الايلاف والبترول

الأربعاء ٠١ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
من قراءتى لما تكتب جاء لى خاطر بأن الله تعالى اختبر قريشا بالايلاف كما يختبر العرب الان بالبترول . هل هذا صحيح ؟ أريد التوضيح
آحمد صبحي منصور :
كانت لقريش رحلتان تجاريتان ، رحلة صيفية إلي الشام وأخري شتوية إلي اليمن ، وكانت هذه الرحلات التجارية تجلب إلي مكة مختلف العملات المتداولة في ذلك الحين ، كما تجلب لقريش سائر المنتجات من الشمال والجنوب . بالإضافة إلي ذلك غدت مكة مركزا تجاريا تتمكن فيه القبائل العربية الأخرى أن تحصل منه علي ما تريد، والقرآن يبيح للحجاج إلي بيت الله الحرام أن يمارسوا البيع والشراء " لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ:22/28".
وامتن الله تعالي علي قريش أن جعل منها حرما آمنا بينما تسود الغارات و الفوضى سائر الجزيرة العربية : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ) ( العنكبوت 67) وامتن الله تعالى أن جعل مكة لقريش سوقا يأتي إليه ثمرات الشرق والغرب "وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ :28/57". ولاشك أن وجود قريش حول الحرم الآمن ساعد علي رواج تجارتها واطمئنان التجار فيها ..
وعرفت قريش أول نظام للشركة المساهمة، إذا كانت قريش تقوم بتمويل القافلة التجارية بنظام الأسهم ويشتري كل فرد قدر استطاعته من الأسهم ، وتعود القافلة بربح يصل أحيانا إلي 100% خصوصا رحلة الشام الصيفية ، ثم توزع الأرباح علي كل سهم . وهذه الروح التجارية أوجدت نوعا من الليبرالية والمشورة في إدارة الأمور في المجتمع المكي، ونلمس أثر هذه المشورة في اتخاذ المواقف الاجماعية أو شبه الاجماعية في مواجهة مشاكلهم المختلفة.
وكانت لقريش علاقات سياسية بالكيانات السياسية في الشمال والجنوب ، والسبب أنهم أهل الحرم الذين يتمتعون بالهيبة وثقة الأعراب والقبائل في الصحراء، ولذلك كان كبار قريش قبل الإسلام يحصلون من الملوك في الشام واليمن والحبشة علي عهد بالأمان وخفارة القوافل التي ترسلها تلك الدول أو التي تذهب إليها ، وهذا العهد بالحراسة والخفارة كان اسمه " الإيلاف" وكان هاشم جد النبي عليه السلام هو الذي " يؤلف" إلي الشام، أي يتولى تأمين قوافل الشام ، وكان المطلب هو الذي يؤلف إلي اليمن ، ونوفل إلي فارس وعبد شمس إلي الحبشة ، وكانت القافلة التي تخرج في حماية قريش لا يستطيع أن يتعرض لها احد من قطاع الطرق . في الوقت الذي تثور فيه الحروب بين القبائل الأخرى لأتفه الأسباب .
وحقيقة الأمر أن قريش استفادت تجاريا من الحرم فنعموا بالأمن والثراء دون غيرهم ، يقول تعالي "لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )
وكفرت قريش بالنعمة ؛ نعمة الاسلام حرصا على مصالحها التجارية ، مع اعترافها بأن ما جاء به خاتم النبيين هو الهدى (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أو بتعبير القرآن الكريم جعلوا رزقهم فى تكذيب القرآن كما يفعل كبار الشيوخ الان فقال تعالى لهم ولغيرهم (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) ( الواقعة 82 )
لذا ضرب الله تعالى المثل محذرا من كفران النعمة فقال (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) ( النحل 112 ـ )
وهو مثل صالح لأن يعتبره عصرنا حيث تحل اللعنة بالمسلمين دون غيرهم فى تلك الحروب الأهلية المشتعلة أو التى فى طريقها الى الاشتعال ، والتى يتسبب فيها المكذبون لآيات الله تعالى .
واذا كان الله تعالى قد جعل الايلاف ابتلاء لقريش فكفرت بالقرآن حرصا عليه فان العرب فى عصرنا قد ابتلاهم بنعمتى القرآن والبترول فتمسكوا بتكذيب القرآن إنحيازا لأحاديث كاذبة تتيح لهم التمتع الحرام ببلايين النفط على امل الشفاعة ودخول الجنة بغير حساب ، فتحول البترول الى لعنة و نقمة. وحق عليهم قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ) ( ابراهيم 28 ـ ) وننصح أهل القرآن بتذكر الاية الأخيرة التى تنفى أساطير الشفاعات الكاذبة : (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ )



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 14090
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5226
اجمالي القراءات : 61,811,755
تعليقات له : 5,495
تعليقات عليه : 14,893
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


مسألة ميراث: لوال دي المتو في زوجتا ن. بعد وفاة والدي...

جهادا فى سبيل الله: من آين أشتري كتبكم الفاض لة: الصلا ة بين...

حفظ القرآن وتجويده: اود منك د/احم افادت ي بخصوص احكام حفظ...

ماليس فى القرآن : (نريد ان نستوض ح منكم ... باننا ان اعتمد نا على...

المكى والمدنى : .. ما هو رأيك في موضوع السور المكي ة و...

المضطر للربا : اضطرو ت للاقت راض من البنك بفائد ة مركبة ،...

تلاعبهم بالقرآن .!: ما الفرق بين صاحبه بالال ف وصحبه بدون الف....

شهادة الاسلام واحدة: بالنس بة للشها دة بان محمد رسول الله .. جاء...

لا يبطل الوضوء: هل وضع طلاء الأظا فر بالنس بة للمرأ ة يبطل...

أخى كسول .!: هاجرت من مصر لأمري كا وبعد فشل زواجى عملت...

علم الله جل وعلا: اذا كان الله يعرف ماذا سافعل و لماذا و هو يعرف...

دار الفطرة: فى كتاب عن الدول ة الفاط مية تكررت عبارة (...

الجهر: قرأت لك فتوى عن الجهر بالقو ل فى الصلا ة ،...

الصلاة والسنة : 1/لماذ ا ليس لعيسى ولا لموسى احادي ث 2/متى...

( أوكازيون) الصلاة !: استاذ أحمد . أنا بدأت أقتنع بمذهب القرآ نيين ...

more