امارير امارير Ýí 2011-12-24
فننطلق هنا عبر طريقنا المحفوفة بالمخاطر ، و نحن نحاول هدم هالة الوهم و جدار العسف الذي نال نصف البشريّة المغلوب على أمرهن [ النساء ] تحت ستار الدّين المغلوب على أمره أيضاً ، ننطلق نحو وضع فهمٍ جديدٍ لفكرةٍ انطلقت منذ البداية من المكان الخطأ ، نحو الإتّجاه الخطأ ، لتعبر الطريق الخطأ الموصل الى محاولة فهم ما يقوله النّص عن شيءٍ اسمه [ الحور العين ] ، فالسائد في الفهم حسب المتداول الفقهي هنا حسب قراءةٍ ذكوريّة انتجت فهماً ذكوريّاً لنصٍّ عامٍ هو : [ ... نساءٌ بيضٌ ، حسانٌ يكنّ زوجاتٍ لرجال المؤمنين في الجنّة ، من صفاتهن أنّهن واسعات الأعين ، حديثات السّن ، ذوات نهودٍ متساوية الحجم ، دائماً عذراوات ، خُلقن من غير ولادة ] ، بل و في بعض الروايات معهن نساءٌ من البشر ، إذ يرد في سنن إبن ماجة قولٌ منسوبٌ للرسول مفاده : [ ... ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه الله عز وجل إثنتين وسبعين زوجة ، إثنتين من الحورالعين وسبعين من ميراثه من أهل النار] ، و السؤال المطروح هنا حقيقةً هو ما ذنب ملايين المسلمين الذين كانوا يقرأون هذا القول مصدّقين إياه كحديثٍ قاله الرسول الكريم ، قبل أن يظهر فقيهٌ في القرن العشرين اسمه [ الألباني ] و يضعه في منطقةٍ وسطى غير حقيقيّةٍ بين الخطأ و الصواب إسمها منطقة [ الأحاديث الموضوعة ] ؟ ، ولستأقرّر الإنطلاق هنا سوى عبر منهج بحث المعرفة المتراكمة من داخل سياق النّص ، للوصول الى السر الذي يحمله هذا النّص ، لا خارجه عبر تدليس رجلٍ مكبوتٍ يُعلن جهاراً أن الجنّة مكانٌ مخصّصٌ للرجال فقط ، بتأويل قوله : ]زَوَّجْنَاهُمبِحُورٍ عِينٍ [الدخان 54 ، بمعنى أنّ الله يعد [ الرجال ] و الرجال فقط بانّه سيزوّجهم بعذراواتٍ يمارسون الجنس و إياهن في جنّة الخلد حتى أقصى درجات الشبق ، أمرٌ لا تقبله حقيقة أن الله العادل ، الذي خلق الأنثى كما خلق الذكر : ]وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [النجم 45 ، و من المشين القول بأنّ الله يهب أحد الجنسين في جنّة الخلد شيئاً لا يناله الجنس الآخر ، و هو إهانةٌ و ظلمٌ في حق المرأة ، و تكريسٌ لثقافة [ الذكر الفحل ] و [ الإنثى الذليلة ] و المغلوب على أمرها دائماً ، و هو ما ينكره و يستهجنه القرآن جملةً و تفصيلاً ، بل ان النّص القرآني ينظر الى مسألة النظرة المزدرية للمرأة نظرةً المستنكر و المنكر في ذات الوقت : ]وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل 58 ، و للأمر دائماً قراءةٌ أخرى ، فيرد الفعل [ زوّج ] داخل سياق النّص على صورتين اثنيتن منفصلتين انفصالاً تامّاً كلٌّ داخل سياقه و المقصود منه ، الأولى بما يخصّ [ الزواج/النكاح ] في [ الحياة الدنيا ] ضمن مؤسّسة الزواج : ]زَوَّجْنَاكَهَالِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب37 ، و المعنى هنا هو [ التناسل ] في صورة [ السلالة ] ، و الثانيّة بما يخصّ [ الحشر ] في [ الحياة الآخرة ] : ]وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير 7 ، و المعنى هنا [ البعث ] في صورة [ الذات ] ، إي إذا قُرنت [ النفس ] و [ الجسد ] : ]إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [العاديات 9 ، ]مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس 78 ، و الحديث عن [ حور العين ] دوماً متّصل بالسياق الآخروي لا الدنيوي : ]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ ، كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ، يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان 51 – 55 ، ]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ، فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ، مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ [الطور 17 - 21 ، و هذا السياق غير متّصل مطلقاً بجنس الذكور دون جنس الإناث ، الخطاب القرآن يستخدم الواجهة [ الذكوريّة ] في لغته و التي تحوي داخلها كلّاً من الجنسين [ الذكر ] و [ الأنثى ] ، ليكون معنى سياق : ]وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ[، بمعنى أن الله يبعث الإنفس و يعيد خلق الأبدان ، ليلج الجنّة المؤمنون أنقياء ، زاوج الله بين أنفسهم و أجسادهم الطاهرة كحورٍ عين : ] كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة 23 ، فالحور العين ليسوا صنفاً غير مُعلنٍ عنه من المخلوقات أو الكائنات الغرائبيّة [ الحوريّات ] ، بل [ أجساد المؤمنون ] أنفسهم من يدخلون الجنّة فرحين بما أتاهم الله : ]وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر 73 ، ]إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يس 55 ، و تكون [ حور العين ] هي الجسد الذي يزوّجه الله بنفس صاحبه المؤمن : ]يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر 27 – 30 ، لكن الإستعجال ناحية التفسير [ الشهواني ] جعل المفسّرين يسارعون نحو ربط أي آيةٍ تحوي حديثاً أو حتّى إشارةً للحور العين بالمعنى الغرائزي ، حيث يسارعون نحو الحلول السهلة التي تهدف إلى إضفاء لمحةٍ غرائزيّة لسياق الوحي و هو ما ينفيه المنطلق القرآني الأخلاقي نفسه ، فعلى سبيل المثال سارع هؤلاء لتفسير آيةٍ لم يرد فيها ذكرٌ لسياقٍ متّصلٍ للحور العين نحو إقحام الفكرة الشهوانيّة داخل تفسير النّص ، و هي قوله تعالى في سورة النبأ : ]إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ، حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً ، وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ 31-33 ، و التي تمّت مزاوجتها بسياق معنى الآية : ]إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً ، عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة 35 – 37 ، و ذلك بسبب بوجود ]أَتْرَاباً[مشتركة بينهما رغم كون السياق غير متّصل أصلاً بالحور في الآية الأولى ، فسياق ذكر [ الأبكار ] في سورة الواقعة متّصل اتصالاً متقطّعاً عبر طريقين إثنين : ]وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ ، وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ، عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ، يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ، بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ، لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ ، وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ، وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ، وَحُورٌ عِينٌ ، جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة 10 - 24 ، قبل الإنتقال لأصحاب اليمين من خصّهم الله في حديثٍ يمكن ربطه بسياق التخصيص الأول للسابقين : ]وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ، فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ، وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ، وَمَاء مَّسْكُوبٍ ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ، لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ، وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ، إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً ، عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة 27 – 37 ، و الأبكار هنا لا يُقصد بها [ العذراوات ] كما يقول المفسّرون على استعجالهم ، فلقد ذُكرت الكلمة [ أبكاراً ] في آية أخرى داخل سياق لا يشير الى المعنى الجنسي للكلمة ، بل للمعنى الإيماني ، [ أبكار : ضمن إطار التناسل الدنيوي ، من لم يعرفن الخطية مسبقاً ] ، في قوله تعالى : ]عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً [التحريم 5 ، فلا معنى للقفز من التسلسل الذي يضع صورةً إيمانيّةً [ للمؤمنات ] ، [ القانتات ] ، [ التائبات ] ، [ العابدات ] ، [ السائحات ] ، [ الثيبات ] ، الى [ الأبكار ] عبر سياقٍ غير متّصلٍ ، إذ أن مسألة العذرية من الناحية الفسيولوجيّة من عدمها تم تجاهلها حتى في شرط إثبات الفاحشة ، بل و في مسألة قذف المحصنات أيضاً حيث يجب توفّر أربع