قتلت أمريكا 100 فرد منها بالأمس.. ماذا تعرف عن حركة الشباب الصومالية؟

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٢٢ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


قتلت أمريكا 100 فرد منها بالأمس.. ماذا تعرف عن حركة الشباب الصومالية؟

في تقرير نُشر أمس الثلاثاء 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» عن مقتل أكثر من 100 فرد تابعين لحركة الشباب الصومالية أو (الشباب المجاهدين)، إبان غارة جوية أمريكية داخل الأراضي الصومالية. بدأت الغارة في العاشرة والنصف من صباح الأمس على بعد 125 ميلًا شمال غرب العاصمة مقديشو، بالتنسيق مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، واستهدفت مُعسكرًا للشباب.


وقالت القيادة الأمريكية في البيانٍ الصحافي إن حركة الشباب تعهدت بالولاء للقاعدة، وتكرس جهودها لتوفير ملاذ آمن للهجمات الإرهابية في أنحاء العالم، مُضيفة أن الحركة كانت تخطط لمجموعة من الهجمات ضد الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة، وأن الولايات المتحدة ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الأمريكيين من أية تهديداتٍ للأمن العام.

في الوقت ذاته نشرت حركة الشباب الصومالية بيانًا تنفي فيه مقتل 100 من مقاتليها، مُشيرة إلى أن تصريح الولايات المتحدة ما هو سوى ادعاء، وتعد تلك الغارة واحدة من بين 29 غارة أخرى هي مجمل العمليات التي قامت بها الولايات المتحدة في الأراضي الصومالية هذا العام، وقد وقعت سبع من هذه الضربات في الأيام الثلاثة عشر الأخيرة وحدها، وهو تزايد ملحوظ في وتيرة الهجمات ضد حركة الشباب، فما الذي تعرفه عن حركة الشباب المجاهدين والعمليات السرية للولايات المتحدة في الأراضي الصومالية؟

كيف تأسست حركة الشباب المجاهدين وما هو توجههم السياسي؟

تُعد حركة الشباب الصومالية أو (الشباب المجاهدين) فصيلًا صوماليًّا مُسلحًا، يتبنى الفكر السلفي الجهادي، ويسعى لإقامة دولة إسلامية، ومن أجل هذا الهدف شنَّ حربًا ضد الحكومة الصومالية ذاتها، ثم ضد حلفائها في الداخل والخارج، لكن كيف كانت نشأة تلك الحركة المُسلحة؟
في الحقيقة كان لتاريخ الأراضي الصومالية المليء بالاضطهاد والنزاعات والاضطرابات دور كبير في قيام تلك الحركة، فبعد سقوط نظام الديكتاتور «محمد سياد بري»، وقد كان رئيس الصومال منذ انقلاب 1969 وحتى أوائل تسعينات القرن الماضي، دخلت البلاد في حالة حربٍ أهلية كانت نتيجة حتمية في نظر البعض لسياساته القمعية لأكثر من 20 عامًا؛ فنشأت حركات ثورية مسلحة في الصومال منذ منتصف عام 1980 هدفها الأساسي هو إسقاط حكمه.

وعلى الرغم من سقوط حكم الديكتاتور عام 1991، إلا أن تلك الخطوة قد أتت بعد حربٍ دموية ومجاعة أودت بحياة الكثيرين، ونظرًا لحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي سادت البلاد حينها تمَّ تشكيل ما سُمي بـ«المحاكم الإسلامية الشرعية»، وهي مجموعة محاكم صومالية تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية، ونشر الأمن بين المواطنين.

جاءت المحاكم الإسلامية الصومالية نتيجة رغبة شريحة عريضة من الصوماليين في تطبيق الشريعة الإسلامية، وتبنت توجهين وتيارين مُختلفين من الإسلام؛ فالأول كان يميل إلى الصوفية والوسطية والحلول السلمية، ويمثل غالبية الصوماليين، وكان يشرف عليه الشيخ «شريف شيخ أحمد»، والثاني كان يتبنى فكرًا وهابيًّا سلفيًّا جهاديًّا يتوافق في كثير من النواحي مع فكر تنظيم القاعدة، ومن أبرز قادته الشيخ «حسن عويس»، وقد جاءت حركة الشباب المجاهدين نتيجة طبيعية لهذا التوجه الثاني.

