آحمد صبحي منصور
:
بعض خصومنا يتهموننا بكراهية الصحابة لأننا نتعامل مع الصحابة كبشر، وهم يعتبرون الصحابة (عدولا) أي معصومين من الخطأ، وبالتالي فإن نقدهم يعتبرونه كفرا .ونحن لانقع في تقديس البشر كما لا نهاجم أحدا بدون دليل بغض النظر إن كان ممن صحب النبي عليه الصلاة والسلام ، أو غيرهم . الأساس أننا نتخذ من القرآن الكريم الأساس الديني لنظرتنا للصحابة ، كما نأخذ من كتب التراث نفسها الأساس العلمي لتاريخ الصحابة ، ولا نتكلم بدون دليل .
ومن القرآن الكريم نتعرف علي معني الصحابة والصاحب فهو الذي يصحبك في الزمان والمكان ، فالصحابة من الصحبة كما أن الصديق والصداقة من الصدق ، وعليه فلا يشترط في الصاحب أو الصحابة إلا كونه رأي النبي محمدا عليه السلام ، أما درجته في الإيمان فذلك شيء آخر لا يعلمه إلا الله جل وعلا.
القرآن الكريم يقول عن قوم موسي " فلما تراءي الجمعان قال أصحاب موسي إنا لمدركون : الشعراء 61 " أي كانوا أصحابا لموسي ، ومع ذلك فعندما جاوز بهم البحر طلبوا منه أن يجعل لهم إلها غير الله ثم عبدوا العجل..أي مع اختلاف عقيدتهم مع موسى فقد كانوا أصحاب موسى .والله تعالى يقول لمشركي مكة عن النبي عليه الصلاة والسلام (ما بصاحبكم من جنة ) سبأ 46" أي جعل النبي صاحبا لهم ،ويقول لهم (ما ضل صاحبكم وماغوى):النجم 2 ) فالصحبة هنا موجودة مع اختلاف العقيدة ، ويقول تعالى عن النبي محمد ورفيقه في الغار(إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) ( التوبة 40 ) فهنا صحبة مع وحدة العقيدة . وعليه فالصحبة دليل على الوجود في المكان والزمان نفسيهما وليست دليلا على الإيمان . !!
ولذلك كان الصحابة حول النبي درجات . والله وحده هو الذي يعلم سريرة كل إنسان وحقيقة عمله ،والله تعالى ذكر درجات الصحابة دون أن يحدد أحدا بالاسم،وكان منهم السابقون والرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،وكان منهم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا،وكان منهم المنافقون وضعاف الإيمان. وفى القرآن مئات الآيات عن المنافقين وكفرهم وتآمرهم وأولئك من الصحابة وفقا لمدلول الصحبة الذي اعترف به علماء التراث أنفسهم.
إلا إن علماء الجرح و التعديل فى ما يسمى بعلم الحديث قد حكموا بأن الصحابة كلهم عدول لا يخطئون ، وتناسوا مئات الايات القرآنية التى تحدثت عن المنافقين وضعاف الايمان ، والأكثر من ذلك أنه لم يفهموا المصطلح القرآنى فى معنى الصاحب و الصحابة.
وزعموا أيضا أن النبي محمدا عليه السلام كان يعرف كل المنافقين ونسوا أن الله تعالى قال للنبي محمد (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ):التوبة 101 ".
واستشهدوا على مقولة عصمة الصحابة وعدالتهم بقوله تعالى "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا .." وتناسوا اكمال الآية إلى آخرها حيث يقول تعالى "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " فقال "منهم" أي أن بعضهم وعدهم الله بالمغفرة والأجر العظيم ،أما الباقون فمنهم منافقون في الدرك الأسفل من النار ، والله تعالى يقول لهم يهددهم ويخبرنا بأنواعهم (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ، ملعونين أينما ثقفوا) : الأحزاب 60 " إذن هناك من الصحابة منافقون وهناك ضعاف الإيمان وهناك مروجون للإشاعات وقت الحرب .. وقد استحق الجميع لعنة الله تعالي.
إن القران قد تحدث عن صفات وأفعال تنطبق على بعض الصحابة وعلى آخرين مثل (والسابقون الأولون من المهاجرين و الأنصاروالذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ) و مثل( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ومثل (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) .
ونحن نؤمن بكل حرف جاء في الكتاب العزيز ونعتقد أن مقولة عصمة الصحابة أو "تعديلهم " أو وصفهم جميعا بالعدالة مما يخالف القرآن وحديثه عن المنافقين في مئات الآيات .
وإذا كان القرآن قد تحدث عن صفات فإن روايات التاريخ والحديث تحدثت عن أسماء محددة ، منهم المبشرين بالجنة وكبار المنافقين والمتآمرين ، وتحدثت أيضا عن دور الصحابة في الغزوات وفي الفتوحات وعن الفتنة الكبرى والحروب الأهلية التي تزعمها بعض الصحابة في مواقع الجمل وصفين والنهروان ..
وإذا كان ما يقوله القرآن يعتبر الدين اليقيني الذي ينبغي الإيمان به وحده فإن روايات التاريخ هى أخبار تقبل الشك وليست من حقائق الإيمان، أي أنها قضية علمية نأخذ منها ما نشاء ونرفض ما نشاء وفق المنهج العلمى ولا ينقص ذلك شيئا من ايماننا و ديننا ، فليست روايات التراث التى صنعها البشر من دين الله تعالى،و الله جل وعلا أسمى وأقدس من أن ينزل دينا ناقصا يحتاج للبشر كى يكملوه أو أن ينزل دينا غامضا يحتاج للبشر كى يشرحوه..
إلا أن بعض المسلمين خلط بين الدين الحق في القرآن وبين روايات التراث وجعل أشخاص الصحابة من عناصر الإيمان والكفر، فتطرف بعضهم مثل الشيعة في تقديس علي وذريته وتكفير أبى بكر وعمروالآخرين ، وتطرف أهل السنة فأفتوا بأن الصحابة كلهم آلهة لا تخطئ أبدا وأنهم كالنجوم من اهتدى بهم ـ حتى في الفتنة الكبرى ـ فقد اقتدى بالصراط المستقيم ..
و من حقنا أن نؤمن بما جاء في القرآن الكريم ببشرية الصحابة وعدم عصمتهم ، وأن نناقش تاريخهم لنتعظ ونتعلم من أخطائهم وخطاياهم .
ومن حق أرباب الموالد أن يعتقدوا بما يشاءون فى تقديس البشر و الحجر.
وسنجتمع أمام الله تعالى يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .. !!
مقالات متعلقة
بالفتوى
: