولةٍ تعشق مسلسل «The Big Bang Theory» الأمريكي، وتعتبر النجاح يتمثَّل في إلحاق أبنائهم بجامعة هارفارد الأمريكية أيضاً. أمّا الإسلام، حسبما يقول جيمس بالمر في تقريره، فهو من وجهة نظر السلطات الصينية العدو المثالي.

أما بالنسبة للمواطنين الصينيين المسلمين، الذين ترى أعدادٌ غفيرةٌ منهم أنفسهم باعتبارهم صينيين مخلصين، فإنَّ الانقلاب على دينهم وتاريخهم بالفعل يُمثِّل مأساةً. لكن في ظلِّ تأجُّج رهاب الإسلام عن طريق الإرهاب في شينجيانغ، وغضب الصينيين العاديين فإنَّ الأسوأ ربما لم يأتِ بعد.

اجمالي القراءات 2508
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق