نبيل هلال Ýí 2012-01-11
وماذا عن هؤلاء المستضعفين الذين أمرهم الله بالقتال لمناهضة ما حاق بهم من ظلم ولكنهم تقاعسوا ولم يحركوا ساكنا ورأوا أن كونهم مستضعفين يسقط مسئوليتهم عن الامتثال للظلم ويعفيهم من التقصير في مناهضة الظالم ؟ اسمع الله وهو يقول لهم متوعدا وفي نفس السورة :
" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا "[1]. فالهجرة بمعناها الواسع هو مغادرة أرض الاستضعاف حيث يُسلب المرء حريته وكرامته , إلى حيث يعيش حرا كريما, والعقوبة لا تكون إلا مع تجريم , والجرم هنا هو الامتثال للظلم والقهر, فإن لم يتيسر للمظلوم وسائل القوة لدفع هذا الظلم , وجب عليه تحرير نفسه ولو بالهروب منه , أما الامتثال للظلم بدعوى الضعف أو طاعة ولي الأمر فذلك باطل باطل , والله يحرِّم ذلك ويجرِّمه . وهؤلاء الضعفاء المتهاونون لا يعاتبهم الله مجرد عتاب وإنما يفاجئهم بأن مأواهم جهنم , فجريمتهم نكراء , لذا يستثني الله من هذا العقاب من لهم عذر قهري من الأطفال والنساء وغير القادرين من الرجال وذلك في الآيتين التاليتين مباشرة فيقول :
" إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا" .
ولما روَّج فقهاء السلطان فكرة قبول الظلم لأنه قدَر الله والطاعة واجبة كما جاء في القرآن , كانوا بذلك كمن يرمي الدين بالنقص والظلم , إذ لا يشرِّع اللهُ إلا ما يكفل للناس- كل الناس - حقوقهم دون محاباة أو محسوبية . والآية التالية في السياق جديرة بالتأمل والربط بما سبقها من آيات , واسمع معي الله إذ يقول :
" وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا :"[2].
ذلك هو كلام الله تعالى , ومن أصدق من الله حديثا ؟
والخروج في سبيل الله ليس المقصود به الغزو والقتال فقط كما يفهم الكثيرون , ولكنه أيضا المضي في سبيل الخير والبر والسلام والكرامة والحق والعدالة بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معان , ,وليس المقصود بالهجرة في سبيل الله أنها الهجرة فقط إلى المدينة, ولكنها أيضا المضي فى سبيل الخير أي خير , كل الخير .
ولكن الفقيه يفسر هذه الآية بأن أحد المسلمين هاجر من مكة إلى المدينة , فمات قبل بلوغها , فنزلت الآية لبيان أن أجره على الله ! ورأَى فقهاء آخرون أن هذه الهجرة المشار إليها في الآية هي الخروج من الأرض التي يُسب فيها الصحابة ! أو التي غلب عليها الحرام والبدعة وأوجبوا الهجرة فرارا من الأذية في البدن أو المال [3].
والفقيه السلطاني هنا يواصل تخبطه كالحائر في ظلام دامس محاولا صرف معاني الآيات بعيدا عن مرادها فيقول عن الخروج أنه من الأرض التي يُسب فيها الصحابة , وفاته أن الصحابة لم يسن سُنَّة سبهم غير (الصحابي !) معاوية بن أبي سفيان الذي أمر بسب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه , من فوق منابر المساجد, وسب الشيعةُ فيما بعد الشيخين أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما , أي بعد وفاة النبي وانقطاع الوحي وتمام نزول القرآن بحوالي ثلاثين سنة .
ولم ير أحد من فقهائنا أن الآية حض واضح على مناهضة المستبد ودفع الظلم , وذلك بربط الآيات من 97-100 من سورة النساء .
وضلل الفقهاءُ الناسَ ولم يعلموهم أن الدين جاء في المقام الأول لتحرير الناس من الفقر والجهل والعبودية لغير الله . وصرفوا الناس عن مناهضة الظالم السارق وأوهموهم أن العبادة هي أداء الشعائرفقط , وهي في حد ذاتها لا تغير المجتمعات ولا ترد الحقوق المسلوبة ولا تكف الظالم عن ظلمه . فالشعائر مجرد علاقة بين العبد وربه , والعبادة الحقيقية في طاعة الله في منهجه كله. ويرى الفقيه أن الغاية من خلق الإنسان هي العكوف على أداء الشعائر , ذلك فهمه من الآية الكريمة :" {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56.