شهود لإثبات الحالة : ]وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ [النساء 15 ، ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور 4 ، كما أنّ التفسير الذي يقول أن المقصود بالأبكار هن العذراوات هو تفسير فوضويٌّ غير متّصل بالنّص القرآني وسياقه العام في الآية في سورة التحريم تحديداً ، بمعنى دنيوي مفاده أن [ الأبكار ] هن من [ لم يمارسوا الجنس ] ، أمّا في سورة الواقعة على طرفٍ آخر ، فإن السياق التراكمي لمعنى التزويج الأخروي للجسد بالروح : ]وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير 7 ، يوصل الى نتيجةٍ بمعنى أخروي مفادها أن [ الأبكار ] من [ لا يعرفون الجنس ] من أنشاهن الله ، هن [ الحور العين/أجساد المؤمنين ] ، حيث لا حاجة للجنس أصلاً في الحياة الآخرة بالمعنى التكاثري الغير ممكن بالأساس و الغير معروف أصلاً في عودةٍ للحالة الآدميّة الأولى : ]بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف 22 ، ]فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ [التوبة 38 ، بل أن ثنائيّة : ]الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [تتحوّل الى حالة توحّد لتصبح الزوجة : ]صَاحِبَتِهِ [عبس 36 / المعارج 12 في الحياة الآخرة ، فتنعزل عنها صفة [ الزوج ] من أساسها ، ومن ناحيةٍ أخرى فإن مفردة [ زوج ] لا تأتي كما يقول النحويّون أنفسهم بمعنى [ المفرد ] ، يقول الأنباري : [ ... العامّة تخطأ فتظنّ أن الزوج إثنان ، و ليس ذلك من مذهب العرب ، بل كانوا لا يتكلّمون بالزوّج موحّداً في مثل قولهم : زوج حمامٍ ، و إنّما يقولون : زوجان من حمام ] ، و يقول أبن قتيبة : [ ... الزوج يكون واحداً و يكون إثنين ، و قوله تعالى : ]مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [هود 40 ، هنا واحد ] :
|
[ دنيوي/تناسل/جنسي ] |
[ أخروي/بعث/لا جنسي ] |
زوّج |
]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ [الأحزاب 37 [ التزويج بمعنى النكاح ] |
]وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير 7 ]زَوَّجْنَاهُمبِحُورٍ عِينٍ [الدخان 54 [ التزويج بمعنى المزاوجة ] |
أبكار |
]عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً [التحريم 5 [ أبكاراً بمعنى عدم الممارسة ] |
]فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً [الواقعة 36 [ أبكاراً بمعنى عدم الحاجة ] |
و في قوله تعالى : ]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران 14 ، نقرأ أن السياق لا يتّفق وكون المقصود بمفردة ]النِّسَاء[جمع امرأة ، جنس الإناث من البشر ،كون الآية تتحدّث في بدايتها عن : ]النَّاسِ [، و النّاس هم الرجال و النساء ، الذكور و الإناث مجتمعين ، فلا يجوز أن يشير العام الى الخاص دون تحديدٍ داخل نفس السياق ، و هو الغير متوفّر داخل سياق السورة نفسها ، النسئ هو التأخير ، يقال : أنسأت الدين ، أي اخّرته ، ويقال إمرأة نسأ : أي امرأة تأخير حيضها ، أو إذا كانت في أول حملها ، و مثلها قوله تعالى : ]إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة 37 ، فالدلالة الأصليّة لمفردة [ نساء ] هي جمع [ نسيء ] أي الزيادة في الشيء ، إذا المفردة هنا مقيّدةٌ بسياقها الذي يعيدها الى المعنى الأصل لها ، خلاف السياقات الأخرى التي ترجع الى المعنى المتداول : ]وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ [الحجرات 11 ، المفردة دائماً مقيّدةٌ بسياقها داخل النّص ، كون النّص كما اتّفقنا : [ ... عالمٌ قائمٌ بذاته ] ، فيكون معنى الآية أنّه قد زيّن للناس ذكوراً و إناث حب الزيادة في الممتلكات ، و مثل هذا الفهم يحرّرنا من عقدة [ التسلط ] على [ المرأة ] المنسوبة للقرآن الكريم ، عبر حلول غير تلفيقيّةٍ ، و يعيد فتح الباب أمام أسئلةٍ غابت في خضم ضوضاء متراكمات جبل التراث الفقهي ، فاللفظ ينتمي لسلسلة [ الدلالة ] داخل النص ، و سياق الأفكار العامة يوصل في المحصّلة الى نتائج خاصّة ، خصوصاً إذا تم تحرير النص من التصّور اللاهوتي أو التفسير الذي يبتعد عن المفاهيم و يركز على السطحيّات و الهوامش أكثر من اللب ، فالمقدّس في النّص الديني هو [ الغاية ] لا [ اللفظ ] ، اللفظ هو [ جسر ] للوصول إلى [ المعنى ] ، و هذا الجسر لا يتكوّن إلا عبر [ تفكيك المفاهيم ] الرئيسيّة و وضعها كمعيارٍ ينطلق من الداخل نحو الخارج ، لا من الخارج نحو الداخل ، و من أمثلة حصر دلالة الكلمة و تكوين الجملة داخل النّص في مفاهيم دلالة خاصّة بالنّص ، الحديث عن موعد [ الأجل ] داخل القرآن ، حيث يرد بصيغتين إثنتين ، الأولى : ]إِلَى أَجَلٍ[، و الثانية : ]لأَجَلٍ[، و الفرق بين الصيغتين يكمن داخل النّص لا داخل اللغة ، فدلالة : ]إِلَى أَجَلٍ[تشير الى موعدٍ معلوم البداية و النهاية : ]فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الأعراف 135 ، ]وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود 3 ، ]وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ [إبراهيم 44 ، خلاف الصيغة الأخرى : ]لأَجَلٍ[حيث نهاية الموعد غير معلومة : ]وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ [هود 104 ، ]خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر 5 ، أيضاً دلالة الفرق بين تحريك الأحرف في ذات الكلمة ، : ]كَرها[بالفتح فوق الكاف ، لا تعني : ] كُرهاً [بالضم فوقها ، فلكلٍّ منهما دلالته المخالفة للآخرى : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً [النساء 19 ، الإكراه هنا بسبب عاملٍ [ خارجي ] ، أما قوله : ]وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الأحقاف 15 ، فإن الإكراه هنا من داخل نفس المُكره و هو [ إكراهٌ ذاتي ] ، و الأمر يجعلنا نميّز حتّى بين الصيغ التي ترد للكلمة الواحدة ، بغية الوصول لمعاني مغايرة للمعنى النمطي المعتاد ، كما أنّ إحتكار دلالة المعنى للكلمة داخل النّص في [ السياق ] الذي ترد فيه يظهر جليّاً في فهم معنى كلمة [ خمر ] و التي تشارك كلمة [ زوّج ] في وجودها في سياقين منفصلين ، السياق [ الدنيوي ] الحاضر الشاهد ، و السياق [ الأخروي ] الغائب عبر مستوياتٍ مختلفةٍ في السياق الأول تحديداً ، فالأصل اللغوي لكلمة [ خَمر ] هو [ الساتر ] أو [ الحاجب ] ، و سمّيت الخمر خمراً لانها تحجب [ العقل/الوعي ] و تخفيه عن صاحبه ، و المعنى الأصلي يرد في قوله تعالى : ]وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور31 ، أمّا المعنى المتّصل بالشراب فإنه يرد في سياقين مختلفين ، الأول يتلازم فيه ذكر [ الخمر ] و [ الميسر ] على التوالي : ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219 ، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة 90 ، ]إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة 91 ، و الخمر هنا هو المسكر على اختلاف صنفه ، نوعه و شكله ، أمّا السياق الآخر فهو الموصل للسياق الأخروي ، حيث الخمر ليس بالمسكر تحديداً ، بل يحتمل الإتجاهين [ السلبي ] و [ الإيجابي ] : ] وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف 36 ، ]يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [يوسف 41 ، و عندما انتقلت الكلمة من السياق الذي يتحدّث عن أمور الحياة الدنيا ، انقلب المعنى السلبي الى المعنى الإيجابي فقط في الحياة الآخرة ، بمعنى الخمر : ما لا يمكن للعقل معرفة كنهته من شدّة لذّته للشاربين : ]مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد 15 ، الخمر في الحياة الدنيا هو [ الساتر ] للعقل ، و في الحياة الآخرة هو [ المستور ] عنه ، و هذه القراءة تفتح أمامنا الباب على مصراعيه لمزيدٍ من الفهم و التدبّر في النّص و الغوص في خبايا كنوزه الدفينة .
دعوة للتبرع
مسألة ميراث: مات رجل وله زوجة و بنت وله اخ واخت كيف تقسيم...
جمع الصلاة وتأخيرها: هل صلاة الجما عة واجبة برأيك م ؟ وهل يجوز...
بذاءة البخارى: صديقي أحمد منصور من الرقة مدينت ي في سوريا و...
رفع عيسى ونزوله: مافهم كم لقصة عيسى عن رفعه حياال ى ...
تحتاج لأن تقرأ لنا : انت تقول ان القرآ ن سهل وبيّن وميسر للفهم...
more