نشأت حركة الشباب في عام 2004، وكانت توصف بأنها الذراع المُسلحة للمحاكم الإسلامية ضد الحكومة الصومالية حتى عام 2007؛ إذ انشقت تلك الحركة عن المحاكم الصومالية، مُتهمة إياها بالتحالف مع العلمانيين، والتخلي عن فكرة الجهاد في سبيل الله، وفي الواقع لم يضعف انفصال الحركة عن المحاكم الإسلامية من قوتها على أرض الواقع؛ بل صار وجودها أكثر قوة؛ إذ كونت ما يشبه «جيشًا نظاميًّا» عدته ما بين 7000 إلى 9000 مقاتل، تم تدريبهم في إريتريا لأسابيع على أسس القتال ومهاراته، وكيفية استعمال المتفجرات، في حين أشارت تقارير غربية أنهم قد تلقوا تدريباتهم على أيدي تنظيم القاعدة في أفغانستان.

واستطاعت الجماعة منذ 2007 تأسيس عدة ولايات إسلامية في وسط الصومال وجنوبها تخضع لها بكامل السيطرة، وكانت سياستها داخل المناطق المسيطرة عليها تسعى إلى تطبيق الحدود الإسلامية على المخالفين، مثل تطبيق حد قطع الأيدي على السارق، ورجم الزانية.

اعتمدت الحركة في هجماتها على الطريقة العراقية، إذ كانت العبوات الناسفة المزروعة في الطريق والسيارات المفخخة هي طريقتها التقليدية في الهجوم، هذا إلى جانب عمليات القصف المدفعي، والتي استهدفت القصر الحكومي، ومقرات الجيش الأثيوبي. وقد اعتمدت في تمويلها على الجمعيات الخيرية، سواء تلك التي سيطرت عليها بالقوة، أو الأخرى التي تعاطفت معها، هذا إلى جانب أن جزءًا كبيرًا من قادة التنظيم كانوا تابعين لقبائل صومالية قدمت لهم الدعم.

أما عن علاقة الجماعة بتنظيم القاعدة فقد كانت لفترة طويلة تقع بين الشد والجذب، إذ نفى قادة الحركة تلك الشائعات التي ترددت عبر التقارير الأمريكية عن علاقة الحركة بقادة التنظيم، في حين صرح زعيم حركة الشباب السابق «محمد عبدي غوداني» عام 2009 بولائه الشخصي لأسامة بن لادن، إلا أن رأيه حينها لم يعبر عن الجميع، وذلك نظرًا للانقسام في الحركة ذاتها حول الولاء للقاعدة، إذ انقسموا إلى جناحين أحدهما يريد التركيز على عمل سياسي محلي، والآخر يرفض أية تسوية سياسية، ويريد العمل تحت لواء القاعدة. وظل الأمر هكذا حتى عام 2012، حين أعلنت الحركة انضمامها الرسمي إلى تنظيم القاعدة عبر تسجيل مصور بثته مواقع إسلامية.

هجمات الحركة في كينيا.. لماذا كل هذا العداء؟

على مدار أعوام كانت الهجمات المُسلحة لحركة الشباب المجاهدين تتصدر وسائل الإعلام، فصنفت بحسب الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة باعتبارها منظمة إرهابية تهدف إلى إنشاء دولة أصولية في الصومال، وبين نحر رأس معلم قرآن في وسط الصومال لرفضه مغادرة قريته، واستهداف المسئولين المحليين في عمليات اغتيال ممنهجة، ونصب الكمائن للمسيحيين الصوماليين، كانت الهجمات على كينيا هي الأشد ضراوة ودموية، فلماذا كل هذا العداء؟
في حوارٍ مصور قديم مع «علي طيري» المتحدث الرسمي والإعلامي باسم «حركة الشباب المجاهدين»، صرح قائلًا: «لقد حذرنا كينيا مرارًا وتكرارًا بأن يكفوا هجماتهم الغادرة علينا ويرحلوا عن بلادنا، ولكنهم تجاهلوا رسالتنا؛ فاضطررنا لأن نرد بالدم».