شكرا على مرورك على المقال ,وفعلا المعنى الأصيل لكلمة (عبادة) هو (الطاعة) فيكون معنى الآية الكريمة ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) معناها أن الغاية من خلق الإنسان والجن هو الطاعة لله في كل أوامره. شكرا
الأستاذ الفاضل / نبيل هلال السلام عليكم ورحمة الله لفت نظري هذه الجزئية من مقالك (فإن لم يتيسر للمظلوم وسائل القوة لدفع هذا الظلم , وجب عليه تحرير نفسه ولو بالهروب منه ).
فكيف يمكن الهروب وتحرير النفس في ظل هذا القهر الذي يعانيه من وقع عليه ظلم بسبب المعتقد وبسبب الدفاع عن المظلومين وقول كلمة حق ؟
شكرا لمرورك على المقال , الهروب يكون على عدة أوجه : يهرب صاحب الفكر إلى حيث يجد من يفهمه ,أو يهرب بفكره بعيدا عن أذي المتضررين من نتائج هذا الفكر ,والهروب يكون إلى مواقع جديدة يمكن فيها لصاحب المعتقد تفعيل فكره ,وكم من معارض يهاجر لبلد آخر حيث يتمكن من تقويض مؤسسات الاستبداد,وأضعف الإيمان نزوح المستضعفين ممن عدموا الحيلة إلى مواطن لا يتم فيها إذلالهم .
بارك الله في علمك وفي قلمك الذي ينير مسار ومشوار بدأه الكواكبي عبدالرحمن رحمه الله تعالى..
فقد كان من أسس كتابه.. طبائع الاستبداد ومصارع العباد.. أنه يجب على الأحرار من المسلمين ان يهاجروا من أرض المستبد ومن سطوته إلى بلاد الحرية والعدل أيا كان من يسكنها او ايديولجيته..
واليوم .. هلال .. الاستاذ العزيز/ نبيل هلال.. يتمم ما بدأه الكواكبي في تنوير الدرب للعقل والجسد معاً،
فمن شيم الأحرار المؤمنين .. أن ينيروا مواطن إقامتهم.. بالفكر والتبصير والتعليم والتفهيم.. لكل من حولهم وبكل استطاعتهم..
وإن لم يجدوا حيلة فالهجرة هى رصيد من الفكر والمحاولة تلو المحاولة..
بارك الله فيك وفي قلمك.. والسلام عليكم ورحمة الله.
شكرا لك أخي الكريم على مرورك على المفال وعلى تعليقك .شكرا
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - الأنوناكي- ج14
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - عربة حزقيال - ج13
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - سلالة الآلهة- ج12
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - هذا ما تقوله الأساطير - ج11
دعوة للتبرع
التحدى هو المواجهة: د/احم سلام الله عليكم ورحمت ه وبركا ته ...
اليقين هو الموت: • انا اريد منك ان توضح لى تفسير اخر ايات سورة...
الاصطبار على الصلاة : ما معنى قوله جل وعلا : (وَأْ ُرْ أَهْل َكَ ...
وسطية الأمة : ما مفهوم وسطيه الامه هل هى تعنى الخير يه ؟...
أريد زواج متعة: عمري أربعو ن سنة، متزوج من امرأة أنجلي زية و...
more
الأستاذ الفاضل / نبيل هلال السلام عليكم ورحمة الله ، كما تفضلت بالقول بأن " الفقيه يرى أن الغاية من خلق الإنسان هي العكوف على أداء الشعائر"
وهذا ما يراه غالبية العامة من الناس يفهمون العبادة على أنها مجرد آداء الفرائض الخمس التي نص عليها الحديث من شهادة بشقيها كما يعتقدون وصلاة وزكاة وصيام رمضان والحج لمن استطاع .
ولكن لا يستوعبون الغرض من هذه العبادات وأنها ليست هدف في حد ذاتها ولكنها غاية لهدف أسمى وهو تقوى الله بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه ، وكل فرض من هذه الفروض يستوجب الكثير من .
وهذا يستوجب على كل مصلح ومتفقه في دينه أن يبصر من حوله ومن يستطيع بأن الإسلام ليس آداء فرائض وحسب ، ولكنه يجب ترجمة عملية لهذه الفرائض ونتيجة بتتغيير للأفضل في التصرفات والسلوك .