آحمد صبحي منصور
:
خلق الله تعالى الانسان على اساس الفطرة السليمة ، والتى لا يمكن للانسان طمسها أو تبديلها (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) ( الروم 30 ) ولكن يمكنه تغييبها وتجاهلها وتغييرها بفعل الوسوسة والاغراء الشيطانى والاضلال الابليسى ووحيه الضال المضل (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ ) ( النساء 119 ). ومع تناسى هذه الفطرة إلا إنها تقفز داخل الانسان عندما يحيق به خطر فيدعو الله تعالى تائبا نادما ، والتفاصيل فى فتوى سابقة عن الفطرة منشورة هنا.
القيم العليا تقع ضمن هذه الفطرة السليمة النقية داخل كل انسان. وفى إمكان أى إنسان أن يتعرف على تلك الفطرة النقية و ما فيها من قيم عليا إذا رجع مخلصا الى ضميره و احتكم له باخلاص ، فمثلا فى موقف ما يمكن للانسان أن يسأل نفسه لو كان فى نفس موقع الشخص الاخر فكيف كان سيتصرف ، او هل يرضى على نفسه ما يرضاه لذلك الشخص ؟ هل يرضى أن يحدث له نفس ما حدث لذلك الشخص ؟ كل هذه الأسئلة التى تحتكم الى قيمة العدل منبعها الفطرة وهى ليست فى حاجة الى رسالة أو رسول.
الرسالة ـ أو الرسول ـ أمر إضافى لاقامة الحجة على البشر ـفبعد ارسال الرسل لا تبقى لأى عاص معاند حجة ـ طالما بلغته الرسالة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) ( الاسراء 15)
المشكلة ليست فى الرسالة ولكن فى تحريفها و إقامة أديان أرضية على أنقاض الدين السماوى ـ تحمل إسمه وتناقضه فى عقيدته وفى شريعته.
وذلك أساس البلاء.
فالمسلمون لهم أديان أرضية تناقض حقائق الاسلام فى العقيدة و الشريعة و الأخلاق و القيم العليا ، وهم ينسبون أنفسهم الى الاسلام و يرتكبون تحت اسمه كل الرذائل و يحسبون أنهم مهتدون.
لذلك قبل ألأن نجيب على هذا السؤال ، أو قبل أن نسأل هذا السؤال لا بد من تحديد ماهية الدين .. هل هو الدين السماوى ( القرآن ) أم هو أديان أرضية بخارية وكهربائية و مغناطيسية ..!!
المثال المؤلم هو فى باكستان و الهند .
الزعيم غاندى لم يكن مسلما ولكنه كان أحد العلامات الانسانية النبيلة فى مضمار القيم العليا . أى قام بتطبيق السلوك الاسلامى مع أنه رسميا لم يكن مسلما . وبجهاده السلمى تحررت الهند ، ثم ما لبث مسلمو الهند أن انفصلوا وتقسمت الهند بانفصال المسلمين عنها حيث أقاموا دولة باكستان وتلك إحدى الأخطاء العظمى فى تاريخ القرن العشرين .
قامت باكستان على أساس الدين ( الاسلامى ) من حيث الظاهر طبعا ، فانشغلت فى حرب مع الهند بسبب كشمير ، ثم فى حرب داخلها بين باكستان الشرقية ( البنغال ) وباكستان الغربية ( البنجاب )وأسفر الصراع الداخلى عن انقسام باكستان الى بنجلاديش و باكستان ، ولم تتوقف النزاعات الداخلية فى هذه وتلك ، وباكستان ( الغربية ) تتعرض لاحتمال تقسيم آخر إن لم تدخل فى أتون حرب أهلية. والسبب هو فى قيامها على تزوير فى هويتها . فالمسلمون فى باكستان يدينون رسميا و ظاهريا بالاسلام ، ولكن فى الواقع يدينون بأديان أرضية تتناقض مع الاسلام من سنة و تشيع وتصوف . يقدسون مع الله تعالى النبى محمدا و الأئمة والأولياء و الكتب و الأسفار و الأضرحة ، ثم تسيد عندهم التطرف السنى الوهابى الارهابى فالتهبت باكستان بالحديد والنار ، ومنذ نشأتها وهى تعانى من تخلف و فقر و انقلابات و فوضى ودماء. هذا التزوير أسقط باكستان فى هوة لن تخرج منها إلا بملايين القتلى .
على العكس من ذلك تجد الهند قد حددت بوضوح اتجاهها مع القيم العليا من الديمقراطية والعدل والمساواة ، فتمتع المسلمون فيها بأمن وأمان لا يعرفه مسلمو باكستان ، وتفرغت الهند للتنمية وهى الآن تتاهب لتصبح إحدى القوى العظمى فى العالم بعد أن أصبحت تتمتع بالاكتفاء الذاتى فى الحبوب و الطعام و تصدر بعد استيراد وتنتج أكثر مما تستهلك وهى ثانى أكبر عدد من السكان فى العالم.
الدرس المستفاد هو الرجوع للفطرة ، أى القيم العليا داخل كل نفس بشرية.
أما الدعوة السياسية بالرجوع الى الدين فهى مشكلة ، لأن الدين الأرضى ارتدى زى الدين الالهى ، وأصبح العثور على الدين السماوى وملامحه الأصيلة مغامرة محفوفة بالمخاطر. والدليل هو ما يحدث لنا نحن المسلمين الدعاة للاصلاح . هذا مع أن الدين الاسلامى الحقيقى قد حفظه الله تعالى فى القرآن الكريم وأمر بالاحتكام اليه . ومع ذلك فنحن نعانى الاضطهاد لمجرد أننا ندعو الى تطبيق ما أـمر الله تعالى به حين قال (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الأنعام 114 )
وتخيل أن الله تعالى لم يحفظ القرآن ؟ عندها كانوا سيحرفونه وسيحذفون كل ما يعارض تقديس البشر و الحجر ، وسيصبح ما تبقى من القرآن مؤكدا لما جاء فى البخارى .
مقالات متعلقة
بالفتوى
: