فتأسّوا بها وتحلـّـوا، ما استطعتم:
ولمحمد رسول الله الأخلاق العظمى
يحي فوزي نشاشبي
Ýí
2012-02-03
بسم الله الرحمن الرحيم
ولمحمد رسول الله الأخلاق العظمى
فتأسّوا بها وتحلـّـوا، ما استطعتم
(( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة...... ... ثم قفيناعلىءاثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين ءامنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون . )) – 26- 27 – سورة الحديد.
إن المتأمل في هاتين الآيتين ومتدبرها، يتبادرإلى ذهنه كيف يحدث للإنسان- وعن حسن نية – بل والأدهي كيف يفعل الإنسان بنفسه ذلك بعد أن يقنعها أن ذلك هو ابتغاء رضوان الله، نعم كيف يحدث لهذا الإنسان أن يزجّ بنفسه في متاهات، ثم يرتبك ويعشو ويخبط خبط عشواء، ولا يقوى على رعاية ما ابتدعه هو ابتداعا وما ألزم به نفسه إلزاما ؟
ونحن المسلمين ؟
ما أن يهلّ علينا هلال ربيع الأول حتى نتهيأ، وفي كثير من بقاع العالم، ونستعدّ لواجب أوجبناه على أنفسنا بعد أن ابتدعناه ابتداعا، ولم يكتبه علينا الله الرحمن الرحيم، إلا ابتغاء رضوانه سبحانه وتعالى، حسب اعتقادنا، ومن وراء أو من خلال إحياء ذكرى مولد محمد بن عبد الله، مولد ذلك الرجل الإنسان الذي أراد الله العلي العظيم أن يبعث للإنسانية جمعاء بلاغــه بواسطته.
أما عن طريقة إحياء هذه الذكرى الميلادية، فإن كيفياتها وأساليبها لشتى. فأما من أوهم نفسه وتوهم فعلا أنه متق ومصدق بالحسنى فهم كثيرون، وهم يعدّون – مع الأسف الشديد بمئات الملايين- وهم الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأنهم يؤدون واجبا اختلقوه عندما ينطلقون وبإسراف مسرَف فيه في وصف شخص النبي الإنسان، وعدم التورع في التلفيقات والمزاعـــم
والإفتراءات وبناء أو تأليف (سيناريوهات) لمعجزات من العدم لا سند لها ولا أساس ولا منطق ولا عقل، بل ولا تخلو من الهجاء المرير لشخص محمد، ومن إيذاء ذلك الرجل الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
فأما من اتقى وصدق بالحسنى التصديق الصادق الشجاع الجاد، ابتغاء وجه ربه الأعلى، فما زال هذا الصنف هو والمهدي المنتظر سيان.
وأما عن التصور الذي كان وما زال في عالم الخيال فهو أن يظهرعلينا فعلا هؤلاء المصدقون بالحسنى ويسعوا جاهدين ابتغاء وجه ربهم الأعلى في سبيل إحياء هذه الذكرى، ذكرى مولد محمد بن عبد الله الذي اتخذه الله رسولا له، والذي منح له شهادة الخلق العظيم. ذلك الخلق الذي هو عبارة عن الــدرّ والصدفات الثمينة التي هي حتما في أحشاء بحر المصحف الجليل الحاوي حديث الرحمان الرحيم، فلنسأل عنها الغواصين الذين يتطلعون إلى الرضوان.