والجدير بالذكر أن كينيا قد عانت من شدة الهجمات المتكررة عليها، والتي استهدفت المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء؛ فبدءًا من عملية «ويستغيت» وهو مركز تسوق في العاصمة نيروبي حاصرته الميليشيات المسلحة عدة أيام، وراح ضحية تلك الهجمة أكثر من 67 شخصًا من المدنيين أثناء المواجهة في عام 2013، وصولًا إلى حادثة جامعة «غارسيا» الكينية عام 2015، والتي تعد الأكثر ضراوة ووحشية بين الهجمات الخمس الأبرز داخل كينيا لحركة الشباب؛ إذ راح ضحيتها 147 قتيلًا، كان الهجومان المذكوران على المدنيين هما الأكثر دموية.

تحكي إحدى الناجيات من حادثة الجامعة لسي إن إن قائلة: «سمعنا صوت الرصاص وتوجهنا جميعًا إلى الخارج متسائلين ما الذي يحدث، ثم بدأنا بالركض داخل غرفنا، وتعقب أثرنا هؤلاء المسلحون إلى داخل الغرف، فاختبأنا تحت الأسرة، وعندما سمعت صوتهم بالخارج يهددوننا إن كنا تحت الأسرة فلنخرج حالًا، اختبأت داخل الخزانة، وبقيت فيها يومين كاملين». والسؤال هنا إن كان الصراع بين الشباب وكينيا سياسيًّا؛ فلماذا تواصل الحركة هجومها على المنشآت المدنية والمدنيين بدلًا من مواجهة المنشآت العسكرية؟

يجيب عن ذلك «بيتر برغن» محلل الأمن القومي لشبكة سي إن إن في تقريرٍ قديم له، مُشيرًا إلى أن توجه الحركة لشن الهجوم على المدنيين، وحادثة الجامعة تحديدًا تعبر عن فرفرة جماعة «واهنة» سيطرت يومًا ما على معظم الأراضي الصومالية، وتقلصت قوتها على أرض الواقع منذ تدخل قوات حفظ السلام الإفريقية، وشن القيادة الأمريكية غاراتها الجوية على معاقل الجماعة، وهذه نتيجة طبيعية بعد أن فقدت 10 من كبار قادتها من بينهم زعيم الحركة «محمد عبدي غوداني» في إحدى هذه الغارات، فأصبحت توجه هجماتها الكبيرة إلى المدنيين الضعفاء.

والحقيقة أن كينيا قد انضمت إلى قوات حفظ السلام الإفريقية في الإقليم الصومالي، والذي يضم أكثر من 22 ألف جندي لمحاربة المسلحين؛ وهو ما أغضب جماعة الشباب ودفعهم لعمل هجوم مضاد داخل كينيا؛ إذ يقول «علي الطيري»: «نساؤهم لسن خيرًا من نسائنا، وأبناؤهم ليسوا أغلى من أبنائنا، هم يقتلون شعبنا ونحن نقتل شعبهم؛ ولكننا لسنا دعاة حرب، نحن نسعى لتوصيل رسالة لما قد تكون عليه شكل الحرب حقًا».

وعن قوات حفظ السلام يضيف: «لم تتدخل القوات الأجنبية عندما كانت الحرب الأهلية تطحن بلادنا، ولكنها تدخلت عندما تأسست المحاكم الإسلامية، وقرر شعب الصومال أن يحكم ذاته تحت لواء الشريعة الإسلامية، أما مهمتنا فهي رفع لواء الشريعة الإسلامية، وتحرير بلادنا وشعبنا وعقيدتنا».

