المجلس الرئاسى" والعند" السياسى !
بعد إعلان النتائج ا لرسمية للمرحلة الأولى من الإنتخابات الرئاسية النزيهة ، ووصول المرشح الدكتور محمد مرسى ، والفريق أحمد شفيق إلى جولة الإعادة ، التى ستبدا منتصف يونيو المقبل ، من أجل إختيار أول رئيس جمهورية لمصر ، فى مرحلة مابعد ثورة يناير ، بدأت التربيطات والصفقات ، من كلا المرشحيين الرئاسيين ، من أجل إستقطاب باقى المرشحيين للحصول على أصوات مؤيديهم ، ولاسيما أن مرسى وشفيق لم يحصلا إلا على نصف أصوات الناخبين تقريبا ، الذين شاركوا بالتصويت فى الجولة الأولى ، ويحتاج كليهما إلى الأصوات التى حصل عليها ، كل من حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى .
قبل إجراء الإنتخابات الرئاسية كانت الكتل التصويتية موزعة بين ثلاثة قوى رئيسية ، وهى القوى الثورية والتيار الإسلامى – والذى شارك فى الثورة أيضا - والفلول ، ولكن بعد إجراء إنتخابات المرحلة الأولى ووصول شفيق ومرسى إلى جولة الإعادة بينهما ، إنقسمت الكتل الثلاثة إلى كتلتين ، إسلاميين ثوريين وفلول النظام السابق .
كان من المنطقى أن يدعو المرشح محمد مرسى إلى " لم شمل " القوى الثورية ، فى مواجهة شفيق الذى يعد ركنا أساسيا فى النظام السابق ، وزعيم الفلول حاليا ، والذى حصل على أصوات كبيرة تعد مفاجأة غير متوقعة ، بل تمثل علامات إستفهام كبيرة ، وأصبح واضحا إن النظام السابق مازال موجودا فى " القاعدة " وبقوة ، ويسعى إلى العودة عن طريق شفيق .
ولم يفلح مرسى فى عقد إجتماع للقوى السياسية من أجل إنقاذ الثورة ، رغم التسريبات والتكهنات بأنه سيتم إختيار حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح نائبين لرئيس الجمهورية ، عندما يفوز مرسى بكرسى الرئاسة .
ووجهة نظر الإخوان فى توزيع كعكة المناصب السياسية بين القوى الثورة والوطنية ، هى مشاركتهم فى المرحلة القادمة ، ونفى صفة " التكويش " عنهم ، خاصة إن من الصعب أن يتحمل فصيل بمفرده مسؤلية وطن مثقل بالمشكلات والأزمات ، كما أن توزيع المسؤليات بين القوى الوطنية " الثورية " المختلفة ، سيقطع الطريق على عودة الفلول ، وإعادة ترميم نظام مبارك البائد ، وكتابة شهادة وفاة لثورة 25 يناير العظيمة ، ودخول الوطن فى مرحلة طويلة من عدم الإستقرار وتصفية الحسابات ، بل ونفق سياسى مظلم ، بالإضافة إلى تفاقم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية ، وزيادة أعباء المواطنيين الذين لم يحصدوا ثمار الثورة حتى الأن .
إن رفض صباحى أن يكون نائبا لرئيس الجمهورية ، وغموض موقف باقى القوى الثورية ، وتردد أبو الفتوح فى إعلانه تأييد مرسى ، حتى لايتهم بأنه مازال إخوانيا ، وأيضا رفض دعوة مرسى للتوحد ولم الشمل ، وفى المقابل إطلاق شفيق لتصريحات وتهديدات خفية تعنى فى مجملها إن وقت تصفية الحساب مع القوى الدينية قد إقترب ، وإنه لن يترك مصر رهنا للفوضى باسم الثورة ، فى الوقت الذى لم ينطق بكلمة سلبية ضد رموز النظام السابق ، كل ذلك يجعلنا فى صف مرسى ونختاره رئيسا ، ليس لأنه ممثلا لحزب الحرية والعدالة أو إنه من قيادات الإخوان المسلمين ، ولكنه الوحيد الذى يمكن أن ينقذ ثورة يناير بشكل سلمى فى المرحلة الحالية ، ويقطع الطريق على عودة الفلول للإمساك بمقدرات هذا الوطن ، بل إن إنتخاب شفيق رئيسا نكاية فى الإخوان هو خيانة لدماء الشهداء ، وشطب كفاح شباب مصر ضد نظام مبارك السابق ، وإلقاء ثورة يناير فى أرشيف التاريخ .
نعم هناك حاجز نفسى بين بعض القوى الثورية والليبرالية والناصرية ، وبين الإخوان المسلمين ، وهناك خوف من أن تدار شؤون البلاد من مكتب الإرشاد إذا فاز مرسى بالرئاسة ، أو تكون هناك قيودا على حرية التعبير ، والفن والإبداع بحجة التعارض مع الدين ، ولكن كل ذلك لايقاس أبدا بماسيفعله شفيق ونظامه القديم بالمصريين الوطنيين إذا مافاز بالرئاسة ، وسيتم إنتاج نظام مبارك بشكل أبشع ، لإن " الفريق " شفيق يتحدث بلغة إستعلاء فجة ، كما أنه لايتقبل الأخر بسهولة ، ويكره التيارات الدينية ، وهو يتحدث بلغة الواثق من نفسه لأنه قام بتوظيف تاريخه العسكرى جيدا فى إنتخابات الرئاسة ، ويعلم كل كبيرة وصغيرة عن الشرطة ، بل والبلطجية ، وبالتالى فإن تعهده بعودة الأمن والإستقرار إلى مصر خلال أيام ، لايعنى أنه مرشح رئاسى سوبرمان ، ولكنه سيستعين برجال النظام السابق فى ذلك ، والذين ساعدوه فى حصد تلك الأصوات الهائلة غير المتوقعة فى الإنتخابات ، ولن يفرق فى مواجهة الإنفلات الأمنى بين الثوار والبلطجية ، بحجة تحقيق الأمن ، وسيجد معاونة كبيرة من الجيش والشرطة فى فض المظاهرات ، ووقف المليونيات ، لأنه الرئيس الشرعى المنتخب ! .
أتمنى أن تشهد الأيام القادمة تشكيل مجلس رئاسى متعاون يضم صباحى وأبوالفتوح والعوا وخالد على والبسطويسى ومعظم القوى الثورية ، خاصة إن الإعلان الدستورى ينص على حق الرئيس فى تعيين نائب له أو أكثر ، وأن تكون هناك ضمانات حقيقية من جماعة الإخوان لتنفيذ مبدأ " المشاركة لا المغالبة " ، حتى تستكمل ثورة يناير أهدافها ، ومن أجل قطع الطريق على الفلول لعودة نظام مبارك البائد ، وسيكون منصب النائب هو بمثابة تجربة وتمرين سياسي لصباحى وأبوالفتوح والعوا ، إذا ما أرادوا خوض الإنتخابات الرئاسية بعد أربع سنوات قادمة .
المرحلة الحالية تتطلب أن يتخلى المرشحين للرئاسة الذين لم يوفقوا عن " العند السياسى " والرغبة فى الوصول إلى كرسى الرئاسة والتعالى على منصب النائب ، فلابد أن تحسن القوى السياسية الظن ببعضها البعض وأن تسمو على خلافاتها ، وتفصل مصلحة الوطن على مصلحتها الشخصية ، ولن ينتقص من " كرامة " صباحى شيىء إذا قبل بمنصب نائب رئيس الجمهورية ، فهذا أخف كثيرا من أن يكون شفيقا رئيسا للجمهورية ، ويعود الفلول من أجل إهانة كرامتنا جميعا .
حمدى البصير
Elbasser2@yahoo.com
اجمالي القراءات
8574