ومن المعتقد أن الإحتفال بسرد وعرض هذه الأخلاق العظمى في مناسبة إحياء ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والتسليم، بل وتفجيرها تفجيرا لتحدث صوتا ودويا ولتصور في عنان السماء باقات زهور وتبدع في ذلك، إن ذلك هو المطلوب جدا في هذه الذكرى وفي كل مناسبة وغير مناسبة، لأنها حقا هي الأخلاق المنثورة في القرآن الكريم، وهي التي ينبغي أن تكون ضالة ذلك المسلم اليقظ الآخذ الأمر بكل جدية، العاقد النية والعزم أن يتحول إلى الغواص الذي يلمح إليه الشاعر حافظ إبراهيم ملفتا الإنتباه إلى لآلئ اللغة العربية، ونحن على ثقة في أن الشاعر يتكرم ويجيز لنا أن نقتبس بيته " اللؤلؤ " ونجعل المصحف المنزل يقول:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟
وبشئ غيرعسير لكل قارئ قرآن ولكل متدبر ولكل غواص أن ينهل مثل هذه الأخلاق نهلا، ولعلّ تفجير هذه المواقف أي مواقف وأخلاق الرسول عليه الصلاة والتسليم، لعل ذلك أصبح حاليا أكثر من أي وقت مضى أمرا ضروريا جدا وحيويا ويعني كل المؤمنين حق الإيمان بأن رسول الله هو على صراط مستقيم ،
وهو على خلق عظيم، بل ولأن تفجير هذه الأخلاق وجعلها مدوية ومغطية كل الآفاق أصبح واجبا مقدسا في كل حين وليس فقط عبر أيام معدودات من شهر ربيع الأول، لعلنا نحظى بتأييد من الله العلي العظيم في سبيل استدراك كل ما فرطنا فيه، عندما كنا نقصرالإحتفال بمديح مادي صوري موجه إلى الرجل، مع وقوعنا في كل مرة في دروب مظلمة من النسيان بأن المعني هو إنسان ليس إلا، بل يا ليتنا اكتفينا بذلك ولم نتجاوزه، بل لقد تجاوزناه وبإسراف ممقوت وتبذير، عندما جردنا الرجل من إنسانيته، كأن لسان حالنا يقول إن اتباع ومحاكاة محمد رسول الله في أخلاقه العظيمة وجعله أسوة لنا كما نبهنا اليه الخالق ونصحنا به أو أمرنا به، كأننا نلمح أو حتى نصرح بأن ذلك من المستحيلات لأن الرجل خارج وفوق نطاق البشر، بل لقد تجاوزنا الحدود ، وإلى ما لا يرضاه ، ولا يغفره الله بإقرار منه سبحانه وتعالى.
ولإبعاد أي شك في أننا وقعنا فعلا في هذا الإسراف وفي هذا الضلال البعيد، فعلى أي جاد ومخلص مريد التحقق ، عليه أن يتحول مرة أخرى إلى غواص ويتسلـّـح برباطة جأش وبكل ما يمكن أن يتزود به من أكسجين ليغوص في ذلك المستنقع، ولأنه سيفاجأ حتما بتلك الصفات والمواصفات التي من ظاهرها المدح البرئ إلا أن قبلها هو الشرك والظلم الكبير.
أما عندما نخرج سالمين مقتنعين من ذلك المستنقع وعندما نتطهر من كل الملوثات ، ونعقد النية والعزم ونرجع إلى بحرنا الطاهر الجميل الثري الكريم لنستخرج منه لآلئه التي ينبغي أن نحولها باقات نهديها إلى الإنسانية جمعاء وأن نعقد النية والعزم ونجتهد ونجاهد لنتصف بها ما استطعنا، وعندها فقط لاغير، سنكون حقا أصحاب النوايا الخالصة والعقول الواعية لذلك الأمر الذي كلفنا به الله العلي القدير عندما قال: يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، وبالتالي نكون أصبنا في استجابتنا لأمر الله لنا بالصلاة على النبي والتسليم تسليما، وعندها فقط لا قبلها نكون أصحاب النوايا والعزم لنكون كما يريد الله : خير أمة أخرجت للناس.
وعندما نكون معتبرين بكل جدية شهادة الخلق العظيم التي يتحلى به محمد رسول الله (عليه الصلاة والتسليم) ولا نغفل لحظة أن الشاهد ومانح الشهادة هو خالق السماوات والأرض عندها سننتقل إلى درجة أعلى من التصديق والإطمئنان بأن هذا الخلق العظيم الذي يلمّـح أو يصرح بـه الله تبارك وتعالى هو مكنون في حديثه المنزل لا غير، وعندما نصدق ونطمئن بأن أي خلق جميل لاحظناه أو استنتجناه في تدبرنا القرآن العظيم سيكون حتما إحدى الصفات الحميدة التي يحملها رسول الله ، ويصبح لزاما علينا التفكير في عقد النية والعزم والسعي ليصيبنا شئ منه.
اجمالي القراءات
8040