تاريخ الحرب السرية الأمريكية في الصومال

يعود تاريخ تدخل الولايات المتحدة في الأراضي الصومالية إلى زمنٍ بعيد، حين كانت الصومال تابعة في سبعينيات القرن الماضي للاتحاد السوفيتي؛ إذ كان رئيس البلاد حينذاك «محمد سياد بري» يسعى إلى تطبيق النظام الشيوعي في بلاده، فعمل على التقرب من السوفييت بالسماح لهم بتأسيس قاعدة عسكرية بحرية في بربرة على الساحل الشمالي الاستراتيجي، وذلك ردًّا على الدعم العسكري الأمريكي لإثيوبيا، وهي المنافس الأكبر للصومال؛ وبذلك أصبحت الصومال جزءًا من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي.
كانت الصومال وإثيوبيا في ذلك الوقت هما بؤرة الأحداث، والأرض الحقيقية للحرب الباردة والسرية بينهما، فعندما تغيرت القيادات في إثيوبيا واتجهت سياساتها لتصبح دولة ماركسية لينينية يؤازرها الاتحاد السوفيتي، وجهت الولايات المتحدة دعمها البري للصومال، وكانت الصومال في ذلك الوقت هي البؤرة المفضلة التي استخدمتها القوات الأمريكية لشن غاراتها.
فمنذ أواخر السبعينات وحتى عام 1991 وسقوط نظام الرئيس «محمد بري»، دفعت الولايات المتحدة ملايين الدولارات إلى الصومال، هذا بالإضافة إلى الأسلحة والذخيرة، كل ذلك في مقابل استخدام المنشآت العسكرية الصومالية التي شُيدت أساسًا للسوفييت، وكان من المقرر استخدام تلك القواعد لدعم التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من تحذيرات منظمات حقوق الإنسان والمتخصصين الإفريقيين من أن استمرار الدعم الأمريكي لنظام «بري» الديكتاتوري قد يقود في النهاية بالصومال إلى حالة من الفوضى، إلا أن القيادة الأمريكية تجاهلتها، دعمًا لمصالحها في المنطقة، وهو ما أدى في النهاية إلى المصير المزعوم من نشأة حركاتٍ ثورية مُسلحة، وارتفاع وتيرة التمرد.

في عام 1993، كانت معركة مقديشو، والتي تعد أكبر معركة عسكرية أمريكية منذ حرب فيتنام، وتعرف باسم «بلاك هوك داون» هي التي أجبرت القوات الأمريكية والأمم المتحدة على الانسحاب من الأراضي الصومالية، وذلك بعد نصب كمين للقوات الأمريكية راح ضحيته 18 جنديًا أمريكيًّا، وقوتين دعم من الأمم المتحدة، فأعلنت القيادة الأمريكية أن الصومال مكان غير آمن للمعيشة، ولملء الفراغ الأمني انتشرت قوات حفظ السلام منذ 2006 وحتى الآن. كانت القيادة الأمريكية وحلفاؤها يدعمون وجود قوات حفظ السلام ماليًّا، إلا أن سيطرة الجماعات الإسلامية على معظم الأراضي الصومالية أعادت توجيه أنظارهم نحو الصومال مرةً أخرى.

وجه الرئيس باراك أوباما اهتمامًا خاصًا بمنطقة القرن الإفريقي منذ توليه الرئاسة، وعمد إلى تكثيف الحرب السرية في الصومال، باستخدام قوات العمليات الخاصة، وشن الغارات الجوية، وفي السنوات الأخيرة شهد الوضع تصعيدًا شرسًا ضد المُتشددين في المنطقة، يشير إليه تقرير نيويورك تايمز على أنه: «لغة بيروقراطية يرسل بها الرئيس باراك أوباما رسائله إلى الكونجرس الأمريكي، بشأن النزاعات الخارجية».

ويبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي «دونالد ترامب» يسير على خطى باراك أوباما في منطقة القرن الإفريقي، ويحمل تركة هذا الصراع ممن سبقوه، إذ ازدادت وتيرة الهجمات الشرسة على معاقل حركة الشباب تحت إدارته، ووصل مجمل الغارات التي شنتها القوات الأمريكية إلى حوالي 29 غارة في الأراضي الصومالية هذا العام، وهو أكبر وجود عسكري لها منذ هزيمة «بلاك هوك داون».

اجمالي القراءات 3389
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق